رياض الجنة: أخلاق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الدعوة (11)
2006/07/31م
المقالات
2,042 زيارة
رياض الجنة:
أخلاق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الدعوة (11)
مخاصمة رؤساء قريش النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في دعوته لهم وما أجابهم
أخرج ابن جرير عن ابن عباس أن عتبة وشيبة بني ربيعة، وأبا سفيان بن حرب، ورجلاً من بني عبد الدار، وأبا البَخْتَري أخا بني الأسد، والأسود بن عبد المطلب بن أسد، وزمعة بن الأسود، والوليد بن المغيرة، وأبا جهل بن هشام، وعبد الله بن أبي أميَّة، وأمية بن خلف، والعاص بن وائل، ونبيهاً ومُنَبَّهاًَ بني الحجاج السهميين، اجتمعوا -أو من اجتمع منهم- بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة، فقال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمد فكلموه وخاصموه حتى تعذروا فيه، فبعثوا إليه أن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك، فجاءهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سريعاً، وهو يظن أنه قد بدا لهم في أمره بَدَاء، أي رأي جديد -وكان عليهم حريصاً يحب رشدهم ويعز عليه عَنَتهم- حتى جلس إليهم. فقالوا: يا محمد، إنا قد بعثنا إليك لنعذر فيك، وإنا -والله- ما نعلم رجلاً من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك!! لقد شتمت الآباء، وعبت الدين، وسفهت الأحلام، وشتمت الآلهة، وفرقت الجماعة، فما بقي من قبيح إلا وقد جئته فيما بيننا وبينك، فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت إنما تطلب الشرف فينا ســوّدناك علينا، وإن كنت تريد ملكاً ملّكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك بما يأتيك رئياً تراه قد غلب عليك -وكانوا يسمون التابع من الجن “الرئي”- فربما كان ذلك، بذلنا أموالنا في طلب الطب حتى نبرئك منه أو نعذر فيك. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «مابي ما تقولون، ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم، ولا الشرف فيكم، ولا الملك عليكم، ولكن الله بعثني إليكم رسولاً، وأنزل علي كتاباً، وأمرني أن أكون لكم بشيراً ونذيراً، فبلغتكم رسالات ربي، ونصحت لكم، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم من الدنيا والآخرة، وإن تردوه عليَّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم» أو كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
فقالوا يا محمد، فإن كنت غير قابل منا ما عرضنا عليك، فقد علمت أنه ليس من أحد من الناس أضيق بلاداً، ولا أقل مالاً، ولا أشدَّ عيشاً منا! فاسأل لنا ربك الذي بعثك بما بعثك به فليسيّر عنا هذه الجبال التي ضيقت علينا، وليبسط لنا بلادنا، وليفجر فيها أنهاراً كأنهار الشام والعراق، وليبعث لنا من مضى من آبائنا، وليكن فيمن يبعث لنا فيهم قصيّ بن كلاب، فإنه كان شيخاً صدوقاً، فنسألهم عما تقول أحق هو أم باطل؟ فإن صنعت ما سألناك وصدّقوك صدّقناك، وعرفنا به منزلتك عند الله، وأنه بعثك رسولاً كما تقول. فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما بهذا بعثت، إنما جئتكم من عند الله بما بعثني به، فقد بلغتكم ما أرسلت به إليكم؛ فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه عليَّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم».
قالوا: فإن لم تفعل لنا هذا فخذ لنفسك، فسَلْ ربك أن يبعث ملَكاً يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك، وتسأله فيجعل لك جنات وكنوزاً وقصوراً من ذهب وفضة. ويغنيك بها عما نراك تبتغي -فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه- حتى نعرف فضل منزلتك من ربك إن كنت رسولاً كما تزعم. فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما أنا بفاعل، ما أنا بالذي يسأل ربه هذا، وما بعثت إليكم بهذا، ولكن الله بعثني بشيراً ونذيراً، فإن تقبلوا ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه عليّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم».
قالوا: فأسقط السماء كما زعمت أن ربك إن شاء فعل ذلك، فإنا لن نؤمن لك إلا أن تفعل. فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ذلك إلى الله إن شاء فعل بكم ذلك». فقالوا: يا محمد، أما علم ربك أنا سنجلس معك ونسألك عما سألناك عنه، ونطلب منك ما نطلب فيقدم إليك ويعلمك ما تراجعنا به، ويخبرك ما هو صانع في ذلك بنا إذا لم نقبل منك ما جئتنا به؟ فقد بلغنا أنه إنما يعلمك هذا رجل باليمامة يقال له “الرحمن” وإنا -والله- لا نؤمن بالرحمن أبداً، فقد أعذرنا إليك يا محمد!! أما والله ولا نتركك وما فعلت بنا حتى نهلكك أو تهلكنا، وقال قائلهم: نحن نعبد الملائكة وهي بنات الله، وقال قائلهم: لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلاً.
فلما قالوا ذلك، قام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عنهم، وقام معه ابن عمته عبد الله بن عاتكة بنة عبد المطلب، فقال: يا محمد، عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم، ثم سألوك لأنفسهم أموراً ليعرفوا بها منزلتك من الله فلم تفعل ذلك، ثم سألوك أن تعجل لهم ما تخوفهم به من العذاب، فوالله لا أؤمن حتى تتخذ إلى السماء سلّماً، ثم ترقى به وأنا أنظر حتى تأتيها وتأتي معك بصيحفة ومعك أربعة من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول. وأيمُ الله، لو فعلت ذلك لظننت أني لا أصدقك، ثم انصرف عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وانصرف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أهله حزيناً أسِفاً لما فاته مما كان طمع فيه من قومه حين دعوه، ولما رأى من مباعدتهم إياه. كذا في التفسير لابن كثير والبداية
2006-07-31