تمايز موقف حزب التحرير من الديمقراطية والحزبية عن مواقف الحركات الإسلامية الأخرى
2005/10/07م
المقالات
2,734 زيارة
تمايز موقف حزب التحرير من الديمقراطية والحزبية
عن مواقف الحركات الإسلامية الأخرى
نشرت صحيفة الوسط اليمنية بتاريخ 10 أغسطس/ آب 2005م مقالاً تحت عنوان «تمايز موقف حزب التحرير من الديمقراطية والحزبية عن مواقف الحركات الإسلامية الأخرى» وهو مقطع من بحث يفصّـل مفاهيم وأفكار الأحزاب الموجودة في اليمن وموقفها من الديمقراطية والتعددية الحزبية، وقد رأت «الـوعــي» أن تنشره على صفحاتها ليطلع قراؤها عليه. وقد جاء فيه:
=================================================================
«يعتقد كثيرون أن حزب التحرير الإسلامي المنادي بالخلافة الإسلامية أكثر الحركات الإسلامية تشدداً في التعامل مع القضايا والمصطلحات الحديثة كالديمقراطية والحزبية والدساتير…
لكن يظهر في المقتطف التالي أن حزب التحرير أكثر تلك الحركات تفهماً ووعياً ودراسةً لكثير من المسائل التي أعلن الآخرون إغلاق الأبواب أمامها والانتهاء من الحكم عليها، فعلى سبيل المثال: رؤية حزب التحرير للديمقراطية والانتخابات والحزبية كما تعرضها الورقة البحثية التالية:
يفرق حزب التحرير بين الديمقراطية والانتخابات، فالانتخابات هي أسلوب يستخدم لتعيين شخص أو القيام بعمل، وهذه الانتخابات هي أسلوب يصلح لكل الأمم والشعوب، وقد كانت الانتخابات قبل الإسلام وبعده، وفي الديمقراطية، وفي الشورى، وفي الاشتراكية، وفي الفرس، وفي الروم، وفي الغرب، وفي بلاد المسلمين. فهو أسلوب عام وليس خاصاً بأمة من الأمم، ومن الخطأ العظيم القول بأن الديمقراطية والانتخابات هما جزء من كل، وأن ثمرة الديمقراطية هي الانتخابات. وكذلك يفرق حزب التحرير بين الديمقراطية والشورى، بل بين الديمقراطية والإسلام، فالديمقراطية هي نظام بشري وضعه البشر، والحاكمية فيه للناس، والناس مصدر السلطات والسيادة، والسلطان للناس، وإن عقيدتها هي عقيدة كفر (فصل الدين عن الحياة) ومقياس أعمالها هو المنفعة والمصلحة وليس الحلال والحرام، وإنها بنيت على فكرة (حكم الشعب) وهي فكرة خيالية ليس لها واقع، وإنها فكرة لا تطبق مطلقاً. والديمقراطية هي حكم المتنفذين والرأسماليين، وهي تبرمج عقلية الناخب حسب مصلحة المتنفذين والرأسماليين، وإنها مخالفة لأحكام الإسلام ومفاهيم الشورى، وهي كذبة كبرى، وإنها شرعت الحريات الأربع التي أوجدت الشر والفساد في الأرض (حرية المعتقد والتشريع، وحرية الرأي ومنها التعددية الحزبية السياسية، وحرية التملك، والحرية الشخصية) وهذه الحريات لا أصل لها في الإسلام. وكذلك تقول بالأغلبية، والأغلبية أيضاً لا أصل في الإسلام إلا في حالة واحدة هي (المرشد إلى عمل) وبالتالي فالديمقراطية تناقض الإسلام والشورى، ففي الإسلام الحكم لله وحده، والسيادة للشرع، والسلطان للأمة، وحكم الله هو الأصل، وأن لا حرية معتقد في الإسلام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من بدل دينه فاقتلوه». ولا حرية رأي، فالرأي في الإسلام إما حرام أو مباح أو واجب، ولا غير؛ وعليه لا يجوز أن تشرع في الإسلام أحزاب على أساس العنصرية، أو الطائفية، أو الكفر، أو الشذوذ، أو الرذائل، أو الاشتراكية، أو القومية، أو الوطنية. وكذلك لا حرية تملك في الإسلام، فالإسلام حدد أسباب التملك، وبيّـن طرق كسب المال، وما هو الحرام منها وعاقب عليها. وكذلك لا حرية شخصية في الإسلام، تلك الحرية التي جعلت الناس كحصائر البهائم، وجعلتهم يعيشون في شقاء وأمراض كالإيدز وغيرها. وفكّـكت الأسر والمجتمع حتى أصبح ذلك الحر لا أنيس ولا جليس له إلا الكتب.
والأغلبية في الإسلام لا أساس لها، وهي مذمومة في كثير من الأدلة، وإن التصويت بالأغلبية في كل شيء لا يجوز وهو حرام إلا في المرشد إلى عمل. فأحكام الله وشرعه لا يجوز التصويت عليها بالأغلبية، إنما ترجَّـح فيها قوة الدليل والآراء الاختصاصية، ويُـرجِّـحُ فيها جانب الصواب أهل الخبرة والاختصاص وليس الأغلبية. والتعريفات الشرعية والواقعية يرجع فيها إلى أهل اللغة والفكر وليس إلى الأغلبية، ويبقى الرأي المرشد إلى القيام بعمل فيرجَّـح فيه رأي الأكثرية كما في غزوة أحد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجح جانب الأغلبية؛ ولهذا كانت الشورى في الإسلام هي أخذ الرأي مطلقاً بأحكام معينة…
أما حزب الإصلاح فلا يميز بين الديمقراطية والشورى، بل يقول إن الديمقراطية هي الشورى…
أما بقية الجماعات السلفية (السروريون والجمعيات) فيرون بأن الديمقراطية نظام كفر، ولكنهم لا يفصحون عن ذلك ويلتزمون الكتمان حتى لا تتضرر جمعياتهم ومدارسهم ودور نشرهم، وتمنع عنهم المساعدات!
والجهاديون كذلك لهم موقف واحد هو أن الديمقراطية حرام لا تجوز وكذلك الانتخابات، وأن المشاركة في هذه الأنظمة حرام شرعاً، وكل من شارك الحكام أو سار معهم فهو منهم، وبالتالي تجوز العمليات الجهادية ضد الديمقراطيين وأتباعهم. بينما يرى حزب التحرير أن الصراع الفكري هو الأساس في فهم الديمقراطية والشورى، وأن مناقشة الحجة بالحجة، والفكرة بالفكرة، والرأي بالرأي، هو أساس نقض الأفكار الغربية وبناء الأفكار الإسلامية، ولا يجوز استخدام الأعمال المادية في الدعوة إلى الإسلام.
رؤية في مسألة التعددية الحزبية
يتبنى حزب التحرير تعدد الأحزاب والجماعات في دولة الخلافة الإسلامية؛ وذلك أخذاً من قوله تعالى: ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) [آل عمران 104] فالأمر ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ ) هو إيجاد جماعة أو حزب يقوم بالدعوة إلى الإسلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويجب أن يكون لها أمير ورابط يربط بين أفراد الحزب والجماعة، و( أُمَّةٌ ) في الآية جاءت نكرة، والنكرة عندما تأتي في اللغة للطلب يجوز أن تتعدد، وتعدد الجماعات في الإسلام جائز في هذه الآية. وكذلك يستفاد الحكم من الأدلة القطعية والأدلة والظنية. فالأدلة القطعية الدلالة القطعية الثبوت، لا يجوز الخلاف أو الاختلاف عليها، ولكن الأدلة الظنية الدلالة أو الثبوت، يجوز الخلاف أو الاختلاف فيها، ويجوز تعدد الآراء حولها؛ وبالتالي يجوز تعدد الأحزاب. فالمذاهب كانت هي آراء وتعدد وأحزاب، وهذا يؤدي إلى الإبداع والفكر والاجتهاد. ولا يجوز في الإسلام التعصب الحزبي، أو المذهبي، أو الطائفي. أما الأدلة التي يستدل بها من قال بأن الحزبية حرام كالسلفيين وبعض الجماعات والجمعيات الإسلامية، فالأدلة التي أوردوها في الأحزاب تتحدث عن العقائد وليس عن الخلاف في الظنيات الذي أجازه الإسلام. فهم حرموا الديمقراطية؛ وبالتالي حرموا الانتخابات والحزبية. ولم يفرقوا بين الديمقراطية والحزبية. والانتخابات هي وكالة، وهي تبحث في باب الوكالة، والوكالة جائزة للمرأة والرجل؛ وبالتالي فالانتخابات جائزة للمرأة والرجل، لكن السلفيين أفتوا بتحريم الحزبية بناء على آيات العقائد، والتي تفرق الأمة إلى شيع وأحزاب لها عقائد مختلفة وليس عقيدة واحدة، ثم بنوا عليها التحريم. فالله يقول في سورة الروم ( وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ @ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) في هذه الآية تحذير من أن نكون كالمشركين في تفريق الدين إلى شيع. (والشيعة) هي الطائفة التي لها عقيدة. ولكن يجوز الاختلاف في الظنيات في الإسلام. فالسلفيون يرفعون مرتبة المندوبات إلى الواجبات وهذا الخطأ الثاني الذي وقعوا فيه، وفَـسَّـقوا، بل وكَـفَّـروا، كل من هو (حزبي) أو لم يقم بالمندوبات (السنن) وهذا الفهم أيضاً صار على الآيات الأخرى التي تتحدث عن الحزب كقوله تعالى: ( أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) [المجادلة 19] وقوله: ( أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) [المجادلة 22] بالرغم أن حزب الله هم المسلمون جميعاً إذا كانوا تحت سيادة رجل واحد هو خليفة المسلمين. وحزب التحرير هو حزب من حزب الله، وليس حزب الله؛ لأن حزب الله هو المسلمون تحت ظل حاكم واحد أو جماعة المسلمين. والجماعات الإسلامية هي من جماعة المسلمين وليست هي جماعة المسلمين. وكذلك الأحزاب هي من حزب الله وليست حزب الله. ولا يجوز لأحد الإقرار بجواز الأحزاب العلمانية، أو المشاركة في الحكم والتداول السلمي للسلطة، أو الرأي والرأي الآخر المخالف للإسلام. ولازال الانقسام الفكري موجود داخل الإصلاح وبين صفوفه، حتى إن الذين انضموا للمؤتمر من أعضاء الإصلاح مقتنعون بأنه لا فرق بين المؤتمر والإصلاح إلا في زيادة المكاسب والمصالح في الانتماء لحزب المؤتمر؛ لأن منهج الإصلاح لا جديد فيه، وكذلك سياسته مرنة ولم يعد في الإصلاح إلا التيار المحافظ من جماعة الإخوان المسلمين. وفي ظل هذا الشتات الفكري والتباين الثقافي داخل الإصلاح لم يصلوا إلى رأي واحد حول الحزبية: هل تجوز أو لا تجوز؟ وهل الحزبي آثم أو مثاب؟ وهل الانتماء إلى الأحزاب عن قناعة أو عن تبعية لأشخاص، أو ضد آخرين يرون أنهم تكتلوا على الباطل، فلماذا لا يتكتلون على الحق؟
أما الحركات الجهادية فيرون أن الحزبية أيضاً حرام وأن الجماعة هو الاسم الصحيح؛ ولهذا يسمون جماعة ولا يسمون حزباً، ويرون أن الأحزاب العلمانية والديمقراطية والقومية والوطنية غير جائزة في الإسلام، وأنه لا يجوز التكتل على هذه الأسس، وهناك اختلاف في الآراء في هذه المسألة.
l مقتطف من بحث الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية (عبد الله عبد الحميد) أعده للوسط».
2005-10-07