التعامل مع قضايا المسلمين باعتبارهم أمة واحدة
2005/04/08م
المقالات
3,238 زيارة
التعامل مع قضايا المسلمين باعتبارهم أمة واحدة
واجب حتمي
سَعِيْد الأَسْعَدْ – بيت المقدس
إن عراقة هذه الأمة تمتد ردحاً طويلاً من الزمن، نقرأ من خلاله تاريخنا بتراثه الفكري والتشريعي، حيث عاشت حياة طيبة عزيزة مجيدة، وحيث كانت القضايا التي تعرتض طريقها كبيرة وكثيرة، وكان الكثير منها يهدد بقاءها بتهديد تراثها الفكري أساس حياتها، أو يهدد كيانها السياسي حامي تراثها. فقد تعرضت الفكرة الإسلامية في نفوس المسلمين للهدم وخصوصاً بعد ترجمة الفلسفات اليونانية والهندية والفارسية، وجراء توسع رقعة الدولة واختلاط المسلمين بالشعوب والأمم والعقائد الأخرى، إضافة إلى حملات التشكيك والزندقة والدس، ما أثقل كاهل الدولة والأمة، إلا أنها سرعان ما تخطت مشكلاتها؛ وذلك لاستقامة طريقتها في التفكير، وتمكن الفكرة وحججها من عقول المسلمين، وتغلغلها في نفوسهم، ولكونهم يصدرون عن كونهم أمة إسلامية واحدة في دولة واحدة، لا بأي اعتبار آخر؛ وذلك لإدراكهم خطأ وخطر الانطلاق في حل مشكلاتهم من منطلقات وطنية، أو قومية، أو مذهبية، أو قطرية، أو إقليمية، فهذه المنطلقات تودي وتحطم حياة أي أمة، وكفيلة بأن تحولها من أمة خير إلى رغاء كرغاء السيل، تنزع منها علو قدرها ومهابة عدوها لتصبح ذيل الأمم، وتجعلها مغلوبة على أمرها، بطن الأرض لها خير من ظهرها.
نعم، كيف لا ونحن قوم لا توسط بيننا، لنا الصدر دون العالمين أو القبر، كيف لا والدولة الإسلامية حامية تراثها الفكري، بل هو قضيتها التي تحملها رسالةً للعالم مصداقاً لقوله عز وجل: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) [التوبة 33].
أضف إلى ذلك تعرض كيان الأمة السياسي، كأمة واحدة ودولة واحدة، إلى إشكالات بل ومعضلات عظيمة، ولولا رحمة الله لكادت تودي بحياتها آنذاك، والذي أوجب الخروج من تلك المصائب هو رحمة الله وتوفيقه باستقامة الأمة والدولة. فقد تعرضت لاختلافات على الخلافة والأحقية في استلامها، فكانت هناك اختلافات وفتن في زمن عثمان وعلي رضي الله عنهما، واختلافات زمن معاوية، وبعدهم اختلافات بين بني أمية وبني العباس، وغير ذلك من الاختلافات التي كانت تهدد بقاء الكيان السياسي، إلا أن الاختلاف كان في محيط أمر جوهري وخط أحمر، لم يختلفوا عليه وهو أن السيادة للشرع، ووحدة الدولة الإسلامية، وضرورة الجهاد واستمراره لإ ظهار الدين، فهذه الأمور كلها أمور تفدى بالأرواح والمهج. أضف إلى كل ذلك ما تعرضت له الأمة وكيانها وعقيدتها إلى حملات عسكرية صليبية وتترية. ولكن على الرغم من كل هذا فإن نظرة بسيطة إلى تاريخ هذه الأمة والدولة الطويل، والذي امتد زهاء ثلاثة عشر قرناً، يري كيف كانت هذه المعضلات كأسهل وأسرع من ذوبان الجليد أمام النار؛ وذلك لسبب بسيط وهو أننا كنا نصدر كأمة ودولة واحدة أصلب من الصلابة، وأقوى من أي تحديات.
إن الحقيقة التي ملأت سمع وبصر الدنيا هي أن أمة الإسلام بدولتها قد تعرضت إلى معضلات لا تذكر أمام هامشها قضايا المسلمين اليوم كالغزو الفكري، والاقتصادي، والعسكري، والجوع، والفقر، والظلم، والحدود. وهذا يضعنا أمام حقيقة ثانية أخرى، وهي أن الضعف الفكري والسياسي أمام الغزوات الفكرية والتبشيرية والثقافية التي تعرضت لها الأمة كان هو السر الوحيد الذي أطاح بها وبكيانها ودولتها ووحدتها، مما سبب سهولة التطاول عليها عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً، مما يضعنا أمام ثالثة الحقائق، وهي إنما أريد لنا، لكي يحكم الطوق علينا، أن ننظر إلى قضايانا من منظور وطني أو قومي؛ كي لا تقوم لنا قائمة، ولا تحل لنا قضية.
إن القضايا الحالية للمسلمين كقضايا الاحتلال العسكري في فلسطين، والعراق، والشيشان، قد تعامل المسلمون من قبل مع أعظم وأعقد منها. فقد سيرت جيوش لتقصم ظهر الروم والفرس؛ لتصبح أمة الإسلام ودولتها الأولى وصاحبة الصدارة في العالم؛ وعليه فإن حجم الآلة العسكرية وبعد الشقة وطول الجولة التي بذلها المسلمون آنذاك لا يحتاجون إلى عشر معشارها اليوم ليحلوا تلك القضايا الداخلية. ويظهر بجلاء أنهم اليوم لا يقوون على حسم أي قضية من قضاياهم الجزئية متفرقين، ومن خلال النظرات القاصرة التي تنبع من منطلقات وطنية، وقومية، ومذهبية. فبغير كيان يوحدهم، مهما طال الزمن، ومهما امتلكوا من سلاح وعتاد، ومهما نادوا واحتكموا لمجلس الأمن، أمن الدول الكافرة المتآمرة، فبغير كيان يوحدهم، لا ريح لهم ولا خلاص لهم.
إن العقلية التي يجب أن يفكر بها حملة لواء التغيير بخاصة، والمسلمون بعامة، هي التي تقوم على تحديد قضاياهم، والنظر إليها باعتبار عقائدي، ومن منطلق أنهم أمة واحدة من دون الناس، وإن غاية دهاء الكفر ومكره أن ننظر إلى قضايانا من منطلقات مُمَزِقة: وطنية، وقومية، وطائفية، وعصبية جاهلية، كيف لا؟ وقد كانت هذه هي السبل التي جعلت الكافر قادراً على القضاء على أمتنا ودولتنا، وإشعال الحرائق والفتن بيننا، وذلك بعد إيجاد الفراغ الفكري بين أبناء الأمة، وخصوصاً على صعيد الروابط، والنظرة الوحدوية العقائدية، فأبدلوا رابطة العقيدة الإسلامية، والنظرة الوحدوية الناتجة عنها بالمذهبية والوطنية والقومية والطائفية. وقد شكل هذا أعظم معول هدم صدع صخرة الأمة وخيريتها، فأذهب ريحها، ولا أدل على ذلك من اعتبار أن مصلحة الوطن فوق الجميع، وتوحدنا الآلام والآمال، وهذا أردني وذاك فلسطيني، وهذا كويتي عدو للعراقي، وهذا سوداني وذاك مصري أو سعودي، وأعان الله أهل فلسطين على طرد اليهود والقضاء عليهم، وتلك قضية سودانية – سودانية، وأكثر من ذلك تحولت قضية فلسطين إلى فلسطينات، والسودان إلى سودانين أو ثلاثة، والعراق إلى كردي وشيعي وسني، وغير ذلك من التفريقات والاستهانات التي أوجدها قبول المسلمين بالنظرة التشرذمية إلى قضاياهم ومصائرهم، بينما في المقابل فإن التعامل مع قضايا المسلمين من المنطلق العقائدي يجعل أمة الإسلام، بقضها وقضيضها، وبخَيلها ورَجِلها، مسؤولة عن حل أي قضية من هذه القضايا، مما يسهل حلها، ويسرع حسمها، وخصوصاً القضايا العسكرية منها، والتي تحتاج إلى قوة من جيوش المسلمين، ولا أقول كلها، مما يدلل بوضوح تام أنه لا يصح ولا يجوز البتة أن يخرج علينا أحد من أبناء المسلمين، أو حركاتهم، أو قادتهم، ليقول إن الدول العربية مطالبة بمقاطعة العدو، وعدم التطبيع معه، وطرد سفراء العدو، فحسب، وأن يدعمونا مالياً ومعنوياً فحسب، أو لا يبيعوا لأميركا في ما أريد لهم نفطاً؛ ليقعوا بنظرتهم في ما أريد لهم، من اعتبار قضاياهم بالاعتبار الوطني التفريقي؛ ليقعوا في شر شرك أريد لهم أن يقعوا فيه؛ ليستجدوا مجلس الأمن، أمن أميركا النصرانية الكافرة، وليظل المسلمون تحت رحمتهم، بل تحت أقدامهم. إن مثل هذه النظرة تجعل مسؤولاً في إحدى الحركات الإسلامية يخرج علينا ويقول: إنني أهنئ الرئيس بالفوز بالانتخابات، مع أنه رئيس يحكم بالعلمانية، ويسعى لتصفية قضية فلسطين، على أساس من التفريط والسعي لإنهاء عذابات يهود. ألا يتقي الله هذا الشيخ. إنه بنطرته هذه، وبالاعتبار الوطني لا العقائدي، قد سدر في غي وإثم عظيم. ألا يعي أنه خطابه وغيره يجب أن يكون متجهاً نحو القبلة، ونحو أمته، يخاطبها بأن تقوم لتتوحد على رجل واحد يحكمها بما أنزل الله، ويقودها لتحريرها من ربقة الكافر المستعمر، ومن مستنقعات الذل والعار، بعد أن تطيح برأس البلاء حكامها، الحراس على مزقتها، القابضين على أنفاس جيوشها، القائمين على جراحاتها وآلامها.
نعم، إن المنطلقات القومية، والمذهبية، والطائفية، تعمي الأبصار والبصائر، ويجب أن تتوجه الأنظار إلى الجهة الواعية المخلصة، التي تدعو إلى وحدة الأمة على عقيدتها وشريعتها ودولتها، لتكون أملاً مُرجّى، ومحل تأييد ونصرة وبذل المعونة لها.
اللهم رد المسلمين إلى صواب نظرتهم، وردهم إلى دينك رداً جميلاً، وإلى وحدتهم ودولتهم بكرمك عاجلاً. قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون @ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونََ) [آل عمران]
2005-04-08