أخلاق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الدعوة (7):
إسلام الحارِثِ بنُ هشام والنُضَيْرُ بن الحارث العَبْدَرِي (رضي الله عنهما)
– أخرج الحاكم عن عبد الله بن عِكْرِمة قال: لما كان يوم الفتح دخل الحارِثُ بن هشام وعبدُ الله بن أبي ربيعة على أم هانئ بنت أبي طالب (رضي الله عنها) فاستجارا بها، فقالا: نحن في جوارك، فأجارتهما. فدخل عليهما علي بن أبي طالب فنظر إليهما، فشهر عليهما السيف، فتفلّت عليهما، واعتنقته وقالت: تصنع بي هذا من بين الناس؟! لتبدأن بي قبلهما. فقال: تجيرين المشركين، فخرج. قالت أم هانئ: فأتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت: يا رسول الله، ما لقيت من ابن أمي علي؟! ما كدت أفلت منه!! أجرت حَمَوَين لي من المشركين، فانفلت عليهما ليقتلهما فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما كان ذلك له، قد أجرنا من أجرتِ، وآمنا من آمنتِ». فرجعت إليهما فأخبرتهما، فانصرفا إلى منازلهما. فقيل لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): الحارث بن هشام وعبد الله بن أبي ربيعة متنضلين في الملاء المزعفرة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا سبيل إليهما، قد آمناهما». قال الحارث بن هشام: وجعلت أستحيي أن يراني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأذكر رؤيته إياي في كل موطن من المشركين، ثم أذكر برّه ورحمته فألقاه وهو داخل المسجد، فتلقاني بالبشر، ووقفت حتى جئته، فسلمت عليه، وشهدت شهادة الحق، فقال: «الحمد لله الذي هداك، وما كان مثلك يجهل الإسلام». قال الحارث: فواللهِ ما رأيت مثل الإسلام جُهل.
– أخرج الواقدي عن إبراهيم بن محمد بن شَرْحَبيل العَبْدَرِي عن أبيه قال: كان النضير بن الحارث من أعلم الناس، وكان يقول: الحمد لله الذي أكرمنا بالإسلام، ومنّ علينا بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم نمُت على ما مات عليه الآباء. لقد كنت أوضع مع قريش في كل وجهة، حتى كان عام الفتح وخرج إلى حنين، فخرجنا معه ونحن نريد إن كانت دَبْرَة (هزيمة) على محمد أن نعين عليه، فلم يمكّنا من ذلك. فلما صار بالجِعِرَّانة، فواللهِ إني لعلى ما أنا عليه إن ما شعرت إلا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تلقاني بفرحة، فقال: «قد آن لك أن تبصر ما أنت فيه» فقلت: قد أرى، فقال: «اللهم زده ثباتاً» قال: فوالذي بعثه بالحق لكأن قلبي حجر، ثباتاً في الدين ونصرة في الحق. ثم رجعت إلى منزلي فلم أشعر إلا برجل من بني الدؤل يقول: يا أبا الحارث، قد أمر لك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بمائة بعير، فأجِزْ لي منها، فإن عليَّ ديناً. قال: فأردت أن لا آخذها، وقلت: ما هذا منه إلا تألُّف، ما أريد أن أرتشي على الإسلام، ثم قلت: واللهِ ما طلبتها ولا سألتها، فقبضتُها وأعطيتُ الدُّؤَليّ منها عشراً.