طبيعة الإسلام (مبدئية تغييرية) لا (واقعية ترقيعية)
2012/05/09م
المقالات
2,374 زيارة
طبيعة الإسلام (مبدئية تغييرية) لا (واقعية ترقيعية)
عبد الرحمن القسام – فلسطين
إن جرثومة فساد الأحزاب والحركات غير المبدئية هي (ميكيافيليتها).. أو بعبارة أخرى (مصلحيتها) التي تتعدى في كثير من الأحيان حدود المبادئ والنظريات التي ترفعها وتنادي بها.. هذه (المصلحية) تخرجها عن أطرها الفكرية عند أول تجربة عملية لها.. على مستوى الحكم، أو حتى في التمثيل البرلماني أو حتى في أقل من ذلك.
هذه الأحزاب والحركات في الحقيقة – لا تفترض في نفسها وفي المنتسبين إليها ذلك البعد العقدي الذي يمكن أن يقيها من غوائل الانحراف والتلون والنفاق في معترك الصراع السياسي والفكري فيما يبدو من تصرفات السياسيين اللامبدئيين.
فمصلحة الشعب، تتحول إلى مصلحة للحزب.. ومصلحة الحزب تغدو مصلحة (شخصية) لزعماء الحزب.. وقضايا الأمة تضحى أوراقاً رابحة في سوق المتاجرة والاستهلاك والمساومة.. وأعداء الأمس يصبحون أصدقاء اليوم.. وأصدقاء اليوم أعداء الغد.. وهكذا حتى لا يبقى من مبدئية هذه الأحزاب والحركات سوى أسماء وشعارات كاذبة مزيفة؟
هذا ما يجري على ساحة الحركات والأحزاب السياسية اللامبدئية، وهذا يفسر ويكشف سر وسبب انتشارها وسرعة وصولها إلى السلطة؟ لأنه ليس لديها التزامات عقائدية ومبدئية بالمعنى الصحيح.. وليس لديها مواقف واضحة وثابتة.. إنما هنالك انتهازية ومنفعية ذاتية، وتسابق لاهث لانتهاز كل فرصة واستغلال كل ظرف والمتاجرة بكل قضية مهما كان الثمن فادحاً، ولو كان التضحية بالقضية نفسها أو بالشعب كله!!
أما طريقة وعمل الأحزاب والحركات المبدئية مثل (حزب التحرير) فمختلف كلياً عما يجري على ساحة الأحزاب والاتجاهات غير المبدئية (المصلحية والنفعية) فهي (أي الأحزاب المبدئية) لا تفرق بين الغاية والوسيلة من حيث وجوب شرعيتها وعقائديتها. فالفكرة والطريقة والغاية عندها من جنس واحد وهي العقيدة الإسلامية وما انبثق عنها من أنظمة وأحكام. وأعضاء الحزب المبدئي لا يعملون لذواتهم أو وفق ما تمليه عليهم.. بل هم مقيدون بحدود والتزامات عقائدية ومبدئية وطريقة محمدية ليس لهم أن يحيدوا عنها أو يغيروا فيها، ومن هذه الالتزامات :
أ-الغاية لا تبرر الوسيلة: فالعمل للحق لا يجوز أن يتوسل بالباطل لبلوغ غاياته وأهدافه، ولو كان هذا الباطل مجرد كلمة أو شعار مثل القبول بالدعوة إلى «الدولة المدنية» أو «القبول بنتائج الانتخابات مهما كانت»…
ب- الحق كل لا يتجزأ.. والتنازل عن جزء من الحق تنازل عن الحق كله.. فليس بعد الحق إلا الباطل، وليس بعد الهدى إلا الضلال.. فهذه قريش تعرض على الرسول صلى الله عليه وسلم عروضاً سخية مقابل بعض تنازلات عقائدية منه، فيبتدرهم بقوله تعالى ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) )
ج- الحق ينبغي أن يعمل له بقوة وصبر وتضحية.. ويضحّى في سبيله بكل شيء، دون أن يساوم عليه بسبب من ترغيب أو ترهيب.. فسحرة فرعون عندما تبين لهم الحق تمردوا على كل تهديد، واستعلوا بإيمانهم فوق كل مصلحة، وقالوا لفرعون ( فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) ) ورسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرض عليه الملك والجاه والمال مقابل أن يخفف من دعوته ينتقض قائلاً «وَاَللّهِ لَوْ وَضَعُوا الشّمْسَ فِي يَمِينِي ، وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الْأَمْرَ حَتّى يُظْهِرَهُ اللّهُ أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ مَا تَرَكْتُهُ».
د- أصحاب الحق يجب أن يكونوا واعين حذرين، معتصمين بحبل الله مهتدين بهداه.. فلا تستدرجهم مواقف، أو تفرض عليهم حلول غير متناسبة مع منطلقاتهم العقدية والفكرية قال تعالى: ( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ )
هـ-الحق هو الذي يمليه الشرع لا الناس، ولو كان مخالفاً لأهوائهم وآرائهم وتصوراتهم جميعاً… فالعبرة ليس بعدد الفاعلين وإنما العبرة بالأدلة الشرعية.
فالإسلام يرفض تملق الجماهير لكسب أصواتهم فيما يخالف شرع الله مهما كان يسيراً، وهو في منطق الإسلام نفاق وتعد على حدود الله مَنِ التَمَسَ رِضَى الله بسَخَط الناس كفاه الله مُؤونة الناس. وَمَنِ التَمَسَ رضى الناس بسخط الله وكَلَهُ الله إِلى الناس. والسلام عليك. أخرجه الترمذي وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول “لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا”
أما الأحزاب التي ترفع واجهات إسلامية.. وتناور باسم الإسلام، وترفع الشعارات الإسلامية ولكن من غير محتوى عقدي تلتزم به كفكر وطريقة.. فان هذه الأحزاب لا تتورع عن مخالفة أصل من أصوله عن أي حكم من أحكامه بحجة (المرونة والانفتاح) ودعوى تحقيق مصلحة المسلمين، كالاشتراك في الحكم في ظل أنظمة وضعية كافرة، أو طرح قضايا جانبية وجزئية وإفراغ الجهد فيها والانشغال بها عن القضايا الأساسية التي جاء بها الإسلام والقضية المصيرية للمسلمين وهي عودة دولة الخلافة والحكم بما انزل الله
ان هذه الأحزاب والحركات لا تمارس العمل الذي يمكن أن يحقق النقلة الكبيرة من الجاهلية إلى الإسلام (بل إنها تعرقلها لمصلحة الغرب).. وهو هو العمل الذي يمكن أن ينقذ العالم الإسلامي من تحكم الحضارة الغربية الفاجرة وحكم الكفر والطاغوت.. العمل الذي يستهدف تكوين المجتمع المسلم والدولة المسلمة التي تحكم بما أنزل الله..
ولذلك تبقى أعمال كل هذه الفئات مبتورة شوهاء فضلاً عن أن بعضها قد يتسبب بإساءات بالغة للإسلام باسم الإسلام. وجزئية هذه الفئات وقصور عملها قد يوحيان أن الإسلام كذلك، وتعالى الإسلام عن ذلك علواً كبيراً. أو قد يخففان من خطورة النظم الوضعية الكافرة وينفسان من غضب المسلمين عليها ويساعدانها على الاستمرار والبقاء.
إن عمل الحزب الإسلامي المبدئي يقوم على أساس (التغيير الكلي) والإعداد من أجل التغيير الكلي.. والذي يحمل الإسلام (جملة) ويسعى لتطبيقه جملة هو العمل السليم الذي يمثل الطريق النبوي المعصوم كائناً ما كانت أسماؤه ومسمياته الخارجية، لأن اعضاءه يلتقون على وحدة فهم وفكر ووحدة طريق ووحدة غاية وان تناءت بهم الأقطار وتباعدت الديار.
وضوح الفكرة والطريقة والغاية
إن هذا الوضوح يوفر على العاملين كثيرًا من الجهود، وبالتالي يحفظ هذه الجهود من أن تستهلك وتضيع في قضايا هامشية ومعارك جانبية لا تتصل من قريب أو بعيد بالغاية الأساسية التي يستهدفها هؤلاء العاملون، والتي ينبغي أن تفرد لها كل الطاقات والإمكانات وهي عودة الخلافة التي تحكم بما انزل الله لتطبيق شريعة الله في الأرض واستئناف الحياة الاسلامية.. يعني إحلال هذه الشريعة مكان شرائع الهوى والطاغوت.. وشريعة الله فيها فيها من (الكفاية) ما يغنيها، ومن (الغنى) ما يكفيها..
وبذلك لا يكون التعايش مع الأنظمة الوضعية إلا في حدود ما تحتاجه عملية الانقلاب عليها من قوى وإمكانات (أي الانقلاب الفكري).. لأن الغاية هي تحقيق هذه النقلة .. وكل عمل لا يكون مساعدًا على تحقيقها، أو مساهمًا في بلوغها، يكون تلهيًا بما هو أدنى عن الذي هو خير ( فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ )
أما فيما يتعلق بطريقة العمل للإسلام .. وهو مدار الخلاف بين العاملين .. فيمكن تحديده في ضوء الغاية التي جاء الإسلام لتحقيقها .. ومن خلال المسلك النبوي الذي اعتمده رسول الله صلى الله عليه وسلم لتحقيق هذه الغاية .
وهذا يعني بالتالي أن طريق العمل للإسلام يجب أن يخضع لقواعد وأصول ثابتة تمليها الغاية الأساسية من العمل، وتؤكدها الترجمة العملية في سيرة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم..
فإذا كانت غاية الإسلام هي إقامة الدولة التي تعمل على تعبيد الناس لله في سلوكهم ومعاملاتهم، في أنظمتهم وتشريعاتهم وفي كل مناحي حياتهم .. فإن ذلك يعني إحلال النظام والمنهج الإسلامي محل النظم الوضعية .. يعني استبدال وضع بوضع .. يعني نقض الأسس والمرتكزات الفكرية التي يقوم عليها المجتمع ونقض الحضارة(اي وجهة النظر عن الكون والانسان والحياة) التي يتبناها ويعتمدها، ليتم بعد ذلك عملية البناء على قواعد الإسلام ووفق أسسه ومرتكزاته ومنطلقاته الفكرية الثابتة.
طبيعة تغييرية:
إن طبيعة الإسلام تغييرية، وهذا يفرض أن تكون طبيعة العمل للإسلام (تغييرية) لا (ترميمية) ..
تغييرية بمعنى أنها تأبى الترقيع والقبول بأنصاف الحلول ..
تأبى الانسجام مع المناهج والأنظمة الوضعية..
تأبى التعايش مع المذاهب الوضعية، كل المذاهب الوضعية.
طبيعة كلية:
إن طبيعة الإسلام الكلية تفرض أن تكون طبيعة العمل للإسلام (كلية) بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى وما تحمله من دلالات وما تطرحه من أبعاد .. أن تكون كلية في استيعابها لكل ما تتطلبه المواجهة من إمكانات، وما يحتاجه تحقيق (الغاية الكبرى) من وسائل وطاقات .
إن الوعي الفكري والسياسي والحركي .. وإن التنظيم والتخطيط .. من العناصر التي لا بد منها مجتمعة، والتي لا غنى لبعضها عن الآخر لتحقيق الكلية في العمل الإسلامي وصولاً إلى الغاية المنشودة ( حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ).
إن من مهمة الحزب المبدئي أن يهيئ كل الطاقات والإمكانات الكفيلة بإزالة حكم الطاغوت، وليس مهمته أن يتلمس الحلول لمشكلات المجتمعات والأنظمة التي تحكم بغير ما أنزل الله: فليس من مهمته مثلاً أن يلتمس حلول المشكلات التعليمية والإعلامية، أو الغذائية والكسائية، أو السياسية والاقتصادية، أو سواها من المشكلات التي خلفتها النظم والمناهج الوضعية الفاسدة، وإذا كان لا بد من التعرض لمثل هذه المشكلات من قريب أو بعيد، فبقدر ما يؤدي إلى إدانة النظم التي أفرزتها، وبقدر ما يعري هذه النظم ويفضحها ويؤكد بطلان مبدئها الفكري، ليس أبدًا بما يساعد هذه النظم على التسلط والاستمرار، أو يهيئ لها فرص البقاء والنماء .
فإذا عرضت (مشكلة الغلاء) مثلاً، كان على الحزب المبدئي أن يبين أنها ثمرة طبيعية لحاكمية النظم الرأسمالية التي من شأنها خلق الأجواء المناسبة لنشأة الاحتكار وسيطرة فئة من الناس على ثروات البلاد وتسخيرها لمصالحها الذاتية، وإن نظام الإسلام هو المنهج الوحيد الذي يملك خلق مجتمع نظيف تتحقق فيه العدالة وتصان فيه حقوق الإنسان وحرماته، والويل فيه لمن يعتدي على كرامة الإنسان وحقوقه، لا أن يعمل الحزب على مساعدة هذه النظم على حل المشكلة، لأنها بذلك تكون قد أعطتها مبرر البقاء .
وإذا عرضت لنا (قضية فلسطين) مثلاً.. كان على الحزب أن يؤكد من خلالها على فشل الأنظمة الحاكمة الذريع .. فشلها في تعبئة الأمة نفسيًّا وحسيًّا للجهاد في سبيل الله واسترداد الأرض المغتصبة .. وعلى دوران هذه النظم في فلك المعسكرات الاستعمارية الغربية .. كما أن عليها أن تؤكد بكل ثقة واعتزاز أن عودة الخلافة الإسلامية هو الطريق الوحيد القادر على إعداد الأمة وتهيئتها لمواجهة كل التحديات، وتحقيق النصر في كل ميدان ..
إن قبضة الحزب الاسلامي المبدئي ينبغي أن تكون موجهة دائمًا وباستمرار إلى مقاتل النظم الوضعية الحاكمة.. أي إلى مرتكزاتها ومنطلقاتها الفكرية وقواعدها الباطلة التي تقوم عليها.. وهذا ما يوجد الرأي العام الساخط على هذه الأنظمة وذلك من خلال جعل المشاكل والأحداث اليومية تنطق بصحة أفكار الإسلام وبطلان ما سواه من الأفكار والأنظمة البشرية الوضعية-
فحذار من خطوة تكون سببًا في عيش هذه الأنظمة لا مسمارًا في نعشها، وحذار من خطوة تكون مبررًا لبقائها لا عاملاً في زوالها وفنائها. والله ولي التوفيق.
2012-05-09