مواجهة حرب الأفكار
2006/01/06م
المقالات
1,949 زيارة
مواجهة حرب الأفكار
هذه دراسة عن حزب التحرير (ح. ت.) وضعتها زينو باران مديرة الأمن الدولي والطاقة في مركز نيكسون في واشنطن دي سي.
وهذه الدراسة تكشف بدء اهتمام الغرب بـ(ح. ت.) نتيجة إدراك مدى خطورته في عملية النهضة الإسلامية التي باتت تؤرق الغرب بقوة. وهي دراسة تشكل محاولة جادة للتعرف على (ح. ت.) من أجل وضع حد لنشاطه… ولكنها تطرح إشكالية تعتبرها صعبة على حكومات الغرب وهي: إن (ح. ت.) فكري غير عنفي فحظره ومواجهته تعارض حرية الرأي والمعتقد في المبدأ الرأسمالي وتشكل تخلياً عن أساسيات هذا المبدأ، وفي المقابل لا يمكن تركه ينشط لأن فكره خطر جداً إذ يدعو إلى الخلافة، وجمع المسلمين على صعيد واحد. وبحسب قولها: «وإهمال هذه المشكلة لم يعد مطروحاً» ومما جاء في هذه الدراسة:
=================================================================
حزب الطليعة (القيادة)
مازال الإسلام والغرب غير متورطين في صراع الحضارات، ولكن بدأ الغرب بالتورط في صراع أيديولوجيتين متنافستين في العالم الإسلامي. أما أنصار الأيديولوجية الأولى، فيعتقدون بأن الإسلام يتوافق مع الديمقراطية العلمانية والحريات المدنية الأساسية. ويلتزم أنصار الأيديولوجية الثانية باستبدال النظام العالمي الحالي بنظام خلافة جديدة -أي دولة إسلامية تعم العالم بأسره-. وهؤلاء هم من يسعون لإشعال صراع حضارات حقيقي، وجزء من ذلك يعود ِإلى أنهم يجبرون المسلمين الأكثر اعتدالاً لاختيار تفسيرهم للإسلام.
لقد أصبحت المنظمات الإسلامية المتطرفة، مثل القاعدة، مشهورةً خلال السنوات الماضية لأنها حاولت تحقيق أهدافها بواسطة الإرهاب والعنف السياسي. أما المنظمات الأقل شهرةً هي تلك التي تكمل أعمال المنظمات المتطرفة بتكريس جهودها ليس للعمل المباشر بل للصراع الأيديولوجي. وأهم حزب من هذه الأحزاب هو (ح.ت) وهو عبارة عن حركة عابرة للحدود لعبت دور الطليعة في إنشاء الأيديولوجية الإسلامية السنية المتطرفة.
لا يعتبر (ح. ت.) منظمة إرهابية إلا أنه من السهل جداً اعتباره بمثابة حزام وصل للإرهابيين… كما أنه خطر من الصعب أن تواجهه المجتمعات الليبرالية.
لقد تم تبسيط أيديولوجية وعلم اللاهوت الخاص بـ(ح. ت.)، اللذين تم اشتقاقهما من أحزاب إسلامية متطرفة أخرى، كي يسهل للعامة الوصول إليهما. وفي الوقت الذي تصر فيه العديد من الجماعات الإسلامية الأخرى على الصحة المطلقة لتفسيراتها الدينية، أو ما يتعلق بهوس قضية واحدة جزئية، فإن (ح. ت.) يركز على الهدف الأسمى وهو توحيد جميع المسلمين تحت راية الإسلام، وبالتالي يقوم بالتركيز على قضايا تهم الجميع مثل صراع الحضارات، أو شتى أنواع الظلم الذي يعاني منه المسلمون في العالم؛ ولهذا ينظر العديد من المتطرفين الإسلاميين إلى هذا الحزب كحليف وليس كمنافس، وغالباً ما يستخدمون مفاهيم (ح. ت.) وأدبياته (المتوفرة على شبكة الإنترنت) لتنظيم أنصارهم.
إن أعظم إنجاز لـ(ح. ت.) هو قدرته على تغيير مصطلحات النقاش في العالم الإسلامي. قبل بضعة سنوات، كانت معظم الجماعات الإسلامية تنظر لفكرة إقامة خلافة جديدة كهدف ممكن تحقيقه فقط في الأحلام، ولكن اليوم أعداد متزايدة من الأشخاص يعتبرونها هدفاً جدياً. وبعد أن قضى (ح. ت.) عقوداً من الزمان وهو يصر على ضرورة توحيد الأمة الإسلامية، بإمكانه اليوم أن يفخر بالشعور المتنامي عند المسلمين بأن هويتهم تنبع ليس من جنسيتهم أو عرقهم أو وطنيتهم، بل من دينهم الذي يكرسون له الولاء التام.
من الصعب تحديد حجم (ح. ت.) بالضبط؛ وذلك لأنه يتكون من خلايا سرية، ولكن يقدر بأن عدد أعضائه يبلغ المئات في الدول الأوروبية مثل الدانمرك ويصل إلى عشرات الآلاف في الدول المسلمة مثل أوزبكستان. وقد حظرت معظم الدول الإسلامية (ح. ت.) بالإضافة إلى روسيا وألمانيا بعد أن أدركوا الخطر الذي يشكله أمامهم، ولكن سمح له حتى مؤخراً بالعمل بحرية في مناطق أخرى وخاصة في المملكة المتحدة التي لعب فيها دوراً أساسياً في قلب تفكير الشباب المسلم الناقم.
إلا أنه منذ وقوع التفجيرات في لندن خلال شهر تموز/ يوليو الماضي، تغير السلوك البريطاني. في شهر آب/ أغسطس، أعلن رئيس الوزراء البريطاني، توني بلير، عن تبني حكومته لسلسلة من الإجراءات الجديدة لمواجهة خطر التطرف الإسلامي، ومن هذه الإجراءات تجميع قائمة من مواقع الإنترنت والمكتبات والمنظمات المشتبه بها، مع احتمالية ترحيل المجنسين الأجانب المرتبطين بها. وأضاف بلير أن حظر (ح. ت.) في المملكة المتحدة سيكون جزءاً من هذه الإجراءات. إلا أن بعض مستشاري بلير في الجالية الإسلامية يعارضون فكرة الحظر هذه مرتكزين على حقيقة أن هذا الحزب نفسه لا يميل إلى العنف.
وحقيقةً إن (ح. ت.) يشكل منطقة مساعدة لنمو النـزاعات المسلحة، إلا أن نشاطاته التي تتعدى التعبير عن الرأي ولكن لا تصل لدرجة الإرهاب تجعل من عملية ضبطه تحدياً كبيراً أمام الأنظمة الديمقراطية الليبرالية. ويبقى من المبهم أن نعرف كيف ستواجه الحكومات الغربية ومجتمعاتها هذا التحدي الذي يلقيه أمامهم (ح. ت.) بدون أن يضحوا بقيمهم الغالية. وعلى أية حال، فقد أصبح جلياً أن إهمال هذه المشكلة لم يعد مطروحاً.
في عام 1953م، قام قاضٍ فلسطيني يدعى الشيخ تقي الدين النبهاني بإنشاء (ح. ت.) في القدس الشرقية التي كانت تخضع آنذاك لحكم الأردن. وتبعاً لأعمال قطب وغيره من الإسلاميين، رفض النبهاني الرأسمالية معتبراً إياها نظاماً استغلالياً، والديمقراطية لكونها غير ربانية. ووفق تقديراته، فإن الطريقة الوحيدة لإعادة إقامة المجتمع الإسلامي على نهج الرسول تبدأ بتحرير المسلمين من الأفكار والأنظمة والقوانين الكافرة، وإبدال نظام الدولة المسيطر عليه من قبل اليهود والمسيحيين بنظام الأمة التي لا حدود لها وعلى رأسها خليفة جديد.
واعتبر النبهاني كل من الحضارة الغربية والإسلام كنظامين استثنائيين يطمحان للسيطرة الأيديولوجية في المجتمعات المسلمة. وقال إن الرأسمالية والاشتراكية ملعونتان إذ إنهما فشلتا بالاعتراف بصدارة الإسلام. و(ح. ت.)، الذي يتبع معتقدات مؤسسه، قد حظي على سقوط الشيوعية بدون أي عناء يذكر، وبقي النظام الرأسمالي الديمقراطي الغربي هو العائق الأساسي أمام إقامة المجتمع الإسلامي الحقيقي. وبالرغم من الكره البغيض الذي يكنه (ح. ت.) للحكومات الحالية في العالم الإسلامي، إلا أنه لا يرحب بجهود الولايات المتحدة «لترويج الديمقراطية» حيث يعتبرها جزءاً من مؤامرة استعمارية جديدة، وآخر صورة للحقد الغربي الدائم تجاه الإسلام. وبالنسبة لـ(ح. ت.) وأتباعه، فإن «الحرب على الإرهاب» هي مرادفة لـ«الحرب على الإسلام».
توفي النبهاني عام 1977 وخلفه عبد القديم زلوم، وهو شيخ فلسطيني، وخلفه عام 2003م عطا أبو الرشتة الذي كان الناطق الرسمي لـ(ح. ت.) في الأردن. وقد أصبح (ح. ت.) أكثر عدوانية تحت قيادة الرشتة، كما وتعتقد مصادر المخابرات الغربية أن الحزب وجه أوامر لأعضائه بتوجيه نشاطاتهم ضد حلفاء الولايات المتحدة، وخاصةً الدول التي دعمت الحرب على العراق. ولطالما تميزت أيديولوجية (ح. ت.) بمعاداة علنية للسامية، مقتبسين آيات من القرآن التي حسب قولهم تذكر أن على المسلمين واجب «هدم الكيان اليهودي الوحشي».
يصف (ح. ت.) نفسه على أنه حزب سياسي، ويمتنع عن التورط في أي نشاط إجرامي أو إرهابي.
على منهاج النبوة؟
يسعى (ح. ت.) لاتباع نهج الرسول محمد في إقامة دولة إسلامية في محاولته لإعادة إقامة الخلافة من جديد. ووفقاً لتفسير الجماعة، فإن الرسول قد قام بذلك عن طريق نشر الأفكار بصبر بليغ، ثم بتنظيم أتباعه، وأخيراً التحرك لأخذ زمام السيطرة. وبالتالي يخطط (ح. ت.) لعملية خاصة به مكونة من 3 مراحل.
في المرحلة الأولى، يركز (ح. ت.) على بناء الحزب ويحقق هذا الهدف عن طريق تجنيد الأعضاء والدعاية. وتختلف مناهج التجنيد من بلد إلى آخر، ولكن يقوم أعضاء (ح. ت.) في العادة بالبحث عن الشباب من ذوي التساؤلات حول الوجود والحياة ويدفعونهم إلى دائرة الحزب. ويتم تقديم المرشحين المحتملين رسمياً إلى جهاز الحزب بالتعامل مع مجموعة تثقيف، حيث تنضم الأغلبية إلى المجموعة للتثقف عن الإسلام، وبعد انتهاء عملية تأهيلهم، التي قد تدوم من 6 أشهر وحتى 3 سنوات، يصبح أعضاء (ح. ت.) مستعدين من الناحية الأيديولوجية والروحانية لمواجهة أي صعوبات في طريق نضالهم.
وفي المرحلة الثانية من مخطط الحزب –والتي قد وصل إليها الحزب في معظم الدول التي يعمل فيها- يحاول أعضاء الخلايا الجديدة خلق أجواء توتر بين الحكومات والشعوب. ويطلب من الأعضاء تعديل سلوكهم بما يناسب اندماجهم في المجتمع، والتغلغل في الحكومة.
وعند انتهاء المرحلة الثانية، يكون الوضع قد وصل إلى مرحلة تسمح بقيام ثورة إسلامية وإقامة دولة تحكمها الشريعة. ويعتقد الحزب أن الوصول إلى المرحلة الثالثة يتم عندما تتبنى الأمة تفسير (ح. ت.) للإسلام وكل الترتيبات المرتبطة بذلك. وبخلاف معظم جماعات الجهاد العالمية، يؤمن (ح. ت.) بمقدرته على خوض ثورة سياسية بدون اللجوء إلى العنف، بل معتمداً على اختراق المؤسسات الحكومية وتجنيد كبار الضباط.
بالرغم من أن (ح. ت.) يخوض حرباً أيديولوجية لأكثر من نصف قرن، إلا أنه قد حقق مؤخراً تقدماً كبيراً باستخدام أحدث الوسائل ألا وهي الشبكة العالمية (الإنترنت). وبالتأكيد فإن الوصول إلى الإنترنت في أي مكان من العالم هو أفضل طريقة لجماعة تنكر شرعية الحدود السياسية. وبإمكان المسلمين في أي مكان في العالم الوصول إلى مواقع (ح. ت.) على الإنترنت بسهولة.
وقد صممت مواقع (ح. ت.) بشكل يجذب المسلمين الذين يتجولون عبر شبكة الإنترنت، والذين يشعرون بالاغتراب في مجتمعاتهم حيث توفر لهم هذه المواقع الأخبار والتحليلات وتبادل الآراء، فيشعرون بأنهم جزء من مجتمع إسلامي عالمي. بالإضافة إلى أن هذه الطريقة لا تعرف أي تفرقة جنسية، على عكس المناهج الأخرى، بحيث تسمح للمرأة بالمشاركة في النشاط السياسي عبر العالم الفضائي، الأمر الذي يمنع عنها بوسائل أخرى.
وفي الوقت ذاته، توفر مواقع (ح. ت.) للجيل المسلم الثاني في الغرب أدبيات بعدة لغات. وعادة ما يشكو هؤلاء المسلمون من أن معلوماتهم عن الإسلام تأتي من «المستشرقين» الغربيين. ويملأ (ح. ت.) هذا الفراغ بمتابعته الخاصة للدين والأحداث والعالم.
الفكر عالمي ولكن العمل محلي
يمارس (ح. ت.) اليوم نشاطه في أكثر من 40 دولة، وقد صمم بدقة استراتيجية خاصة لكل دولة. إن نهج (ح. ت.) هو هيكلي وغير مركزي في الوقت ذاته، وعالمي ومحلي، حيث تكرس جميع فروعه جهودها لهدف واحد وهو القيام بثورة عالمية، ولكن يتم استخدام تكتيكات مختلفة في الأماكن المتعددة.
ويركز (ح. ت.) جهوده في ثلاث مناطق: تركيا وآسيا الوسطى وأوروبا الغربية. وتعتبر تركيا ساحة معركة الأيديولوجيات من عدة نواحٍ. فإذا تم قبول الدولة التي هدمت الخلافة في الاتحاد الأوروبي (النادي المسيحي)، ستكون النتيجة إثبات خطأ صحة مثال «صراع الحضارات» الذي يقدمه (ح. ت.).
وقد تمكن (ح. ت.) من تأسيس قواعد له في تركيا على العكس مما كان متوقعاً. ويتركز جدول أعمال (ح. ت.) في هذه الأيام على إقناع الأتراك بعدم المحاولة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي؛ وذلك لأن عضويتهم ستفقدهم هويتهم الإسلامية. وبالمقابل، يقول (ح. ت.) إن على تركيا رفع راية الإسلام لتصبح المعارض القيادي للحضارة المسيحية – اليهودية.
وكانت أوزبكستان بمثابة مكافأة لـ(ح. ت.) في آسيا الوسطى. إن أكبر هدية قدمت لـ(ح. ت.) في أوزبكستان هي الحكم الديكتاتوري للرئيس إسلام كريموف، حيث جاء (ح. ت.) في الوقت المناسب لاستغلال وضع البلاد الخطير، حيث الفساد والفقر والإدمان على المخدرات والقمع. إضافةً إلى أن (ح. ت.) قد أجاب على حاجات الأشخاص الملحة، وملأ الفراغ النفسي العميق الذي يشغل حياة العديد منهم.
أما ثالث تركيز إقليمي لـ(ح. ت.) فيكمن في أوروبا حيث يوجد للحزب حضور قوي في عدد من الدول ذات النسب الكبيرة من المسلمين. والعديد من أعضاء (ح. ت.) الأوروبيين هم من المهاجرين الذين هربوا من دولهم القمعية على المستوى السياسي في العقود الأخيرة. وأدت صعوبة أوروبا الغربية باحتضان ودمج هؤلاء المهاجرين إلى شعور العديد منهم بالغربة وفقدان هوية واضحة، وهنا لعب (ح. ت.) دوره لتسخير هذه المشاعر لصالحه. وقد نجح (ح. ت.) بالأخص في تجنيد الشباب المحبط والذي فقد إيمانه بأنظمة الدول التي جاء إليها هو أو أهله.
ما الذي يتوجب عمله؟
قدم (ح. ت.) للمسلمين تفسيراً مقنعاً حول سبب تخلف العالم الإسلامي عن الغرب خلال القرون الأخيرة. كما وفر لهم علاجاً بسيطاً لهذا الأمر: إقفال الهوة عن طريق تدمير النظام الحالي. وما يزال التاريخ يلعب دوراً فاعلاً في هذه النظرة. وكما قال عمران وحيد، المتحدث باسم (ح. ت.) في المملكة المتحدة، معلقاً: «يقول فوكوياما (فرانسيس) إننا قد وصلنا إلى نهاية التاريخ لأنه لا يوجد نظام بديل فعال لأيديولوجية الاشتراكية والحضارة الغربية. أما نحن، فنعتبر عملنا تحدياً مباشراً لهذه المقولة: ويجب أن نثبت خطأ مقولته».
استطاعت الولايات المتحدة (والغرب بشكل عام) بالظهور والسيادة خلال الصراع الأيديولوجي الأخير (الحرب الباردة).
ومن الضروري إدراك ظهور صراع آخر من هذا القبيل وحاجته لتبني استراتيجية مستمرة مماثلة. الفرق اليوم هو أن الفئة المستهدفة مدركة تماماً للبديل الغربي وترفضه بشدة. كما ويؤمن عدد متزايد من المسلمين –وليس فقط الإرهابيين- بأنه سينظر لهم نظرة متدنية طالما يعيشون في عالم تقوده الولايات المتحدة. ويعتقدون أن خطة جورج و. بوش «للحرية والديمقراطية» هي مجرد خدعة لتتمكن الولايات المتحدة من بسط زعامتها على العالم. ويناقش (ح. ت.) قائلاً إن على المسلمين التوحد والبروز كي يستعيدوا عزتهم السابقة بدلاً من الانصياع للنظام الحالي. وهكذا فإن البنية السياسية الدولية للحرب الباردة قد انقلبت على رأسها: تماماً كما فعلت الولايات المتحدة للمنشقين وراء الستار الحديدي، يقوم (ح. ت.) وإخوانه اليوم برفع آمال المسلمين المتضررين بوجود بديل نزيه للقمع الذي يعيشونه.
أول ما يجب القيام به لمواجهة هذا التحدي هو حرمان (ح. ت.) من القدرة على تشويه سمعة الولايات المتحدة والذين تنظر إليهم. ولكن، خلال ما جرى في الحرب على العراق، ومعاملة السجناء في سجن أبو غريب وخليج غوانتانامو، جعل من مصداقية الولايات المتحدة وسلطانها المعنوي في الحضيض في العالم الإسلامي.
كما يجدر على واشنطن التقليل من الأسباب العامة للمآسي التي يستطيع المتطرفون المناهضون لأميركا استغلالها، مثل الكبرياء الذي تظهر به أميركا سلطتها، وتحيزها في تعاملها مع الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. وبالرغم من أن هذه النصائح السياسية تبدو مألوفة إلا أنها في غاية الأهمية.
والمهمة الثانية: إيجاد طرق لقمع نشاطات (ح. ت.) والمنظمات المشابهة له بدون التعرض للعديد من الحريات المدنية. وهذه المهمة أكثر حداثة وربما الأصعب. وبالتالي على الحكومات والمجتمعات في الغرب حماية نفسها ليس فقط من خطر الإرهاب، بل أيضاً من التحريض غير المباشر الذي هو من اختصاص (ح. ت.).
ولهذا على القادة السياسيين أن يشرحوا لشعبهم أنه يجب تسييس القيود الموضوعة على الحقوق المدنية بحذر شديد، إلا أن أي فشل باتخاذ إجراءات الحذر المناسبة قد يؤدي إلى متاعب كبيرة فيما بعد. وإذا لم يوقف الغرب انتشار التطرف، فإن المجتمعات ستميل إلى التمزق بينما يزداد التوتر وتزداد ردود الفعل الدرامية بعد وقوع هجمات جديدة.
وقد وصلت هذه المشاكل إلى أشدها في المملكة المتحدة حيث أعلنت حكومة بلير عن نيتها سن قوانين تحظر (ح. ت.). وتتمحور أهداف بلير حول محاربة الإرهاب والناشطين الذين يدعمونه، ويبدو أنه مستعد لتعديل قوانين حقوق الإنسان من أجل تحقيق ذلك بشكل يسهل عليه تهجير المواطنين الأجانب الذين يشتبه بارتباطهم بالإرهاب. وربما قد تبدو هذه الإجراءات قاسية إلا أنها ضرورية وحان وقتها.
وبالرغم من أن العديد من الدول الأوروبية، مثل الدانمرك وهولندا، قد تناقشوا حول حظر (ح. ت.)، إلا أن ألمانيا هي الوحيدة التي حظرته (عام 2003م) وقامت بذلك عن طريق تطبيق قوانينها الخاصة بمناهضة السامية.
أما المهمة الثالثة فتكمن في مساعدة المعتدلين للفوز بالحرب الأهلية الإلهية والأيديولوجية التي تجري الآن في العالم الإسلامي. ومن الممكن البدء بذلك بأن يقوم الصحفيون الغربيون ومنظمات حقوق الإنسان بالكشف عن الصورة الكاذبة التي أوجدها (ح. ت.) عن نفسه وهو صورة المنظمة «المسالمة». كما يمكن للغرب أن يقدم المساعدة عن طريق تشجيع الحكومات في الدول الإسلامية السماح للمنظمات الدينية المسالمة بترويج التسامح ونشر حوار الأديان. وأخيراً يمكنها مساعدتهم بتطوير منهج دراسي يركز على التفكير النقدي والوطنية والأخلاقيات وجميع القيم الإسلامية التي تتوافق مع الديمقراطية والعلمانية.
وفي هذا المضمون، سيمثل ترشيح تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي امتحاناً مهماً للسياسة الغربية. فإذا قبل الاتحاد الأوروبي بالعادات الإســلامية التركية التي تصـر على تقارب الحضارات، إذاً سيخسر (ح. ت.) برهانه الدائر حول صراع الحضارات. ولكن، إذا رفض انضـمام تركيا الكامـل إلى الاتحـاد الأوروبـي، فهذا يدل على صحة نظرة (ح. ت.) حول عالم منقسم.
بالتأكيد هذه المهام ليست سهلة، ومن غير الممكن تنفيذها بسرعة، إلا أن البديل لعدم تنفيذها هو ترك السرطان ينتشر بحرية. إن الصراعات الأيديولوجية تتطلب وقتاً أكبر لإزالتها من الحروب العسكرية المباشرة. وحتى عند القضاء عليها، يبقى نجاح المهمة غير مؤكد أو دائم؛ ولهذا فإن مكونات أي استراتيجية يجب أن تشمل الصبر والإصرار. في الذكرى الرابعة لهجمات 11 سبتمبر/ أيلول، علق البعض معترضين بأن الهزيمة قد لحقت بالمحور بعد مرور الفترة نفسها بعد بيرل هاربر. وكان الأجدر بهم أن يدركوا بأن الحرب الباردة قد استمرت أكثر من نصف قرن.
2006-01-06