جون بولتون والأمم المتحدة
2005/10/07م
المقالات
2,206 زيارة
جون بولتون والأمم المتحدة
من المعلوم من السياسة بالضرورة أن عمل السفراء هو عمل دبلوماسي؛ لذلك كان عمل أي سفير لبلاده في الأمم المتحدة هو عمل دبلوماسي. وهذا المنصب على وجه الخصوص يحتاج إلى شخصية ديبلوماسية من الطراز الأول، تتقن فن ممارسة اللعب الهادىء، فهل يصلح جون بولتون للعب هذا الدور ؟ أم أنه لايصلح لهذا الدور ولكنه سيجعل هذا المنصب يتأقلم مع شخصيته؟
حتى نصل إلى الجواب الشافي لابد لنا من وضع تصور حقيقي لشخصية هذا الرجل الذي يعد من أبرز المحافظين الجدد، والصقور المحلقة فوق فريستها.
=================================================================
درس جون بولتون القانون في جامعة ييل الأميركية، وأصبح أحد كبار ومشهوري المحامين في العالم، ومارس العمل المهني في المحاماة، واشتهر بقدرته على إيجاد الثغرات في القوانين والأنظمة وكيفية التحايل عليها، ويذكر أحد المفكرين السياسيين أنه “يحلل الحرام ويحرم الحلال” وأنه لو لم تفتح أمامه أبواب المناصب الرسمية لكان من أشهر وأكبر زعماء المافيا في العالم، ومما يدل على ذلك أنه قام بدعم الحملات الانتخابية للجمهوريين (المحافظين الجدد) عن طريق الالتفاف على القوانين والأنظمة، مما مكّـنه من استخدام أموال غير مشروعة لدعم الصقور الأميركيين.
ويعتبر بولتون من المتحيزين لليهود، إذ كان عضواً في المجلس الاستشاري للمعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي. ومن المعروف أيضاً أنه كان نائب وزير الدفاع الأميركي رامسفيلد خلال ولاية بوش الأولى، وكان من مؤيّـدي الحرب على العراق.
ويعتبر موقف جون بولتون من المؤسسات الدولية هو كموقف صديقه وولفوفيتز رئيس البنك الدولي بل أشد كرهاً وحقداً، إذ يحتقر القانون الدولي ويشمئز منه، ولا يعطي المجتمع المدني بكافة مؤسساته أي وزن، والبرهان على مانقول هو ما نشرته جريدة “وول ستريت جورنال” في عام 1997م في مقال له كان يتضمن نظرته إلى القانون الدولي، فهو يعتبر أن المعاهدات الدولية ليست قانوناً ملزماً للولايات المتحدة الأميركية، وأنها ليست سوى ترتيبات سياسية يمكن التحلل منها إلا في حال كانت هذه المعاهدات تحقق خدمة للمصالح الأميركية.
و يجدر الإشارة الى أنه كان من أشد معارضي توقيع معاهدة محكمة الجنايات الدولية.
أما نظرته وموقفه من الأمم المتحدة فهي نظرة قد لا يصدقها أحد؛ لأنها نظرة احتقار واشمئزاز خصوصاً وهو من مرشحي منصب سفير أميركا فيها. إن بولتون لايعترف بالأمم المتحدة وهذا ماقاله في عدة مناسبات «إنه لا يوجد شيء اسمه الأمم المتحدة» ناهيك عن استخفافه المطلق واستهزائه المحرج، إذ قال في أحد الأيام «لو اختفى من مبنى الأمم المتحدة في نيويورك عشرة طوابق من ثمانية وثلاثون طابقاً لما شعرت بذلك، وما تأثر الكون والعالم».
بهذه المعلومات البسيطة نستطيع أن نحكم أن بولتون لايصلح لهذا المنصب، وإنه الرجل غير المناسب لهذا الدور، ولا يملك المؤهلات السياسية لشغل هذا المنصب الديبلوماسي، فلماذا يصر بوش على ترشيحه وتعيينه، رغم استياء الكونغرس الأميركي من هذا الترشيح؛ لأنه يعتبره واجهة غير ملائمة لأميركا لدى العالم، وخصوصاً الدول الفاعلة في المسرح الدولي؟ ولماذا يصر أيضاً على اختيار وترشيح من يفتقد إلى الدبلوماسية؟
الجواب واضح ولايحتاج إلى طول شرح وبيان:
الدافع والغاية من وراء هذا التعيين هو إبراز العصا أمام كل دولة تفكر في عرقلة مشاريع أميركا من خلال الأمم المتحدة والقانون الدولي. فأميركا تريد أن يحتكم العالم إلى القانون الأميركي وليس الدولي، ويسير حسب المزاج الجمهوري الصقوري الذي تتزعمه عصبة وطغمة ممن يسمون بالمحافظين الجدد، وتستطيع بذلك أن تلزم العالم بمعاهدات تخدم مصالحها الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وأن تلغي معاهدات تم عقدها، أو تمنع توقيع اتفاقيات يراد إبرامها.
صحيح أن الامم المتحدة تعتبر من الأدوات الأميركية، ولكن أميركا وفق مخططاتها السياسية لاتريد أن تكون هذه الأداة صالحة للاستعمال من قبل أي طرف آخر. ولعل معارضة معظم الدول الكبرى للحرب على العراق، وعلى أنها غير شرعية، كانت من خلال الأمم المتحدة ومجلس الأمن مما أزعج أميركا في وقت هي في غنًى عنه؛ لذلك شنت أميركا حرباً على الأمم المتحدة من خلال تصريحات بعض المسؤولين في الإدارة الأميركية بأنه يجب إصلاحها وتحديثها وتقويتها وجعلها حيوية وفاعلة. وآخر هذه التصريحات تصريح كونداليزا رايس عندما تحدثت أمام جمعية رؤساء تحرير صحف أميركية في واشنطن، حين قالت: «إنها مهمة كمؤسسة، كما هي الحال، ولكن هناك أموراً متعلقة بها ليست طيبة الآن». وقالت رايس: «إنه ليس سراً على أحد أن الأمم المتحدة لا تستطيع الاستمرار كقوة حيوية في السياسة الدولية إذا لم تصلح من شأنها الآن». كما قالت «إن بولتون الذي تعهد بالعمل على تحسين تحمّـل المنظمة للمسؤولية، والذي شكا من تضارب البرامج وتعارض السلطات، تحتاجه المنظمة للمساعدة على تحديثها وإصلاحها».
إذاً هو إصلاح وتحديث وتقوية على الهوى الأميركي، وهذا عين ما قاله بولتون «إن الأمم المتحدة تحتاج إلى الولايات المتحدة، لتعيدها إلى الصواب، وإنها يجب أن تركز اهتمامها أكثر على تجاوزات حقوق الإنسان، وعلى مكافحة الإرهاب الدولي».
ولكن هل تدرك أميركا أن تعيين بولتون الذي عرف بانتقاداته اللاذعة للأمم المتحدة سفيراً لها سيؤدي إلى تعميق الفجوة بينها وبين الأوروبيين، وبالتالي تزيد المشاكل والأزمات بينها وبين خصومها من الدول الكبرى؟ وبالتالي ستجني أميركا ما تحصده من جراء هذه السياسات الاستفزازية.
أبو سعدي فلسطين الأسيرة
2005-10-07