تونس: ودلالات العملية الانتخابية
2011/11/06م
المقالات
1,581 زيارة
تونس: ودلالات العملية الانتخابية
أسامة الماجري – تونس
لقد لفتت تونس ما بعد الثورة النظر بتوجهها الإسلامي، وذلك بالرغم من كل المحو الفكري للإسلام في النصوص وفي النفوس من قبل الحكم السابق. والآن يوجد في تونس توجهان في فهم الإسلام والدعوة إلى تطبيقه: توجه صنع على عين الغرب الأوروبي ويراد تسليمه الحكم. وتوجه آخر يطرح الإسلام الصافي للتغيير وعلى رأسه حزب التحرير. وهذا ما يجعلنا نطمئن إلى أن ما يحدث من تغيير في المنطقة فإنه إن لم يصل الإسلام الحقيقي إلى الحكم في المحطة الأولى لأن الغرب مازالت يده تلعب في مصائر المسلمين، فإن المحطة الثانية ستكون محطته إن شاء الله تعالى. وإننا نبشر المسلمين أن تغييراً واحداً حقيقياً في أي بلد من بلاد المسلمين يكفي لأن تمتد شراراته وتحدث التغيير الحقيقي في المنطقة كلها.
لقد حققت حركة النهضة فوزاً كبيراً في انتخابات المجلس التأسيسي التي تمت يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011م بنسبة تصل إلى 41 بالمئة من مقاعد المجلس، كما حظيت بأكثر من 70 بالمئة من نسبة عدد المصوتين. ولكي نفهم حقيقة هذه النتائج ودلالاتها لا بد من الرجوع إلى ما قبل الانتخابات.
بعد 14 كانون الثاني/يناير 2011م (يوم سقوط بن علي) دخلت تونس مرحلة جديدة، مرحلة فقد فيها النظام الحاكم شرعيته عند الناس، مما دفع الساسة والدولة بإيعاز من الغرب إلى المسارعة بابتداع طريقة لإنشاء دستور (جديد-قديم) تُكون له شرعية عند الناس، وذلك من خلال إيجاد مجلس تأسيسي منتخب يؤسس للجمهورية الجديدة (تونس ما بعد بن علي).
شهدت تونس خلال فترة ما قبل الانتخابات محاولات باءت بالفشل لطرح أفكار غربية صرفة، كالعلمانية وفصل الدين عن السياسة، وكانت هذه الأفكار منكرة لدى جموع الناس وتصطدم مع الرأي العام، وكان أبرزها وآخرها خروج الناس يوم 14 أكتوبر/ تشرين الاول في شكل احتجاج ضخم وفي شتى أنحاء البلاد ضد ما بثته قناة تونسية (قناة نسمة) بذريعة الحرية من مشاهد تتنافى مع عقيدة الإسلام، وشهد هذا الخروج مطالبة أهل تونس بتطبيق الشريعة الإسلامية وبدولة إسلامية. هذا الواقع جعل الغرب يزداد إدراكاً في أن محاولة إيجاد نظام علماني صرف، محاولة لا جدوى منها، وسترفضه غالبية الناس، كما رفضت الاستبداد من قبل، فكان الحل العملي المطروح للخروج من هذه الأزمة علمانية ملتحية بعنوان الإسلام المعتدل.
وقد كانت حركة النهضة بزعيمها راشد الغنوشي الممثل البارز لحركة (الإسلام المعتدل) في تونس جاهزة لتلعب مثل هذا الدور. وتعتبر النهضة من الحركات الإسلامية التي تركت أثراً طيباً لدى الناس في تونس في أوائل الثمانينات حين كانت تدعو إلى التخلص من حالة التغريب في البلاد وتنشد إقامة مشروع إسلامي وتدعو إلى تطبيق الإسلام. ورغم أن خطابها تغير مقارنة على ما كانت عليه في أول عهدها، إلاّ أن عامة الناس لم تتنبه لذلك، بخاصة أن وسائل الإعلام المختلفة ما زالت تقدمها على اعتبار أنها حركة سياسية صاحبة مشروع إسلامي.
ومن مفاجآت خطاب حركة النهضة (كتدليل على مدى اعتدالها وليونتها)، تصريحات قادة الحركة باعتبار مجلة الأحوال الشخصية لا تخالف الإسلام بل هي اجتهادات شرعية رغم مخالفة المجلة الصريحة للنصوص الشرعية. وهو ما كرره الغنوشي زعيم الحركة في عدة مناسبات، وأكد أنه لن يطالب بمراجعة وضع المرأة في المجتمع أو بتغيير مجلة الأحوال الشخصية .. معتبراً إياها اجتهاداً فقهياً إسلاميا! وهو ما لفت وكالة (آكي) الإيطالية للأنباء التي ذكرت ولم يأت الغنوشي ولا برنامج الحركة على ذكر قانون الأحوال الشخصية في تونس، وهو مجموعة قوانين اجتماعية كانت قد صدرت في تونس في الثالث عشر من آب/أغسطس 1956م وحتى قبل اعلان قيام الجمهورية بنحو عام كامل، وتم فيها سن قوانين للأسرة تحوي تغيرات جوهرية من أهمها: منع تعدد الزوجات، وسحب القوامة من الرجل، وجعل الطلاق بيد المحكمة عوضاً عن الرجل. ولا زال يعمل بهذا القانون حتى اليوم.
ولا بد هنا من الإشارة إلى أن المادة الأولى في القانون الأساسي لحركة النهضة هي: دعم النظام الجمهوري وأسسه وصيانة المجتمع المدني وتحقيق مبدأ سيادة الشعب وتكريس الشورى. وهذا يتناقض مع أسس نظام الحكم في الإسلام القائم على أساس السيادة للشرع لا للشعب، وبأن الخلافة هي نظام الحكم الإسلامي لا النظام الجمهوري الديمقراطي.
كما سعت الحركة في الفترة الأخيرة إلى طمأنة المتخوفين منها أنها لم تعد تعمل من أجل تطبيق الإسلام، وهو ما أكده زعيم الحركة في عدة مناسبات منها ما ورد في مجلة الحياة نقلاً عن وكالة رويترز يوم 19 أكتوبر/تشرين الأول 2001م وسعى زعيم النهضة راشد الغنوشي حين عاد في نهاية كانون الثاني (يناير) الماضي إلى تونس بعد عشرين عاماً من المنفى في بريطانيا، إلى الطمأنة. واليوم يؤكد الغنوشي، الذي كان يلقي خطباً نارية في سبعينات القرن الماضي، أنه يقود حزباً إسلامياً ديموقراطياً قريباً من حزب العدالة والتنمية التركي. ويقول: لا نريد فرض الشريعة الإسلامية ولن نمس قوانين المرأة التونسية التقدمية.
كل هذه التنازلات وغيرها جعلت الغرب وأتباعه من الساسة لا يمانعون بل ويسعون لإيصال دعاة «الإسلام المعتدل» إلى السلطة. وكانت حركة النهضة هي التي تتزعم تمثيل الإسلام «الخفيف – لايت» فقد نشرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية فحوى حوار مع الوزير الأول في الحكومة الانتقالية الباجي قائد السبسي، دعا فيه الغرب إلى عدم الخشية من مشاركة الإسلاميين التونسيين في الحكم بعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي المقررة يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول. كما قال الغنوشي خلال لقائي بمسؤولين ودبلوماسيين غربيين لقيت ترحيباً كبيراً بامكانية فوز النهضة.. وأن همهم إنجاح الانتقال الديمقراطي، لأن فشل التحول سيكون كارثياً على الغرب وهجرة مئات الآلاف إلى أوروبا» نشرته ميدل إيست أونلاين يوم 03 أكتوبر/تشرين الأول 2011م.
من هنا أصبح من الواضح بأن الغرب لم يترك حركة النهضة صاحبة منهج «الإسلام المعتدل» لتخوض الانتخابات وتكتسح، إلا للحيلولة دون تحول جذري في هوية الدولة والمجتمع تجاه الإسلام، ذاك الذي تنادي به وتتمناه جماهير تونس الغفيرة بغالببيتها الساحقة. ويأتي هذا منسجماً تماماً مع توجهات غربية مبكرة، على نحو توصيات تقرير راند 2008م الذي دعا الولايات المتحدة الأميركية إلى العمل على إيجاد ومساعدة الحركات الإسلامية المعتدلة لمنع عودة الخلافة الراشدة خاصة وأن هذا الأمر قد أصبح مطلب الأمة، ويبدو أنه قريب المنال.
فاذا عدنا الى الانتخابات نجد كما ذكرنا سابقاً أن أكثر من 70 بالمئة من المنتخبين صوتوا للنهضة، وكان تصويت الناس لهذه الحركة لأحد سببين، إما لتصورهم أن مشروعها مشروع إسلامي وأنها تسعى للحكم بالإسلام، وإما كراهية بالليبراليين خصوم الإسلام، أي لقطع الطريق عليهم من الوصول إلى السلطة، ومن ثم فإن هذه الحركة تمثل بأعين هذا الفريق أخف الضررين. كما أنه لا بد أن لا ننسى ما تجاهله الإعلام (واكتفى بإعطاء نسب المنتخبين حسب عدد المسجلين إدارياً غاضاً النظر أن هناك من رفض التسجيل الإداري لهذه الانتخابات) إذ أن 51،08 بالمئة ممَن لهم حق الانتخاب لم يصوتوا على هذه المؤامرة، وامتنعوا عن المشاركة في هذه اللعبة السياسية، ففي تصريح لكمال الجندوبي رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في الندوة الصحفية للإعلان عن نتائج الانتخابات أن عدد الناخبين في تونس 7.569.224 وأن عدد الناخبين المقترعين 3.702.627 فحين نقسم عدد الناخبين المقترعين على عدد الناخبين نجد نسبة 48،9169 بالمئة. وكان امتناع غالب هؤلاء عن التصويت لعدم وجود البديل الحقيقي، ولرفضهم لهذه الطرق الغربية لتأسيس الدولة وتدخل الغرب في قضايانا. على كل فإن كل ما جرى يدل دلالة واضحة على أن أهل تونس بغالبيتهم يريدون تطبيق الإسلام ولا شيء غير الإسلام.
2011-11-06