مائة عام على اتفاقية سايكس بيكو: بشراكم اليوم، فالزمان يستدير لنا، والخلافة تدق الأبواب
2016/07/25م
المقالات
2,537 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
مائة عام على اتفاقية سايكس بيكو:
بشراكم اليوم، فالزمان يستدير لنا، والخلافة تدق الأبواب
أبو حذيفة بني عطا / الأردن
شهدت أمتنا الإسلامية، مع بداية القرن العشرين، وفي لحظة تاريخية توجت سباتها العميق وغفلتها عن التمسك بدينها كنظام حياة أعزها بين اﻷمم على مدار قرون من الزمان، وتوجت تهاونها في الالتزام بثوابت دينها وتطبيق أحكامه التي ضمنت لها استمرارية التفوق الفكري والعلمي والسياسي والعسكري بين اﻷمم، حيث كان الضعف قد اعتراها في فهم فكرة إسلامها وطريقته، أقول شهدت أمتنا حالة من التغير الكوني أتت على وجودها بين اﻷمم، فانهارت أجهزتها صريعة تطلب النجدة والنجاة، فارتمت في أحضان أعدائها تصارع البقاء، وحرابهم ما زالت تقطر دمًا من جسدها، لحظة تاريخية كانت عنوانًا لحقبة اجتاحها طوفان التغير الكوني الذي ما إن يحصل حتى تتبعثر أوضاع الدول في العالم كله، فلا الكبير يبقى كبيرًا وﻻ الصغير يبقى على حاله، حقبة أدار لنا الزمان ظهره فيها بشكل صارخ بعد أن أدرنا نحن ظهرنا لديننا، فكانت حقبة مشؤومة من عمر أمتنا اﻹسلامية، سقطت فيها دولتنا العظيمة «دولة الخلافة اﻹسلامية العثمانية»، بعد أن كانت تتربع على عرش العالم سيدة له ﻻ تتحرك دولة من دوله في بحار اﻷرض أو قفارها دون أن تأخذ اﻹذن بالحركة، فكان عام 1911م من أكثر اﻷعوام شؤمًا على أمتنا حين انهزمت عسكريًا في الحرب العالمية اﻷولى، فتداعت المآسي والنكسات على رؤوسنا كما تداعى اﻷكلة إلى قصعتها.
فهذا سايكس وبيكو الدبلوماسيان اﻹنجليزي والفرنسي يجتمعان في عام 1916م، ويقرران تقسيم بلادنا كمناطق نفوذ لهما كمحتلين في اتفاقية سميت «سايكس وبيكو» نسبة لهما.
وهذا بلفور وزير خارجية بريطانيا يَعِدُ اليهود باقتطاع جزء من جسم دولتنا من أثمن أجزائه «فلسطين» عام 1917م ليمنحها لهم وطنًا، فيصبح اﻷقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الذي كانت تشد إليه رحال المسلمين أسيرًا بيد أنجس خلق الله حتى يومنا هذا.
وها هي عصبة اﻷمم (منظمة اﻷمم المتحدة) – بنسختها الثانية بعد الحرب العالمية الثانية – تتشكل أيضًا لتضم في عضويتها تلك الدول التي انتصرت في الحرب العالمية اﻷولى فقط، وتلغي أي وجود سياسي ﻷي جزء أو بلد من بلادنا اﻹسلامية على اتساعها في المسرح الدولي، بعد أن كانت دولتنا هي صاحبة القرار اﻷول فيه.
وها هو مجرم العصر مصطفى كمال يتجرأ على اﻷمة اﻹسلامية بأكملها بدعم من أسياده اﻹنجليز وأعوانهم من خونة الترك ليعلن سقوط نظام الخلافة وإحلال النظام العلماني في تركيا المسلمة عام 1924م؛ فيغيب بذلك اﻹسلام عن واقع الحياة في بلاد المسلمين وتحل محله أنظمة من صنع أولئك المحتلين المستعمرين الذين قسموا بلادنا إلى أكثر من أربعين كيانًا، وصنعوا لكل كيان حدوده الوهمية، وطلبوا من أهل كل كيان أن يقدسوا انتماءهم لهذا الكيان دون غيره، وأن يقدسوا حدود هذه اﻷوطان الجديدة باسم حب الوطن والانتماء لترابه، وأن يقدسوا أولئك الحكام الطواغيت على أنهم أهل الحكم الرشيد والقيادة الحكيمة، كيف ﻻ؟! وعلى أيديهم جرت وما تزال تجري كل المؤمرات السياسية، فقسمت دولة الخلافة اﻹسلامية إلى كيانات جمهورية، وأخرى ملكية، وثالثة أميرية، ومحميات تخضع جميعها لحكم ذلك الكافر المستعمر المحتل الذي ما كان له أن يحلم بهزيمة دولة الخلافة لوﻻ خيانة أولئك الخونة من أبناء العرب والترك وغيرهم من أبناء المسلمين الذين باعوا دينهم وأهلهم وبلادهم مقابل زعامة زائفة ثمنًا لخيانتهم، ومنذ ذلك الوقت والمسلمون يعيشون في بلادهم عبيدًا ﻷراذل الناس، كاﻷيتام جوعى والخير يملأ بلادهم، عطشى والماء ينساب زﻻلًا تحت أقدامهم، ولكن السيد لئيم، بعد أن كانوا أحرارًا ﻻ يعرفون سيدًا عليهم إﻻ الله.
نذكر كل هذا بتفاصيله، واﻵﻻم تعتصر قلوبنا لما جرى ﻷمتنا قبل قرن من الزمان، فكيف ﻷمة تربعت على عرش الدنيا بأسرها لعشر مئات من السنين وأكثر أن تنهزم أمام علوج غرب وشرق كانوا تائهين مطمورين مخمورين في ظلمات جهل ﻻ يكادون يبصرون طريقًا إﻻ إذا استقبلوا قبلة اﻹسلام، كيف؟! كيف لك أن تصدق هذا؟! وكيف لك واﻷمر واقع وحقيقة أن تتجرعه وأنت ﻻ تستسيغه؟! فكيف لك أن تأكل الذل والمهانة لتعيش كريمًا؟! وكيف لك أن تشرب الموت لتحيا؟! وكيف يطيب لك أن تتنفس رائحة الخيانة ثم تدعو لها بطول البقاء على المنابر، كيف؟! ﻻ بل كيف يطيب لك أن تعيش الحياة ميتًا فتستمتع بحياة بنكهة الموت ﻻ حياة فيها؟!
نذكر هذا واﻷلم فينا يتجدد بتجدد الذكرى، وذكرى الهزيمة مرة مريرة، فها هم أزﻻم سايكس بيكو يحيون ذكرى مئويتها المشؤومة، واﻷنكى من ذلك أن تنبري أقلام وأصوات من أبناء المسلمين المأجورين الخائنين ﻷمتهم لتمجيد هكذا مناسبة مشؤومة والتحذير من سقوطها، ﻻ بل والترويج لسايكس بيكو2 بنسختها اﻷميركية في منطقتنا؛ مستسلمين لذلك وكأنه قدرًا مقدورًا، وكأن أمتنا وديننا ذهبا إلى غير رجعة، متجاهلين ذلك الحراك الذي لم يسكن يومًا لقوى أمتنا الحية منذ سقوط دولة الخلافة اﻹسلامية العثمانية إلى يومنا هذا،
فأيُّ تنكُّرٍ لحقائق الدين والتاريخ يمارسه هؤﻻء المرضى ضد بلادهم وأهلهم؟! بل ما هو الثمن الذي يمكن أن يكون ثمنًا تقبضه عندما تبيع أمك وأبيك وأختك وأخيك وعرضك وأرضك لعدو قتل جدك وجدتك وعشيرتك، واغتصب اﻷرض والعرض، وأذلَّ فيك الرجولة وانتزع منك المروءة والشهامة؟! فكيف لك أن تتغنَّى بضياع اﻷندلس وجدك كان سيدها المطاع في اﻷمس القريب؟! وكيف يطيب لك أن تتغنى بمعاهدة جعلت فلسطين الطاهرة وطنًا للأنجاس يطؤون فيها محارمك وحرماتك ومقدساتك التي رواها أجدادك بدمائهم الزاكية، كيف؟! كيف وأنت ابن النكبة والنكسة والهزيمة؟! كيف تحس بما يدور حولك؟! بأي حواس تحس؟! وبأي عقل تدرك؟! ﻻ بل ما نوع الدم الذي يجري في عروقك؟! أأنت منا فعلًا ويطاوعك قلمك أن تحتفي معهم بيوم كنت أنت فيه المهين المهان؟! أأنت منا فعلًا، وﻻ تنتصر لقضايا أمتك حتى لامك أعداؤنا واشمأزوا من قبح موقفك، أﻻ تستحي؟!
وﻻ يفوتنا في الذكرى المئوية لاتفاقية سايكس وبيكو المشؤومة أن نذكر كل مسلم غيور على دينه وأمته بمخرجات هذه الاتفاقية المشؤومة التي يتباكى عليها البعض، ويطالب البعض اﻵخر بتجديدها في نسخة أميركية الصنع هذه المرة بـ سايكس بيكو2، لنوضح ما جرى ﻷمتنا قبل مائة عام، وما يخطط ﻷمتنا ويدبر من قبل ذات اﻷعداء أنفسهم في قادم اﻷيام.
فأنت تعرف أن كل هذه الدول القائمة في عالمنا العربي هي دول وُلدت جميعًا من رحم اتفاقية سايكس بيكو، بعد أن قام الغرب الكافر بقيادة بريطانيا وفرنسا بعد أن هزموا دولة المسلمين «دولة الخلافة الإسلامية العثمانية» قاموا بتقسيم العالم الإسلامي بعد احتلاله إلى دول كرتونية وضعوا عليها مدراء يديرون شؤون الناس حسب ما يريدون هم وسموهم زعماء، تقتصر مهمتهم على أن يسمعوا ويطيعوا لأسيادهم في إدارة البلاد بالطريقة التي يريدون لإرضاء أسيادهم كي يبقوا في مكان الزعامة المزيفة الخائنة العميلة التي لم تتغذَّ يومًا إلا على أجسادنا ودمائنا ومقدرات بلادنا، فهم كلهم متآمرون على أمة الإسلام، ففي كل مكان يتحرك فيه المسلمون طلبًا لحريتهم وكرامتهم، تجدهم يتحركون لقمعهم متضامنين متكاتفين، فهم من جينات سياسية واحدة، وكلهم في الإجرام سواء، فما الفرق بين براميل الموت التي يمطرها مأفون دمشق على رؤوس أهلنا في سوريا فيدمر المكان على من فيه، وبين ما يلقيه يهود الجبناء من صورايخ على البيوت فوق رؤوس ساكنيها في غزة، ثم ما الفرق بين فضِّ (إسرائيل) للمظاهرات، والاعتصامات حول الأقصى أو في أي مكان من ربوع فلسطين وبين فض النظام المصري لجموع المعتصمين في ميدان رابعة العدوية وخنق المعتقلين في سيارات الترحيل بالغازات، ما الفرق؟!
فمن هؤلاء يا ترى الذين تفوَّقوا بإجرامهم فينا على يهود أضعاف المرات؟! من يا ترى؟! إن الشبه كبير بين (إسرائيل) وأخواتها في عنفهم وإجرامهم وتجرُّئهم على حرمات المسلمين، فملة هذه الدول كلها واحدة، وكلها عدوة للإسلام وللمسلمين، فهم يعلمون أنهم أشقاء أشقياء، وُلِدوا في وقت واحدٍ وأن زَوالهم سيكون في وقت واحدٍ، بل هم فوق ذلك توائم من حملِ سفاحٍ واحد، فقد وُلِدوا جميعا لأُمِّ واحدة وبمخاض واحد في عنبر سايكس بيكو.
وإن كانت مأساة أمتنا على مدار قرن من الزمان قد جسدتها مخرجات اتفاقية سايكس بيكو 1916م المشؤومة، فعن ماذا يتحدث ذلك النفر من كتابنا وباحثينا حين يتحدثون عن سايكس بيكو2 ، وأين هي قوى أمتنا الحية التي ﻻ تتحرك بتوجيه غربي أو شرقي؟! ولتجلية ذلك سنأخذ أحد الكتاب العرب المسلمين مثالًا لنرى كيف يتناولون هذا الموضوع كي ﻻ نرجمهم بغيب، فهذا بشير عبد الفتاح، الأكاديمي والباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، على سبيل المثال راح يؤصل من ناحية تاريخية سياسية لما سمي بسايكس بيكو2 تحت عنوان إرهاصات سايكس بيكو الثانية في مقال له على الجزيرة نت، وكأنها بحكم التحصيل لحاصل فيقول: «راج بالمنطقة مؤخرًا حديث عن نهاية سايكس-بيكو التي وضعت ملامح الحدود السياسية لغالبية دول المنطقة قبل قرابة مائة عام خلت، والشروع في التأسيس لـ سايكس-بيكو جديدة، تبتغي تأسيس نظام إقليمي جديد بمنطقة الشرق الأوسط من قبل القوى العظمى في زماننا عبر تقسيم دول عربية محورية على أسس عرقية ودينية وطائفية.
فعلاوة على اعتبار ما يفعله تنظيم الدولة الإسلامية بسوريا والعراق إنما هو إزالة لحدود سايكس-بيكو الأولى، ثم إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو أن المنطقة تشهد هذه الأيام نهاية اتفاقية سايكس-بيكو للعام 1916، لاحت في أفق المنطقة حزمة من المؤشرات التي يستند عليها أصحاب هذا الطرح، من أبرزها:
المؤشر اﻷول: إعلان الخلافة الإسلامية
ففي طياتها حملت سايكس- بيكو الأولى، مشروعًا عربيًا للخلافة الإسلامية تبناه الشريف حسين على أجنحة الثورة العربية الكبرى التي قادها ضد الدولة العثمانية عام 1916، وهو المشروع الذي كان مدعومًا من الدول الاستعمارية الكبرى وقتذاك كفرنسا وبريطانيا اللتين كانتا ترميان لاستمالة الرجل والحصول على دعمه ومن سار في ركابه من العرب التواقين للاستقلال بغية تفكيك الدولة العثمانية والإجهاز على الرجل المريض الذي ناصب الحلفاء العداء بانضمامه إلى معسكر المحور أثناء الحرب العالمية الأولى.
واليوم، يطل علينا مشروع خلافة إسلامية جديد يبشر به تنظيم الدولة بعدما أعلن أميره أبو بكر البغدادي من الموصل قيام الخلافة وتنصيب نفسه خليفة للمسلمين لإقامة الخلافة الراشدة السادسة، وهي الخطوة التي لم يستبعد مراقبون من أمثال المحلل السياسي السوري طالب إبراهيم، والمستشرق الروسي فيتشيسلاف ماتوزوف، أن تكون مدعومة من قبل واشنطن وقوى إقليمية أخرى ترى في تلك الخلافة عصا موسى التي تبتلع تحديات عديدة بالمنطقة.
وتوقع هؤلاء أن تكون وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية قد جندت الرجل لحسابها إبان سنوات اعتقاله في سجن معسكر بوكا في الفترة (2004-2009).
ومثلما تبددت أحلام الشريف حسين في الخلافة قبل زهاء قرن مضى بعد تخلي الدول الاستعمارية عنه، لا يتوقع أن يبقى من تجربة البغدادي هذه المرة، التي تتنافى ومقومات الخلافة في الإسلام، سوى كونها إرهاصًا أو غطاء لسايكس-بيكو جديدة تعيد تقسيم المنطقة على أسس عرقية ومذهبية برعاية قوى دولية وتواطؤ أطراف إقليمية.
المؤشر الثاني: استقلال كردستان العراق.
المؤسر الثالث: تقسيم العراق وسوريا».
وتحت عنوان استراتيجية قديمة يخلص للقول:
«لطالما كانت خطوط التقسيم بالمنطقة تضعها أطراف خارجية كالدولة العثمانية من خلال النظام «الملي»، ثم عبر القوى الاستعمارية الغربية، ومع ذلك كانت الدول العربية تتقبل هذه الخطوط وتلتزم بها وتبقى عليها وتتخذ منها مرجعية في تسوية خلافاتها الحدودية.»، انتهى حديث الكاتب بشير عبدالفتاح الذي اخترناه كنموذج على عديد من اﻷقلام والمفكرين الذين تناولوا موضوع سقوط سايكس بيكو بنسختها اﻹنجليزية الفرنسية والتنبؤ بالثانية بنسختها اﻷميركية، للوقوف على بعض الحقائق التي تبرزها هذه اﻷقلام وبعض الحقائق التي نراها تغض الطرف عنها، في نظرة موضوعية فاحصة علنا نخلص الى نتيجة تفضي بنا إلى حقيقة سياسية.
حقائق تصعق الجهل
سقوط دولة الخلافة اﻹسلامية عام 1924م على يد ذلك الغرب الكافر المستعمر بقيادة بريطانيا وفرنسا وبمساعدة الخونة من أبناء المسلمين عربًا وعجمًا من الداخل حقيقة ﻻ ينكرها أحد.
تقسيم بلادنا على يد ذلك المحتل اﻹنجليزي والفرنسي وحلفائهم بموجب معاهدة سايكس بيكو وغيرها، وإنشاء دول لنا بزعامة أولئك الخونة من أبناء المسلمين تدين له بالوﻻء في بلادنا حقيقة ﻻ يمكن إنكارها.
إن المنتصر على دولتنا في الحرب العالمية اﻷولى ليست دولة واحدة بل مجموعة دول تحالفت ضدها، وكل منها يطمع بالاستئثار بالنصيب اﻷكبر من النفوذ على بلادنا الشاسعة وثرواتها الهائلة التي تم اكتشافها من قبلهم بواسطة تقدم الوسائل التكنولوجية والصناعية لديهم، فما إن سقطت دولتنا، دولة الخلافة، رسميًا من الساحة السياسية الدولية حتى تحول هذا الطمع لصراع بين هذه الدول المنتصرة ليطرد أحدهم اﻵخر من ساحة السيطرة على بلادنا وثرواتها، وهكذا جاءت الحرب العالمية الثانية لتعيد ترتيبات ذلك التغير الكوني فتعيد معه ترتيب الدول حسب قوتها على المسرح الدولي، لتتربع أميركا والاتحاد السوفياتي على عرش المسرح الدولي، ثم تليها بريطانيا وفرنسا اللتين كانتا في المقدمة بعد الحرب العالمية اﻷولى، فيستمر صراع المصالح بين هذه الدول على منطقتنا وثرواتها في غياب أي كيان سياسي لنا فيها، وهذه حقيقة هي اﻷخرى غير قابلة للإنكار.
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى يومنا هذا، وأميركا تتربع على عرش المسرح الدولي كشريكة للسوفيات أو متفردة بالموقف لوحدها تجرُّ وراءها الغرب كله في حلف شمال اﻷطلسي العسكري، فرأت بعد تفردها أن تعيد تشكيل وترتيب دول منطقتنا بمشاريع سياسية فاشلة كالشرق اﻷوسط الجديد لتقسيم المقسم وتجزئة المجزَّأ كما يقال، إﻻ أنها واجهت عنتًا من شركائها الغربيين ابتداء ﻷنهم يعلمون أن هذه المشاريع تستهدف وجودهم ونفوذهم في المنطقة، ولكن المواجهة الحقيقية كانت من أبناء اﻷمة الذين أصبحوا على وعي بمشاريع هذا المستعمر الذي لم يجلب لهم خيرًا، أليست هذه حقيقة سياسية عشنا ونعيش فصولها في زماننا الحاضر؟! أم أن قوتها العسكرية تحقق انتصارًا لمشاريعها؟! ففي أفغانستان استطاعت أن تدمر البلاد ولم يستقرَّ لها فيها حال اللهم إﻻ إذا اعتبرنا أنها قبضت على الشيخ أسامة بن ﻻدن انتصارًا كبيرًا لها، وانتصارها اﻷكبر كان في منعها تسليم جثمانه ليدفن فوق اﻷرض، فأي دولة عظمى هذه التي تخشى اﻷموات في قبورهم؟! وأي مشاريع سياسية تستطيع أن تقوم بها هذه الدولة العظمى والخوف والهلع والجبن يعبر القارات ليلفها في عقر دارها.
صحيح أن الخلافة سقطت في أوائل القرن العشرين، إﻻ أن اﻹسلام كفكرة ودين ونظام حياة لم يسقط من أذهان أبنائه رغم هذه الهزائم والمؤامرات السياسية من الداخل والخارج التي أدارها المحتل، فلم يخلُ عقد من زمان التيه والتوهان هذا إﻻ وأنبت رجالًا مخلصين من أبناء المسلمين، وقفوا لمقاومة المحتل وعيونهم تتطلع إلى إعادة سابق مجدهم الضائع، وبقي اﻹسلام هو المحرك لهؤﻻء، وكل على طريقته. وهذه حقيقة لم ولن يستطيع أن يقفز عنها التاريخ وهو يكتب صفحاته.
لن تستطيع أي دولة مهما كانت قوتها العسكرية أن تدير شؤون الناس في أي بلد مهما صغر بشكل طبيعي مستقر هادىء إﻻ أن تكون هذه الدولة تقوم على أساس فكري مبدئي يتضمن معالجة لشؤون حياة الناس بطريقة يتقبلها الناس بعقولهم ويطمئنوا لها بقلوبهم. وﻻ يحصل الاطمئنان إﻻ عندما تتحق في الناس قيمة العدل في تطبيق هذا المبدأ بينهم، وبالتالي فهل جاء هذا المحتل لبلادنا فاتحًا مبشرًا بمبدأ يحقق لهم الحياة الكريمة بطريقة تجعلهم يتبعون ما جاء به؟! وبعبارة أخرى كم من المسلمين تنازل عن إسلامه لصالح هذا المحتل الجديد، كم؟! فكم من أهل فلسطين من تنازل عن إسلامه لليهودية؟! بل كم يومًا عاش اليهود هانئين في فلسطين وهم مدججون باﻷسلحة وسط شعب أعزل؟! وفي المقابل كم من البلاد التي دخلها اﻹسلام فاتحًا بقي فيها المسلمون أقلية في تلك البلاد؟! فهل المسلمون أقلية في بلاد الشام والعراق وأرض النيل وشمال أفريقيا؟! بل هل المسلمون أقلية في إندونيسيا التي فتحت أبوابها للإسلام على طيب سمعته وفكرته وعدله؟! أليست هذه حقيقة فكرية واقعية ﻻ ينكرها إﻻ حاقد أو مغرض؟!
وبعد مرور مائة عام على سقوط دولتنا، دولة الخلافة، عسكريًا عام 1911م، فها هي أمتنا تطل برأسها من جديد بثورات على الظلم والظالمين لتطيح بهم، تتلمس طريقها للنهوض من كبوتها في 2011م، وعينها على إسلامها؛ ﻷنها تعرف أنه خلاصها مما هي فيه من حالة ضياع، وإن كانت لم تعرف بعد كيف، فما إن أطاحت برؤوس أنظمة الكفر وأتيحت لها الفرصة لتعبر عما تريده من نظام يحكمها حتى اختارت من يرفعون شعارات اﻹسلام تريد الوصول إلى تحكيم شرع الله، في دﻻلة واضحة على أن اﻷمة كانت تختزن حقيقة آمالها حتى تأتي فرصتها، وﻻ أدل على ذلك من انتخابات مجلس الشعب المصري بعد ثورة 25 يناير حيث حصد اﻹسلاميون أكثر من 80% من مقاعد المجلس، مما يدل بوضوح على أنه ﻻ منافس لنظام اﻹسلام عند المسلمين.
وبالنتيجة فلماذا تغيب هذه الحقائق عن أذهان كتابنا ومفكرينا وهم يتناولون هذه اﻷوضاع بالتحليل؟! ولمصلحة من تلوى أعناق الحقائق بهذا الشكل؟! ولماذا تعجز أعينهم عن رؤية حقيقة صارخة مفادها أن تلك المعاهدات قسمت البلاد لكي ﻻ تعود إليها وحدتها السياسية النابعة من وحدتها الدينية الجامعة لهم في دولة الخلافة اﻹسلامية؟! وأن ما ترنو إليه أميركا والغرب من ورائها من تقسيم جديد ومشاريع سياسية جديدة على غرار سايكس بيكو ما هو إﻻ أمانيّ يثبت الواقع كل يوم أن مشروع الخلافة اﻹسلامية هو المشروع السياسي الوحيد الذي يتقدم في المنطقة، ذلك أن حالة الوعي التي تتمتع بها اﻷمة اليوم تأبى عليها أن تقبل بغير اﻹسلام نظامًا يحكمها.
بل لماذا لم يستطيعوا أن يقرؤوا المشهد كما قرأه كتاب الغرب ومفكروه عندما توقعوا صعود دولة الخلافة للمشهد السياسي العالمي من جديد، وأن ما تقوم به الدول اﻵن من مشاريع ما هو إلا للحيلولة دون قيام دولة الخلافة اﻹسلامية المنتظرة، ونورد هنا على سبيل المثال ﻻ الحصر ما نشرته صحيفة الحياة في 15/1/2005م، في تقرير نشرته رويترز في واشنطن، ويحتوي هذا التقرير على تنبؤات تستند إلى تشاور تم مع ألف خبير من قارات العالم الخمس، حول توقعاتهم المستقبلية حتى عام 2020م، ويهدف ذلك التقرير إلى مساعدة رجال الاستخبارات، ورجال السياسة؛ لمواجهة تحديات السنوات المقبلة. وتوقع التقرير «استمرار الهجمات الإرهابية». وتحدث التقرير عن أربعة سيناريوهات محتملة لتطور الأوضاع في العالم، وكان السيناريو الثالث الذي حذَر منه التقرير هو «الخـلافة الجديدة» كما أسماها التقرير.
وإن تعجب فعجب قول الكاتب بشير عبدالفتاح أن أميركا صنعت الخلافة اﻹسلامية على يد تنظيم الدولة اﻹسلامية في العراق ليكون مؤشرًا على نسخة سايكس بيكو الثانية، فما الذي يحجب الرؤية عنه ليرى أن في هذه المقامرة السياسية اﻷميركية استحضار لمفهوم الدولة المطلوبة عند المسلمين ﻻ يخدم أميركا، اللهم إﻻ إذا كانت صناعة هذه الخلافة على نحو ﻻ تشبه فيه الخلافة اﻹسلامية الحقيقية – كما وصفها – لضرب مفهوم الخلافة اﻹسلامية الحقيقية عند المسلمين في وقت أصبحت الخلافة مطلبًا ﻻ يختلفون عليه أبدًا، فمالكم كيف تقرؤون؟!، وللحقيقة فإن كل المسلمين يفهمون ذلك التشويش والتشويه المطلوب حصوله، ولكن هيهات بعدما أفاق أهل اﻹسلام هيهات.
فإلى مزبلة التاريخ ستكنس كل أنظمة سايكس بيكو، فقد مات سايكس الى غير رجعة ومات بيكو الى غير رجعة (عليهما من الله ما يستحقان) وماتت معهما بريطانيا العظمى، نعم سقطت اتفاقية سايكس بيكو ولن تسمح أمتنا لها بأن تتوالد وتتكاثر، فها هو الغرب ينكفىء على نفسه ولسان حاله يشكو الجبن والخوف من قادم اﻷيام، وها هي أميركا ومعها العالم كله ﻻ يجرؤون على دخول سوريا بأقدامهم، مع أن نظام بشار الخائن معهم ويشحد منهم الفزعة، فعن أي سايكس بيكو تتحدثون؟!، فالحديث اليوم ﻻ يطيب إﻻ عن خلافة الصديق والفاروق وذي النورين وأبو الحسن، فلا تخدعوا أنفسكم وعلموا أبناءكم اﻹسلام من اليوم أيها اﻷوروبيون والغربيون كما فعلت أختكم ألمانيا، إقرؤوا التاريخ جيدًا، وﻻ تلتفتوا لما يقوله كتَّاب الدراسات عندنا المضبوعين بواقعية تكاد تلغي وجود الله في فكرهم، فقريبًا تتكلم اﻷرض بلغة القرآن، وتفوح في آفاق العالم رائحة اﻹسلام الطاهر النقي الزكية الذي يصلح لكل إنسان ويتمناه كل إنسان، فاﻹنسان أينما كان يعرف أن الله هو اﻷكبر، وغدًا سيظله نظام يجعله يسمعها عالية خمسًا كل يوم، فيعرف أنه مع هذا النداء سائر الى الفلاح؛ فيطمئن قلبه وتستريح جوارحه، والله لكأني أري الصلاة قائمة في كل لحظة تمر على الدنيا، سبحانك اللهم ما أعظم شأنك، اللهم ﻻ تؤاخذنا بما فعل ويفعل السفهاء منا يا رب.
الزمان يستدير للأسلام:
وبعد أيها اﻹخوة المسلمون، فها أنتم ترون أن الزمان أخذ يستدير لكم وﻹسلامكم ، بعد أن أدار لنا ظهره قبل مائة عام؛ فسقطنا سقوطًا مؤلمـــًا لنا نعاني من تبعاته، فسلبت منا إرادتنا، وضاعت أوطاننا وكرامتنا وهيبتنا، وديست مقدساتنا، وهتكت أعراضنا، وإن التغير الكوني هذه المرة قادم، بوعد الله، لمصلحة اﻹسلام، فعام 1911م كان التغير مؤشرًا على سقوط دولة الخلافة اﻹسلامية، أما عام 2011م فإن حركة التغير تؤشر على قيام دولة الخلافة من جديد، فالحقائق أصبحت جلية لكل من يريد أن يعمل على نهضة أمته واستعادة مجدها لرفع الظلم عن كاهل أهلنا في كل مكان.
ولكن تجلية الحقائق وحدها لا تكفي، فبناء الدول يحتاج إلى رجال يقودون المسيرة ويبذلون في سبيل ذلك كل غالٍ ونفيس، أما أن نقف ونتفرج على الصواريخ والبراميل المتفجرة التي تنهال علينا من كل حدبٍ وصوبٍ ونحصيها، ونقف مكتوفي الأيدي نتفرج على طائرات يقودها أبناء أمتنا وهي تقصف بلا رحمة ولا هوادة بيوتنا ونساءنا وأطفالنا… وأما أن نتسابق في تصوير هذه المشاهد المروعة لنبثها لبعضنا على ما يسمى بمواقع التواصل الاجتماعي فنـزداد ولولة وتحسرًا على ما يجري كأن الأمر لا يعنينا إلا من ناحية إنسانيةٍ… وأما أن نكتفي بنقل الصور ونبثها إلى الهيئات والمنظمات الحقوقية، ونناشد هيئة الأمم المتحدة لتقف بجانب قضيتنا فتحمينا، فهذه قمة الجهل السياسي والهوان، ذلك أن هذه المنظمات المزعومة هي من أشد المناصرين لمخططات الغرب المستعمر الكافر، ولا همَّ لها في منطقتنا إلا أن نبقى تحت سيطرة هذه اﻷنظمة لتبقى مصالحهم بعيدة عن أي تهديد حقيقي، نحن بهذا نفعل هراءً، ونزيد ضعفنا ضعفًا، فلمَ لا تتوجهون إلى تلك الجحافل من أبنائكم في الجيوش وتخاطبونهم بشكل واضح أنه لا بد لهم أن يتحملوا مسؤولياتهم فيتحركوا لنصرة دينهم وأهلهم، فإذا لم يكونوا لمثل هذه اللحظة فما ضرورة وجودهم؟! كيف يقبلون على أنفسهم أن تكون مهمتهم هي حماية هذا الزعيم الخائن العميل من شعبه وهم جزء من هذا الشعب؟! وإذا لم يستجيبوا لكم ورضوا بالركون إلى حياة الذل والهوان، فما عليكم إلا أن تتحركوا بأنفسكم لإسقاط هؤلاء الحكام الخونة بأيديكم، وتقيموا دولة العزة دولة الخلافة لتكون حربًا على أعدائنا وأعداء الله سلمًا على المسلمين.
نعم تحركوا لإقامة دولتنا التي لا غنى لنا عنها، دولة الخلافة الإسلامية، لنُلقى بدولة بـ(اسرائيل) وأخواتها إلى مزبلة التاريخ، ونقطع يد الاستعمار وهيئاته الدولية، ولكي تكون أعمالنا منتجة؛ فلا بد أن نعلم كيف نعمل وما الغاية من عملنا كي ﻻ نفشل وتذهب ريحنا.
من أجل ذلك، فقد وفقنا الله في حزب التحرير أن نؤصل لبرنامح عمل ﻹقامة دولة الخلافة من ألفه إلى يائه، برنامج سياسي شرعي ميسور قابل للفهم السريع والتطبيق الفوري مستنبط من كتاب الله وسنة رسوله، كي ﻻ نتوه أو تتيه معنا اﻷمة وهي تنشد خلاصها بنهضة ترضي الله، وهذه دعوة مخلصة منا لكل مخلص منكم ﻹسلامه وأمته بأن تنصرونا ونحن سائرون بحمل هذا المشروع، لعل الله يكتبنا وإياكم مع أحباب رسوله الكريم عليه السلام، اللهم إنا قد بلغنا، اللهم فاشهد.
قال تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ)
2016-07-25