في مواجهة مشروع الهيمنة الغربية: مشروع «الخلافة على منهاج النبوة» أم مشروع «عودة الشرعية»؟
2016/03/03م
المقالات
4,772 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
في مواجهة مشروع الهيمنة الغربية:
مشروع «الخلافة على منهاج النبوة» أم مشروع «عودة الشرعية»؟
شريف زايد-مصر
لا يزال الكثير من معتقلي جماعة الإخوان المسلمين في السجون المصرية- على الأقل الذين التقيت بهم- يصرون وبشكل غريب على فكرة عودة الدكتور محمد مرسي إلى الحكم كشرط أساسي للحديث عن أية مصالحة مع النظام الحالي. يظهر ذلك جليًا في حديثهم المستمر عما يسمونه بالشرعية، ويظهر بشكل أكبر في دعائهم في القنوت من صلاتهم، وفي الكلمات التي يلقيها بعض شبابهم من خلف القضبان… فلا تسمع إلا هذا الدعاء بتلك الصيغة ((اللهم أعد لنا شرعيتنا))، وقد توجهت بالسؤال ذات مرة لأحد شباب الجماعة رفقائي في السجن قائلًا:- هل تظن أن الله سبحانه وتعالى كان راضيًا عن الفترة التي قضاها الدكتور مرسي في حكم مصر؟ فقال لي:- لا، فقلت له:- وهل يجوز أن نرفع أكفَّ الضراعة وندعو الله أن يعيد لنا شيئًا هو سبحانه غير راض عنه؟
لقد تحطَّمت فكرة التدرج في تطبيق الشريعة، التي رفع شعارها الإخوان لفترة طويلة على صخرة الانقلاب الذي أطاح بحلمهم في الوصول إلى الحكم وأستاذية العالم. فكيف يرضى الله سبحانه وتعالى عن تلك الفترة بذريعة أننا كنا ننوي تطبيق الإسلام كاملًا في يوم ما، ولو تركوا النظام على ما كان عليه قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير؛ نظامًا جمهوريًا ديمقراطيًا… نظامًا لا يحكم بما أنزل الله، نظامًا يتحاكم إلى نفس قوانين العهد البائد الذي ثار الناس عليه وتصوروا أنهم أسقطوه بينما هم فقط دحرجوا رأسه لا غير، نظامًا استنسخ دستور 71 مع بعض «الرتوش» التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ثم وضعه موضع التطبيق باعتباره أفضل المتاح… بل صوره البعض أنه دستور قد خرج من بين دم ورفث لبنًا خالصًا سائغًا للشاربين، نظامًا ما فتىء يردد في كل مناسبة وفي غير مناسبة أنه ملتزم باتفاقية كامب ديفيد مع كيان يهود، بل أكثر من ذلك أرسل رئيسه رسالة حميمية لرئيس كيان يهود شكلت حينها صدمة مدوية. وأنا هنا لست بصدد تعداد خطايا نظام الدكتور مرسي في العام الذي حكم فيه وهي كثيرة ولا شك… ولكن الذي دفعني لعرض نتف منها إبراز خطيئة أخرى يقع فيها الكثير من شباب الجماعة اليوم عندما يرددون (( اللهم أعد لنا شرعيتنا)).
والسؤال الآن؛ هبْ أن تلك الشرعية قد عادت اليوم، فماذا هم فاعلون؟! وليس الفعل المقصود هنا، ماذا هم فاعلون إزاء الظلم الذي وقع على أفراد الجماعة من قِبل أمن الدولة أو القضاء أو الشرطة، بل ماذا هم فاعلون بخصوص الشريعة؟… هل يمكن للجماعة أن تستعيد من جديد شعارها «الإسلام هو الحل» الذي استُبدل بعد الثورة بـ «نحمل الخير لمصر»، والذي وُصف من بعض رجالاتها بأنه شعار عاطفي؟!. ولا يمكن أن يكون الإسلام حلًا من خلال تطبيق بعض أحكامه وترك بعضها الآخر، أو من خلال تطبيق بعض أحكامه في ظل نظام جمهوري وترك نظام الخلافة الذي هو نظام الحكم في الإسلام كما دلت على ذلك النصوص الشرعية. وما يجب أن تؤكد عليه الجماعة وتعلنه بكل وضوح أن للإسلام نظام حكم فريداً ومتميزاً، وهو الخلافة التي تتناقض بل تُضادُّ بالكلية نظام الحكم الجمهوري، أيًّا كان شكله، وأن ترفض بكل وضوح النظام الجمهوري وغيره من أنظمة الكفر، ومن ثم يتوقفوا عن الحديث عن عودة الشرعية التي تعني عودة الدكتور مرسي رئيسًا للجمهورية.
ولقد لاحظت أن الإخوان في متابعتهم للأخبار في خارج السجون يراهنون إلى حد بعيد على حالة التردي الاقتصادي التي يعيشها نظام السيسي بكل تفاصيلها بدءًا من أزمة الوقود ومرورًا، بأزمة الغلاء الفاحش، وانتهاء بأزمة الدولار، وهي أزمات في تصوري، رغم خطورتها لأنها تمس طعام الناس وشرابهم، قد تعصف بحكومات؛ ولكنها لا يمكن أن تعصف بنظام كنظام السيسي الذي يعتمد في وجوده وفي استمراره على رفعه لشعار «محاربة الإرهاب»، وهو الشعار المحبَّب لدى الغرب.
لقد استطاع السيسي أن يقدم نفسه للغرب باعتباره الورقة الرابحة التي يمكن للغرب الاستفادة منها في حربهم ضد «الإرهاب» أي ضد المد الإسلامي في المنطقة. ومشروع «الحرب على الإرهاب» هو مشروع عالمي كبير يقف الغرب كله فيه على قدم وساق، ويقاتل من أجل أن يحقق فيه نجاحات كبيرة… على الأقل من أجل أن يؤخر عودة الأمة الإسلامية لسابق عهدها (خير أمة أخرجت للناس)، كي تلملم شعثها وتتوحد في ظل مشروعها العظيم مشروع الخلافة الكبير الذي يؤرق الغرب ويقض مضجعه. وهو الخوف الذي دفعه بقوة لتشويه الفكرة في أذهان المسلمين من خلال استغلال ما أعلنه تنظيم الدولة من قيام خلافة مشوهة في وقت كانت الأمة تتلهف لليوم الذي تستظل فيه بظل خلافة راشدة على منهاج النبوة، فإذا بهم أمام خلافة مشوهة يهربون منها ويفرون أمامها بدلًا من أن يفروا إليها زرافات زرافات.
ومن هنا فأنا أنصح كل أبناء التيار الإسلامي بوجه عام، والإخوان المسلمين بصفة خاصة، بأن يلتفوا حول مشروع كبير كبر حجم التحدي الذي يواجهونه، وألا يتقزموا حول فكرة «الشرعية». ففكرة الشرعية وعودتها فكرة ضيقة فضلًا عن كونها محلية تخص أهل مصر، والصراع اليوم لم يعد صراعًا محليًا أو إقليميًا، بل هو صراع عالمي، والمفترض أن يكون بين مشروعين عملاقين، لأن المشروع الذي يقود الصراع اليوم هو مشروع كبير تقوده دولة كبيرة بحجم الولايات المتحدة، وهو يتمثل في فرض الهيمنة الأميركية على العالم، وتسويق الديمقراطية باعتبارها نهاية التاريخ كما كتب فوكاياما في أواخر القرن الفائت. وإن مشروع الخلافة الإسلامية الراشدة على منهاج النبوة هو وحده القادر على الوقوف بقوة أمام الهيمنة الغرب الفكرية والثقافية والاقتصادية والعسكرية على العالم، فهو مشروع الأمة العظيم وهو وعد الله سبحانه وتعالى: ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)، وهو بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم: «…ثم تكون خلافة على منهاج النبوة»، وهو المشروع الوحيد القادر على إسقاط أميركا والغرب بالضربة القاضية. والواجب الآن في تلك اللحظة التاريخية الفارقة أن يلتف حول هذا المشروع كل مخلص، وكل صاحب رأي، وكل من يبتغي مرضاة رب العالمين، وكل من يريد لهذه الأمة الرفعة والنهوض. فهو مشروع نهضتها وتمكينها، ومن خلاله فقط نستطيع أن نتصدى للغرب وأدواته في بلاد المسلمين.
وليس المطلوب اليوم من الحركات الإسلامية فقط إبراز الدعوة إلى الخلافة كطريقة لاستئناف الحياة الإسلامية، بل المطلوب أن يعلنوا وبكل وضوح أنهم قد نفضوا أيديهم من أسلوب المشاركة الديمقراطية واتخاذها سبيلًا للوصول إلى الحكم، فالمؤمن كِّيسٌ فَطِن، وهو لا يلدغ من جُحر واحد مرتين… وقد لُدغوا من ذات الجحر مرات ومرات، في الجزائر وفلسطين ومصر… ومن غير المقبول أن يظل الإخوان في هذه الفترة يرددون نفس النغمة السابقة «مع الديمقراطية ضد الانقلاب» في الوقت الذي داس فيه دعاتها على ديمقراطيتهم الزائفة بالأقدام. ولتكن طريقتهم في الوصول للحكم هي طريقة رسول الله صلى الله عيه وسلم، والتي ليس فيها مشاركة أنظمة الجور والكفر والتوافق معها والإيمان بمبدأ تداول السلطة مع العلمانيين وأشباههم، كما وليس فيها اتخاذ العنف أو القتال سبيلًا إلى الحكم.
إن الخلافة وحدها هي التي تحقق النهضة الصحيحة للأمة؛ لأنها منبثقة من الأحكام الشرعية التي تعين للمسلمين النظام الذي يجب أن يُحكموا به، وهذه الأحكام الشرعية منبثقة من عقيدة هذه الأمة، فهي ليست نظامًا مستوردًا من الغرب أو الشرق، بل هي نظام حدده الرسول صلى الله عليه وسلم وبيَّنه للأمة، وهي ما سار عليه صحابته من بعده.
لقد تأكد للجميع أنه لا بد من طلب النصرة من أهل القوة والمنعة في الجيوش في بلاد المسلمين، ففي النهاية هم من أبناء هذه الأمة الذين يتألمون لما تتألم منه الأمة. فقد ظهر للعيان أن الأمة تحب الإسلام وتحلم باليوم الذي تحكم فيه به، وأن هذا الرأي العام الذي يتشكل للإسلام يحتاج إلى قوة تقف بجواره وتدافع عنه وتمكنه من الوصول إلى سدة الحكم، وتمنع أي قوى خفية من التلاعب بإرادة اﻷمة وتوجهها نحو الإسلام والخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي لاح فجرها وقرب وقت قيامها بإذن الله. ( وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ )
2016-03-03