مقابلة صحفية: الثورة في سوريا مختلفة وفيها (إن شاء الله) الخير العميم
2011/08/06م
المقالات
3,867 زيارة
مقابلة صحفية: الثورة في سوريا مختلفة وفيها (إن شاء الله) الخير العميم
هذه مقابلة أجراها أنطوني شديد. وهو أميركي من أصل لبناني يعمل في صحيفة نيويورك تايمز، ومراسل الشرق الأوسط لوكالة الأسوشيتدبرس من القاهرة، وهو من الصحفيين القلائل جداً الذين سمحت لهم السلطات السورية بدخول أراضيها والاتصال بالتنسيقيات وبناء علاقات معهم وتقييم الوضع، وتقديم الاقتراحات…في عمل لا نظنه إلا مشبوهاً ويجب الحذر كل الحذر منه ومن مثله، وإننا ننصح بعدم اللقاء مع أمثاله، وبعدم إعطائهم معلومات، فكل ما يعطى لهم يضر. ونعلم الإخوة في التنسيقيات أن مهمة هؤلاء شراء الذمم وتحويل الثورات عن أهدافها وربطها بجهات أجنبية… وهذه المقاباة أجراها هذا الصحفي مع من يظن أنه نقلها على لسان أحد مسؤولي التنسيقيات، وهي تعطي صورة جيدة عن وضع الداخل وتنظيمه، وعلى وعي يستحق الوقوف عنده، ومما جاء في المقابلة:
في يوم الجمعة 15/7/ 2011 م اتصل بي أحد الأصدقاء وأخبرني بأن هناك صحفياً أميركياً يرغب بزيارة مدينتي حمص وحماة وإجراء مقابلة مع شباب الثورة، تناقشنا بالغرض من الزيارة وما وراءها، وهل هو صحفي أم استخبارات، واستقر رأينا على أن نقوم بمقابلته لنعرف ماذا يمكن أن يكون وراءه
قمنا بترتيب أمور الزيارة ومكان اللقاء، وقمت بترتيب الأفكار التي يمكن أن نتناقش بها معه، وما هو الأنسب في هذه المرحلة أن يصل إلى الإعلام ويدعم ثورتنا.
في يوم 16/7/2011م دخل هذا الصحفي الحدود السورية برفقة مصور إسباني أطلق على نفسه اسم (موسى) ، الذي يظهر عليه عدم قدرته على التحدث باللغة العربية بعكس أنطوني الذي يتحدث العربية بطلاقة،.. توجهوا مباشرة إلى حماة وأجروا بعض اللقاءات فيها، كان يحمل هاتف ثريا ولم يكن معه جهاز لابتوب، وإنما كان يعتمد على الورق والقلم في تدوين ما يريده من معلومات وأفكار، كان يكتب باللغة الإنجليزية كتابات صعبة القراءة لدرجة يظن أنه يكتب رموز، لكن هي كلمات إنجليزية، (بمعنى آخر… هو من يفهم على خطه)
في يوم 17/7/2011م صباحاً عادوا إلى حمص وكان لقائي معهم واستمر لليوم الثاني بعد العصر، قام خلالها بمقابلة بعض شباب الثورة وأجريت هذا الحوار معه الذي تمحور حول النقاط التالية:
آليات العمل الميداني والتقني والتنظيمي لشباب التنسيقيات
كيف ينظر السوريون للبديل؟
نقاشات سياسية في التعامل مع الثورة السورية من قبل القوى المحيطة، والتمايز في التعاطي معها بين المحافظات السورية من قبل النظام
1- آليات العمل الميداني:
في البداية أبدى إعجابه من المواكبة التقنية لشباب الثورة حيث شاهد اللابتوب وأجهزة الهاتف الخلوي وأجهزة HTC، وتشفير الاتصال بالإنترنت، سألني عن مصادر هذه التجهيزات فأخبرته بأننا نحضرها من الخارج وذلك للضرورات الأمنية، حتى تصعب المتابعة، وقمت بإخباره بأنني لن أستطيع إعطاءه تفاصيل تتعلق بسير العمل وذلك للضرورات الأمنية، وكان متفهماً جداً وقال لي: أي شيء تراه يضركم لا تخبرني به أو نبهني على عدم نشره؛ لأن استمرار عملكم شيء مهم، وأنتم أعلم بما يضركم وما ينفعكم
سألني عن التقسيمات الإدارية وآلية العمل فأخبرته بأن هناك ما يعرف باللجان المحلية أو لجان الأحياء، وهناك التنسيقيات، وهناك تجمع التنسيقيات أو اتحاد التنسيقيات، هذا على مستوى مدينة حمص.. وغالباً هذا ما ينطبق على بقية المناطق.. وهناك اتحاد تنسيقيات سورية. هناك أيضاً لجان منسقي قسم الأخبار، لجان تأمين المواد الطبية، لجان تأمين الموارد المالية، لجان سياسية إعلامية، لجان الجرحى والشهداء، لجان المتابعة الميدانية، لجان تجهيز اللافتات، لجان تنسيق المظاهرات، (تأمين المداخل، حركة المظاهرة، مراقبة تحرك الأمن، تأمين النقيفات) وغالباً كل لجنة تتكون من 20 إلى 100 شاب، أبدى إعجابه بالوعي الأمني في كثير من المواقف بعبارة more secure
هنا سأل بأن هذا التنظيم لا يوجد بهذا الشكل بحماة، فأخبرته بأن حماة ما تزال في مرحلة تنظيم الفوضى، فاستغرب من هذا المصطلح فقمت بشرحه له على النحو التالي:
نتيجة للقمع الأمني الشديد الذي مارسه النظام طيلة السنوات السابقة على كل ما يشم منه رائحة التنظيم، صار الرعب من التنظيم كالهواء الذي يتنفسه أهل سوريا، وصار هناك قناعة بأن أي عمل يعتمد على التنظيم مآله إلى أقبية المخابرات، وعندما جاءت الثورة وخرجت الناس بهذه الأعداد الهائلة صار لا بد من تنظيم هذا العمل وتنظيم ما يترتب عليه من أعمال متابعة، فوقع الناس في هذه الجدلية: عمل منظم مصيره الاعتقال وثورة بدون تنظيم مصيرها الفوضى والفشل فخرج ما يعرف بـ «تنظيم الفوضى» أي التنظيم مع إبقاء حالة الفوضى… وهذه تدرجت بالمراحل التالية:
1- بالبداية كان كل شاب ناشط هو من يقوم بتحريض الناس على الخروج، وبالتظاهر والتصوير وإنشاء حسابات الفيديو على الإنترنت وتحميل الفيديو ومراسلة القنوات الإخبارية، وقد يكون هو نفسه الفدائي الذي يتجرأ على التكبير وسط المسجد بعد صلاة الجمعة.
2- مرحلة تقاطع أعمال الناشطين حيث صار هناك من يصور، وهناك من يحمل على الإنترنت، وهناك من يتظاهر، وهناك من يهتف، هناك من يكتب اللافتة ويعطيها لأي شخص بالتظاهرة يحملها فقط، هناك من يحضر المايكرفونات ويرميها وسط التظاهرة ليتلقفها أي إنسان ذو صوت جهوري ليردد الهتافات وتردد الناس من خلفه، هناك من يحضر الماء البارد، وكل هذه روابط على أرض التظاهر فقط
3- في هذه المرحلة صار هناك قوى شبابية متخصصة على الأرض، صار هناك قسم لتجهيز اللافتات، وقسم لجمع الأخبار، وقسم لتجهيز الشعارات، وقسم للتصوير ومتطلبات الإنترنت، وقسم لمناصرة الأحياء لبعضها… وهكذا
جاءت هذه المراحل في مدينة حمص مع تطور الوضع الأمني وتقسيم المدينة إلى كنتونات صغيرة وتقطيع أوصالها عبر عدة أسابيع، أما مدينة حماة كان هناك تأخر في قيامها عن مدينة حمص، ثم صار معها قفزة مباشرة للتحرر من سلطة الدولة فلم تعش هذه المرحلة بتدرجاتها، لكنها تحاول الآن الدخول في هذه المراحل نتيجة التهديدات الأمنية المحدقة بالمدينة من قبل النظام، وهي تعيش الآن بالمرحلة الثانية، وأخبرته بأننا نقدم لهم النصح والاستشارات المطلوبة.
أبدى إعجابه هنا بهذا التنظيم وقال عنه أنه قمة الإبداع مستغرباً أن يخرج هذا من شعب عاش ثلاثين عام مغيباً عن الحياة التكتلية السياسية، وقال بأن الثورة السورية مذهلة بكل معنى الكلمة، وهي أهم ثورة تحدث حالياً بالمنطقة، وأن الشعب السوري مبدع وخلاق
تطرق هنا لقصة المنشد إبراهيم القاشوش الذي قتلته المخابرات السورية ونزعت حنجرته ومثلت به ظناً منها أنه هو من يقوم بقيادة المظاهرات في حماة وهو حامل لواء (ياللا إرحل يا بشار) وتطرق لأنشودته التي انتشرت في أرجاء العالم والتي صار لها ما يعرف بالميكس الموسيقي، فأخبرته بأن المنشد إبراهيم المقتول ليس له علاقة بإبراهيم صاحب الهتاف، والاثنين من عائلة القاشوش، وقتل أحدهم بجريرة الآخر، وأن المخابرات السورية روجت إشاعة أن هذا الرجل مخبر تابع للنظام حتى تثير الريبة والشك بأعماله، كما قامت بنشر قوائم التجار المساهمين والداعمين للثورة على أنهم مخبرون لضرب الثقة بين الناس وبينهم.
تطرق أيضاً لموضوع أنه توقع أن تكون حماة أكثر راحة بغياب الأمن، لكنه تفاجأ بأن الوضع على الأرض متوتر جداً، فأخبرته بأن شوكة الدولة لم تكسر بعد، وأن أهل حماة لهم تاريخ مع هذا النظام وهم يتحسبون لغدره بأية لحظة.
2- كيف ينظر السوريون للبديل؟
أثناء هذا النقاش حضر دكتور بالشريعة الإسلامية يعمل بمديرية الأوقاف لمقابلته والحوار معه، كان يحاول إيصال فكرة أن الإسلام دين السلام والعيش المشترك، وأنه لا خوف من البديل القادم لأننا لا نريد إقصاء الآخرين، وأن ما نطلبه هو نموذج عن الدولة التركية الأردوغانية الإسلامية… فكان رد الصحفي هنا على الدكتور بأن تركية ليست دولة إسلامية وإنما هي دولة مدنية علمانية، لم يكن هذا الدكتور بالواعي سياسياً، وكان فقط يريد أن يدافع عن الإسلام ويعطي عنه الصورة المشرقة أكثر، فكان في كثير من مناقشات الحوار يشير الصحفي للدكتور بأنه لم يفهم عليه سؤاله، وأنني أنا فهمت مراده من السؤال، وكان يطرح أسئلة صريحة تحرج الدكتور من قبيل: هل يقبل الإسلام بزواج المسلمة من مسيحي فيرتبك الدكتور ولا يعطي جواباً صريحاً، وكنت أقوم بإجابته بكل صراحة وأرسم له طريقة التفكير في النظر لهذه الأمور، أيضاً أخبره هذا الدكتور بأن الدولة منذ بضع سنوات طلبت منه إجراء دراسة حول واقع التطرف في المجتمع السوري وخصوصاً في المدن التالية (حمص، حماة، حلب، دمشق، ريف دمشق، دير الزور) وأنه خلص من هذه الدراسة إلى أن المجتمع السوري فيه أناس طيبون، ولا يوجد به فكر متطرف بل يوجد فكر معتدل وحركات صوفية، وأما السلفية فهم قلة قليلة لا يشكلون شيئاً بالمجتمع، والنظام قام بإقصائهم… وبالنتيجة الشعب السوري يريد العيش بحياة كريمة دون رشاوى
كان الصحفي يركز هنا بأسئلته على: ما هو البديل الذي يتوقعه السوريون بالمرحلة التالية، وكان سؤاله لي ما الذي يريده الناس بعد سقوط النظام؟
قلت له الناس لا تفكر في مرحلة ما بعد السقوط، الناس تريد إسقاط النظام الآن.. قام بإعادة السؤال بصيغ مختلفة.. ما الذي يتوقعه الناس بعد سقوط النظام؟.. كنت أُؤكد عليه أن الناس ليس بوارد ما بعد السقوط… وكرر السؤال بصيغة ثالثة ورابعة… وكنت أحاول استجراره أكثر لما أريد إيصاله له، بعدها قمت بتشبيه الوضع له بالتالي:
لقد عاش الشعب السوري كالسجين لمدة أربعين عاماً بسجن له نافذة عالية لا يستطيع أن يشاهد ما يحدث خارج سجنه إلا بصعوبة وبما يسمح له النظام بمشاهدته، فلا وجود لحركات سياسية مهما كانت مشاربها، لا علمانية ولا إسلامية ولا شيوعية إلا بما يشاهده الشعب من نافذة السجن ليقوم بتقليده بداخل نفسه بصمت يقنع به نفسه أنه عملٌ من أجل الخروج من هذا السجن، ويجمعهم فقط التوق للحرية والخروج من هذا السجن.
شاهد هذا الشعب من نافذة سجنه السجن التونسي المجاور وكيف أن أصحابه كسروا بابه وخرجوا، فتفتحت عيونهم على مكمن القوة بداخلهم والتي ربما تساعدهم على الخروج من سجنهم… لكنهم تريثوا ليروا تبعات ما يحدث لجيرانهم، وما لبثوا أن سمعوا بجيرانهم المصريين يكررون المحاولة عندهم، وما لبثوا أن شاهدوا نجاحهم بكسر باب سجنهم فتكونت له قناعة بضعف سجانيهم.. ما لبثوا أن شاهدوا جيرانهم اليمنيين والليبين ما فتؤوا يحاولون خلع باب زنازينهم فانتفض السوريون انتفاضة الرجل الواحد، الذي قاده سجنه السابق لذكاء فطري بعيد عن اللوثات الفكرية… ذكاء لم ينتبه له النظام ولم يكن ليتوقعه.
انتفض الشعب وهو لا يفكر إلا في كيفية كسر الباب والخروج من السجن، لا يفكر إلا بإسقاط النظام ولا يمكن أن يفكر بأي شيء آخر ولا حتى البديل، فلا وجود لأي عمل سياسي قبل سقوط النظام وقبل الخروج من السجن وقبل الحرية.
هنا أصابته الدهشة من هذا التشبيه وطلب مني تكرار ما قلت، ثم سألني هل هذا يعني أن الشعب لا يمكن أن يقبل بأي شكل من الأشكال بالحوار؟ قلت له: لا معنى لأي حوار يوصل لحرية داخل السجن… الخروج من السجن يفضي إلى الحرية وبعدها يكون التفكير بالبديل… والخروج من السجن يعني الخروج من سلطة السجان… مما يعني الشعب يريد إسقاط النظام… فلا حوار داخل السجن
لم يشبع هذا الجواب عطشه لمعرفة البديل فكرر المحاولة… فقلت له حتى أكون أكثر موضوعية معك… قد يفكر الشعب بالبديل لكنه لا يصرح أبداً بالحديث عنه بهذه الفترة، لكن الجميع مجمع على أن هذا ليس وقت الحديث به الشعب يريد الآن إسقاط النظام فقط.
هنا توجه بالسؤال للدكتور.. ماهو البديل الذي يطلبه الناس؟ فأجابه نريد دولة مدنية ذات صبغة إسلامية لا يوجد فيها إقصاء لأحد.
قال لي حسناً إذا سقط النظام… مالذي ستقوم الناس بفعله؟ قلت له بعد خروج الناس من السجن سيقع الناس بحالة أشبه بالصدمة، سيتفاجؤون بأنهم بحاجة لرجل المرور وبحاجة للموظف وبحاجة لجندي الجيش لكن وعي الناس السابق كفيل لهم برسم الإبداع في الحلول غير المتصورة حالياً.
نعود للحديث السابق عن البديل حيث سألني سؤالاً صريحاً أراد إحراجي من خلاله فقال: الآن أنت هل تريد دولة إسلامية أم دولة مدنية؟ فأجبته مباشرة بالطبع دولة إسلامية، فتفاجأ هو، فتابعت نريد دولة إسلامية تحكم بشرع الله وتقيم أحكام الإسلام على المجتمع وتنشر الإسلام في العالم وتقيم الجهاد وتفتح أميركا – فكما أن أميركا تحتل هنا وهناك انطلاقاً من المبادئ التي تعلنها بنشر الحرية وحقوق الإنسان، فكذلك الدولة هذه تقوم بالجهاد اعتماداً على المبدأ الذي تحمله وستفتح واشنطن بإذن الله، بالإضافة إلى أنه يوجد لدينا أعمال سياسية من الممكن أن نقوم بها قبل فتحها بالعمل العسكري من مثل أن نفضح حكام أميركا أمام شعبها ونكشف كذبهم على الناس كون الشعب الأميركي مسالماً ويحب السلام، قال نعم إن الشعب الأميركي يحب السلام لكن لا لا ليس هذا المناسب، العلمانية مناسبة أكثر وتقبل جميع الطوائف والتوجهات، لكن الإسلام لا يقبل، فقلت له بالعكس، اعتناق الإسلام من قبل المسيحيين في هذه المنطقة زاد بينما العلمانية لم تستطع المحافظة على الأقليات، فقال هل تسمح الدولة الإسلامية بوجود المسيحي والعلماني، الغرب يخاف من الفكر الإقصائي، فقلت له هناك تفصيل، فالمسيحي واليهودي هو الذمي، وهو يدفع الجزية مقابل حمايتي له – (هنا قال له الدكتور إن الرسول يقول: «من آذى لي ذمياً…» وكان استشهاده هنا رائعاً) – أما العلماني فلا، وهذا لا دخل للغرب به، فهذا قانون ضمن الدولة، فكما أن الغرب لا يقبل أن أناقش قوانينه كذلك لا يحق لك أم تناقش قوانين دولتي، النقاش يكون بيني وبينه بالعقائد الأساسية فقط، الزواج بين المسيحي والمسلمة حكم شرعي، أي قانون لا يحق للغرب مناقشتي به، قال لي الدولة العثمانية كان فيها الكثير من الأخطاء والمشاكل التي أدت بالنهاية لتذمر العرب منها وسقوطها، فقلت له أنا لا أطالب بدولة إسلامية شبيهه بالدولة الفلانية أو العصر الفلاني، أنا أطالب بدولة إسلامية حسب مصادر التشريع التي لدي: القرآن والسنة وعندما تريد أخذ الإسلام لا يصح أن تأخذه من التاريخ وإنما من النصوص التي جاءت به، وكل ما يخرج عن هذه النصوص ما هو إلا إساءة لتطبيق الإسلام عبر العصور.
3- نقاشات سياسية في التعامل مع الثورة السورية من قبل القوى المحيطة، والتمايز في التعاطي معها بين المحافظات السورية من قبل النظام
جرت نقاشات بيننا حول دور أميركا بالثورة فسألته: ما الذي تريده الآن بعد كل هذا الصمت؟ وأين مبدأ حقوق الإنسان أمام سيل الدماء الذي يجري على الأرض في سوريا؟ ولماذا صرح السفير الأميركي بما صرح به؟ لماذا بدأت وفود الصحفيين الآن بالدخول وبعد أربع شهور من بدء الثورة (لم تسمح الدولة السورية بدخول إلا صحفيي صحيفتين أميركيتين ويبدو أنه منهم، أي أنه دخل بإذن رسمي)
فكان جوابه بأنه ليس هناك رابط بين توقيت دخوله الآن وبين ما يجري من سياسة إعلامية أميركية وليس تأخره بالدخول إلا للصعوبات الأمنية بالدخول التي يواجهها من قبل النظام، وخصوصاً هو وخصوصاً بعد لقائه الصحفي الأخير مع رامي مخلوف والذي وصفه به بالحرامي، مما أزعج النظام منه كثيراً، وتابع بأننا نحن نتخيل أن أميركا بيدها مفاتيح التغيير في سوريا، وهذا أمر نحن نهوله كثيراً، فأميركا ليست بهذه القوة على الأرض في سوريا لتحدث التغيير الذي تريد، بالإضافة إلى أن اللاعبين الرئيسين والمؤثرين في بقاء النظام في سوريا والساعين لتعطيل الثورة هم النظام التركي والنظام الإيراني و (إسرائيل) ، النظام التركي أقوى من الإيراني في الأرض، وهو الأقرب للناس والأكثر خطراً، لأن له شعبية وامتداداً أيديولوجياً في سوريا ومصالح اقتصادية جغرافية، وإمكانية للتدخل العسكري أكثر من النظام الإيراني الذي يرغب بالمحافظة على خط الإمداد اللوجستي لحزب الله في لبنان، أما (إسرائيل) فتساعد النظام من خلال اللوبي اليهودي الضاغط في الكونجرس الأميركي لحماية النظام، بإعطائه فرصة تلو الأخرى في سوريا، والحائل دون أي خطوات جدية من الإدارة الأميركية لتغيير النظام، كذلك التخوف العالمي وخصوصاً الغرب من البديل الذي يضمن العيش المشترك لجميع الأطياف، وعدم وضوح البديل غير المتطرف، وضعف العلمانيين والخوف من دكتاتورية الأكثرية (وهذا ما يفسر إصرار هذا الصحفي على أخذ صورة عن البديل المتوقع وذلك لتعطش الغرب لمعرفته وخشيته من الراديكالية الإسلامية) .
أما عن زيارة السفير الأمريكي لحماة فقال: إنها زيارة عفوية، فأخبرته بأن الناس على وعي بأن أميركا هي من يساند هذا النظام، وأننا قمنا ليلة زيارة السفير بإحراق الأعلام الأميركية وصورناها لكننا قمنا بحجب الفيديو عن الإعلام حتى نتبين الأهداف الكامنه وراء الزيارة (قام بتدوين هذه الملاحظة عنده وأكد عليها) وأخبرته بأنه كلما تأخرت أميركا بتغيير النظام كلما زاد هذا من فقدانها السيطرة على مجريات الأمور على الأرض، وهذا مصدر سرور بالنسبة لنا، فقام بتكرار بأننا نهول قدرات أميركا على الأرض السورية، فقلت له هل تريد القول بأن النظام السوري حرم أميركا من إيجاد البديل عنه طوال هذه السنين بتقديمه لها أكثر مما ترغب وتنفيذ كل السياسات بشكل باهر أعماها عن التفكير بتأمين البديل على مدى 40 عاماً… فقال: هذا ما أريد قوله بالضبط.
قلت له هل تؤيد القول بأن أميركا وأوروبا تفشلان لبعضهم المؤتمرات الدائرة حول سوريا بالخارج، هز برأسه وقال بالضبط هذا ما يحدث.
سألني ما رأيي في عدم تحرك حلب؟ فسكتُ قليلاَ ثم قلت له لا أعلم، لكن قد يكون تعامل النظام مع حلب في السنوات السابقة هو السبب فطلب مني التوضيح أكثر فقلت له إن النظام يتعامل مع المناطق بأساليب مختلفة تبعاً لطبيعة الشعب وطبيعة تفكيره…
قام بسؤالي وسؤال الشباب اللذين قابلهم عن تفاؤلهم بسرعة نجاح الثورة فكان جواب الجميع نعم سيسقط النظام عاجلاً أو آجلاً، خلال شهر أو شهرين، سنة أو سنتين، الشعب يريد إسقاط النظام… فضحك
سألته… هل تصدق الدولة السورية؟ فقال بالبدايات كنا نصدقها لكن الآن لا… لكن يوجد على الأرض سلاح، فقلت له لا يوجد سلاح على الأرض وثورتنا سلمية بحتة، فأصر على وجود السلاح، فأصررت على أن لا وجود للسلاح وما جاء على إعلام النظام ماهو إلا كذب وافتراء، وذكرت له قصص ترك السلاح من قبل الأمن أمام المتظاهرين وقصص العصابات المجرمة (الشبيحة) وقدمت له عرضاً خاصاً بفتح قناة LIVEstream خاص به أبث له من خلالها المظاهرات على الهواء مباشرة دون أن يكون لأحد علاقة به ليتأكد بنفسه أن لا سلاح على الأرض، فأبدى إعجابه بهذا وقال أنت مصدر ثقة بالنسبة لي وكلامك أصبح مصدر ثقة أعتز به، تطرقت أيضاً إلى أنه لدينا إعلام بديل، لا ننتظر أحداً، لدينا حتى جهاز مراقبة على الإعلام، أدواتها facebook – youtube، وكذلك جهاز مراقبة المخبرين.
سألني عن حياتي وعن عمري وعن نشاطات كنت أقوم بها قبل الثورة، وهل أنتمي لتيار سياسي معين، فأجبته بأن النظام لم يكن ليسمح بوجود تيارات سياسية فضلاً عن السماح بممارسة العمل السياسي على الأرض، فأعاد السؤال محاولاً الوصول إلى ما عندي فسألني عن النشاطات في المدرسة وفي الصغر بشكل عام وأكد على النشاطات الجامعية، فأجبته بشكل عام، سألني إن كنت أطمح بممارسة العمل السياسي بعد سقوط النظام وإن كنت أرغب بأن أكون وزيراً مثلاً، عاد وسأل بشكل صريح أي التيارات السياسية في الخارج تؤيد فقلت له… أنا حزب التحرير… فسكت قليلاً ثم قال هذا موجود في لبنان، قلت له نعم، قال عمر بكري؟ قلت له لا، قال أبو قتاده؟ قلت له: لا.. قال أنا جلست في لندن تحت المطر لمدة ساعتين أنتظر مقابلة أبي قتادة لأتحدث معه لمدة عشر دقائق فقط، هو إنسان بسيط وأظنه بريء والتهم الموجهة إليه كذب وافتراء… لم أجبه… عاد وسأل الشهال؟ قلت له لا هذا التيار السلفي في لبنان…
ثم سألته عن المعايير المهنية التي يتبعها في تقصي المعلومات والتي يمكن أن نستفيد منها بالإعلام خصوصاً أنني شاهدته يحاول أخذ صورة لدبابة على الطريق، وطلب الاقتراب لمسافة خمسة أمتار حتى نحقق الشرط المقبول لعرض الصورة بالصحيفة، فقلنا له اقترب على مسؤوليتك فقال: «لا لا لا» نريد صورة
طبعاً تخلل هذا النقاش الكثير من القصص عن جرائم النظام التي يقوم بها والتي لا مجال لذكرها هنا، وصل لدرجة أنه توتر وقال متى سنعود إلى بيروت وكم بقي من الوقت، وهو أيضاً حدثنا عن صحفيين غربيين قام النظام السوري البائد في أقبيته بتقطيع أيديهم لشلها عن الكتابة.
ودعني هذا الصحفي الدبلوماسي طالباً مني لقاء آخر إما في بيروت أو في حمص وأكد على ضرورة اللقاء القادم… طلب مني أن أكتب له عن تصرفات الدولة مع المتظاهرين والقمع الذي يتعرضون له وعن طرائف الثورة، وأعطاني إيميلات للتواصل.
2011-08-06