أن أكون حارساً أميناً للإسلام
2005/06/07م
المقالات
2,355 زيارة
أن أكون حارساً أميناً للإسلام
قال الله تعالى: ( إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا )[الأحزاب]. وقال عز وجل: ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) [الحجر].
اعلم أن من ينأى عن الدنيا نأياً موجهاً بتوجيه الاسلام العظيم، وأن من يعمل للآخرة ويسعى لها سعيها بتوجيه الإسلام العظيم، أنه سائر بمفهوم الحراسة والأمانة للإسلام، فلابد من الوقوف على أعمال رئيسية تدخل في هذا المفهوم، وبيان ما أحيط به، حتى يصار بمفهوم الحراسة والأمانة للإسلام سيراً طبيعياً مستقيماً. فتلك نقاط رئيسية لابد أن تؤخذ بعين الاعتبار عندما يعمل لحراسة الإسلام وأمانته.
==========================================================
يدخل في مفهوم الحراسة والأمانة للإسلام: بناء الشخصية الإسلامية المتميزة السياسية. فضروري لحامل الدعوة الذي أخذ على عاتقه أن يكون حارساً أميناً للإسلام أن يكون شخصيةً إسلاميةً ذات عقلية ونفسية إسلاميتين، وهذا يستلزم منه أن يعمل على تكوين العقلية تكويناً صحيحاً، وأن يسعى كذلك لأن يكون التركيز في بناء العقلية على مادة الثقافة ذات الصلة الوثيقة بالدعوة. وإن لم يقم حامل الدعوة بتكوين العقلية الإسلامية التي تتلاءم مع المهمة الملقاة على عاتقه، فإنه يكون حينئذ مقصراً في عمله، وهذا مناف للحراسة والأمانة التي أخذها على نفسه، بل عليه أن لايكتفي ببناء العقلية الاسلامية، وإنما يسعى لتتميز هذه العقلية بالتزود بالثقافة الإسلامية بما هو فوق الفرض عليه تعلمه، وهذا هو المتميز.
وكذلك يكون حامل الدعوة حريصاً على أن يمتلك النفسية الإسلامية التي تجعل من سلوكها الملتزم بالإسلام مثالاً لغيرها، مؤثرة على من حولها، فهي التي تفرض نفسها على المجتمع على وجه التأثير دون التأثر. وهذا واضح عند ألد أعداء حملة الدعوة في المجتمع، فهم حقيقة يقيمون كل الاعتبار لحملة الدعوة داخل نفوسهم، وإن كانوا يظهرون خلاف ذلك، بحكم الإطار الذي هم فيه، فحملة الدعوة عندهم مهابون؛ لأنهم رجال في مواقفهم.
وهذا ما كان عليه الصحابة، رضوان الله عليهم، فقد كانوا مثالاً في تحقيق العبودية لله عز وجل، وفي كونهم عباداً لله، يرون عدل الإسلام وسماحته وصدقه في إخراج الناس من الظلمات إلى النور، من خلال السلوك الذي كان مسيَّراً بما عقلته عقولهم من الإسلام. وكذلك لا يكتفي حامل الدعوة بتكوين النفسية، بل يسعى لتنمية هذه النفسية بالإكثار من الطاعات، والابتعاد عن المكروهات، والترفع عن بعض المباحات. ففي تكوين الشخصية الإسلامية المتميزة وامتلاكها، معاينة حسية لواقع إخراج الناس من الظلمات إلى النور،وليس شرحاً لواقع إخراج الناس من الظلمات إلى النور. والمعاينة الحسية للواقع أبلغ من شرحه دون معاينة. وهذا التكوين أساسي للقيام بالحراسة والأمانة للإسلام.
ولا بد أن يحرص حامل الدعوة أن يكون تكوينه للشخصية الإسلامية المتميزة تكوينَ شخصية إسلامية متميزة سياسية، لا تلك التي يغلب على أصحابها اتخاذ العقيدة الإسلامية عقيدةً روحيةً دون الصبغة السياسية. وذلك أن الشخصية السياسية قوامة على المجتمع بفكرها ورأيها، تسوس الناس بهذا الفكر والرأي، ولا تقيم وزناً إلا لمبدئها، تعرف أن الطريق الذي شقته أمامها طريق شاق مليء بالعقبات، وأصناف العذاب، وقلة الراحة، وضعف الوسيلة؛ فلذلك تتسلح بسلاح الدعوة حتى تستطيع أن تجتاز تلك العقبات بقوة وصراحة وجرأة وفكر، فهي لا مجلس لها محمود في ظل وجود أناس مضبوعين بالثقافة الغربية يصدون عن سبيل الله، وهي شخصية غير مرغوبة في المجتمع، عند من شربوا وأشربوا الغزو الثقافي الاستعماري، وهذا ما هو متفق مع قول الرسول عليه السلام: «بدأ الاسلام غريباً وسيعود كما بدأ غريباً، فطوبى للغرباء».
فمن يحمل الإسلام حملاً سياسياً في هذا الزمان فإنه غريب غرابة غير مرغوبة؛ وذلك لأنه يحمل الناس على أمر خلاف ما اعتادوا عليه مدة عقود عجاف بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر. فحامل الدعوة صاحب الشخصية الإسلامية المتميزة السياسية يأبى أن يكون الفكر في نفسه حبيساً، وهذا شأن الدعاة إلى الله في كل زمان ومكان، فقد ألح أبو بكر الصديق t على الرسول صلى الله عليه وسلم بالظهور حتى ظهر، وأبى (من الإباء) ابن مسعود t إلا أن يُسمِع قريشاً القرآن في أنديتها، سورة الرحمن رافعاً بها صوته، وأبى أبو ذر الغفاري t إلا أن يظهر دينه -وهو حديث العهد في الإسلام- فقد روي عن أبي ذر الغفاري أنه قال: «أقمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فعلمني الإسلام، وقرأت من القرآن شيئاً، فقلت: يا رسول الله، إني أريد أن أظهر ديني، فقال رسول صلى الله عليه وسلم: إني أخاف عليك أن تقتل، قلت: لابد منه وإن قتلت، قال: فسكت عني، فجئت -وقريش حلقاً يتحدثون فى المسجد- فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتقدت الحلق، فقاموا فضربوني حتى تركوني كأني نصب أحم…».
عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجراً من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم».
ولنا إشارة قرآنية في عظم واقع الشخصية الإسلامية السياسية على الشخصية الإسلامية الدينية (شبه الكهنوتية) فقد بين الله عز وجل في محكم كتابه العزيز في معرض المقارنة بين الأعمال التي من العبادات وما يتعلق بها، وبين الأعمال التي هي من السياسة من حيث واقعها وما يتعلق بها.
قال تعالى: ( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [التوبة] فالجهاد من الأعمال التي توجد أصل الدين، وهو العقيدة على وجه الصبغة الروحية والسياسية معاً. صحيح أنه من العبادات، لكنه تفرد في هذه الصفة عن سائر العبادات، فهو من الأفكار المنبثقة عن العقيدة السياسية، ومن الأعمال التي تترأس سلم القيم، ومن الأعمال التي ذكرت في معرض التجارة مع الله، وهذا هو شأن العمل السياسي. والملاحظ في الآية سابقة الذكر، أن الله عز وجل قال: (آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ). وهذه هي الصبغة الروحية للعقيدة الإسلامية. وقال: (وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ 4 ) وهذه الصبفة السياسية للعقيدة الإسلامية. فالعقيدة الإسلامية عقيدة روحية سياسية. فمن اعتقدها لابد وأن يصطبغ بصبغتها الروحية والسياسية.
ولابد من ملاحظة أن يكون صعيد النفسية على مستوى العقلية. وإن جاز القول إيجاد التوازن بين العقلية والنفسية. فنمو العقلية على حساب جمود النفسية خطر على حامل الدعوة، فلربما يدفع ذلك إلى الغرور، وإلى العلم الذي لا ينتفع به، كعلماء السلاطين. وكذلك النمو فى النفسية على حساب جمود العقلية خطر على حامل الدعوة، فلربما يمنعه ذلك من الاستمرار بالدعوة، أو أن يعبد الله على جهل. فالشخصية الإسلامية المراد بناؤها وتهيئتها لحراسة الإسلام وأمانته هي الشخصية التي وصفها فضيلة الشيخ تقي الدين النبهاني، رحمه الله ورضي عنه، في قوله: «ولا يتأتى لحملة هذه الدعوة أن يضطلعوا بالمسؤولية ويقوموا بالتبعات إلا إذا غرسوا في نفوسهم النـزوع إلى الكمال، وكانوا ينقبون دائماً عن الحقيقة…».
«والمسلم حين تتكون لديه العقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية يصبح مؤهلاً للجندية والقيادة في آن واحد، جامعاً بين الرحمة والشدة، والزهد والنعيم، يفهم الحياة فهماً صحيحاً، ويستولي على الحياة الدنيا بحقها، وينال الآخرة بالسعي لها؛ ولذا لا تغلب عليه صفة من صفات عباد الدنيا، ولا يأخذه الهوس الديني، ولا التقشف الهندي، وهو حين يكون بطل جهاد يكون حليف محراب، وفي الوقت الذي يكون فيه سرياً يكون متواضعاً. يجمع بين الإمارة والفقه، وبين التجارة والسياسة، وأسمى صفة من صفاته أنه عبد الله تعالى خالقه وبارئه».
«ولذلك تجده خاشعاً في صلاته، معرضاً عن لغو القول، مؤدياً لزكاته، غاضاً لبصره، حافظاً لأماناته، وفياً بعهده، منجزاً وعده، مجاهداً في سبيل الله. هذا هو المسلم، وهذا هو المؤمن، وهذه هي الشخصية الإسلامية التي يكونها الإسلام، ويجعل الإنسان بها خير بني البشر».
ويدخل في هذا المفهوم الطاعة المطلقة في رحى دائرة الإسلام: وهذا ما يعطي للعمل الجماعي قيمته، ويحفظ الجهود المبذولة في سبيل الوصول إلى المنشود حفظاً تقطف منه الثمار يانعة، فمهما كان من إبداع للأساليب، ولمادة الدعوة، وصفائها، ونقائها، ونشوئها وارتقائها، ومهما توفرت الوسائل، فإن ذلك كله تذهب قيمته بذهاب عنصر الطاعة، فالضعف في الطاعة يحول دون الوصول إلى المنشود. ولا يغيب عنا ما حصل للمسلمين في غزوة أحد، فقد كان هناك إبداع في الأساليب، منها مشورته عليه السلام لصحابته في القتال خارج المدينة أو داخلها، ومن وضع للرماة على رأس الجبل، والتأمير عليهم. وصفاء ونقاء في مفاهيم الإسلام، إلا أنه عندما فقد لزوم الطاعة في البقاء على رأس الجبل، فلم ينفع إبداع في الأسلوب ولا صفاء ولا نقاء لمفاهيم الإسلام، ولم تنفع مشورة الشباب في القتال خارج المدينة. فقد كانت العاقبة وخيمة بعد أن كانت سامية مرضية. فلزوم الطاعة أمر لا مناص منه للنجاح في الدنيا والفوز بالآخرة.
ويدخل في هذا المفهوم المحاسبة: فالمحاسبة هي السبيل لتقويم الأخطاء، فتجعل الحاكم والمحكوم، والأمير والمأمور، سائرين على رشد من أمرهم. وهي لازمة للطرفين، فإن قصر بها أحدهما فإن ذلك خطر على العمل الذي اجتمعوا من أجله. وهذا ما كان عليه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فقد صدر أعظم مسؤولية يتقلدها المسلم بخطبة ركزت مفهوم المحاسبة والطاعة، فقد كان مما قاله في خطبته في بادىء خلافته للنبي عليه السلام: «أما بعد، أيـّها الناس، فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وان أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإن عصيت الله ورسوله، فلا طاعة لي عليكم…». سيرة ابن هشام.
فهو لم يكتف بوجود المحاسبة والطاعة، وإنما عمل على تركيزها في نفوس المسلمين؛ لإدراكه لما في المحاسبة والطاعة من شأن عظيم في حسن أداء المسؤولية التي تقلدها. ومن المحاسبة محاسبة النفس على تقصيرها بالفروض وقيامها بالمحرم، بل الأصل أن ترقى المحاسبة لتطول التقاعس عن التزود بالطاعات، والزهد بالثواب، وعلى فعل المكروهات.
ويلحق في هذا المفهوم مفهوم الإنفاق بالنفس والمال: إنه لمن المعلوم أن حمل الدعوة لا يخلو من نشر الفكر بوسائل عدة، منها المنشورات، ومنها الكتب، ومنها المجلات، ومنها…، لربما اقتضى الأمر إعادة طباعة بعض الكتب بعد تنقيحها، وهذا وغيره يحتاج إلى أموال. فلا بد لحامل الدعوة من أن يجعل البركة تتخلل ماله من خلال الإنفاق على أعمال الدعوة وما يقتضيها، إلا أنه ينبغي أن يعلم أن المال لا يكشف حقيقة صدق الحراسة والأمانة للإسلام، بقدر ما يكشف إنفاق المهج في سبيل الله، فالشاب منذ أن عرف الحق وحمله، وعمل على تحميله لغيره، يعلم علم اليقين أن طريق الوصول إلى المنشود يكلفه نفسه، فهو مثال للتضحية في سبيل الله، لا يعرف زهداً في الثواب، يباشر كل عمل يصب في جديته لحمل الدعوة. كيف لا وهو يعلم أن استئناف الحياة الإسلامية قضية مصيرية مترتب عليها إجراء الحياة والموت. قال تعالى: ( $آلم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ*وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) [العنكبوت].
ويلحق في هذا المفهوم كذلك كعنصر أساسي وجود الاستعداد الذاتي: فالاستعداد الذاتي عند حامل الدعوة أمر ضروري بل أساسي. فلا قيمة للنقاط الآنفة الذكر إن لم يكن عنده الاستعداد الذاتي لذلك. وذلك أن الشخصية، والمحاسبة، والطاعة، والانفاق بالمال، لا قيمة لها في حراسة الإسلام وأمانته إلا إذا كان القيام بها بدافع الاستعداد الذاتي، وابتغاء رضوان الله عز وجل. وذلك أن العمل لا اعتبار له إن لم يقم به على هيئته ووجهه، وكان خطراً أن يقام بتبعات الدعوة والالتزامات بناءً على أن الأمر أو النهي صادر عن مسؤول. أو إننا نقوم بالتبعات والالتزامات بناء على أنها مُسطَّرةٌ إدارياً، فهذا يؤدي إلى الحيلولة دون الاستمرار في طريق الدعوة، بل ربما يكون بعد حين من أعداء الدعوة وحملتها. فحامل الدعوة ليس جندياً من جهة، بل هو قائد وجندي يدرك أن أمر الحراسة والأمانة مسؤولية لابد من إعطائها حقها في الأداء، ويدرك أنه عبد مأمور بطاعة الله عز وجل. وهذا ما أشارت إليه الآية القرآنية في قوله عز وجل: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا) [النساء]. هذا لا يحصل إلا إذا كان الاستعداد الذاتي في النفس متجسداً وجوده.
ثم إن الاستعداد الذاتي ملح وجوده عند امتلاك الأهلية التي تتمشى مع العمل المطلوب القيام به. أما إن لم تكن الأهلية موجودة، وكان الاستعداد الذاتي موجوداً، فعبث أن يكلف المسلم بالقيام بأي عمل. وهذا ما هو متوافق مع موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من أبي ذر في رفضه عليه السلام أن يقلده الأمانة رغم امتلاكه الاستعداد الذاتي، ففقدان الأهلية حال بينه وبين الإمارة.
هذا وقد أحيطت هذه الحراسة والأمانة للإسلام التي أخذناها على أنفسنا بالترغيب والترهيب، والرقابة، والتوجيه والرعاية.
أما الترغيب والترهيب، فقد أعد الله لعباده الصالحين ما لا يبلى ولا ينفد، وخلود بلا موت، وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، ينعمون فيها، ولا يفنى شبابهم، ولا يتغوطون، أمشاطهم من ذهب، ورشحهم المسك. أكلها دائم وظلها، فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وفيها مزيد، فيها ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فيها أزواج مطهرة من كل عيب، فيها صحبة للأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، قال تعالى: ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ* جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ* وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ* الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ )[فاطر].
وبالمقابل فقد أعد الله لمن تخاذل وتقاعس عن حراسة الإسلام وأمانته عذاباً اليماً، نار جهنم وبئس المصير، وقودها الناس والحجارة، قعرها بعيد، ومقامعها من حديد، وحرها شديد، لا تبقي ولا تذر لواحة للبشر، سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار، وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه، بئس الشراب وساءت مرتفقاً. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم].
وأما الرقابة، فكفى بالله رقيباً على عباده، حيٌّ قيومٌ لا تأخذه سنة ولا نوم، فهو أقرب منا من أنفسنا، يعلم سرائر الأنفس وما تخفي الصدور، لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، ولا تغادره صغيرة ولا كبيرة إلا وهي محصاة عنده سبحانه وتعالى وهو على كل شيء قدير. قال تعالى: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ) [غافر].
وأما التوجيه والرعاية، فهو آت من العمل الجماعي، ومن امتلاك الثقافة الحزبية التي لها صلة وثيقة بالدعوة، بل هي مادة الدعوة، ومن الاهتداء إلى طريقة الإسلام في الدرس، والتي تخرج شخصيات إسلامية ذات عقلية تعقل الأمور بناءً على الإسلام، ونفسية تسلك حسب ما تعقل. وكذلك من البلورة والوضوح لمفاهيم الانضباط التي تحدث تأثيراً على النفوس وتهيئها تهيئة صافية نقية. فقد ظهر أثر هذه المفاهيم على أعمال الصحابة، وما حققوه من حسن تطبيق، ومن الفتوحات، ومن إيجاد للإسلام وإظهار له على الدين كله. قال الله تعالى: ( ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوب ) [الحج] وقال أيضاً: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ) [الحج 30].
أبو عبد الرحمن – بيت المقدس
2005-06-07