التغيير وفكرة الحريات
2011/05/05م
المقالات
1,738 زيارة
التغيير وفكرة الحريات
محمد فهمي طبيب
لقد برزت – في انتفاضات الخير، والثورات الجريئة ضد الظلم والظلام، في بلاد المسلمين – فكرة (الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان)، وتصدرت هذه العناوين العريضة مطالب الناس في الثورات التغيير المستمر في ساحة المسلمين، حتى عند بعض الحركات الإسلامية !!.. والحقيقة أن هذه الأفكار برزت في ساحة المسلمين – دون وعي ولا إدراك لحقيقتها ووقعها إدراكا صحيحا -، وتصدرت الثورات كشعارات تعبر عن رفض الظلم، وتقييد الحريات الذي مورس على أبناء المسلمين من قبل الحكام وأعوان الحكام.
ونحن من باب حرصنا على نقاء الساحة الإسلامية من شعارات الاستعمار، وأعوان الاستعمار من المفكرين والسياسيين، وحرصا منا كذلك على العدالة الحقيقية، وعلى تحقيقها في ساحة المسلمين، بدل الظلم والاستبداد والقهر والحرمان، وحرصا منا كذلك على ربط المسلمين بدينهم الحق، وتنقية هذا الدين مما علق به من أفكار زائفة ملفقة، لا تمت إليه بأية صلة، نريد ان نقف على هذه الأفكار وعلى حقيقتها، وهل صحيح أنها تحيق العدالة في المجتمع، وإنها تحقق التعبير الصحيح عن رأي الناس في اختيار الحاكم برأي الأغلبية كما يدعون في النظم الرأسمالية، وهل صحيح كذلك ان مبدأ حقوق الإنسان الذي ينادي به الغرب يحقق للإنسانية حقوقها ؟!
وقبل الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها لا بد أن نقف على أمرين مهمين يتعلقان بحياة الشعوب وتطلّعها للانعتاق والتحرر الأول: ما جرى في ثورات التحرّر في عهد الكنيسة في العصور الوسطى والثاني: ما جرى في عهد الاستعمار لبلاد المسلمين في بدايات القرن الماضي وأواسطه، فالقاسم المشترك بين هذين الواقعين والحدثيْن التاريخيين هو (نظرة الشعوب للتخلص من الظلم والقهر والتسلط، وطمعها في تحقيق العدالة وتحصيل الحقوق)!! فما جرى في عهد الكنيسة ورجال الدين من ظلم، وتحريف للدين، وتسخيره في سبل المنافع الخاصة، جعل الشعوب في أوروبا تضيق ذرعاً بهذا الواقع السيئ، وتخرج على هؤلاء القادة في ثورات استمرت سنوات عديدة، ذهب فيها الآلاف من القتلى، وفي نهاية المطاف تحرّر الناس من سطوة العبودية الكنسيّة، وبعد التحرّر لم يكن عندهم أيّ تصور لما سيكون عليه شكل المجتمع، والنظام الذي سيحكمهم، ولا الأساس الفكري الذي سيسود المجتمع!! وبعد أخذٍ وردّ ونقاش طويل، توصّلوا إلى التخلّي عن أفكار الكنيسة لأنها في نظرهم هي سبب الظلم، وأطلقوا العنان للعقل ليضع القوانين والأفكار الجديدة، وكان من هذه الأفكار الجديدة الحريات بأنواعها (حرية التدين، وحرية الرأي، حرية الملكية، الحرية الشخصية )، وكان منها أيضاً فكرة حقوق الإنسان والديمقراطية.. وغيرها من أفكار!! والجامع المشترك بين هذه الأفكار هو الانعتاق من فكر الكنيسة، والتسلّط الجماعي الذي ساد فيها، وإعطاء الفرد حقه في الاختيار وإبداء الرأي، وغير ذلك من حقوق، والمحافظة على هذه الحقوق الفردية من سطوة الجماعة وتسلطها.. أما ما جرى من ثورات التحرّر ضد الاستعمار في بلاد المسلمين، فكان هدفه التخلّص من احتلالٍ عسكري جاثم على بلاد المسلمين؛ يظلم وينتهك الحقوق، وينشر الفساد بكافة أشكاله وأنواعه، وبعد زوال هذا الاستعمار- بتقديم ملايين الشهداء عبر سنوات طويلة من الجهاد-، لم يكن عند الناس تصوّر للمرحلة المقبلة؛ من حيث الفكر الذي سيسود المجتمع، وشكل الحكم والنظام فيه، مع أن معظم ثورات التحرر كان قادتها ينطلقون من دافع إسلامي، ومن تجمعات واتجاهات إسلامية، مثل السنوسيين في ليبيا، والمهديين في السودان، والوهابيين في الحجاز ونجد.. وغيرهم، فكان منهم )الشيخ السنوسي، والمهدي، وعمر المختار، وعبد القادر الجزائري، والشيخ محمد عبد الوهاب، والشيخ شامل!..(. فما حصل بعد ثورات التحرر -وللأسف- هو أن البلاد لم تحُكم بالإسلام، وبقيت الأمور مفتوحة لكل الاحتمالات، لذلك استطاع الكفار أن ينفُذُوا من هذه الثغرة ويقلبوا هذه الثورات إلى نظم جديدة باسم الثورية والوطنية وغير ذلك!.. واستطاعوا أن يأتوا بأشخاص جدد من عملاء الاستعمار، ليرثوا هؤلاء القادة المحرّرين العظام، واستطاعوا أن يضعوا دساتير غربية تحكم بلاد المسلمين، وظلّت بلاد المسلمين من يومها حتى يومنا هذا تحت سطوة الاستعمار السياسي بعد رحيل الاستعمار العسكري!! أما ما يحدث اليوم من ثورات ضد الظلم فإنه ينادي بتطبيق أفكار الحريات والديمقراطيات وحقوق الإنسان من أجل تحقيق العدالة، وسوف نفترض حسن النية عند الجماعات الإسلامية التي تدعو لمثل هذه الأفكار فنقول: إن الأولى في مثل هذه الأفكار أن تحقّق العدالة في مواطنها التي برزت فيها، فهل حققت هذه الأفكار عدالة، وهل نشرت أمناً في مجتمعات الغرب، وهل أعطت للشعوب حرية التعبير والاختيار، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فمن أحق بالإتباع دين الله تعالى أم شرعة البشر وشعاراتهم؟! والحقيقة أن هذه الأفكار -فوق ما فيها من فساد فكري- قد جلبت الفساد والدمار والكوارث على المجتمعات الرأسمالية دون استثناء؛ فأفكار الحريات قد جلبت الانحلال الأخلاقي النابع من الحرية الشخصية، وجلبت الأمراض الفتاكة كالإيدز، وحرية الملكي قد جلبت الشركات الرأسمالية العملاقة والبنوك، وبالتالي سيطرة الرأسماليين على منابع الثروة، وحرمان باقي أبناء المجتمع منها، والواقع المشاهد المحسوس هو خير برهان على فساد كل الفكر الرأسمالي الغربي لما أحدثته هذه الأفكار السقيمة من أزمات اقتصادية متعاقبة على بلاد الغرب وخاصةً أميركا!!..
أما إذا نظرنا إلى فكرة الديمقراطية التي يتغنى بها الغرب فإن هذه الديمقراطية هي خادمٌ للرأسماليين الكبار في دول الغرب من أجل السيطرة على الحكم، ولا تجعل للشعب شيئاً !! والدليل على ذلك هو أنه في أية دولة من الدول التي تُسمي نفسها ديمقراطية وعلى رأسها (أميركا)، فإن الأحزاب الرأسمالية هي التي تصل إلى الحكم عن طريق شراء الذمم والأصوات، ولا يصل إلى البيت الأبيض ولا إلى المراكز الحساسة في الدولة غيرهم، هذا عدا عن فساد الديمقراطية في أنها تجعل المشرّع هو الإنسان وليس الله في مجتمعٍ جلّ أهله مسلمون!! وأخيراً نقول: إن الأصل فيمن يرفع الشعار ضد الظلم والتحرر منه، أن لا يكتفي بخلع رمز الظلم أو واجهته من أرض الواقع وهم الحكام، بل إنه يجب عليه أن يخلع جذور هذا الظلم؛ وهي الأفكار التي يرتكز عليها الاستعمار في بلاد المسلمين ومنها فكرة (الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان..)، ويجب أيضاً أن يسعى لوضع نظام جديد يضمن من خلاله عدم عودة الظلم أولاً ويضمن تحقق العدل ثانياً. والسؤال الذي نسأله لكل أصحاب هذه الثورات الخ ةّري، المنتفضة في وجه الظلم والظلام، بكلّ أنواعه في بلاد المسلمين هو : هل يوجد نظام أعدل من الإسلام، وهل يجوز لنا في نفس الوقت -بوصفنا مسلمين- أن نأخذ أنظمة أخرى تناقض ديننا ؟! وعلى ماذا تخاف بعض الحركات الإسلامية من إعلان مطلبها بأنه تطبيق الإسلام، ونبذ كلّ دين أو فكر يتعلق بالغرب الرأسمالي؟!، لماذا لا تعلن بكل صراحة أنها تريد الإسلام؟؟، هل تخشى أن تصفها أميركا بالإرهاب، أم تخشى أن يحاربها المجتمع الدولي أو لا يعترف بها؟! إن الذي يجعل هدفه مرضاة الله تعالى لا يأبه لذلك كله سواء رضي الغرب أم سخط. قال تعالى: (أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [التوبة]، وقال: (فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) [المائدة].
وقال عليه الصلاة والسلام:« ومن أرضى الناس بسخط الله، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس». نسأله تعالى أن يلهم المسلمين طريق الخير والرشاد، وأن يجمعهم تحت راية (لا اله إلا الله محمد رسول الله) في ظل دولة الخلافة الراشدة الموعودة عما قريب …آمين يا رب العالمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
2011-05-05