ثورات الشعوب بين الحكام السفهاء والسدنة المأجورين
2011/05/05م
المقالات
1,658 زيارة
ثورات الشعوب بين الحكام السفهاء والسدنة المأجورين
أجرت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية مقابلة مع الرئيس السوري بشار الأسد في (31 / 1/ 2011م)، رفض فيها مقارنة الوضع في سوريا بنظيريه في مصر وتونس، وأسهب الأسد في ذكر الفروق بين الحالتين عبر فلسفة جوفاء لا تمت للواقع بصلة، متبعاً منهج وزير خارجية مصر السابق أحمد أبو الغيط بتجاهل الحقائق، الذي اعتبر مقارنة الوضع في مصر بنظيره في تونس ب”الكلام الفارغ”.
عند إجراء اللقاء كان الرئيس التونسي قد فر من بلاده بعد انحياز الجيش إلى جانب الثورة، وكان الرئيس المصري مازال يقاوم الضغوط الشعبية الهائلة في ميدان التحرير، لكنه سرعان ما اضطر للتنحي، ومن ثم تم احتجازه وبنيه وأركان حكمه الذين عاثوا في مصر فساداً لعقود من الزمن. بعد أسابيع قليلة فقط، انطلقت ثورة الشعب السوري، ولأن الحدث جاء مخالفاً لقراءة الأسد البليدة لواقع البلد الذي حكمه آل الأسد لأكثر من أربعين سنة، تفاجأ الأسد بالثورة كما تفاجأ كل الطواغيت الآخرين، وأخذ يستنسخ بشكل تلقائي كل الأخطاء التي اقترفها بن علي ومبارك، من دجل وتزييف للحقائق وإلقاء الاتهامات جزافاً وتباعاً على القريب والبعيد في محاولة لتصدير الأزمة للخارج وتبرير فرض الحل الأمني لإرهاب الناس وكبح جماح ثورتهم.
وكما وقع في مصر وغيرها تصدى سدنة الحكام من مثقفين ومفتين ومشايخ ومفكرين في سوريا للمشهد دفاعاً عن طاغية سوريا، وإذا ما جوبه هؤلاء بحقيقة مواقفهم المخجلة التي تركن للظالمين وتمالئهم على حساب شعوبهم (قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) سورة البقرة 11، متذرعين بوأد الفتنة ومنح الفرصة للحاكم كي يتم “إصلاحاته” المفترضة، رغم أنه سادر في قتل شعبه على الملأ، ويصف المحتجين على ظلمه وإفساده بالمندسين والإرهابيين والمأجورين. فأي فرصة تلك التي تمنح لنظام سفيه قضى أكثر من أربعة عقود في قهر عباد الله، عاملاً فيهم بالإثم والعدوان، فأنّى لنظام باطل هذا شأنه أن ينتظر منه أي إصلاح. لينطبق على هؤلاء السدنة مدعي الحكمة والإصلاح ما ذكره شهيد الكلمة سيد قطب في ظلال القرآن في تفسير الآية السابقة “إنهم لا يقفون عند حد الكذب والخداع، بل يضيفون إليهما السفه والادعاء .. لأن الموازين مختلة في أيديهم، ومتى اختل ميزان الإخلاص والتجرد في النفس اختلت سائر الموازين والقيم”.
في هذا الإطار فإن ثمة ما يضاف في سياق الحدث السوري ويميزه عن غيره، حيت تجاوزت حملة المداهنين للنظام البعثي الفئة المنتفعة والمتملقة في الداخل لتصل إلى منظمات وشخصيات تدعي الجهاد والكفاح والمقاومة في الخارج وتحديداً في لبنان، فبمجرد إعلان حزب التحرير دعوته للتظاهر في طرابلس الشام لمعاضدة أهل سوريا في ثورتهم ضد الطغمة الجاثمة على صدورهم عقوداً، وصم بعض هؤلاء التظاهرة بالفتنة ونادى بعضهم الآخر بحظرها، فيما عدد آخرون “فضائل” النظام السوري واختلافه عن غيره من الأنظمة في الوقت الذي اعتبر فيه أن حزب التحرير يغرد خارج السرب ويطرح مثاليات لا واقع لها، لينكشف أن بعض هؤلاء تجار مقاومة، وبعضهم الآخر مقاوماً بالتجزئة، يقاوم طاغية هنا فيما يساند طاغية آخر هناك.
وتتميز تصرفات هؤلاء المتملقين من فئة “المقاومين” بالوقاحة، إذ إنهم لطالما يبوحون للناس بما يودون سماعه من نقد لاذع لتلك الأنظمة المتعفنة -لا سيما في المجالس الخاصة- فيما يقفون صفاً واحداً مع تلك النظم الطاغوتية حينما يُطلب منهم ذلك (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنماَ نَْحنُ مُسْتَهْزِئُونَ) البقرة 12 وهذا موقف يمتاز بالضعف، بغض النظر عن التبرير، فأصحابه من جهة يجبنون عن المواجهة، ويداهنون الطواغيت بل ويستهزئون بمن ينادي بتحقيق وحدة الأمة ووحدة قضاياها، ويهزؤون به وبمثالياته (الله يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيدَميُُّهُمْ في طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) البقرة 13.
الأشد وقاحة هو سرعة انقلاب المتملقين عامة، سواء كانوا من فئة “المقاومين” أو من فئة “الموظفين” (من مثقفين وعلماء وإعلاميين وباحثين)، انقلاباً مدهشاً في مواقفهم بمجرد أن تنجح عملية التغيير (على نحو ما حصل في مصر) ليدعوا بطولات كاذبة وبأنهم كانوا قادة الحكمة والحنكة، وأنّ جل همهم كان جلب المصلحة للناس (لا لهم) ودرء المفسدة عن الناس (لا عنهم) ويُشهدون على مواقفهم تلك أمثالهم، لينطبق عليهم قوله تعالى (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ).
2011-05-05