الإعلام التفاعلي واقعه وتأثيره
2011/06/01م
المقالات
2,806 زيارة
الإعلام التفاعلي واقعه وتأثيره
حسن الحسن
يُعزى للرئيس السوداني عمر البشير قوله «إنّ الناس كانوا سابقاً على دين ملوكهم، لكنّهم باتوا اليوم على دين إعلامهم». تعكس هذه المقولة في دلالتها على مدى التأثير الذي بات يحققه الإعلام في حياة الشعوب لا سيما في ظل:
l ظهور الثورة التقنية في عالم الاتصالات، وبروز دور متميز لشبكة الإنترنت (Internet) والتي أدت إلى ربط العالم ببعضه على نحو لم يبق معه منطقة نائية بالمعنى السابق المصطلح عليه للكلمة (أي المنقطعة عن بقية العالم)، مما أدى إلى وصف العالم بالقرية الكونية الإلكترونية المترابطة والمتواصلة، والتي لم تعد حدود الدول وبعد المسافات بينها عائقاً للتواصل بين سكانها أو التفاعل مع قضايا العالم.
l توفر الكم الهائل من المعلومات التي تحتويه الشبكة العنكبوتية (World Wide Web) والتي باتت تعد بمليارات الصفحات، والتي تصل إلى أيدي الناس بمجرد اتصالهم بالإنترنت من خلال أي جهاز مزود بالتقنية اللازمة.
l التطور المتسارع في تقنيات الوسائط الإعلامية المتعددة (Multimedia) عبر دمج تقنيات النص والصوت والصورة (سيما الثلاثية الأبعاد) من خلال بيئات تصويرية متنوعة، لتقدم مادة جاذبة ومؤثرة.
l توفر وسائل متعددة ومختلفة تتناسب مع احتياجات الناس ومتطلباتهم كالكمبيوتر الثابت والمحمول والهاتف النقال وغيرها كثير وبأسعار مقدور عليها بالنسبة لشريحة واسعة من الناس، مما يتيح لهم القدرة على الاتصال والتواصل والمتابعة والتفاعل مع الأحداث الجارية في مختلف أنحاء هذا العالم.
وقد أوجد اجتماع الأمور السابقة بيئة مناسبة لخلق حالة تفاعل بين الناس أنفسهم من جهة وبينهم وبين الخبر أو الحدث أو الموضوع المطروح من جهة أخرى بشكل جاذب ومؤثر. مما أدى إلى تطور ملحوظ في وسائل الإعلام جملة وتحوله إلى إعلام تفاعلي، لينتقل من مرحلة التلقين الموجه إلى مرحلة إشراك الناس في التعليق والتعقيب والتصويت وإعادة النشر والترويج، في مختلف الميادين التجارية والسياسية والعلمية والثقافية والفنية.
بدوره، أدى الإعلام التفاعلي إلى تغيير مهم في الميدان الإعلامي حيث لم يعد الخبر حياً أو ميتاً بمقدار ما تمنحه وسائل الإعلام التقليدية من فرصة للتغطية، إنما بات ذلك رهناً لمدى استمرار إثارة الناس له وتفاعلهم معه. كما أدى الإعلام التفاعلي إلى خلخلة احتكار المؤسسات الإعلامية التقليدية للمواضيع والأخبار ومصادر المعلومات، حيث بات كل من لديه القدرة على التواصل مع الإنترنت الوصول إلى مصادر كثيرة، مع إمكانية المساهمة في بث ما يصل إليه من معلومة أو فكرة في الشبكة العنكبوتية، سواء من خلال الاشتراك في الشبكات الاجتماعية المعروفة أو المنتديات الخاصة أو المدونات الشخصية أو الموسوعات المعرفية أو لوائح البريد الإلكتروني أو غيرها.
وهكذا بتنا نرى خبر ما جرى لتلك الفتاة الأبية (إيمان العبيدي) من ليبيا وهي تدلي بقصتها المفجعة إلى الصحافيين في طرابلس (التي أحكم القذافي السيطرة عليها وحولها إلى سجن مقفل) قد وصل في لحظات بالصوت والصورة إلى كافة وسائل الإعلام، ومن لم يتمكن من مشاهدة القصة عبر التلفاز بات قادراً على متابعتها والتفاعل معها على الإنترنت، حيث وصل عدد زوار الفيديو الخاص بهذا الموضوع على موقع يوتيوب مثلاً إلى مئات الآلاف خلال وقت وجيز، فيما بلغ عدد زوار الفيديو المتعلق بحادثة تعطل سيارة أوباما الرئاسية في دبلن مؤخراً إلى ملايين خلال بضعة أيام فقط. إضافة إلى كثير من المواضيع التي باتت تثار ويكون مصدرها هواة أو ناشطون أو حتى عابرو سبيل أثناء وقوع حدث ما، فيما اعتبره البعض دخول في مرحلة المواطن الصحفي ( كل إنسان يمتلك آلية التقاط الخبر وبثه على الشبكة).
وإدراكاً منها لأهمية الإعلام التفاعلي وما توفره الإنترنت كحاضنة أساسية له،بدأت وسائل الإعلام التقليدية، سواء منها المشاهدة أو المقروءة أو المسموعة، تنتقل إليها، فتؤسس منتديات خاصة بها أو تدمج مواقعها مع المنتديات أو المدونات العامة الأكثر شهرة كالفيس بوك والتويتر وغيرها، إضافة إلى عرض موادها المرئية على مزودات عامة كاليوتيوب والياهو. بل وباتت وسائل الإعلام التقليدية تعول في كثير من أخبارها ومواضيعها على ما يساهم الناس به من مواد يطرحونها على صفحات هذه الشبكة.
وبهذا تحولت الشبكة الممتدة في كافة أرجاء العالم إلى ساحة صراع وحوار وتنافس ضمن عالم افتراضي بات يشكل جزءاً أساسياً في حياة الإنسان في العصر الحالي، إلى درجة بات رؤساء الدول والسياسيون يطلقون من خلالها حملاتهم المختلفة (حملة الانتخابات الرئاسية لأوباما مثلًا)، وباتت المنظمات والهيئات المتنوعة (سياسية واقتصادية واجتماعية وخيرية) تعتمدها كخيار أساس لإيصال رسائلها وبث دعواتها وتفاعلها مع الجماهير، كما بات المبدعون يقصدونها لإبراز مواهبهم وتقديم أفكارهم وإبداعاتهم وغير ذلك كثير.
فضلاً عما سبق فقد تحولت الشبكة العنكبوتية إلى سوق رائج ونشط، وقد وصلت أثمان بعض المواقع إلى مليارات الدولارات (الموقع الشهير يوتيوب تم بيعه إلى شركة غوغل بملبغ 1.6 بليون دولار عام 2006م) كما باتت بعض أسماء المواقع الجاذبة (فقط الاسم أي الدومين نايم)، تباع بملايين الدولارات (تم بيع الدومين insure.com بـ 16 مليون دولار). وباتت المنتجات والخدمات الإلكترونية المطروحة على الشبكة عالماً مذهلاً بحق لا يكاد يجاريه شيء.
ومما زاد أهمية الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي تحديداً الدور البارز الذي لعبته في الثورات الاحتجاجية في السنوات الأخيرة في مختلف أنحاء العالم، والذي أبرز فعاليتها على نحو كبير، لا سيما بما تمنحه من فرصة للناشطين في مناقشة قضاياهم وتنظيم تحركاتهم. وقد فرض هذا الواقع نفسه بشكل لافت في عالم السياسة، حتى أن الرئيس الأميركي أوباما قام بتعيين المدير العام لموقع تويتر (موقع التواصل الاجتماعي الشهير) بالإضافة إلى أحد كبار المسؤولين في شركة مايكروسوف مستشارين له لأمن وسائل الاتصال إلى جانب آخرين من الخبراء في هذا المجال. كما باتت هذه الشبكات تمثل أدوات هامة في العمل السياسي، نذكر أمثلة منها:
l طلبت وزارة الخارجية الأميركية من الموقع الشهير تويتر وقف عملية الصيانة له إبان حركة الاحتجاجات الإيرانية العارمة في 2009 كي لا تتعطل عملية التواصل بين المتظاهرين والمحتجين في المدن الإيرانية وذلك عقب الانتخابات الرئاسية الأخيرة هناك.
l كشفت بعض الدراسات بأن عدد المشتركين في الشبكة الاجتماعية «الفايس بوك» في تونس وحدها حوالى المليونين (أي حوالي خمس السكان) وقد لعبت هذه الشبكة دوراً هاماً في تنظيم التظاهرات ضد نظام بن علي، وهو ما علق عليه المحامي والناشط التونسي شوقي الطيب بقوله «إن الموقع الاجتماعي فيسبوك كان جيشاً حقيقيًا تحرك جوًا وبحرًا وبرًا حتى أسقط بن علي».
l قيام إدارة الفايس بوك بحذف مواقع تنادي بأنشطة معينة لا تنسجم مع وجهة نظر القائمين عليها بشكل عام، مثلاً إلغاء صفحة تدعو إلى انتفاضة ثالثة ضد الاحتلال في فلسطين، إلغاء عشرات الصفحات لناشطين من حزب التحرير يدعون إلى إقامة الخلافة والحكم الإسلامي، إلغاء صفحة مجموعة أكاديميات سعوديات تدعو إلى عدم السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة في المملكة، وكذلك إلغاء صفحات كثيرة أخرى لناشطين عبر الشبكة.
كل هذا وغيره يكشف مدى أهمية هذه الأدوات وما تعنيه لكل من أراد أن يحيا في هذا العالم بأدواته وآلياته، وتزداد أهمية هذه الشبكة لدى أصحاب القضايا المبدئية، الذين تمارس عليهم سياسات التعتيم أو التشويه الإعلامي، بما تمنحه من فرصة للإبداع والتعبير في إيصال دعواتهم ورسائلهم إلى الآخرين.
وعلى هامش ما سبق يجب إدراك أن شبكة الإنترنت الحالية تخضع للمعايير الأمنية والقانونية والثقافية والأخلاقية للدول والمؤسسات التي تتحكم فيها. ولذلك على من أراد أن يتعامل مع هذه الشبكة من الدول بما يلبي احتياجاته الخاصة وينسجم مع تطلعاته، عليهأن يسعىلبناء شبكة مستقلة في معاييرها الأخلاقية والقانونية والثقافية، وربما في تقنياتها، بما يتناسب مع ثقافته وتوجهاته وتطلعاته، من دون أن يعني هذا بحال الانقطاع عن الشبكة الحالية، إنما يعني الاستقلال عنها مع بقاء التواصل معها والاستفادة منها في كل ما يرجى فيها من فوائد.
Hasan.alhasan@gmail.com
2011-06-01