الحكام المذمومون في الأحاديث الشريفة وآليات التعامل معهم
2005/09/07م
المقالات
28,322 زيارة
الحكام المذمومون في الأحاديث الشريفة
وآليات التعامل معهم
باستقراء الأحاديث النبوية الشريفة نجد أن الأمراء المذمومين فيها قد وصفوا بصفات مذمومة معينة، كما قُرنوا بآخرين مذمومين، ونجد من ناحية أخرى آليات محددة أرشدت إليها الأحاديث الشريفة تبين لنا طريقة التعامل معهم بكيفيات معينة ثابتة. وما يجب أن ذكره أن الأحاديث الواردة هنا إنما وردت في الأمراء المسلمين الذين يعترف بإمارتهم شرعاً من حيث الأصل، ولكنهم ضلوا وأضلوا، وظلموا وأفسدوا… أما حكام هذا الزمان، فإنهم من حيث إمارتهم لا يعترف بهم شرعاً، وهم أسوأ بكثير مما ذكرته الأحاديث، ويجب تغييرهم…
ويمكن حصر أصناف الحكام المذمومين في الأحاديث الشريفة بثمانية:
1- الأئمة المضلون: لقد ميز الرسول صلى الله عليه وسلم الأئمة المضلين بصيغ خاصة تدل على فظاعة خطورتهم، وعلى مدى الضرر الذي يلحقونه برعيتهم. فعن أبي الدرداء قال: عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون» فاستخدام صيغة: «أخوف ما أخاف» تدل على المبالغة في بيان خطرهم وضررهم، وعن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لا أخاف على أمتي إلا الأئمة المضلِّين» استخدم في هذا الحديث «إلا» التي تفيد حصر الخوف فيهم، وعن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين» استعملت صيغة التوكيد والتعميم هنا في التحذير منهم، وعن أبي أمامة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أخوف ما أخاف على أمتي من بعدي أعمال ثلاثة: لا جوعاً يقتلهم، ولا عدواً يجتاحهم، ولكني أخاف على أُمتي أئمة مضلين» فقد أضيف في هذا الحديث إلى جانب صيغة: «أخوف ما أخاف» صيغة حصر ثلاثة أعمال يُخاف منها، أسقط الحديث منها عملين وأبقى واحداً: وهو الأئمة المضلين.
وبالتدقيق في واقع الأئمة المضلين يظهر لنا أنهم أخطر من غيرهم من الأمراء الفاسدين الآخرين؛ لأنهم يقومون بعمل الإضلال والتضليل، وبالتالي فإن عملهم هذا قد يوصل إلى الكفر، وقد وصفهم سفيان الثوري بقوله: “معاملة اليهود والنصارى أحب إلي من معاملة هؤلاء الأمراء” وقال: “لا تنظروا إلى الأئمة المضلين إلا بإنكار من قلوبكم عليهم لئلا تحبط أعمالكم”.
2- أمراء السفاهة الذين لا يهتدون بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يستنون بسنته والذين يكذبون ويظلمون: صفات هذا النوع من الأمراء هي الأكثر استخداماً وشيوعاً في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، فعن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة: «أعاذك الله من إمارة السفهاء» ووصفهم بأنهم: «أمراء يكونون بعدي لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي، فمن صدَّقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا مني ولست منهم ولا يردون على حوضي، ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يُعنهم على ظلمهم فهم مني وأنا منهم وسيردون على حوضي»، وعن ابن سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم: «يكون أمراء يغشاهم غواش وحواش من الناس يكذبون ويظلمون». وعن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون بعدي أمراء يعملون بغير طاعة الله فمن شاركهم في عملهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه، ومن لم يشاركهم في عملهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه»، وعن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم إني أعوذ بك من أئمة الخرج الذين يخرجون أمتي إلى الظلم»، وعن جابر بن سمرة قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة أخاف على أمتي: استشفاء بالأنواء، وحيف السلطان، وتكذيب بالقدر» وفي هذا الحديث قرن الرسول صلى الله عليه وسلم ظلم الحكام بالكهانة والكفر، وعن سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يدخلون الجنة: الشيخ الزاني، والإمام الكذاب، والعائل المزهو» فقرن الحديث الشريف هنا الحاكم الكذاب بالعجوز الزاني وبالفقير المتكبر، وعن عمرو بن عوف قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إني أخاف على أمتي من بعدي من أعمال ثلاثة، قالوا: ما هنّ يا رسول الله؟ قال: زلة العالم، وحكم جائر، وهوى متبع»، حيث قرن الرسول صلى الله عليه وسلم هنا الحاكم الجائر والحكام الظلمة بزلة العالم وبحكم الكفر والهوى.
3- الأمراء الذين ينكرون المعاريف ويأمرون بالمنكرات: عن قتادة عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ستكون عليكم أمراء بعدي فيعملون أعمالاً تعرفون وتنكرون، فمن أنكر فقد برئ، ومن كره فقد سلم، ولكن من رضي وشايع»، وعن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيكون أمراء من بعدي يأمرونكم بما لا تعرفون، ويعملون ما تنكرون، فليس أولئك عليكم بأئمة»، وعن أبي سعيد قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال في خطبته: «… فيليكم عمال من بعدهم يعملون بما لا تعلمون، ويعملون بما لا تعرفون، فمن قادهم وناصحهم فأولئك قد هلكوا وأهلكوا».
4- الحكام الذين يتحكمون بالرقاب والأرزاق: عن أبي هشام السلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيكون عليكم أئمة يملكون رقابكم ويحدثونكم فيكذبون، ويعملون فيسيئون، لا يرضون منكم حتى تحسنوا قبيحهم، وتصدقوا كذبهم فأعطوهم من الحق ما رضوا به»، وواضح في صفات هؤلاء الأمراء أنهم يحملون الناس حملاً على تحسين أعمالهم القبيحة وتصديق أحاديثهم الكاذبة، فكأنهم يريدون امتلاك الناس ليكونوا رقيقاً عندهم.
5- الأمراء الذين يتخذون بطانة من الأشرار ويؤخرون الصلاة: عن أبي سعيد وأبي هريرة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليأتين عليكم أمراء يقربون شرار الناس، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها، فمن أدرك ذلك منكم فلا يكونن عريفاً ولا شرطياً ولا جابياً ولا خازناً»، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون في آخر الزمان أمراء ظلمة، ووزراء فسقة، وقضاة خونة، وفقهاء كذبة، فمن أدرك ذلك الزمان منكم فلا يكونن لهم جابياً ولا عريفاً ولا شرطياً» وظاهر في هذا النوع من الأمراء أنهم يقربون منهم بطانة من الفسقة والخونة والكذبة يستعينون بهم في تطبيق الكفر على الناس، وكني عن ذلك بتأخير الصلاة.
6- الحكام الزنادقة: عن معقل بن يسار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «صنفان من أمتي لن تنالهما شفاعتي: إمام غشوم، وآخر غالٍ في الدين مارق منه»، وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون عليكم أمراء هم شر من المجوس».
7- حكام الحطمة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن شر الولاة الحطمة» والحطمة من التحطيم وهو وصف للرعاة الذين يحطمون الغنم في رعايتهم السيئة لهم، ومثلهم الحكام الذين يحطمون الناس في سياستهم لهم، وعن أبي ليلى الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وسيلي أمراء إن استُرحموا لم يرحموا، وإن سُئلوا الحق لم يُعطوا، وإن أُمروا بالمعروف أَنكروا، وستخافونهم، ويتفرق ملأكم حتى لا يحملوكم على شيء إلا احتملتم عليه طوعاً وكرهاً، فأدنى الحق أن لا تأخذوا لهم عطاء، ولا يحضر لهم في الملأ». وهذه الأعمال الواردة في الحديث لهذا النوع من الأمراء من الواضح أنها تدل على انتهاجهم لسياسة تحطيم الرعية.
8- الحكام الجبريون المتجبرون المتسلطون: عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «… ثم ستة لعنهم الله وكل نبي مجاب… المتسلط بالجبروت يذل من أعز الله ويعز من أذل الله…»، وعن عمرو بن سعواء اليافعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سبعة لعنتهم وكل نبي مجاب… والمتجبر بسلطانه ليعز من أذل الله ويذل من أعز الله»، وعن خيثمة عن رسول الله قال: «سيكون من بعدي خلفاء ومن بعد الخلفاء أمراء ومن بعد الأمراء ملوك جبابرة»، وعن أبي ثعلبة الخشني عن أبي عبيدة ومعاذ قالا: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلا يتذاكرانه قالا: «إنه بدأ هذا الأمر نبوة ورحمة، ثم كائن خلافة ورحمة، ثم كائن ملكاً عضوداً، ثم كائن عتواً وجبرية وفساداً في الأمة، يستحلون الحرير والخمور والفروج والفساد في الأمة… ».
هؤلاء الأصناف الثمانية من الحكام المذمومين الذين وردت صفاتهم في الأحاديث النبوية الشريفة لا شك بأن بينهم قواسم مشتركة تجتمع فيهم، حيث إن أوصافهم يعتريها شيء من التداخل بحيث قد يكون الحاكم المذموم شرعاً منهم تجتمع فيه جميع صفات هذه الأصناف، وقد يتصف ببعضها أو بواحدة منها فقط. وعلى أية حال فإن أي صنف من تلك الأصناف كفيل بأن يثير عند المسلمين القشعريرة والاشمئزاز ذلك لما روى أبو سعيد الخدري عن الرسول صلى الله عليه وسلم: «يكون عليكم أمراء تطمئن إليهم القلوب وتلين لهم الجلود، ثم يكون عليكم أمراء تشمئز منهم القلوب وتقشعر منهم الجلود».
ولم يكتف الرسول صلى الله عليه وسلم بتحديد أوصاف الحكام المذمومين وإنما وضع آليات محددة ملزمة للمسلمين جُعلت كيفيات واجبة على الرعية الالتزام بتنفيذها، وهذه الآليات والكيفيات يمكن حصرها في عشر هي:
1- عدم السمع والطاعة للحكام الذين يدخلون في الأصناف السابقة لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري عن نافع عن عبد الله: «السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» ولا شك في كون الحكام المذمومين هنا بشتى أصنافهم يرتكبون المعاصي.
2- عدم تصديق الحكام بكذبهم أو إعانتهم على ظلمهم لقوله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الآنفة: «فمن صدَّقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا مني ولست منهم ولا يردون على حوضي، ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهم مني وأنا منهم وسيردون على حوضي».
3- عدم الدخول عليهم لقوله صلى الله عليه وسلم: «فمن دخل عليهم فصدَّقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه، ومن لم يدخل عليهم ويصدقهم بكذبهم ويعينهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه». حتى إن سفيان الثوري حرَّم النظر إليهم فقال: “النظر إلى وجه الظالم خطيئة”.
4- التعوذ منهم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أعوذ بك من أئمة الخرج الذين يخرجون أمتي إلى الظلم».
5- عدم تحسين قبيحهم والاقتصار على التزام الحق في التعامل معهم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «… لا يرضون منكم حتى تحسنوا قبيحهم وتصدقوا كذبهم، فأعطوهم الحق ما رضوا به».
6- عدم العمل عندهم في الوظائف التي تدعم حكمهم لقوله صلى الله عليه وسلم: «فمن أدرك ذلك منكم فلا يكونن عريفاً ولا شرطياً ولا جابياً ولا خازناً».
7- بغضهم ولعنهم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم».
8- عدم قبول العطاء والهدايا منهم وعدم حضور مجالسهم لقوله صلى الله عليه وسلم: «فأدنى الحق أن لا تأخذوا لهم عطاء ولا يُحضر لهم في الملأ».
9- منابذتهم باللسان واعتزالهم وعدم مخالطتهم لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن عباس: «سيكون أمراء بعدي يعرفون وينكرون، فمن نابذهم نجا، ومن اعتزلهم سلم، ومن خالطهم هلك».
10- منابذتهم بالسيف والخروج عليهم في حال أظهروا الكفر البواح بعد تطبيقهم للإسلام وذلك لما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما: «قيل يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لا، إلا أن تروا كفراً بواحاً»
أحمد الخطيب
2005-09-07