آيات لكل المناسبات
2006/07/31م
المقالات
3,072 زيارة
آيات لكل المناسبات
لم يعد مستغرباً، ونحن نعيش في عهد الأنظمة الرأسمالية، أن نرى كل ما حولنا قد تحول إلى سلعة. فالإنسان سلعة، والهواء سلعة، وحتى الأفكار والمبادئ والقيم أصبحت سلعاً.
فالتسليع أصبح هوس العصر وهو الأساس الذي تقوم عليه النظريات الرأسمالية لجني الثروة وكسب الأرباح. ونحن نرى الآن كيف أصبحت أتفه الأشياء وأرذلها سلعاً يزايد عليها المغمورون واللاهثون وراء الحداثة.
أما تسليع الفكر فحدّث ولا حرج.. فكلما أراد أصحاب القرار الترويج لبضاعة جديدة من الأفكار السامة وأساليب نشر الرذيلة وجدوا لهم من يطلقون عليهم اسم المفكرين من ذوي الأقلام الرخيصة والتحليلات العفنة ليبثوا عبرهم سمومهم للناس بأسماء لامعة براقة.. فذلك مبدع، وذاك مفكر، وآخر فيلسوف… وكل أولئك حاضرون مُجهزون بكل الوسائل والأساليب الملتوية لنشر أية فكرة عصرية خبيثة يراد دسها بين أمة المسلمين.
ولا يخرج عن هذا الإطار تلك الآيات القرآنية التي تروّج لها شركات الاتصالات ليتبادلها الناس فيما بينهم في مناسباتهم عبر الرسائل الصوتية، بينما تحصد شركات الاتصالات المليارات عبر تسليع آيات القرآن ليتمكنوا من ضمان أموال تلك الشريحة من المسلمين التي لا تتعامل بالأغاني والنغمات.
ونحن هنا لا نريد أن نتحدث عن تلك الآيات “لكل المناسبات” كما راق لأصحاب الشركات تسميتها، بل سنتحدث عن مناسبات أخرى وجدوا لها آيات حرفوها وأوّلوها ليُضلوا بها أمة المسلمين عن هدي الإسلام ونوره. فتجدهم إذا جاء ميلاد المسيح عليه السلام أخذوا يبشرون بالنصرانية عبر آيات من القرآن الكريم والعياذ بالله. وإذا كان عيد الأم وجدت علماء السلاطين يدعون المسلمين للاحتفال بهذه المناسبة مستدلين بالآيات التي تحضّ على بر الوالدين.
والآن يريدون إلغاء ما هو معلوم من الدين بالضرورة، فلا ردة في الإسلام، ولا خمار لنساء المسلمين، حتى ولا جهاد للكافرين… والقائمة تطول
فصدق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين قال فيما أخرجه الترمذي عن أبي هريرة وابن عمر قالا: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يكون في آخر الزمان رجال يختلون الدنيا بالدين، ويلبسون الناس جلود الضأن، ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم قلوب الذئاب، يقول الله تعالى: أبي تغترون أم علي تجترئون؟ فبي حلفت لأبعثنَّ على أولئك منهم فتنة تذر الحليم فيهم حيراناً».
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن وبعد أن جعل علماء السلاطين من كتاب الله تعالى سلعةً تباع بأبخس الأثمان… كيف لأمة المسلمين التصدي لهذه الهجمات الشرسة على الإسلام ومفاهيمه وحضارته؟؟ فالضربات تتوالى وتترى من داخل أمتنا ومن خارجها، ولم يذر الكافرون سلاحاً، عسكرياً كان أو فكرياً؛ لضرب المبدأ الإسلامي بما فيه من أنظمة وقيم ومعالجات إلا واستعملوه، بالرغم من عدم وجود الكيان السياسي الذي يمثل الإسلام ديناً وحضارةً.
هل سنظل نرضخ لكل مؤامرة تمرّ على أجسادنا، وهل سنتعلم كيف نكيّف أنفسنا لكل ذلّ فنألفه ليصبح طبيعياً في حياتنا؟!
كم تذكرني بحال المسلمين اليوم كلمات سمعتها من إحدى المحاميات القبطيات عبر لقاء تلفزيوني يناقش تحليل الطلاق للنصارى الذي وافق عليه (البابا شنودة) في مصر. هذه المحامية النصرانية ترفض رفضاً قاطعاً أي تحليل للطلاق؛ لأنها تعتبر أن ديانتها قد جاءت بنصوص قطعية تحرم الطلاق، وقد قالت بالحرف الواحد لمذيعة البرنامج المسلمة: «نحن لا نعبد البابا شنودة، نحن نعبد الرب، وأنا أعتقد بأن كتاب الإنجيل هو من عند الرب، وقد جاءت فيه نصوص قطعية تحرم الطلاق، ولا يجوز للبابا شنودة أو من هو أعلى منه رتبةً أن يحلل شيئاً حرمه علينا ربنا…»، ثم استرسلت المحامية النصرانية تخاطب المذيعة المسلمة قائلةً لها: «أنتم المسلمون مثلاً لو قام شيخ الأزهر بتغيير أمر في الإسلام عندكم فيه نص قطعي بالقرآن فلن تسمحوا بذلك أيضاً» عند ذلك لم تعقب المذيعة المسلمة لأنها تعلم تماماً أن كثيراً من علمائنا قد تجرؤوا على كتاب الله تعالى فأحلوا الحرام وحرموا الحلال… فالربا حلال ثلثه.. ونصح الأمير حرام كله… كل هذا وكثير من أبناء أمتنا في غمرة الأحداث يغطون في سبات عميق..
تمنيت حين سمعت كلام تلك المرأة كيف تتمسك بعقيدة نعتقد بفسادها، وكيف تتمسك بكتاب نعتقد بتحريفه، تمنيت أن أرى أو أسمع بدلاً من تلك المرأة الكافرة رجلاً من العلماء المسلمين الرسميين يتمسك بنص قطعيّ فلا يؤوّله ولا يُحرّفه ليُرضي أسياده من عملاء الغرب الكافر وأتباعهم، بل تمنيت لو أسمع من يقول بأننا لا نعبد العالِم فلاناً، بل نعبد الله ونعمل بما أمر به ولو خالفه كل المفتين وعلماء السلاطين.
تمنيت أن ألمس لدى علماء السلاطين ذلك اليقين الذي لمسته في كلام تلك المرأة النصرانية حين قالت للمذيعة ترد على سؤالها حول تغير الزمان والمكان وحاجة الناس للقوانين الوضعية فقالت: «… لابأس أن نخالف نظاماً أو دستوراً لأنها من عند البشر. أما أن نخالف ديننا فلا… والدين صالح لكل زمان ومكان، والرب يعلم بحكمته ما سيأتي على الناس من مشكلات؛ ولذلك فلابد لنا من التزام أوامره مهما تغير الزمان وتغيرت الظروف».
أيّها المسلمون
تلك امرأة كافرة ترفض المساومة في أمر دينها، وتؤكد بكل ثقة أن ما جاء من عند ربها هو ما يصلح لكل زمان ومكان… فكيف بنا نحن أمة المسلمين ونحن خير أمة أخرجت للناس، وأصحاب رسالة الهدى والنور للعالمين…
نحن من جاءنا خاتم النبيين بدين الإسلام عقيدةً ونظاماً من عند الله… كتاب لا يأتيه الباطل ويهدي إلى خير السبيل… ونبيّ صادق مصدوق لا ينطق عن الهوى…
كيف بنا اليوم حين نسمع مثل كلام تلك المرأة النصرانية وبيننا من جعلوا من الإسلام مطية لمصالح الكفار فينا…
كيف بنا اليوم وكتابنا معجزة لكل زمان ومكان…
كيف بنا اليوم إذ نسمع من يحرفون معاني كلام الله تعالى عن مواضعها فلا تهتزّ جلودنا خوفاً من غضب الله وسخطه وهو الذي قال جلّ من قائل: ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ) [الأنعام 21].
كيف بنا إذ نسمع قول نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم): «إن الناس إذا رأو الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه» (رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، بأسانيد صحيحة).
ألا والله إني لأحمده تعالى على نعمة الإسلام، وأسأله أن يُوقِظَ من أصبحت عقولهم في سُبات، وينبه قلوبهم من الغفلات… اللهم آمين.
أم آدم
2006-07-31