«معسكر الممانعة» بين الحقيقة والأراجيف
2012/05/09م
المقالات
2,122 زيارة
«معسكر الممانعة» بين الحقيقة والأراجيف
ظهر في السنوات الأخيرة مفهوم سياسي بات يُستعمَل بكثرة لتوصيف الصراع السياسي القائم في العالم الإسلامي، والذي يلخص الوضع على أنه حالة صراع بين معسكرين تقود أحدهما أميركا وبريطانيا ويوصف بمعسكر «الاعتدال» فيما تقود الآخر إيران وسوريا ويطلق عليه معسكر «الممانعة». إلا أن ملاحظة سيرورة الأمور المتعلقة بقضايا المنطقة تشهد بفساد هذا التصنيف وبالتالي بطلان ما ينبثق عنه من مفاهيم وتحليلات. وهذه بعض الشواهد الرئيسة على ذلك:
يقوم مشروع أميركا في العالم الإسلامي على محاربة المشروع الإسلامي الذي ينادي بطرد النفوذ الغربي وتحرير فلسطين وتوحيد الأمة تحت راية الإسلام. لذلك فهي تستنزف طاقات المسلمين ومقدراتهم في صراعات طائفية دموية، وبإثارة الضغائن والأحقاد التي تؤدي إلى تعميق الشرخ بين أبناء الأمة الواحدة (سنة وشيعة، عرب وأكراد، متطرفون ومعتدلون الخ). وتشتبك دول «الممانعة» في هذا الإطار مع دول «الاعتدال» على نحو مذهبي وطائفي يؤجج الفتن ويشحن المسلمين ضد بعضهم بشكل بشع ومريض يمزق الأمة ويزيد تفتتها ما يخدم بالدرجة الأولى الأجندة الأميركية في إحداث فوضى عارمة لتبقى هي المسيطرة.
كانت مقترحات أميركا وما زالت تقوم على أساس القرارات الدولية بشأن تسوية الصراع «العربي-الإسرائيلي» في فلسطين لإنجاز «سلام شامل» مع دول المنطقة، يضمن إقامة دولتين على جانبي حدود ١٩٦٧م. وهو بالضبط ما يسعى النظام السوري إلى تحقيقه ويدفع بكل أوراقه لإنجازه ويعتبره خيارا استراتيجيا بل ويدعو أمريكا لأن تكون الوسيط بين الطرفين، ما يعني أن مقترحات أمريكا وخطتها بهذا الخصوص هي نفسها استراتيجية النظام السوري.
دفعت إيران بالمجاميع والأحزاب التي احتضنتها ورعتها عقوداً من الزمن للانخراط في العملية السياسية الأمريكية، وعقدت مع أميركا عدداً من جلسات «الحوار» لتسوية العقبات التي تواجه تلك العملية، بل إن الرئيس الإيراني نفسه أحمدي نجاد توجه إلى المحمية الأمريكية المعروفة بـ «المنطقة الخضراء» ليعلن من هناك دعم الحكومة التي تساندها أمريكا وترعاها، ما يعني مساهمة إيرانية مباشرة في إنجاح مشروع أميركا في العراق. وقد جاءت توصيات الساسة الأميركان (بيكر-هاملتون) بضرورة الاستعانة بإيران وسوريا لتحقيق «الاستقرار» في العراق ولتأمين سير العملية السياسية فيه، مما ينفي مزاعم كونها دولاً ممانعة لأميركا.
اعتبر النظام السوري نفسه وما زال بأنه حليف استراتيجي لأمريكا بما يسمى الحرب على الإرهاب، ولم يعد التعاون الأمني بين أجهزة استخبارات البلدين بهذا الخصوص بخاف على أحد (من ضمنها تسليم معتقلين للنظام السوري للتحقيق معهم لصالح أمريكا)، ويعتبر النظام السوري أن أي تهديد جدي له سيمنح الفرصة للقوى «المتطرفة» بالوصول للحكم وسيؤدي بالنتيجة لتهديد مصالح أمريكا في المنطقة ما يعني أنه هو الضامن لهذه المصالح.
ثار أهل سوريا على نظام الأسد الموصوم بالممانعة، وقد بذل الأهالي النفس والنفيس للتخلص منه، وها هي الولايات المتحدة رغم استمرار الثورة أكثر من عام تقف بالمرصاد لأية محاولة جدية لإسقاطه، وقد أعلنت منذ البداية أن السيناريو الليبي لن يتكرر في سوريا، وفضلا عن عدم مساهمتها بأي شكل للتخلص من النظام (مع تحفظنا على أي تدخل أجنبي ) فإنها تمارس أقصى عمليات ضبط الأوضاع في المنطقة لمنع تسرب السلاح للثوار، وتمنح الفرصة تلو الأخرى للنظام كي يتمكن من بسط سيطرته والحيلولة دون سقوطه على غير ما تهوى، متجاوزة عن كل ما يرتكبه من فظائع، مع أن البداهة تفترض أنها فرصة سانحة للولايات المتحدة لتتخلص من أحد أهم مناوئيها المزعومين، مما يظهر بأن الترويج المستمر لوجود صراع بين هذين الطرفين ما هو سوى كذبة تتصل بكثير من الأراجيف التي تروج في المنطقة كي يبقى العالم أسير القوى الكبرى ورهن خدمتها.
2012-05-09