أكثريات إسلامية في أفريقيا تُعامل معاملة الأقليات
2011/04/01م
المقالات
2,081 زيارة
أكثريات إسلامية في أفريقيا
تُعامل معاملة الأقليات
المسلمون اليوم مضطهدون في كل مكان يعيشون فيه، سواء أكانوا أقليات أم أكثريات، ولكن الشيء الغريب الذي يجهله كثيرون هو أن هناك بعض الأكثريات الإسلامية في بعض مناطق أفريقيا يضطهدون، ويُعاملون بوصفهم أقليات مع أنهم أكثريات في مناطقهم لدرجة أن كثيراً من المسلمين في العالم يظنون أنها مناطق غير اسلامية. ومن هذه المناطق تحديداً: أثيوبيا وكينيا وتنزانيا.
في أثيوبيا تعيش الأكثرية المسلمة في حالة مستديمة من الاضطهاد على مدى عشرات السنين، ويعاملون معاملة الأقلية مع أنهم يشكلون ثمانين في المائة من قومية الأورومو وهي أكبر قومية في أثيوبيا، ويشكل أبناؤها 40% من سكان أثيوبيا البالغ تعدادها 77 مليون نسمة، فيما يشكل المسلمون مائة في المائة من القومية الصومالية وهي القومية الثالثة في البلاد.
وبحسبة بسيطة فإن مجموع السكان المسلمين في أثيوبيا من سائر القوميات يقارب الخمسين مليوناً، أي ما يزيد عن 60% من إجمالي عدد السكان.
ومع أن الأكثرية السكانية في أثيوبيا هي إسلامية بامتياز، إلا أن الذي يحكم البلاد ومنذ عقود طويلة هي الأقليات النصرانية من التيجراي والأمهرا التي تفرض لغتها على جميع مكونات الدولة، وتحتكر المناصب العليا فيها، وتستحوذ على الثروة والسلطة، مستعينة بإسناد من الدول الكبرى أو ما يُسمى بالمجتمع الدولي.
وعادة ما تتعامل الحكومة التي تسيطر عليها النخب الحاكمة من قومية الأمهرا بشكل خاص مع المسلمين بعنصرية قبيحة وكريهة، حيث تعتمد ضدهم سياسات عدائية من شأنها تكريس الفقر والجهل والتهميش والحرمان في صفوف المسلمين، فلا برامج تنمية ولا تطوير في المناطق الأورومية التي يعيش أبناؤها بشكل عام تحت خط الفقر.
وإضافة إلى تلك السياسات العدوانية الاستعمارية العامة تسعى الحكومات الأثيوبية المتعاقبة إلى فرض سياسة استيطانية إحلالية فيما يتعلق بالأراضي شبيه بسياسات دولة يهود مع الفلسطينيين، وذلك بهدف الإخلال بالتركيبة السكانية لصالح أقلية التيجراي والأمهرا الحاكمة.
كما أن اللغة الأمهرية مفروضة على الأوروميين الذين يعتبرونها لغة استعمارية، وهو الأمر الذي دفعهم إلى رفض تعلمها، وهو ما أدّى بالتالي إلى حرمانهم من التعلم في المدارس التي تُفرض فيها هذه اللغة على المواطنين الأوروميين قسراً.
إن تلك السياسات الإجرامية للحكومة الاثيوبية أدَّت بالأوروميين المسلمين إلى ارتفاع نسبة نزوحهم وهجرتهم إلى خارج البلاد حتى بلغت 75% في الآونة الأخيرة، وقد فرّوا بسبب تلك السياسات الظالمة إلى دول كثيرة منها دول الجوار كالسودان واليمن وأريتريا والصومال وكينيا وأوغندا، ومنها دول في نفس القارة كمصر وجنوب أفريقيا، ومنها دول أخرى بعيدة كدول الخليج وكالدول الأوروبية وأميركا.
ويمكن إجمال أسباب العداء الحكومي لقومية الأورومو في أمرين رئيسيين:
1- خوف نخب الأمهرا الحاكمة من الكثافة السكانية للأورومو والتزايد السكاني المفرط لديهم.
2- ازدياد مطالب الأورومو الداعية إلى الانفصال عن أثيوبيا الأمهرية والمطالبة بمبدأ حق تقرير المصير.
وكوسيلة ضغط ممنهجة ضد الأوروميين تُمارس الحكومات التيجرية والأمهرية ضدهم سياسات ثابتة من التنكيل والقتل والاعتقالات العشوائية والاغتصاب والتهجير القسري والاستيطان ومحاربة الإسلام وإهمال اللغة الأورومية.
وإزاء هذه السياسات العنصرية الفظيعة تكتفي منظمات حقوق الإنسان بإصدار بيانات من الشجب والاستنكار على استحياء ضد الممارسات الحكومية الأثيوبية بحق الأوروميين، ولكن يبدو أن لا أحد يسمعها!!
هذا بالنسبة لمأساة الأورومو المسلمين في بلدهم اثيوبيا، أما مأساة الصوماليين المسلمين في إقليم أوغادين المحتل فحدث ولا حرج، فهم في حالة دائمة من شن أثيوبيا الحرب عليهم، وآلة الفتك الأثيوبية لا تتوقف عن ذبحهم، ومحاصرتهم، ومعاملتهم وفقاً لسياسة الأرض المحروقة التي تأتي على الأخضر واليابس، إذ إنهم يعانون من احتلال أثيوبي وحشي يفوق كثيراً أي احتلال أجنبي آخر.
وإقليم أوغادين المحتل هذا تعادل مساحته ربع مساحة أثيوبيا نفسها، وتمتد أراضيه لتصل إلى تخوم العاصمة أديس أبابا نفسها، وكان الإنجليز قد ضمّوه إلى أثيوبيا في العام 1954م.
وهكذا نرى أن أثيوبيا في غالبيتها هي أراضٍ تقطنها العرقيات الأورومية والصومالية وغالبيتها من المسلمين، ومع ذلك يُشار إليها في وسائل الإعلام على أنها أراضٍ غير إسلامية تسيطر عليها الأقلية الأمهرية.
أما كينيا فالمسلمون فيها يُشكلون ما بين 35% إلى 45% من السكان، بينما النصارى بكل طوائفهم لا تزيد نسبتهم عن 16% فقط، فيما يُشكل الوثنيون باقي السكان، ويُدخلونهم في الإحصائيات باعتبارهم نصارى، لتكثير نسبتهم، فيزعمون أن 70% من السكان هم من النصارى مع أن الحقيقة تُخالف ذلك.
يُعاني المسلمون في كينيا من اضطهاد شديد، وتُلصق بهم تهم الإرهاب، وتُغلق تجمعاتهم وجمعياتهم، ويُضيق عليهم في أسباب معيشتهم، ويتعرضون يومياً للملاحقة والاعتقال، ويُهمشون في كل مجالات الحياة. يقول وزير الرياضة والشؤون الاجتماعية الكيني نجيب بلعلا: «أُجبرت عند زيارتي لأميركا على خلع بعض ملابسي ونزع حذائي، وفُتشت حقائبي بدقة متناهية، ووُجهت لي أسئلة غريبة لأني ببساطة أحمل اسماً إسلامياً دون أي اعتبار لمنصبي كوزير» فإذا كان الوزير المسلم يُعامل بهذه الطريقة فكيف تكون معاملة الناس العادييين من المسلمين الكينيين؟؟.
وتُشارك المخابرات الأميركية مع المخابرات الكينية جنباً إلى جنب في ملاحقة المسلمين الكينيين في بلادهم، فقد طالب رئيس المجلس الأعلى لمسلمي كينيا آل بو سعيد بإلغاء دور أجهزة المخابرات الأميركية في تتبع وملاحقة من تُسميهم أميركا بالإرهابيين التي توجه كل حملاتها دائماً ضد المسلمين.
إن هذا الاضطهاد الصارخ والتمييز السافر ضد المسلمين في كينيا طيلة العقود الخمسة الماضية التي تلت الاستقلال، قد أدّى بالضرورة إلى استبعاد المسلمين الكينيين عن الوجود والتأثير في مراكز القرار استبعاداً كلياً، فلا توجد في مناطقهم لا المدارس و لا الجامعات، ولا المستشفيات ولا أي نوع من المرافق الرئيسية أو الخدمات، والتخلف في المجال التعليمي كبير لأنه اقترن في كينيا بالتنصير، وهو ما أدّى إلى تردي أحوالهم الاقتصادية، ومعاداة الدولة الدائمة لهم، وذلك كله قد أدَّى إلى المزيد من تهميشهم واستبعادهم من مراكز القرار.
كما أن الزحف التنصيري الشرس في البلاد وإنفاق الأموال الطائلة على التبشير قد ساهما إلى حد كبير في كسب الكثير من الأفارقة الوثنيين البدائيين، وزادت بذلك كمية السكان الذين يعادون المسلمين في كينيا.
ولكن مع ذلك كله فإن الجهود الفردية المتواضعة لمسلمي كينيا ما زالت تقف حجر عثرة أمام عمليات التنصير الضخمة المدعومة من جميع البلدان الغربية، فهناك قبائل وثنية أفريقية بأكملها قد دخلت في الإسلام، ومنها قبائل المساي والتي بدخولها رفعت نسبة المسلمين إلى أكثر من 45 % من إجمالي السكان في كينيا.
وأما في تنزانيا المجاورة فبالرغم من الحرب الممنهجة ضد المسلمين فيها منذ أيام الاستعمار البريطاني، والتي تُوجت بالانقلاب الدموي الشنيع الذي دبَّره الإنجليز ضد مسلمي زنجبار بالتعاون مع الوثنيين والنصارى الأفارقة، والذي أدّى في العام 1964م إلى مذبحة رهيبة راح ضحيتها ما بين 30-50 ألف مسلم، فبالرغم من تلك الحرب الدموية إلا أن المسلمين في تنزانيا ما زالوا يشكلون ما بين 75% – 85% من السكان البالغ عددهم 35 مليوناً.
إن دولة تنزانيا التي كوَّنها الاستعمار الإنجليزي في العام 1964م نتيجة دمج قسري بين زنجبار الإسلامية التي كانت تعتبر دولة كبرى في شرق أفريقيا لما يزيد عن الألف عام، وبين تنجانيقا الوثنية التي كانت خاضعة للمسلمين منذ الفتح الإسلامي لتلك البلاد، إن هذه الدولة تم صنعها على عين الاستعمار، وتم تكوينها لتكون عدوة لأهلها من المسلمين.
لقد كان للسلطان سعيد بن سلطان – على سبيل المثال – قبل مجيء الاستعمار قوة بحرية هائلة تسيطر على الطرق التجارية، وتطارد البرتغاليين الاستعماريين، وتُلحق بهم الهزائم الساحقة، وذلك كما حصل في العام 1740م حيث تم تدمير الأسطول البرتغالي على يد أسطول السلطان تدميراً كاملاً.
أما اليوم فتحولت تنزانيا إلى دولة فاشلة يسيطر عليها النصارى الصليبيين وبعض القبائل الوثنية المدعومة من أميركا وبريطانيا والغرب عموماً.
إن عدم اهتمام العرب والمسلمين بتنزانيا خاصة في فترة الاستقلال هو الذي مكَّن الغرب من إحكام السيطرة على الأراضي التنزانية الشاسعة مستخدماً كل الأساليب القذرة لتحقيق أهدافه بما فيها المجازر الرهيبة.
لقد كان أول رئيس لتنزانيا بعد الاستقلال جوليوس نيريري يُظهر وداً كاذباً للدول العربية، وكان يعتبر نفسه اشتراكياً وصديقاً مخلصاً للرئيس المصري جمال عبد الناصر في ستينات القرن الماضي، بينما كان في ذات الوقت يشن حرباً صليبية ضروساً ضد مسلمي تنزانيا بدعم بريطاني.
إن تنزانيا التي تعادل مساحتها نصف مساحة أوروبا الغربية تصلح حقيقة لأن تكون نواة دولة عظمى في المنطقة، فهي إضافة إلى الأغلبية الإسلامية التي تقطنها، تملك من الثروات كالذهب والمعادن، وتحوي من الأراضي الزراعية والبحيرات، وتمتد سواحلها الطويلة لتتواصل مع السواحل الكينية والصومالية ما يجعل منها رأس حربة كبيرة للإسلام في القارة الأفريقية. فإذا ما اتحد المسلمون في تنزانيا مع المسلمين في أثيوبيا وكينيا والصومال فإنهم يشكلون بلا ريب أعظم قوة دولية في أفريقيا، لا سيما وأنهم يشكلون تواصلاً جغرافياً ولغوياً وحضارياً يُتوّجه التواصل الإسلامي المبدئي .
2011-04-01