هل وقعت بعض الحركات الإسلامية في فخ الحكم بغير ما أنزل الله والتنازل عن ثوابت الإسلام؟!
2012/04/01م
المقالات
2,431 زيارة
هل وقعت بعض الحركات الإسلامية في فخ الحكم بغير ما أنزل الله والتنازل عن ثوابت الإسلام؟!
موسى عبد الشكور
لا شك أن الأمة الإسلامية تعيش اليوم حالة مخاض عسيرة تصطحبها تحديات وعقبات وتضحيات وآلام… وما يزيد ألماً ويشكل خطراً على المولود هو بعض الطروحات الفكرية والسياسية التي تخرج علينا بها الأبواق الإعلامية العلمانية المضللة… وهذه الطروحات تركز على تحييد الدين وإبعاده عن ساحة الصراع وترفع شعار الحرية بدعوى أن فقدها سبب كل مأساة، والتعددية بدعوى أن الدين لله والوطن للجميع. هذه وغيرها من الطروحات تتجاهل أن الجماهير انطلقت بمظاهراتها من المساجد، وأدت الصلوات الخمس في الميادين، وعلت صيحاتها بـ «الله أكبر» و«هي لله.. هي لله» وقدمت الأرواح معتزة بدينها… ولكن الأخطر في هذا كله أن يكون بطل هذا السيناريو الحركات الإسلامية (المعتدلة) التي تحاول أن تجمع ما بين الباطل الذي يطالب به الغرب والحق الذي يأمر به الله في عملية توفيق تبنت فيها مفاهيم الغرب في الحكم والديمقراطية والمواطنة وتداول السلطة والاقتصاد والمرأة، وعدم فرض الحجاب وعدم منع الخمور وعدم منع لباس البحر… أما الحجج التي يقدمونها فهو أن ميزان القوى ليس في صالح الإسلام الآن، والوحدة الوطنية أوسع وأشمل من الشريعة، ويحاولون بمختلف التبريرات تطمين الغرب أن ليس في فهمهم للإسلام ما يخيف، وأنهم يلتقون مع طروحاته في معظم الطريق، وأنهم يحترمون الرأي الآخر.
إن الغرب يعلم أن الأمة ألقت بمقاليد أمورها إلى الشرع الإسلامي، ويعلم أن ميل الأمة إلى الإسلام إنما هو لأنه من الله سبحانه وتعالى. ولأصالة التجربة الإسلامية على مدى قرون، ولثقة الأمة الإسلامية أن المستقبل هو للإسلام… انتفض كالمصروع لاحتواء هذا المشهد، وتسابقت دول الغرب بل وتصارعت فيما بينها لتلقف الثورات وتخطيها بأقل الخسائر الممكنة، فاستعانت بالدراسات التي وضعتها مراكز الأبحاث عندها، ووضعت دفتر الشروط لتسليم الحكم، وتوجهت بها إلى الحركات الإسلامية لعلمها أنه لن يستطيع أحد أن يحكم المسلمين اليوم إلا باسم الإسلام، وأعادت التنسيق مع من كانت تتصل به سراً ليصبح هو البديل الذي يقيم له الدولة المدنية والديمقراطية والتعددية، والذي يقبل بالتنازل عن معظم الأحكام الشرعية، والذي يقبل بالتدرج في تطبيق الإسلام، والحلول الوسط… وبهذا راح الغرب يعمل على تفويت توجه الأمة نحو إسلامها… وكم كانت المفاجأة سريعة بجرأة بعض هذه الحركات على أحكام الإسلام، فلم تتأخر بالقول بما يخالف الشرع ونصوصه الصريحة من مثل جواز تولي المرأة وغير المسلم رئاسة الدولة، ونادوا بالتعددية السياسية التي تسمح بتداول السلطة بين الأحزاب الإسلامية والعلمانية وبالتحالف فيما بينها، حتى إن بعضهم مثل الكتور محمد سعيد العوا في مصر وهو إسلامي مرشح للرئاسة قال: «إن فكرة الخلافة الإسلامية غير مطروحة على الإطلاق في هذا الوقت». وقال إنه لا يقبل بعودة الخلافة مبرراً أن ذلك يفضي إلى الدكتاتورية. وفسر رأيه هذا بقوله: «إن خليفة المسلمين يناط به إقامة المسلمين في الصلاة وتسيير الجيوش وتقسيم الغنائم وتعيين القضاة وغيرها، وهو ما لم نقبله في مصر بعد ثورة 25 يناير؛ لأن التفرد بالحكم أورثنا الذل والمهانة وصنع الفراعين» وأي كلام أصرح من هذا الكلام في اتهام الإسلام بالدكتاتورية، نعوذ بالله من مثل هذا الكلام ومن قائله.
ثم تبع ذلك جلوس قادة الحركات الإسلامية مع أعداء الإسلام الذين هدموا دولة الإسلام ومزقوها. ففي تونس تم الاتصال بأعضاء حركة النهضة الإسلامية للاعتراف بأفكار الغرب الوضعية كبديل لأفكار الإسلام؛ فقامت بترويج أفكار وقيم الرأسمالية مثل حقوق الإنسان والديمقراطية ما جعل أوروبا وأميركا تدعمان وتُرحبان بفوزها في الانتخابات بعد الثورة. ومما ساعد أيضاً في فوزها طبيعة الناس ومشاعرهم الإسلامية وحبهم لإسلامهم عندما شموا رائحة الإسلام في حركة النهضة، فكان من الطبيعي أن تسقط الأحزاب الاشتراكية والقومية واليسارية كونها من إفرازات العهد البائد، وكان طبيعياً أن تفوز أي حركة تبدو عليها الملامح الإسلامية.
ولكن الغريب الذي فاجأ معظم الناس هو سرعة تخلي حركة النهضة عن الثوابت الإسلامية مثل الخلافة الإسلامية والمناداة بالتعددية الحزبية،بل راحت تدافع عن الشعارات غير الإسلامية إلى درجة وصلت إلى حد التناقض الصارخ مع الأحكام الشرعية الإسلامية، فأمينها العام حمادي الجبالي أكّد أن الدستور «سيكتب بتوافق مع جميع الأحزاب والأطراف الممثلة في المجلس التأسيسي، وأنه سيكفل جميع الحريات ولن يلغي أياً منها»، وأكّد على أن حركة النهضة لن تمس حتى بمجلة الأحوال الشخصية الحالية وقال بأنه «لن يتم اقتراح تعدد الزوجات ولا فرض الحجاب على المرأة بل سيترك لها حرية ممارسة دينها ومعتقدها»، وشدّد على القطاع السياحي الذي وصفه بأنه من «المكتسبات التي لا مجال للمساس به» وقال: «هل من المعقول أن نصيب قطاعاً حيوياً مثل السياحة بالشلل بمنع الخمور وارتداء لباس البحر وغيرها من الممارسات؟ هي حريات شخصية مكفولة للأجانب وللتونسيين أنفسهم».
وذكر تقرير لصحيفة الفايننشال تايمز أن مسؤولي حزب النهضة «سيعملون على حماية قطاع السياحة في البلاد، وأنهم لن يحظروا المشروبات الكحولية أو ارتداء المايوهات على الشواطئ التي يقصدها الملايين من السائحين الأوروبيين».
أما بخصوص البورصة وأسواق المال الرأسمالية في تونس، فعندما هبط مؤشرها بسبب الخوف من نجاح الإسلاميين في الانتخابات تدخل رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي فالتقى بمسؤولي البورصة وطمأنهم حول التزام حزب النهضة بالسوق الحر وتشجيع الاستثمار الأجنبي، وقال بأنه «يرغب في أن يرى المزيد من الشركات مسجلة في البورصة، وسيساعد على إزالة العقبات أمام عمل السوق» فأدى ذلك إلى عودة مؤشر البورصة التونسية إلى الارتفاع.
وكذلك عندما اتهم أمينها العام حمادي الجبالي بأنه يروج لفكرة الخلافة الإسلامية أكد الجبالي تمسك الحركة بخيار النظام الجمهوري الديمقراطي، وفي رد على الضجة السياسية التي أثارتها تلميحاته إلى «الخلافة الراشدة السادسة» قال الجبالي: «إن حركة النهضة تنتهج خيار النظام الجمهوري الديمقراطي في الحكم السياسي الذي يستمد شرعيته الوحيدة من الشعب عبر انتخابات حرة ونزيهة تحترم الحريات والحقوق والتداول السلمي للسلطة نحو بناء مجتمع ديمقراطي تعددي ومدني».
وكذلك الغنوشي فهو لا يرى طريقاً للحكم إلا عبر الديمقراطية مهما كلف الحركة من تنازلات، وهو يدعو إلى تبنيها تبنياً كاملاً، والديمقراطية عنده تعني إشراك كافة الشعب في الحكم مسلمهم وكافرهم، ذكرهم وأنثاهم دون تمييز. ومن أقواله في ذلك إن حركة النهضة تعتبر أبرز وأقدم ممثلي الحراك الإسلامي في تونس، والأسبق إلى التبني الكامل للخيار الديمقراطي، والمطالبة بتعددية لا تستثني تياراً سياسيًّا مهما كانت خلفيته الأيديولوجية.
ويقول الغنوشي عن ولاية المرأة الولايات العامة: «ليس هناك في الإسلام ما يقطع بمنع المرأة الولايات العامة قضاء أو إمارة» ويقول: «إن الحركة لا تعتبر أن مشكلة البلد عدم تطبيق الشريعة، وإنما هو غياب الحرية، وإن مشروع الحركة لا يتجاوز المشروع الوطني العام، مشروع الحريات والديمقراطية، بل مطالبها كلها تتلخص في حرية التعبير وحرية التجمعات وتكوين الجماعات».
هذا في تونس. أما في مصر، وقبل استلام الحكم، فقد نادت حركة الإخوان المسلمين على لسان قادتها بالدولة المدنية والديمقراطية كحل للنظام في مصر بعد الثورة، فقد باتت هذه الحركة تنادي بالديمقراطية كما تنادي بها الدول التي صنعت الديمقراطية، وباتت تعمل من خلال تفاهمات واضحة المعالم مع الإدارة الأميركية بهدف أسلمة منطقة الشرق الأوسط على أنقاض الثورات للوصول إلى أسلمة هذه المنطقة من ناحية المظهر، وهنا تكمن الخطورة لأن هذه الجماعة تطرح نفسها على أنها من الجماعات الإسلامية. فهذا الدكتور محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة المنبثق عن الإخوان قال بصراحة: إن الجماعة لا تسعى لفرض الشريعة الإسلامية في مصر «وإن فكرة الوطنية بوصفها إطاراً أعلى من الشريعة يجمع كل المصريين» فقال «لا نريد أبداً أن ننفرد بسلطة، ولا نريد أبداً أن نسيطر على برلمان، وليس هذا في مصلحة مصر، ونحن نقدم مصلحة الوطن على كل مصلحة سواها، نريد برلماناً متجانساً، الأغلبية فيه متوافقة، وليست لفصيل واحد» وحتى عندما سئل عن حكم شرعي واضح للعامة وهو حكم تحريم الخمر قال «إن البرلمان هو الذي سيقرر ذلك»، وقوبلت هذه التصريحات بمكافأة من أميركا على الفور، فقد صرحت السفيرة الأميركية في القاهرة مارجريت سكوبي إن «الولايات المتحدة ستدعم أية حكومة ديمقراطية يختارها الشعب المصري طالما تدعم الحريات وتحترم حقوق الإنسان والمرأة والرجل على حد سواء .«
كما أكد حزب الحرية والعدالة التابع للإخوان المسلمين احترامه للاتفاقيات الدولية التي وقعتها مصر، وأشار إلى أن مصر دولة كبيرة، ولها تاريخ عريق، وتلعب دوراً هاماً في القضايا العربية والإسلامية والدولية، ولذلك فهي تحترم الاتفاقيات والمواثيق التي تم توقيعها، مطالباً الإدارة الأميركية أن تسمع من الشعوب لا أن تسمع عنها، مؤكداً أن أميركا يمكن لها أن تلعب دوراً في الاستقرار والنهضة الاقتصادية لمختلف الشعوب إن أرادت ذلك، واستبعد أن يقوم الحزب بإجراء تغييرات جذرية في الدستور «الوضعي» والقوانين الخاصة بالتعامل مع المستثمرين، مشيراً إلى أن هناك توافقاً على نقاط أساسية في الدستور القادم أبرزها حقوق المواطنة والحريات العامة والحقوق المدنية. وكذلك نقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط عن أحد مرشحي الرئاسة المصرية من الاتجاه الإسلامي وهو الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل ترحيبه بزيارة الوفد الأميركي برئاسة جون كيري إلى القاهرة والتقائه بالأحزاب الإسلامية في مصر مبرراً هذا الترحيب بقوله: «إن واشنطن تعرف ميول الشعب المصري واتجاهاته» كما أكد الدكتور عصام العريان، عضو مكتب الإرشاد والمتحدث الإعلامي باسم جماعة الإخوان المسلمين في مصر أن الديمقراطية داخل الجماعة حقيقة مستقرة، وتاريخ الإخوان ناصع بالممارسات الديمقراطية. وحول علاقة الإخوان بالنصارى الأقباط قال: نظام الجزية لم يعد له مجال في الفقه الإسلامي الحديث.
أما في سوريا فقد صرّح مراقب الإخوان في سوريا أن ليس هناك مشروع خلافة إسلامية عند تنظيم الإخوان، ونحن متفقون في الإخوان على دولة مدنية ديمقراطية، وكذلك في اليمن، فقد نادت توكل كرمان وهي عضو في الإخوان المسلمين بالدولة الديمقراطية والمدنية بمرجعية إسلامية، وكانت كرمان قد نالت جائزة نوبل قبل فترة وجيزة، واعتبرت أوباما وكلينتون إخوة لها عندما وجهت لهما رسالة شكر. وفي المغرب فقد صرح مسؤول الإخوان المسلمين أنهم لا يريدون تطبيق الشريعة صراحة، وكذلك تم تكليف عبد الإله بنكيران رئيس حزب العدالة والتنمية المغربي ذي التوجهات الإسلامية برئاسة الحكومة المغربية المقبلة، فقد أثبت قادة هذا الحزب ولاءهم للملك محمد السادس، وأثبتوا إخلاصهم للقصر في سياساته الخارجية. وقد تحدث بنكيران إلى قناة الجزيرة وكرر في حديثه ثلاثية سياسية يؤمن بها حزبه وهي: الاستقرار، والحفاظ على الملكية في المغرب، والإصلاحات التي لا تعني إلا أن تكون محاربة للفساد بشكل عام.كما ثبت أن بنكيران ونائبه قد صاغا في العام 1990م وثيقة تقبل فيها الحركة الدين في ظل النظام الملكي، بل وتقر فيها بما يُسمى بإمارة المؤمنين التي تمنح الشرعية الدينية للملك الفاسد ونظامه، هذا هو حزب العدالة والتنمية الذي سيتولى الوزارة في المغرب.
أما في ليبيا فقد قال علي الصلابي أحد قادة الثوار الليبيين الإسلاميين بأنه بصدد تشكيل حزب إسلامي جديد على غرار النهج المتبع في تركيا من قبل وفي تونس الآن. وأعلن الصلابي في مقابلة مع صحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية أن «حزبه الجديد قد حصل على دعم بعض الزعماء السياسيين والدينيين في ليبيا» وأن «حزبه يؤيد إسناد الدستور الجديد في ليبيا إلى أحكام الشريعة الإسلامية» لكنه قال بأنه «سيتبنى السياسة الديمقراطية على غرار حزب (العدالة والتنمية) في تركيا وحزب (النهضة) في تونس». وأضاف الصلابي بأن حركته «ليست حزبًا إسلاميًّا بل حزبًا قوميًّا تحترم أجندته السياسية المبادئ العامة للإسلام والثقافة الليبية».
كل هذه التصريحات شجعت قادة أميركا وأوروبا على قبول التعامل مع هذه الحركات المسماة بالمعتدلة ليتحول الاتصال معها إلى العلانية. فقد صرّحت وزيرة الخارجية الأميركية بأنها تُرحب بالحوار مع الإسلاميين، وسبقت تصريحاتها هذه تصريحات أخرى لعدة مسؤولين أوروبيين تُرحب أيضاً بالحوار معهم، وقالت: «إن الإسلاميين ليسوا جميعاً سواسية، وإن ما تقوم به هذه الأحزاب الإسلامية أكثر أهمية من الأسماء التي تطلقها على نفسها». وللأسف الشديد قد رحبت هذه الحركات بهذه التصريحات متناسية وضع أميركا في العالم ومواقفها وأفعالها العدائية للمسلمين، ووافقت، في المستقبل، على أن تحافظ على الديمقراطية الغربية، وتحافظ على تدفق النفط إلى أميركا والغرب، وأن تضمن أمن ملفاتها في المنطقة وأمن (إسرائيل) بشكل خاص، وأن تحارب معها أو قل تحارب نيابة عنها الإرهاب والأصولية وتنظيم القاعدة! وقد قال دبلوماسي أميركي إن مسؤولين من الولايات المتحدة التقوا بأعضاء في حزب الحرية والعدالة المصري المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين بعد أن أعلنت واشنطن أنها ستجري اتصالات مباشرة مع الجماعة التي تزايد دورها منذ الإطاحة بحسني مبارك. وأعلنت واشنطن الخطط في حزيران وصورت هذه الاتصالات على أنها استئناف لسياسة طبقتها من قبل.
إنّ مجرد وجود اتصالات بين الحركات الإسلامية أياً كانت وبين أميركا يعتبر بحد ذاته انحرافاً خطيراً وارتداداً سياسياً فظيعاً، ولا يليق بأي حركة إسلامية أن تنحدر إلى هذا المستوى السياسي الهابط، لأن هذه الاتصالات بمجرد حدوثها يعني سقوطاً ذريعاً لتلك الحركات في شراكها. ويجب على هذه الحركات (المعتدلة) أن تتصرف مع أميركا على أنها ألد أعداء الأمة الاسلامية، وأنها لا يجوز التحاور معها أو الاتصال بها تحت أي ذريعة، والأصل في العلاقة بيننا وبينها أن تكون علاقة حرب وصراع ومواجهة وليست علاقة حوار ومودة واحترام.
وعلى هذا فإن هذه الأحزاب الإسلامية (المعتدلة) لا تمثل الأمة الإسلامية بتاتاً وإنما تمثل نفسها، بل قل إنها تمثل قادتها فقط، فقد أبعدت نفسها عن ثقافة الأمة وارتمت في أحضان الفكر الغربي الكافر، والأصل في الأمة أن تقسو عليها في المحاسبة وتهددها بالتخلي عنها لمصلحة الحركات الإسلامية الصادقة، ولمصلحة مشروع إقامة الخلافة الراشدة.
إنّ هذا النوع من الأحزاب لا يُعتبر من الأحزاب الإسلامية المبدئية؛ لأنها تتبنى الرابطة القومية والوطنية وتتبنى الديمقراطية، وهذا يخالف الإسلام وهو حرام، وتتبنى التعددية في نظام الحكم وليس النظام الإسلامي المنبثق عن العقيدة الإسلامية والذي يتشكل من الأحكام الشرعية… إن الحزب الإسلامي الحقيقي هو الحزب المبدئي الذي يتخذ العقيدة الإسلامية قاعدة فكرية له، ويبني كل أفكاره عليها، ويجعل أنظمته منبثقة عنها. وتقيم دولة الخلافة التي تحكم بالإسلام النقي الصافي، ويقطع العلاقات مع الدول الطامعة ببلاد المسلمين والمستعمرة بنفوذها للمسلمين، ويهاجم الديمقراطية ويبين زيفها ولا يدعو لها، وهذه الحركات بمثل هذه الدعوات التي تنادي بها تكون قد كرّست الأنظمة السابقة ولكن بعباءة الإسلام، واكتفت بالتغيير بالشكل الذي يطال الحاكم فقط. وبهذا الشكل استطاع الغرب أن يبقي الأمور على صورة أنسب له، وهو بنظره استطاع أن يفوّت على المسلمين الدعوة الحقيقية لتحكيم الإسلام والدعوة إلى الخلافة، وقد أضفى على هذه الحركات الإسلامية وعلى حكمها الشرعية الدولية المتناقضة كلياً مع شريعة الإسلام، وبهذا التغيير الشكلي سيبقى الغرب جاثماً باستعماره على بلاد المسلمين، وتكون الحركات الإسلامية (المعتدلة) قد وضعت نفسها في صف المشروع الغربي للمنطقة وبررت لنفسها أنها تريد أن تكون على النموذج التركي؛ علماً بأن النظام التركي هذا يجب أن يكون أكبر مثل لعدم الاقتداء به إسلامياً؛ لأنه مليء بالأخطاء الشرعية القاتلة. فهو يحكم بغير ما أنزل الله أولاً، ويقيم علاقات مع (إسرائيل)، وأرسل قواته إلى أفغانستان ضمن قوات الناتو. ويتعامل بأحكام الغرب الكافر في معاملاته، ويخدم السياسة الأميركية الخارجية… وبمعنى آخر ليس فيه من الإسلام إلا اسمه.
وعند متابعة تحركات الإدارة الأميركية يلاحظ أن تغيُّراً طرأ على موقف دول الغرب الرأسمالي الكافر(أميركا ودول أوروبا) من الإسلاميين (المعتدلين) وفي مقدمتهم «الإخوان المسلمون»، ومن يندرجون في مدرستهم، كـ«حركة النهضة» في تونس، فهذه مؤشرات خطرة تدل على أن الحركات (المعتدلة) قد وقعت في الفخ الغربي، ووقعت في أحبال أميركا، ووقفت في صف الغرب الكافر، وتناست أن المواجهة الغربية مع الحضارة الإسلامية هي على أشدها ولا زالت مستمرة قال تعالى : (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).
ففي سوريا مثلاّ الآن، فإن الغرب الكافر يتطلع لإيجاد جهة يتحدث معها كما حصل في تونس مع حركة النهضة والمجلس الوطني في ليبيا والإخوان المسلمين في مصر واليمن، والتي استطاع الغرب الكافر اختراقها أو استقطابها، واستطاع تشكيل برامجها السياسية. مستغلاً ما تحمله الأمة من مشاعر إسلامية وتلهّف لعودة الإسلام؛ ولهذا فقد استفادت دول الغرب في معرفة كيفية التعامل مع الحركة الإسلامية (المعتدلة)، حسب توجيهات مراكز الأبحاث الغربية التي عمدت إلى دراسة تلك الحركة بصورة مكثفة ووضعت لها الحلول المناسبة.
إن سياسة الاحتواء للحركات الاسلامية أصبحت هي السبيل للتعامل مع هذه الحركات.كما أن النموذج التركي لحزب العدالة والتنمية قد أغرى الساسة الأميركيين والغربيين للتركيز في الاتصال مع حركة الإخوان المسلمين في مصر؛ حيث تم إنشاء حزب العدالة والحرية التابع للإخوان المسلمين وغيرها من الحركات الإسلامية التي لا يمثل وصولها للحكم خطراً على المصالح الغربية في المنطقة، والتي بها يتم حرف الثورات عن المطالبة بالدولة الإسلامية التي تعتبر أمل الأمة ومطلبها الملحّ إلى المطالبة بالدولة المدنية. وهي فكرة تبقى داخل حدود فكرة الدولة القومية القطرية، وهي تنسجم مع القيم السياسية الغربية والتي تستند أساساً على الأساس المادي الرأسمالي الذي تقوم عليه الحضارة الغربية.
إن فشل بعض الحركات نتج من عدم وجود الرؤية الصحيحة من خلال المنظور القرآني والسنة النبوية الشريفة، وكذلك نتج عن عدم الوعي السياسي لدى هذه الحركات، وعدم الفهم الدقيق للفكرة الإسلامية وبأن الإسلام دستور كامل للحياة يجب أن يطبق من خلال دولة بشكل كامل.
هذا ويتمثل خطر وصول الحركات الإسلامية المعتدلة إلى الحكم بما يلي:
محاولة إنهاء حالة العداء من قبل الكفار لأمة الإسلام على مدار التاريخ منذ بعثة المصطفى عليه الصلاة والسلام حتى اليوم.
تثبيت أن هناك أمراً مشتركاً بين الإسلام والدول الرأسمالية الصليبية المتحالفة مع الصهيونية وهو تركيز مفهوم (فصل الدين عن الدولة).
إلغاء وتحويل مفهوم الصد عن سبيل الله المتبع من قبل الكفار وقبوله باسم التعاون والعولمة واحترام الرأي الآخر…
حرف وتأويل الأحكام الشرعية وليِّ أعناق النصوص التي تتعلق بطريقة التعامل مع الكفار وتكييفها مع الواقع.
الرضا بدساتير الكفر والحكام الجبريين الذين يحكمون بهذه الدساتير والتعامل معها ومشاركتها.
اتخاذ وتعميم بعض النماذج المضللة في العالم الإسلامي مثل (النموذج التركي)، وذلك بشكل تفصيلي.
التعاون مع الغرب الكافر لمحاربة القيم التي تخالف البعد الإنساني حسب مفاهيم الغرب أي محاربة حركات الإسلام السياسي المخلصة الواعية.
المساعدة في امتصاص واحتواء حركة الجماهير العارمة وانتفاضتها ضد الظلم والظلام في بلاد الإسلام، والالتفاف على تلك الثورات وسرقة المنجزات.
التغطية على محاولات الغرب في تسخير بعض المسلمين لتحقيق أهدافه الاستعمارية.
التنازل عن الثوابت الإسلامية وفي مقدمتها العودة إلى إقامة الخلافة.
تأخير تطبيق الإسلام وتعويق إقامة الخلافة وتطبيق أحكام غير الإسلام.
إبقاء الوسط السياسي العلماني المشبوه متحكماً في البلاد الإسلامية.
لذلك يجب الحذر من التعامل مع الغرب الكافر وعدم دعم الحركات (المعتدلة) على الطريقة الغربية، ويجب تعميم نموذج الحركة الإسلامية المخلصة الواعية والتي تعمل جاهدة للوصول إلى تحقيق غايتها بإقامة الدولة الإسلامية العالمية. ويمكن إجمال طبيعة تعامل الحركة المخلصة الواعية مع الكفر بشكل عام ومع العملاء لهذه الدول في بلاد المسلمين بشكل خاص على النحو الآتي:
عدم اللقاء أو التقرّب من الكفار وعملائهم من الحكام في أيّ أمر، بل اتخاذ حالة الصراع الفكري مع الكفار بشكل عام، والكفاح السياسي مع الحكومات في العالم الإسلامي بشكل خاص.
السعي لقلب الحكومات في العالم الإسلامي قلباً جذريًا لإقامة حكم الإسلام، وعدم موالاتها مطلقًا.
تقويض الفكر الغربي من جذوره عقيدة وأحكامًا، وعدم قبوله نهائيًا بأي وجه من الوجوه، وعدم قبول أي مؤسسة من مؤسسات الكفر ولا التعامل معها، لأنها باطلةٌ.
كشف المخططات الغربية التي تسعى لإبقاء حال المسلمين في حالة انحطاط.
إن المسلم أو الحركة الإسلامية المخلصة الواعية لا تتنازل عن هدفها الرئيس ألا وهو السعي لإقامة شرع الله في الأرض مهما حاولت الدول الغربية معها من ترغيب وترهيب، وغير ذلك من أساليب، بل تعلن على الملأ أن هدفها هو إقامة حكم القرآن، وسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام في بلاد المسلمين أولًا، ثم حمله إلى خارج بلاد المسلمين رسالة خير للعالمين.
أما مواصفات الحركة الإسلامية المخلصة الواعية فإنها تتمثل بما يلي:
أولاً: أن تكون هذه الجماعة إسلامية:مصداقاً لقوله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) والخير هو الإسلام قولاً واحداً.
ثانياً: أن تكون الجماعة مبدئية: فلا يكفي في الجماعة المبرئة للذمة أن تكون إسلامية فقط تدعو إلى بعض الإسلام، أي إلى بعض فروض الإسلام دون سائر الفروض.
ثالثاً: أن تكون سياسية وأدلة ذلك من القرآن والسنة. أما القرآن (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) فهذا أمر بإقامة جماعة سياسية، وعينت عمل هذه الجماعة، وهو الدعوة إلى الإسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وعمل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جاء عاماً فيشمل أمر الحكام بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وهذا يعني وجوب محاسبتهم. ومحاسبة الحكام عمل سياسي.
رابعاً: أن تكون عالمية أي يجب أن تكون هذه الجماعة مستهدفة العالم كل العالم، أي تسعى لتحرير الإنسان كل إنسان من عبودية الإنسان إلى عبودية الله رب الإنسان، وتحرير الأرض كل الأرض من حكم الطاغوت إلى الحكم بما أنزل الله عز وجل. قال تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) .
خامساً: أن تعمل لاستئناف الحياة الإسلامية، وأن تكون طريقتها لذلك شرعية وليست عقلية: قال تعالى مخاطباً رسوله محمداً ﷺ: ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) وقال مخاطباً المؤمنين: ( وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ).
إن هذه المواصفات منطبقة على حزب التحرير الذي يعمل على أن يقود الأمة إلى عز الدنيا والآخرة، حاملاً لواء الخلافة الراشدة التي ينتظر العالم الإسلامي ميلادها ويترقبها، والتي ستكون ولادتها قريبة بإذن الله، مزلزلة عروش أميركا ودول أوروبا في المنطقة.
وأخيراّ نقول للحركات الإسلامية (المعتدلة) التي وقعت في حبائل أميركا وأوروبا: إن حمل الدعوة والذود عن الإسلام، والعمل لإعادته إلى معترك الحياة هو من أعظم واجبات الإسلام، وعلى هذا فاننا ندعوها أن تخرج من الفخ الغربي وتعود إلى رشدها بالمطالبة وبالعمل على تحكيم شرع ربها، وأن تلتف حول حزب التحرير وهو الحزب الإسلامي العالمي الوحيد الذي لم يتغير منذ نشأته، ولم يتنازل عن ثوابت الإسلام، ولم يرفع شعاراً غير الإسلام، والذي يسير في الطريق الصحيح الموصل إلى استئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الإسلامية الراشدة من منطلق الحكم بالشريعة الإسلامية على منهاج الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، ومن خلال عدم القبول بأي شكل من الأشكال بالحلول الجزئية، وذلك من منطلق شرعي يحرّم التدرج بالأحكام الشرعية تحت أي ظرف من الظروف. وقد بقي الحزب يحمل نفس النهج منذ أن تأسس على يد الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله ولم ينزلق كغيره من الأحزاب والجماعات الإسلامية بمستنقع الحلول الجزئية، والدخول في دهاليز البرلمانات والمجالس التشريعية، ومن ثم الدخول في أنظمة الحكم العلمانية والمشاركة فيها قال تعالى: ( الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ).
لقد ثبت للقاصي والداني أن معظم الأحزاب والحركات الإسلامية على مستوى الأمة قاطبة لا تدعو إلا إلى شعارات تتخلى عنها عند ساعة الحسم، وثبت أنهم يقدمون مصالحهم الشخصية والحركية على الإسلام وأحكامه الشرعية، ويجب أن يعلم هؤلاء أن التعامل مع الغرب الكافر يجب أن يكون ضمن حدود ما يسمح به الشرع، ولا يجوز أن تكون العلاقة مع الغرب على حساب ديننا وعقائدنا ومبادئنا وقيمنا. وإن الذي لا يجوز أن نغفل عنه لحظة واحدة أننا إنما ننتصر بالله لا بأعدائه، قال تعالى: ( إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ) وقال تعالى: ( وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ ).
إننا في حزب التحرير ومعنا الأمة لن نرضى أن نحكم بغير الإسلام، ولن نرضى بغير شريعة الله المطلقة، ولن نرضى بغير القرآن منهجاً ودستورَ حياة… ولن نرضى بغير الإسلام مرجعية كاملة تامة، ولن نقبل أن تهدر هذه الدماء لأجل أن يستبدل طاغوت بطاغوت آخر، قال تعالى: (يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا) فما يطالب به المسلمون من الدولة المدنية والديمقراطية وسواها هو طاغوت.
هذه هي طريقتنا، ولن نتنازل عنها لإرضاء أحد سوى الله سبحانه وتعالى،فدين الله ليس للمساومة،وحكمه لا معقب له، ولن نرضى بغير حكم الله العزيز الحكيم. قال تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149) بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ ) وقال تعالى: ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم ).
2012-04-01