الاضطهاد الديني في أوزبكستان: صنع أعداء للدولة
2006/07/31م
المقالات
1,832 زيارة
الاضطهاد الديني في أوزبكستان: صنع أعداء للدولة
نشرت منظمة “هيومان رايتس ووتش” للدفاع عن حقوق الإنسان حول العالم تقريراً يتناول بالتفصيل أفعال الحكومة في أوزبكستان التي تستهدف القضاء على الإسلام والمسلمين بحجة القضاء على التطرف والإرهاب الإسلاميين. وكان أشد من لاقى صنوف التعذيب والإرهاب من الدولة الأوزبكية هم شباب حزب التحرير الذين رغم أنهم في دعوتهم لا يقومون إلا بالأعمال الفكرية، ولا يستخدمون العنف، إلا أن هذه الحكومة المجرمة لم توفرهم. وصدق الله سبحانه في قوله: ( وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ @ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) [البروج 8-9] وهذا بعض ما جاء في هذا التقرير:
عمدت الحكومة الأوزبكية إلى اضطهاد المسلمين المستقلين بشدة متزايدة على مدى العقد الماضي؛ وأسفرت هذه الحملة من الاضطهاد الديني عن اعتقال ما يقدر بنحو 7000 شخص، وإنزال صنوف التعذيب بهم، وسومهم الذل والهوان علانيةً، وسجنهم في ظروف بالغة الوحشية.
تستهدف هذه الحملة المتدينين المسالمين الذين يمارسون الوعظ الديني الإسلامي، أو يدرسون الإسلام خارج إطار المؤسسات والتوجيهات الرسمية، بما في ذلك الأئمة المستقلون وأتباعهم، ممن يُسَمَّون “الوهابيين” -وهو مصطلح تستخدمه الحكومة استخداماً مغلوطاً للتشهير بهؤلاء الأشخاص بوصفهم “أصوليين”. على أن معظم المستهدفين من هذه الحملة هم من أتباع “حزب التحرير”، وهو حزب مسالم تضيق الحكومة بتعاليمه الداعية لإقامة دولة إسلامية، وتعتبرها بمثابة تحريض على الفتنة. وفي أوائل التسعينات ومنتصفها، كانت الحكومة الأوزبكية تبرر قمعها للإسلام المستقل بسعيها للحفاظ على الطابع العلماني للدولة؛ وبدءاً من عام 1998، أخذت الحكومة تشير إلى ضرورة منع الإرهاب؛ وها هي اليوم تجزم بأن الاعتقالات تأتي في إطار الحملة العالمية ضد الإرهاب التي بدأت استجابةً لأحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001م.
وقد قننت الحكومة الأوزبكية حملتها ضد الإسلام المستقل في تشريعات تتعلق بالدين والمنظمات الدينية وفي القانون الجنائي الأوزبكي. ويدلي المسؤولون الحكوميون بتصريحات علنية تدعو للحملة وتؤيدها، ويقوم بتنفيذها الموظفون القائمون على تنفيذ القانون، والقضاء، والموظفون الحكوميون المحليون.
ومن المعلوم أن القانون الدولي لحقوق الإنسان يكفل للأفراد حقهم في اعتناق الدين أو المعتقدات والتعبير عنها؛ غير أن سياسة الحكومة الأوزبكية وممارساتها الفعلية تشكل انتهاكاً مباشراً لهذه المعايير، إذ تقضي بمعاقبة من يؤمنون بمعتقدات دينية معينة بسبب مضمون معتقداتهم، أو بسبب تعبيرهم عنها، أو تبادلهم المعلومات مع غيرهم، أو انخراطهم في جمعية لا تدعو إلى العنف ولا تمارسه. كما أن السلطات الأوزبكية تخل بالالتزامات التي يمليها عليها القانون الدولي في معاملتها للمسلمين المستقلين، إذ تنـزل بهم صنوف التعذيب المنهجي، وسوء المعاملة، والإذلال العلني، والحرمان من الحق في الإنصاف القضائي الواجب.
ويوثق هذا التقرير تلك الانتهاكات، ويبين كيف تجرِّم الدولة الممارسات والمعتقدات الدينية المشروعة، وكيف تصوِّر ممارسة الأفراد حقوقهم في حرية الضمير، وحرية التعبير، وحرية تكوين الجمعيات أو الانتماء إليها، على أنها محاولات للإطاحة بالحكومة. ويسهب التقرير في وصف المحن التي يكابدها المسلمون المستقلون منذ لحظة القبض عليهم حتى إيداعهم الحبس، حيث يظل بعضهم نحو 20 عاماً وراء القضبان. ولايزال معظم الأشخاص الذين يوثق التقرير رواياتهم في السجن، حيث أنزلت بهم الشرطة صنوفاً من التعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة لانتزاع الاعترافات منهم. وكابد هؤلاء الأشخاص قسوة الاعتقال بمعزل عن العالم الخارجي، والحرمان من حقهم في الاستعانة بمحامين يتولون الدفاع عنهم، ومن حقهم في محاكمة عادلة، وإصدار أحكام الإدانة ضدهم استناداً لأدلة ملفقة؛ وما برحوا يتجرعون غصص التعذيب وسوء المعاملة في السجون الأوزبكية حيث يقضون عقوبات السجن المفروضة عليهم. كما توثق منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها ما يتعرض له أهالي السجناء من الاعتقال، والمضايقات، والتخويف، بما في ذلك الإدانات العلنية -على النمط السوفياتي- التي تصدرها السلطات المحلية ضد من تعتبرهم من “الأصوليين” الإسلاميين.
ومعظم المسلمين المستقلين الذين اعتُقلوا في إطار هذه الحملة الحكومية، والذين يتناول هذا التقرير حالاتهم، هم من الرجال؛ ولو أن النساء كنَّ في بعض الحالات أهدافاً مباشرة لحملة الاعتقالات الحكومية؛ وفي حالات أخرى، أُنزلت بالنساء عقوبات غير قضائية في إطار هذه الحملة؛ كما مارس الموظفون المكلفون بتنفيذ القانون شتى المضايقات والضغوط على قريبات المشتبه فيهم الرئيسيين لإجبارهن على البوح بمعلومات عن المشتبه فيهم أو إرغام المعتقلين على تجريم أنفسهم. وفي الختام، يصف التقرير العقبات التي يواجهها المسلمون المستقلون في التماس سبل الإنصاف والتعويض من خلال أجهزة الدولة، بما في ذلك المحاكم وديوان المظالم والنيابة العامة. كما يصف التقرير المضايقات التي يواجهونها أحياناً عقاباً لهم على استنجادهم بالمنظمات الدولية.
وقد أشار المسؤولون الحكوميون إلى التفجيرات التي شهدتها طشقند في فبراير/ شباط 1999م، والهجمات المسلحة التي شنتها “الحركة الإسلامية لأوزبكستان” خلال عامي 1999م و2000م، باعتبارها مبرراً لضيقهم بـ”التطرف الإسلامي” عموماً، وذريعة لتوسيع نطاق الاعتقالات بغية التخلص من أي خطر متصور على سلطتهم من جانب المسلمين المتدينين. صحيح أن الحكومات مسؤولة عن حماية مواطنيها من أي أعمال عنف ذات دوافع سياسية، ويجب عليها التعاون على الصعيد الدولي لتقديم مرتكبي مثل هذه الاعتداءات إلى ساحة القضاء؛ ولكن بالرغم مما تزعمه الحكومة من أن هذه الملاحقات القضائية تأتي في إطار التصدي للإرهاب، فإن أحداً من المسجونين في الأغلبية الساحقة من الحالات التي تناولتها أبحاث هيومن رايتس ووتش لم تُوجَّه إليه تهمة الإرهاب أو حتى ارتكاب أي عمل من أعمال العنف. ولا يجوز اتخاذ ضرورة منع الإرهاب تعلةً لاضطهاد المنشقين الدينيين، أو مبرراً لتسويغ سياسات العقاب الجماعي التي تؤدي إلى اعتقال آباء المشتبه فيهم، وأشقائهم، وأزواجهم. ولا يمكن كذلك تبرير التعذيب وما يصاحب الاعتقالات من طقوس لفضح المعتقلين علناً ووسمهم بالعار، ودسّ المخدرات والرصاص في منازلهم، والمحاكمات التي تُعتبر فيها محافظة المرء على الصلوات الخمس اليومية دليلاً مقبولاً على نيته قلب نظام الحكم، وكل هذا يشكل انتهاكاً للمبادئ الأساسية للإنصاف القضائي.
وتُعدُّ مثل هذه الممارسات من أشد أساليب القمع الديني فعاليةً؛ وقد خلفت آثاراً مدمرة على مجتمعات المسلمين المستقلين. وبالرغم من الالتماسات المقدمة من المسؤولين الدبلوماسيين، فإن حكومة أوزبكستان لم تنشر أي معلومات عن عدد من اعتقلتهم وأدانتهم بتهم تتعلق بمعتقداتهم وممارساتهم الدينية. وما لم تكشف الحكومة عن هذه المعلومات بالكامل، فلن يتسنى معرفة العدد الحقيقي للمسلمين المستقلين الذين ألقت السلطات القبض عليهم، وزجت بهم في السجون، في إطار هذه الحملة.
وفي أغسطس/آب 1999م، قال صديق صفائيف، السفير الأوزبكي في الولايات المتحدة آنذاك (الذي عُيِّن وزيراً للخارجية عام 2003م)، لمنظمة هيومن رايتس ووتش إن “…مئاتٍ أو ربما آلافاً آخرين قد اعتُقلوا بسبب [عضويتهم في] ‘حزب التحرير’ وأنشطة سرية”. وتشير تقديرات دعاة حقوق الإنسان المحليين الذين رصدوا نمط الاعتقالات منذ بداية الحملة إلى أن عدد المعتقلين كان عام 2000م يتراوح بين 6500 و7000 معتقل. وتتفق هذه الإحصائيات مع تلك التي أصدرها فرع “حزب التحرير” في أوزبكستان، الذي قدر عدد المعتقلين من أعضائه عام 2000م بنحو 4000 معتقل. ومنذ عام 2000م، تسارعت وتيرة الاعتقالات وأحكام الإدانة الصادرة ضد المسلمين المستقلين – من أعضاء “حزب التحرير” في الأغلب والأعم، ولو أنها شملت أيضاً أشخاصاً متهمين بـ”الوهابية” – حتى تجاوز عدد المعتقلين عدد من استعادوا حريتهم بموجب مراسيم العفو الرئاسية الصادرة عامي 2001م و2002م. وحتى 25 سبتمبر/أيلول 2003م، كانت منظمة هيومن رايتس ووتش قد حللت وأدرجت حالات 1229 مسلماً مستقلاً في قاعدة بياناتها الخاصة بالسجناء الدينيين في أوزبكستان؛ وكانت حالات نحو 150 فرداً آخرين ممن أدينوا بتهم تتعلق بأنشطة دينية لا تزال قيد النظر قبل إدخالها في قاعدة البيانات. ووثق باحثون من منظمة “ميموريال”، وهي منظمة روسية تُعنى بحقوق الإنسان، حالات 1967 من المسلمين المستقلين.
ولئن كان الموظفون المكلفون بتنفيذ القانون قد قاموا بحملة الاعتقالات في جميع أنحاء البلاد، فالظاهر أن اعتقالات المسلمين المستقلين وقعت على نطاق هائل في العاصمة الأوزبكية طشقند ومدن معينة في وادي فرغانة؛ فقد كانت الأغلبية الساحقة من الحالات التي وثقتها منظمتا هيومن رايتس ووتش و”ميموريال” تتعلق باعتقال أشخاص من تلك المناطق.
وكما نوضح في هذا التقرير بالتفصيل، فإن أفعال الحكومة كانت تستهدف القضاء على “الأصولية” الإسلامية و”التطرف” الإسلامي بحسبانهما خطراً يهددها، وذلك عن طريق تكميم أفواه المسلمين الذين يرفضون سيطرة الحكومة على الدين ومعاقبتهم. وقد وضعت هذه السياسة ونُفِّذت بهدف إزالة الإسلام “الكاريزمي” من المعادلة السياسية درءاً لأي نزاع محتمل على السلطة وعلى ولاء الشعب بين حكومة كريموف والزعماء الإسلاميين ذوي التوجه المستقل عن الحكومة. والواقع أن الخوف من الدين باعتباره منافساً على قلوب وعقول الجماهير هو جزء من التركة التي خلفتها الحقبة السوفيتية، ولكن حكومة كريموف استحوذت على هذا المشروع، فأدمجت فيه أساليب السيطرة الموروثة، وابتكرت حيلاً وأساليب جديدة لمنع الإيمان الديني من تحدي سلطة الحكومة مطلقاً.
وكان من بين الأهداف الأولى لحملة الحكومة الزعماء الروحيون المسلمون الذين رفضوا الاقتصار في خطبهم ومواعظهم على ما تمليه عليهم سلطات الدولة؛ وتراوحت المظاهر الأخرى “للعصيان” بين معارضتهم لقرار الحكومة بمنع استخدام مكبرات الصوت في المساجد عند الأذان، وامتناعهم عن مدح الرئيس كريموف أثناء الخطب الدينية، وخوضهم في نقاش علني حول منافع إقامة دولة إسلامية وتطبيق الشريعة الإسلامية، ورفضهم تقديم معلومات عن المصلين معهم وزملائهم من الزعماء الدينيين لأجهزة الأمن. وأطلقت السلطات الحكومة وصفاً في غير محله على هؤلاء الزعماء المحليين، وهو “الوهابيون”؛ وعمدت إلى مضايقة أو اعتقال الأشخاص الذين تربطهم بهؤلاء الزعماء صلة وثيقة أو حتى عابرة، مثل المصلين معهم، بما في ذلك من صلوا وراء هؤلاء الزعماء من حين لآخر قبل أن تغضب عليهم السلطات، وتلامذة الأئمة، والعاملين في المساجد، بل حتى أقاربهم.
وفي عام 1999م، بدأت السلطات الأوزبكية في اعتقال الأشخاص بصورة منهجية بسبب العضوية في “حزب التحرير”، أو بسبب حيازة أو توزيع مطبوعات الحزب، أو حتى الانتساب للحزب بصفة عارضة، كما حدث للأئمة. وقد تأسس “حزب التحرير” في الشرق الأوسط خلال الخمسينات، وظهر لأول مرة في أوزبكستان عام 1995م أو نحو ذلك؛ وظلت الجماعة بمنأى عن الأضواء في أول الأمر، ولم تعلن عن نفسها على الملأ، أو تقدم طلباً إلى الحكومة لتسجيلها رسمياً، أو تصدر أي بيانات علنية. ولكن لم يحل عام 1998م حتى كان أعضاء الحزب قد لفتوا أنظار الحكومة الأوزبكية؛ فقد كان أعضاء الحزب يزدادون عدداً آنذاك، ويقومون بتوزيع مطبوعاتهم على الملأ دون أن تجيزها أجهزة الرقابة الحكومية، مثل دار النشر التابعة “للمجلس الروحي الإسلامي”، وهو المؤسسة الحكومية التي تنظم كافة الشؤون الإسلامية في أوزبكستان، و”لجنة الشؤون الدينية”، وهي قسم تابع لمجلس الوزراء.
ولدى “حزب التحرير” فروع شبه مستقلة في عدد من الدول، بما في ذلك دول الشرق الأوسط، وأوروبا وآسيا الوسطى. وتختلف برامج وأنشطة هذه الفروع من بلد لآخر، شأنها شأن السياسات التي تنتهجها شتى الحكومات إزاء هذا التنظيم. ويناقش هذا التقرير المعاملة التي يلقاها “حزب التحرير” من جانب الحكومة الأوزبكية فحسب. وحيث إن أهداف وأفكار “حزب التحرير” تجمع بين السياسة والدين، فليس بالإمكان تصنيفه على أنه كيان سياسي أو ديني محض؛ غير أن السلطات الحكومية في أوزبكستان إنما تعاقب أعضاء “حزب التحرير” على معتقداتهم أو أنشطتهم الدينية، أو تعبيرهم عن هذه المعتقدات، على وجه التخصيص. كما أن أولئك المعرضين لتصنيفهم في زمرة “الأصوليين” لا تجمع بينهم طائفة واحدة من المعتقدات والممارسات؛ ولكن الحكومة الأوزبكية تنظر بعين الريبة لجميع المسلمين الذين يعبرون عن معتقداتهم الدينية على أي نحو يخرج عن إطار المعايير التي وضعتها الحكومة. ولا تعني صفة “الاستقلال” في هذا السياق بالضرورة الخروج عن الممارسات الدينية التقليدية، كما أنها لا تنطوي على افتراض بأن المسلمين المستقلين يتخذون قراراً واعياً بتحدي إرادة الدولة؛ فالحملة التي شنتها الحكومة الأوزبكية على الإسلام المستقل استهدفت مسلمين لم يبدوا أي استقلال موضوعي عن الدولة، ولكن عملاء الدولة اعتبروهم من “غلاة المتدينين” وحسب.
والأغلبية العظمى من أعضاء “حزب التحرير”، شأنهم شأن المسلمين الذي تصفهم الدولة بـ”الوهابيين”، يعتبرون أنفسهم من السنة الأحناف، مثل معظم المسلمين في أوزبكستان، وليسوا من أتباع المذهب الوهابي بالمعنى المفهوم في سياق المملكة العربية السعودية. والواقع أن بعض من يُنعتون بـ”الوهابيين” قد أطلقت عليهم هذه الصفة لأنهم يصلون خمس مرات في اليوم -هو أمر تعتبره بعض السلطات المحلية في المحافظات الأوزبكية دليلاً على التدين المفرط أو المريب- أو لأنهم أظهروا معتقداتهم الدينية جهاراً بإطلاق لحاهم أو ارتداء نسائهن الخمار.
http://hrw.org/arabic/reports/2004/uzb0330.htm
2006-07-31