الفضائيات ومحاولة حرف الثورات عن مطلب الإسلام
2011/08/06م
المقالات
1,947 زيارة
الفضائيات ومحاولة حرف الثورات عن مطلب الإسلام
عماد أبو توفيق
ليس غريباً أن يُطلق مصطلح السلطة الرابعة على وسائل الإعلام المختلفة ومنها الفضائيات التي ما بقي بيت أو يكاد إلا ودخلته، وهذا الإطلاق إنما هو لبيان مدى التأثير الذي تحدثه وسائل الإعلام على الناس في مختلف الجوانب، الاقتصادية منها والفكرية والمشاعرية…
لا بد من القول بأن الفضائيات ليس لها تأثير فعلي بمفهوم السلطة التنفيذية للدولة، أي أنها لا تقوم بالفعل نفسه بصورة مباشرة، ولكنها يمكن أن تحول المشاهد إلى أداة فاعلة عن طريق التحريض لأمر ما، أو إعطاء تصور مسبق عن حدث ما. فالفضائيات لديها القدرة للتحريض وتوجيه وإنجاح العديد من التغييرات السياسية وإشعال الثورات والتوترات السياسية أو حتى تحريض جهة ما ضد جهة أخرى وإشعال الفتن والحروب الطائفية أو العرقية في العديد من دول العالم. كما أنها أي الفضائيات تستطيع من خلال الضغط السياسي المساهمة بشكل فاعل في تغيير الأنظمة وإحلال أنظمة أخرى محلها، حيث إن تأثير وتدخل ونفوذ تلك الفضائيات بل ووسائل الإعلام المختلفة الأخرى في الشؤون الداخلية للدول لا تقف أمامها حدود أو اتفاقيات أو حتى التزامات دولية ولا مواثيق ولا قوانين أو ما شابه ذلك.
بدون هذه السلطة (الإعلام ومنه الفضائيات) لم يكن من الممكن إنجاح التغييرات التي حدثت في المعسكر الاشتراكي والإسراع بإسقاط الأنظمة البوليسية هناك، فلم تكن هناك حاجة مع هذا التدخل الإعلامي لأي تدخل عسكري من قبل جيوش حلف الناتو.
وكم من الحكومات سقطت من خلال ما سُمي بالثورات البيضاء بتأثير من الإعلام فقط. ولا أدل على ذلك مما حصل في الثورة الإيرانية ودور الإعلام الهائل في إنجاح التغيير السياسي في إيران وإسقاط سلطة الشاه وقيام الجمهورية الإسلامية فيها.
إن سيطرة الدول المتنفذة على الكثير من الفضائيات والعمل على توجيهها لما يخدم مصالحهم جعل من هذه الفضائيات جهاز حرب يستخدم في العمل الدعائي للترويج لأفكار ما، كاستخدام الإعلام الغربي في إسقاط أو الإسراع بإسقاط العديد من دول المنظومة الاشتراكية دون مشاركة القوى العسكرية لحلف الناتو، مع أن المشرفين ومن لهم السيطرة الفاعلة على الإعلام الغربي يرفضون هذا الاتهام ولا يعترفون به ويقولون إنهم إنما روجوا لأفكار هم يؤمنون بها، وإنهم واثقون من صحتها كالديمقراطية وحرية الرأي والانتخاب والحريات العامة.
إن الدول والأنظمة التي تملك السيادة الفعلية يمكن أن توجه مثل هذه السلطة (سلطة الإعلام) الوجهة الصحيحة وتحقق بالتالي الفائدة المرجوة منها، ولكن لو نظرنا من حولنا لوجدنا أن هذا لا يوجد في الواقع سوى في بعض الدول في العالم التي تملك أمرها بل وتملك أمر غيرها مثل الدول العظمى التي باتت تسيطر على كل شيء حتى على أذهان وأذواق الشعوب المستضعفة ومنها دول الشرق الأوسط.
وبما أن هذا هو حالنا وتأثير الإعلام فينا، فلا بد إذًا من أن يكون كل ما يبث من إعلام على أمم هذه المنطقة لا بد وأن يكون قد دُبِّر أو مرَّ على شريط المراقب، وهو الدولة السيدة التي تملك النفوذ في تلك البلاد، وعليه لا يمكن التصديق بكل ما يُعرض، كيف لا والمشاهد لا يرى أو يسمع إلا ما يريده صاحب النفوذ والصلاحية والسلطة، ويدلل على هذا القول ما يحدث الآن في منطقة الشرق الأوسط من ثورات.
إن المتتبع لهذه الثورات من على شاشات الفضائيات يرى بأنها إنما تريد فقط إسقاط النظام أو الحاكم وأقصد شخص الحاكم، بل وإنها تطالب بعد ذلك بتطبيق الديمقراطية والحريات، وإن من يموت منهم إنما قدم روحه رخيصة من أجل أن يعيش غيره من الأجيال في ظل تلك الديمقراطيات والحريات والتعدديات السياسية والتي تجمع أصحاب التوجه الإسلامي مع غيرهم من نصارى وعلمانيين وغيرهم.
تظهر تلك الفضائيات أن الدوافع الحقيقية لهذه الثورات إنما هي الجوع والقهر وقلة العمل ولقمة العيش، فتراها إذا ما نزلت إلى الشارع لا تقابل الا تلك الشريحة من المجتمع التي ترفع تلك الشعارات العلمانية، ولا تبث شيئاً عن تلك الثورات الا ما ترغب في بثه عنها وهو ما يعطي انطباعاً عند جميع المشاهدين بأن الحقيقة هي تلك التي تُروجها وسائل الإعلام.
فهم يُعدون التقارير تلو التقارير عن تلك الثورات ويجرون اللقاءات المباشرة مع شريحة من الشرائح التي يعلمون توجهها سلفاً حتى يصب ذلك كله في تحقيق هدف الأسياد المسيطرين على تلك الفضائيات.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل حقاً أن جميع الشعوب تهدف إلى إسقاط -أو قل استبدال- الأنظمة الموجودة لتأتي بأختها ولكن بزي آخر وشكل متجدد؟ أم أن هناك مطالب أخرى لا تبرزها تلك الفضائيات سوى ما يظهر رغماً عنها ولا يمكن تفاديه وتمر عليها مرور الكرام ولا تعود إليه ثانية؟.
في الحقيقة أن الواقع ليس كذلك أبداً، فتلك الفضائيات إنما تضخم ما تريد تضخيمه وتقلل من شأن ما تريد تقزيمه، بل وتتجاهل بالمطلق كل ما لا تريد أن يُعلم أنه قد حدث.
كيف لا وأن نبض الشارع اليوم يرنو نحو الإسلام، وأن الثائرين إنما يتوقون ليروا الإسلام مطبقاً في واقع حياتهم.
ألم يُشاهد الجميع صور الثائرين في تونس ومصر وليبيا واليمن وهم يؤدون الصلوات في أوقاتها ويتضرعون ويتوجهون إلى الله الجبار المنتقم أن يخلصهم من طواغيتهم، فهذه المشاهد ما كان للفضائيات أن تزيلها حال إعدادها للتقارير أو بث الأخبار.
أما الأحداث العظيمة والتي تنادي بعودة الإسلام ليطبق في الواقع فبالرغم من عظمتها وضخامة بعضها، إلا أنهم لم يأتوا على مجرد ذكرها.
فهل لا تعلم الفضائيات مثلًا عن المؤتمر الذي عُقد في إندونيسيا تحت عنوان «معاً لاستئناف الحياة الإسلامية في دولة الخلافة» والتي أقامته حاملات الدعوة هناك بتاريخ 21/4/2010م؟ وهل جهلت الفضائيات المؤتمر الكبير الذي دوّى تأثيره أصداء المعمورة حيث ارتفعت حناجر عشرات الألوف مدوية بالمطالبة بعودة الخلافة بتاريخ 12/آب/2007م؟ وأين الفضائيات من مؤتمر علماء المسلمين الذي انعقد بتاريخ 21/7/2009م وكان من الضخامة بمكان بحيث ضم علماء من مختلف البلاد الإسلامية في العالم عربها وعجمها ولكن لم تأت الفضائيات على ذكره.
تلك أمثلة من أحداث سبقت، أما الأحداث الحالية وأخبار الثورات اليوم فليس كل ما يحدث في الواقع يعرض على شاشات الفضائيات، ومثال ذلك قناة الجزيرة مثلاً والتي يصلها بعض التسجيلات من داخل الحدث ويقوم بتسجيلها الناس والمشاركون ثم تقوم هي بعرض بعضها بالصوت والصورة والبعض الآخر بالصورة دون الصوت، والسبب في ذلك أن الصوت في تلك التسجيلات يُكذب ما تروج إليه تلك الفضائيات من مطالب الناس الحقيقية، ففي حمص مثلاً وفي تسجيل شاهدته وسمعته على موقع منتدى العقاب طالبوا بعودة الخلافة الإسلامية حلاً لمشاكلهم وكانت تلك في مسيرة ليلية، ولم تأت الجزيرة والتي تعودت على نقل مثل هذه التسجيلات على ذكره. وفي ثورة تونس لم تظهر الفضائيات أي مطلب إسلامي على الإطلاق مع أننا سمعنا ومن مواقع مختلفة بعض تلك المطالب من مثل «لا مفر لا مفر، الخلافة هي الحل» وفي غيرها من البلاد التي تشهد الثورات الآن والتي يوجد فيها من يقول بأن لا بد للإسلام من عودة والحل لهذه المعضلات لا يكون إلا بتطبيق الإسلام، وغيرها الكثير الكثير.
نعم، لم تُظهر الفضائيات مثل ذلك استجابة لما تأمر به القوى المتسلطة، فالخوف من الإسلام السياسي الفاعل والمؤثر يؤدي بهؤلاء وأسيادهم إلى عدم التطرق إليه خشية من انتشاره.
هناك تصريحات أدلى بها كبار الساسة في العالم من أمثال هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية حذرت فيها بتاريخ 13/1/2011م الأنظمة العربية من السقوط في براثن السياسات الراكدة وخوَّفتها من خطر الزحف الإسلامي القادم لاجتياحها فقالت: «إن الذين يتمسكون بالوضع الراهن كما هو قد يتمكنون من الصمود أمام مجمل مشاكل بلدانهم لفترة قصيرة ولكن ليس للأبد، وأن آخرين سيملؤون إذا ما فشل القادة في إعطاء رؤية إيجابية للشباب وسبل حقيقية للمشاركة» . وحذَّرت كلينتون قادة الدول العربية: «من التطرف الذي يمكن أن يملأ الفراغ» . وللخروج من مأزق الركود والجمود دعت كلينتون في منتدى المستقبل في الدوحة إلى إشراك القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني في صناعة القرار، ووصفت المؤسسات القائمة في الدول العربية بأنها فاسدة وسياساتها بأنها راكدة. ودعت الحكام العرب «لمكافحة الفساد وضخ حياة جديدة في أنظمتهم السياسية الراكدة وإلا جازفوا بخسارة المستقبل لصالح المتشددين الإسلاميين» على حد قولها.
ولقد تزامنت تلك التصريحات التحذيرية مع سقوط طاغية تونس زين العابدين بن علي من الحكم وفراره خارج البلاد، وهو ما يشير إلى خوف كلينتون على الحكام العرب من السقوط واجتياح الإسلاميين للسلطة في الدول العربية.
لكن تركيبة الأنظمة العربية الحاكمة لا تؤهلها للسير في مشاريع الإصلاح، خاصة بعد ما ثبت عجزها عن التغيير وإيجاد الحلول الجذرية للمشاكل المتفاقمة فيها. فهذه الأنظمة قد انتهى دورها وانتهى مفعولها وهي أنظمة من المؤكد أنها سوف تسقط قريباً ولن تجدي نصائح كلينتون لها نفعاً بالبقاء.
إن تخوف الأسياد من الإسلام السياسي الفاعل أدى بعملائهم إلى تغييب دوره وما يصدر عنه في الواقع، وإبراز دور الأشخاص المنادين بالديمقراطية والعلمانية والحرية.
وللإنصاف فإنهم يظهرون بعض المطالب لبعض الإسلاميين أفراداً وحركات، ولكن هؤلاء ممن ترضى عنهم دول الغرب تحت ذريعة أنهم ينتمون إلى ما يُسمى بالإسلام المعتدل.
من كل ما تقدم نخلص إلى أن الفضائيات تعمل جاهدة على التدخل في الثورات الحاصلة الآن، تعمل لتوجيهها نحو الهدف الذي يريده الغرب المتسلط على وسائل الإعلام المختلفة ومنها الفضائيات، وبالتالي فإنها تعمل وبكل جد على حرف هذه الثورات عن المطلب الأساس ألا وهو الإسلام، الإسلام الحق وليس إسلام مشايخ هذا الزمان، الإسلام الذي يريده رب العالمين، وليس الإسلام الذي تريده الدول المستعمرة التي صنفت الإسلام بالمعتدل والإرهابي وغيره من التصنيفات التعسفية.
2011-08-06