قاعدة الذهب: نحو مستقبل نقد عالميّ مستقرّ
2012/01/07م
المقالات
3,163 زيارة
قاعدة الذهب: نحو مستقبل نقد عالميّ مستقرّ
طرح حزب التحرير مؤخراً في المملكة المتحدة (بريطانيا) وثيقة جديدة بعنوان: «قاعدة الذهب: مستقبل نقد عالميّ مستقرّ». (تتوفر النسخة الإلكترونية من الوثيقة (الكتيب) باللغة الإنجليزية على الموقع hizb.org.uk للتحميل مجاناً). وقد طرحت المجلة عدداً من الأسئلة على رئيس تحرير هذا التقرير أ. جمال هاروود، وهو متخصص في المجال الاقتصادي، ليوضح لنا ماهية هذه الوثيقة وأهميتها وأبرز النقاط التي تتعرض لها.
-
1. لماذا الحديث عن قاعدة الذهبِ والفضة في هذا الوقت؟
إن الأسواق الماليةَ العالميةَ في أزمةٍ، فالنمو في انحدار، وهناك تساؤل حول إمكانية بقاء منطقة اليورو، كما أن العجز التجاري الأميركي والعجز في الميزانية قد بلغا أرقاماً قياسية. كذلك أخفقت الأسواقُ في التَعافي مِنْ الأزمةِ المالية العالمية عام 2008م. وفي مثل هذا المناخ تلجأ الحكومات الغربية إلى طِباعَة النقد الورقي كحَلّ وحيد لإبْقاء النظامِ الورقي حيّاً. ويعبر هذا عن سياسة فاجرة تمارسها الدول الغربية لسرقة أموال الناس من خلال تضّخمِ العملةِ. لذلك كان من الضروري عرض المشكلة ومناقشة الحلول. ونُحاولُ من خلال الوثيقة التي طرحناها بيان كَيفية تقديم النظامِ الاقتصادي الإسلاميِ حلولاً عملية يمكن للاقتصاديين والمفكّرين (في العالمين الإسلامي والغربي) أَنْ يَفْهموها. كما نعرض في هذه الوثيقة 10 حجج شائعة تطرح في أغلب الأحيان ضدّ قاعدة الذهبِ والفضة ومن ثم نقوم بدحضها بالبراهين اللازمة.
-
من المؤكد تاريخيّاً أن النمو الاقتصادي في ظل نظامِ النقد الورقي الإلزامي كان أفضل مِنْه في ظل قاعدة الذهبِ والفضة، فهـل هذا الكلام صحيح؟
هذا وهم شائع. ويكفي أن يأخذ المرء في الاعتبار الثورة الصناعية لدحضه، حيث كانت فترة نمو اقتصادي مستدام لم يسبق له مثيل، حَدثَ بين سنة 1700م و 1850م أثناء تطبيقِ قاعدة الذهب الكلاسيكيِة، مما يسقط هذه الحجة المتهافتة والفهم الخاطئ بسهولة.
-
إحدى الحججِ الرئيسيةِ ضدّ قاعدة الذهب هو أثرها الانكماشي (تقلص الأسعار عكس التضخم). فكَيْفَ يمكن التغلب على هذا الانكماش؟
كما بينا في تحليلنا الذي عرضناه في التقرير، ليس الانكماش نتيجةً حتميةً لتَطبيق قاعدة الذهب. فعندما طبقت قاعدة الذهب في الاقتصاداتِ العالميةِ في القرنين السادس عشر والسابع عشر كان عدد فتراتِ التضّخمِ كعدد فترات الانكماشِ – وهو هامش بسيط جداً لا يؤثر على الاستقرار النقدي بحال. كما أن الانكماش البسيط ليس بحد ذاته بالضرورة أمراً سيئاً، فهو يزيد القوة الشرائية للنقود مما يُفيدُ المستهلكين والمستثمرين معاً. كذلك يزيد الانكماشُ التنافس الدولي على السلع والخدماتَ المنتجة محلياً مما يفيد الصادرات ويحدّ من الواردات. وفي الوقت الذي قد تجد الشركات فيه صعوبة في تَحقيق الأرباحِ من خلال رَفْع الأسعارِ، فإن فترات الانكماش تشجع الإبداع والابتكار وتخفض كلفة تحسين الكفاءةِ ومعدلِ الإنتاج.
-
تاريخ قاعدة الذهبِ والفضةِ في العالم الاسلامي مشهورٌ. فهَلْ تُدافعُ عن عودتِه إلى العالمِ الإسلامي وحده؟ وماذا عن الغرب؟
من الجدير بالذكر أن قاعدة الذهب والفضة طُبّقت في الغربِ سابقاً، وكان في الحقيقة نظام النقد المهيمنَ خلال مِئات السنين. نعرض هذا الأمر في التقريرِ ونبين أن معدّلّْ الانكماش والتضّخمَ أثناء فترات تطبيق قاعدةِ الذهب كَانا بسيطين للغاية، وهو ما خلق مناخاً أكثر استقراراً مما كان عليه الوضع أثناء فترات نظام الورق الإلزامي. ومنذ أخرجت الولايات المتّحدةِ العالم من نظامِ بريتون وودز عام 1971م – بحيث ربطت كُلّ العملات بعد ذلك بالذهبِ عن طريق الدولار الأميركي- فارتفع سعر الذهبِ، مقدراً بالدولار الأميركي، بشكل هائل مِنْ 35$ إلى 1,600$ لكلّ أوقية؛ وهذا يبين مدى الانخفاض في قيمة العملات الورقية. ويعتبر ذلك سرقة منظمة لثروة الإنسان العادي. وليس هناك من سبب يمنع عودة قاعدة الذهب عالمياً سوى النظام المالي الفاسد المطبق حالياً؛ وبعد الأزمة المالية/المصرفية حالياً قد يعود فعلاً بقوة لأنه ما من حل يمكن اعتماده للمشاكل النقدية سواه.
-
5. مع الحاجة لكل التغيير الضروري في العالم الإسلامي، ألا يعتبر هذا الأمر خطوة بعيدة جداً؟ فتطبيق قاعدة الذهب والفضة من جديد سيكون أمراً صعباً جداً.
من الضروري أولاً مُلاحَظَة أن الإسلام لا يُمْكن تطبيقه جزئياً، حيث لا يقبل تطبيق أجزاء من الإسلامِ وترك أجزاء أخرى لقوله سبحانه وتعالى: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ)
وعندما ندرس المشاكلَ في العالم الإسلامي نجد أنها ناجمة عن عدم تطبيق الشريعة، بخاصة في أمور الحكم والاقتصاد الصعبةِ جداً. وإعادة تطبيق قاعدة الذهب والفضة في النقد سَيَكُونُ جوهرياً في عودة الاستقرار في الاقتصاد، وسَيَمْنحُ الثقةَ للمواطنين والدولة والتجار المتعاملين به. وعند عودة الدولة الإسلامية (قريباً إن شاء الله) سيكون هناك العديد مِن التغييراتِ، لذا يجب إلا نَقَعَ في فخ مُحَاوَلَة التَطبيق التدريجيِ للإسلام. بخاصة أن اعتماد قاعدة الغطاء الذهبي للعملات يشكل عنصراً هاماً يميز النظام الاقتصادي الإسلامي عن غيره من الأنظمة الوضعية، وعدم تطبيق هذا النموذج يفقد النظام الإسلامي ميزة هامة.
-
هل قاعدة الذهب عملية حقّاً في العصر الحالي مع هذه التحويلات النقدية الإلكترونيةِ الفوريةِ والأعدادِ الضخمةِ من الصفقاتِ الماليةِ في مختلف نواحي الاقتصاد المعقد الحديثِ؟
التحويلات الإلكترونية وحتى المال الإلكتروني أمرٌ ممكن ربطه بقاعدة الذهبِ والفضة، بما في ذلك كُلّ الصفقات التي تَتعاملُ بالمالِ الحقيقيِ. فكُلّ ما يُطلَب هو أن تكون قاعدة الذهبِ هي القاعدة الأساسيةُ للنقد. فالودائع والتسديد الدوري للمشتريات المؤجلة، وكُلّ التقنيات الأخرى لتطوير التجارةِ والحركة ممكنة بقاعدة الذهب، كما كان التعامل بها هو واقع الحال لمئات السنين وحتى وقت قريب.
-
كَيْفَ يستطيع العالم الإسلامي تطبيق قاعدة الذهب بينما بقية العالمِ يتعامل حسب قاعدة النقد الورقي الإلزامي؟
يمكن تفعيل قاعدة الذهبِ والفضة من خلال آليات مختلفة معتمداً على ظروف الدولة التي تتبنى هذا النموذج. ولكن الخط العريض هو أنه يمكن تقويم النقد الموجود حالياً بالذهبِ، وتستمر الصفقات بالنقد الحالي حتى يتم سكّ نقود تكفي لطرح النقد الجديد على النحو المطلوب، في حين يتم استبدال النقود المكفولة من قبل الدولة بما تحدده هي من قيمة حقيقية له من الذهب والفضة. الأمر المهم هو أن يكون النقد المتداول مدعوماً بالذهبِ والفضة.
-
كيف تستطيع الدولة تحفيز النمو الاقتصادي والوظَائف إذا كانت لا تستطيع طبع النقود (الورقية)، في حالة تطبيق قاعدة الذهب؟
ستستعمل الدولة الإسلامية الأصول العينية الثمينة الموجودة تحت تصرّفها كالنفطِ والغاز لتأمين الذهبِ في الدولة. وهناك بَعْض البلدانِ المحايدةِ نسبياً مثل جنوب أفريقيا والبيرو التي لديها مناجمِ ذهب وفيرة، ويمكن تحفيز مثل هذه البلدانِ لبَيْع ذهبِها إلى الدولة الإسلاميةِ، لأن إمداداتها تزيد كثيراً عن حاجاتها واستعمالاتها. علاوة على ذلك، فإن بَعْض البلدانِ الإسلاميةِ تعتبر من المنتجين المعتبرين للذهبِ، مثل إندونيسيا وأوزبكستان. لذا يجب إعطاء الأولوية لهذه البلدانِ بضمّها لدولة الخلافة. كما يجب تشجيع مواطني الدولة الإسلاميةِ على إقراض الدولة في سبيل الله في زمن الحاجةِ. وقد تفرض الدولة الإسلامية ضريبة لمرة واحدة على المواطنين الأغنياء في حالات الطوارئ للوفاء بحاجتها. بالإضافة إلى كُلّ هذه الوسائلِ لزيَاْدَة الغطاء الذهبي يجب على الدولة أن تعمل دائماً على موازنة ميزانيتِها حتى تقلل جداً من متطلباتِها الذهبيةِ.
-
هل يوجد في العالم ذهب كافٍ لتَغْطية كُلّ التجارةِ والخدمات الجارية؟
يجب التنبه ابتداء بأنه لم يجر التخلي عن قاعدة الذهب والفضة بسبب نقصهما، بل بسبب الانضباط الذي تفرضه قاعدة الذهب والفضة. وقد كان الذهب في كُلّ العهود السابقةِ، حتى نهايةِ القرن التاسع عشر، كافيَاً لكُلّ النشاطات التجارية، وكان يَغطّي كُلّ الحاجات الاقتصادية العالمية في كافة العصور دون حصول مشاكلِ اقتصادية أَو ماليةِ. ففي خلال القرن التاسع عشر، شهد العالم زيادة عظيمة في السلع والخدماتِ وانخفاضاً كبيراً في الأسعارِ وزيادة في الأجور بدون نَقْص في كميةِ النقد الذهبي. وما يهمّ الناس ليس الزيادة الحقيقية في النقود، بل قدرتها الشرائية. فعندما تزيد السلع والخدمات الموجودة في السوق مع ثبات كمية النقود المتداولة فإن ذلك سيؤدي إلى قدرة الوحدة النقديةِ على شراء كمية أكبر مِن السلع والخدماتِ. وإذا عاد العالم إلى قاعدة الذهب فإن أسعار العملات وعلاقتها ببعضها ستحدد بالذهبِ والفضة، مما يجعل كل العملات في العالمِ كأنها عملة واحدة عملياً، وسينتج عن ذلك عدم القدرة على المراهنات (بالتخمين) على العملات. وبما أن كل الذهب الذي استخرج عبر التاريخ موجود حالياً، فلن يكون نَقْص الذهب مشكلة.
وهناك نقطة إضافية: إن تقويم الذهبِ والفضة بالدولار أمر تخميني (من خلال المراهنات على سعره المستقبلي)؛ وإذا أخذنا في الاعتبار النفوذ الهائل الذي يمارس في عملية التقويم فإن التبخيس في سعر الذهبِ ضخم. لذلك فتقويم الذهب – سواء أكان الذهب كافياً لتغطية الصفقاتَ الحاليةِ أم لا – غالباً ما يكون في غير محله، لأن ما يهمّ هو قدرته الشرائية في الاقتصاد الفعلي.
-
إذا لم يكن لدى الدولة الإسلاميةِ ذهبٌ يكفي لتغطية تجارتها فكيف ستتعاملُ مع هذه القضيةِ (فشراء المزيد من الذهب ليس دائماً مضموناً في هذه الحالةِ لأن كل دولة ستحتفظ بما لديها! )
الذهب والفضة سلعتان بالإضافة إلى كونهما نقداً، ولذلك سيكون لهما سعر يومي، ويُمْكِنُ شراؤهما وبيعهما في مختلف الأسواقِ يومياً. وسيعتمد واقع هذا الأمر على المنطقة التي ستقوم فيها الدولة الإسلامية أولاً في العالم الإسلامي، ولكن شراء احتياطات إضافية سيكون مبنياً على الاحتياطات الموجودة أصلاً، وهو أمر متوفر، فلدى العالم الإسلامي ثروة كبيرة بعضها حالياً ذهب وفضةِ وأكثر من ذلك من السلعِ الأخرى، مثل النفطِ على سبيل المثال، الذي يُمْكِنُ بيعه واشتراء ذهب وفضة بإيراداته.
-
هل يمكن استعمال مصادر أخرى مثل النفط والغاز واليورانيوم بجانب الذهب؟ إذا كان الجواب بالإيجاب فلماذا إذن الإصرار على قاعدة الذهب؟ وإذا كان الجواب بالنفي فكيف تقنع العالم بقاعدة الذهب بينما النفط والغاز مثلاً أكثر نفعاً للبشر؟
صحيح أن النفط والغاز والمعادن الأخرى والأحجار الكريمة يُمْكِنُ أَنْ يمتَلكها الجمهور (لا أن يمتلك مناجمها) إلاّ أنه لا يتوفر في أغلبها خاصية استعمالها كوسيلة عملية للتبادل. كما أنه للذهب والفضة قيمة حقيقية لدى كل الشعوب على مدار التاريخ المعروف، كذلك فإن الشرع يلزم الدولة تدبير وتنظيم أمر المال فيها، والأدلة من القرآن والسنة تشترط أن يكون المال في الدولة الإسلامية من الذهب والفضة أو مغطىًّ بالكامل بواحد منهما أو كليهما. فعلى سبيل المثال قوله صلى الله عليه وسلّم «الوزن (أي وزن الذهب والفضة) وزن أهل مكة».
لذلك ففي الوقت الذي يستطيع الناس أَنْ يَمتلكوا ويُتاجروا بمصادر الثروة إلاّ أن مال الدولة الرسميِ ذهب وفضة. وبما أن للذهب والفضة قيمة ذاتية في جميع الأوقات لذا يمكن أن يستعملا لشِراء الأصولِ النافعة الأخرى مثل النفطِ والغاز والطعام والملابس… إلخ. ورغم فائدة النفط والغاز واليورانيوم في الصناعةِ إلاّ أنها لا تصلح مطلقاً أن تكون مالاً (نقداً) لأنها غير قابلة للتجزئة والتبادل بسهولة. أما الذهب والفضة فهما قابلان للاستبدال، وأهم من ذلك أن الشرع اشترط استعمالهما. وربما يكون إقناع العالم بقاعدة الذهب أسهل مِنْ إقْناعه بأي قاعدة أخرى. لذلك لم يكن غريباً أنها كانت الأكثر استعمالاً والأكثر نجاحاً عبر التاريخ. وعدم قابليتنا حاليّاً لتَصَوُّر بديل هو أصلاً بسبب الأوهامِ الإيجابيةِ عن قاعدة الورق الإلزامي.
-
كَيْفَ تُحفّزُ الحكومةَ النمو الاقتصادي والوظائف إذا لم يكن بإمكانها طبع النقود من غير غطاء كما تقتضي قاعدة الذهب؟
تَلْجأُ الحكوماتُ إلى طِباعَة النقود عندما تخف السيولة ويقل تداولها في الاقتصاد، فيما أن الواقع يشير بأنه يوجد دائماً ثروة كافية في أيّ اقتصاد – لَكنَّها تتوفر بين أيدي أناس لا يستطيعون أو لا يرغبون في إنفاقها أو استثمارها. لذلك فدولة الخلافة ستؤكد على تداول الذهبِ والفضةِ أولاً، كما أنها ستحفز بطبيعة الحال على الإنفاق الدائم وعلى أن يصرف الناس ثرواتهم ومدّخراتهم أو يستثمروها لا أن يكنزوها، وأن الذين لديهم مبادرة للاستثمار سيمُكَّنون من الحصول عليه ضمن ما يتيحه الشرع من أبواب واسعة جداً. كما يجب أنْ يُلاحظَ بأنّ الله سبحانه وتعالى خلق في الإنسان غريزة البقاء مما يجعله يكافح دائماً للتقدّم الذي يعتبر مفتاح النمو الاقتصادي والوظائفِ. واقتران ذلك بحرمة كنز المال وفَرْض عقوبة على الثروةِ غير المستعملةِ (أي الزكاة) يمثلان حافزاً قوياً للاستثمارِ ولتوزيعِ الثروةِ.
2012-01-07