أثرُ الأدلة الأصولية القطعية؛ في نقاء العقيدة والشريعة
2016/02/15م
المقالات
4,841 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
أثرُ الأدلة الأصولية القطعية؛ في نقاء العقيدة والشريعة
حمد طبيب – بيت المقدس
لقد مدح الله عز وجل هذه الأمة الكريمة؛ بأنها خير أمة أخرجت للناس على وجه الأرض فقال: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) وبأنها على بينة من أمرها، تسير في طريقٍ هاد مستقيم، وبأنها أمة التفكر والتدبر والنظر. وقد امتازت هذه الأمة عن غيرها بأمور كثيرة تتعلق بنقاء شريعتها، ومن ذلك: اتصال هذه الشريعة بأصولها عن طريق السند الصحيح المتصل بمنتهاه؛ فهي أمة الأسانيد، وليس ذلك لأمة غيرِها. ولم تحظَ أمة من الأمم بعلم الرجال- المتعلق بأسانيد الدين- مثلها. قال أبو بكر بن العربي: “واللَّهُ أكرم هذه الأمة بالإسناد والأنساب والإعراب، ولم يعطِه لأحد غيرها، فاحذروا أن تسلكوا مسلك اليهود والنصارى”. وإذا نظرنا إلى اليهود والنصارى، فإننا لا نجد شيئاً مما ذكر في أمر الدين والشريعة، بل إننا نجد متوناً من الأقوال المنسوبة إلى رجال لا يُعرف حالهم، وليس هناك أي إثبات عقلي على اتصال هذه المتون بأصحابها، وترى التناقض والاختلاف حتى بين المتون المنسوبة إلى الشخص الواحد؛ مثل (يوحنا ومتَّى ولوقا وبرنابا ومرقص). عدا عن التناقض بين المتون المختلفة.
لقد كان لموضوع الأصول القطعية، الأثر العظيم في نقاء شريعتنا (عقيدةً وأحكاماً)، وانحصارها بالوحي (القران والسنة)، والعكس من ذلك حصل عندما دخل العقل والرأي دون سند؛ فقد حصل بعض التحريف والتخريف عند بعض الفرق العقائدية، وبعض الفقهاء عندما ابتعدوا عن الطريقة الصحيحة في أخذ الدين (عقيدةً وأحكاماً). فكيف أثرت هذه الأدلة المعتبرة على نقاء شريعتنا؛ (عقيدةً وأحكاماً)، وكيف أحدث عكس ذلك أثراً سيئاً في البعد عن أحكام شريعتنا الصحيحة؟!.
وقبل أن نجيب عن هذا السؤال نقول بأن الأدلة، وهي الأصول للعقيدة وللأحكام، لا تؤخذ إلا عن يقين وعلم؛ أي بالقطع في الثبوت، وهذا القطع يكون فقط من القرآن الكريم والسنة المتواترة فقط، أو من الدليل العقلي القطعي في موضوع العقيدة، ولا تؤخذ هذه الأصول بغلبة الظن حتى وإن كان الخبر في ذلك صحيحاً.
فالعقيدة وهي الفكر الأساس ( أي الذي يبنى عليه غيره)، لأمور تتعلق بالإيمان، يجب أن تكون قطعية في ثبوتها، قطعية في دلالتها؛ أي يجب أن تكون من القرآن الكريم والسنة المتواترة، أو من الدليل العقلي إذا كانت في أصول الاعتقاد مثل إثبات وجود الله، أو أن القرآن كلام الله، وأن يكون معناها كذلك قطعياً في دلالته، وبأن معنى الآية والحديث هو في موضوع الغيب أو الإيمان. فيشترط أولاً: القطع في الثبوت والمعنى، ويشترط ثانياً: أن يكون موضوع الآية والحديث هو في موضوع الإيمان، لا الأحكام العملية، ويشترط كذلك أن يكون المعنى يتعلق بفكر أساس، تبنى عليه أفكار أخرى، فليس أي فكر إيماني هو من العقائد؛ فمثلاً وردت أخبار إيمانية تتعلق بالمطر والصواعق والرعود والأجنة، ولكنها ليست فكراً أساسياً؛ تبنى عليها أفكار أخرى.. فلا يجوز أن تؤخذ هذه العقيدة بغلبة الظن؛ لا في ثبوتها ولا في معناها، لاًن الله عز وجل نهى أن نأخذ عقيدتنا إلا عن يقين، قال تعالى: (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ). واليقين لا يوجد إلا في القرآن الكريم والسنة المتواترة قطعية المعنى، أو الدليل العقلي القطعي… أما بالنسبة للأحكام الشرعية العملية فإنه يشترط أن تكون أصولها – وهي الأدلة الإجمالية- أن تكون قطعية في ثبوتها، ولا يجوز أن تكون بغلبة الظن أو بالعقل أو الهوى، والدليل على أن الأصول الفقهية (الأدلة)، لا يجوز أخذها إلا من القطعي الثبوت، أنها أصول الشريعة تماماً كالعقائد (في كونها أصولاً للشريعة)، إذ إن أصول الشريعة هي (العقيدة وأصول الأحكام الشرعية)، وهذه لا يجوز أخذها إلا عن يقين لقولة تعالى:” (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) وقوله: (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهمْ إِلاَّ ظَنًّا إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا). ورواية الآحاد من الأحاديث الصحيحة وغير الصحيحة، إنما تفيد الظن لا العلم عند جميع علماء الفقه والحديث. يقول الإمام الشاطبي في الموافقات: “إن أصول الفقه في الدين قطعية، لا ظنية، والدليل على ذلك أنها راجعة إلى كليات الشريعة، وما كان كذلك فهو قطعي“، وقال الإمام (الأسنوي) في نهاية السول: “إن رواية الآحاد إن أفادت فإنما تفيد الظن، والشارع إنما أجاز الظن في المسائل العَمَليّة، دون العِلْميّة؛ كقواعد أصول الدين، وأصول الفقه“. وهذا الأمر – في المنقول من الوحي – لا يوجد إلا في القرآن الكريم؛ الذي ثبت نقله بالتواتر، والسنة النبوية التي أخبر عنها القرآن القطعي بأنها وحي من الله بمجملها، وكذلك بنقلها جيلاً بعد جيل عن الرسول والصحابة رضوان الله عليهم بشكل متواتر.. فالقرآن والسنة هما الأصل في موضوع الأصول الفقهية، وهما مصدرا التشريع الوحيدان، وقد دل القرآن والسنة على اعتبار الإجماع والقياس من القواعد الأصولية المعتبرة.
فإجماع الصحابة رضوان الله عليهم، يدل على أنهم رأوا دليلاً واشتهر بينهم، فأجمعوا على الحكم ولم يَرْوُوا الدليل عليه. فالصحابة هم من رأوا الرسول صلى الله عليه وسلم في حال قوله وفعله، فإجماعهم يكشف أن هناك دليلاً من النص (القرآن والسنة)، ولم يرْوُوا هذا النص، وإنما رَوَوْا الحكم وأجمعوا عليه، وأما الدليل على أن إجماع الصحابة حجة وأصل من الأصول هو: أولاً: ورود النص القطعي في الثناء عليهم من دون الناس قال تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا .)وقوله عليه الصلاة والسلام: “خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم” رواه البخاري، قال ابن الصلاح _رحمه الله تعالى_ في المقدمة: “إن الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة ومَن لابس الفتن منهم، فكذلك بإجماع العلماء الذين يُعتد بهم في الإجماع“. والأمر الثاني: هو أن الصحابة رضوان الله عليهم هم الذين جمعوا الدين ونقلوه إلينا، وهم كذلك من نقلوا إلينا الأحكام التي حصلت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فلو جاز أن يكذبوا في نقل الدين- وهذا يستحيل شرعاً- لكان الدين كله مشكوكاً فيه؛ لأن الله عز وجل أخبر أن هذا الدين – قرآناً وسنة، وما دلا عليه- محفوظ إلى يوم الدين، قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).
وأما القياس فإن القرآن الكريم قد ذكره في آياته، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) فهنا علة منع البيع حال أذان الجمعة، هو الإلهاء عن الصلاة، ويقاس عليها الإجارة وغيرها من عقود أو أعمال تلهي عن ذكر الله وقت الصلاة، وكذلك وردت نصوص في السنة دلت على القياس، مثل قوله عليه الصلاة والسلام: “لا يقضين حاكم بين اثنين وهو غضبان” متفق عليه، فالعلة هنا تلافي أي أمر يؤثر في صحة القضاء وعدالته، وقيس على ذلك الجوع والعطش… وغير ذلك مما يؤثر في عدالة القضاء. لذلك فان دليل القياس هو القرآن الكريم والسنة القطعية؛ فهو دليل قطعي لأنه دل عليه الكتاب والسنة؛ أي دلت عليه نصوص القرآن والسنة..
من هنا نرى أن الأصول؛ وهي أدلة العقيدة، والأدلة الإجمالية للفقه (أصول الفقه) يجب أن تكون قطعية وعن علم، ولا تؤخذ من أدلة ظنية، ولا تؤخذ كذلك من أدلة لم يدل عليها قرآن ولا سنة؛ مثل المصالح العقلية، أو الاستحسان العقلي، أو غير ذلك مما يعتبره البعض قواعد أصولية.
هذا من حيث أن أصول الدين- عقيدة وشريعة- لا تؤخذ إلا عن يقين، ولا تؤخذ بغلبة الظن، وهناك فرق بين كون الأصول تؤخذ عن يقين وعلم، وبين أن الأحكام العملية (الفروع) تؤخذ بغلبة الظن، لأن الفروع وهي (الأحكام الفقهية العملية) قد دل الدليل الشرعي أنها تؤخذ بغلبة الظن، وذلك أولاً: بفعل الرسول صلى الله عليه وسلم، وفعل صحابته رضوان الله عليهم من بعده، فقد أرسل صلى الله عليه وسلم معاذًاً – رضي الله عنه- إلى اليمن مبلغاً لأحكام الدين التي نزلت، ولو كان الأمر في الأحكام يحتاج إلى أكثر من خبر الواحد لأرسل صلى الله عليه وسلم جمعاً من الصحابة مع معاذ، والأمر الثاني: أن أبا بكر رضي الله عنه وغيره من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبلوا برواية ونقل الواحد في المسائل الشرعية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وذلك مثل أخذ أبي بكر عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى الجدة السدس في الميراث، وكذلك أخذ عمر رضي الله عنه عن عبد الرحمن بن عوف في مسألة (أخذ الجزية) من المجوس؛ حيث نقل عبد الرحمن بن عوف خبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “سُنوا بهم سنة أهل الكتاب، غير آكلي ذبائحهم ولا ناكحي نسائهم” رواه الطبراني. فالأحكام الفرعية العملية في المسائل الشرعية يجوز أخذها بخبر الواحد؛ أي بغلبة الظن، أما الأصول الكلية؛ فهي الدين أو هي أصول الدين- عقيدةً وشريعة- ولا يجوز فيها الظن مطلقاً. أما من أخذ بقواعد أصولية للفقه بخبر ظني، فإنه يكون قد خالف الطريقة الصحيحة في بناء الفروع على أصولها الصحيحة، ولكن يبقى له شبهة دليل شرعي، ويبقى اجتهاده على هذه الأصول شرعياً، بشرط أن تكون له شبهة دليل من مصدر الوحي (القرآن والسنة)، ولا يأخذ هذا الدليل مما سواها من العقل والهوى، فمن قال مثلاً بأن المصالح المرسلة هي من الأصول له شبهة دليل شرعي من أن هذا الأصل هو من الكتاب والسنة… فيشترط لمن اخذ أصولاً فقهية غير القرآن والسنة، وما أرشدا إليه من إجماع الصحابة أو القياس، أولاً: أن تكون له شبهة دليل من الوحي. ثانياً: أن لا يخالف الوحي القطعي في ثبوته ودلالته؛ مثل حرمة الربا وحرمة سفك دم المسلم بغير حق… فمن أخذ بالمصالح العقلية المجردة من شبهة الدليل، وأباح الربا وسفك دماء المسلمين فهذا ليس له شبهة دليل، وفي نفس الوقت خالف معلوماً من الدين بالضرورة مما ثبت بدليل قطعي… فهذا الأصل لا يعتبر شرعاً، والاجتهاد عليه باطل من أساسه.
هذا من حيث أن أصل الدين لا يؤخذ إلا من يقين وعلم، وأنه يجوز ذلك في الفروع العملية، أما فائدة ذلك أو أثرة في نقاء هذه الشريعة، وثباتها وبقائها فنجمله في النقاط التالية:
1-جمع كلمة الأمة ووحدتها، وعدم فرقتها؛ لأن التفرق يحصل في الأصول، ولا يحصل في الفروع حتى وإن حصل فيها الخلاف، فإذا اختلفت الأمة في عقيدتها؛ كما حصل عند اليهود والنصارى فإنها تفترق إلى ملل ونحل وفرق؛ كل فرقةٍ منها تعادي الأخرى، وتعتقد أموراً مناقضة للأخرى في أصول الدين، فلو تصورنا أن الأمة اختلفت في أن القرآن هو كتاب الله، أو في أن الرسول مرسل من الله، فكيف سيصبح حال المسلمين؟!، وهذا بالفعل ما حصل مع اليهود والنصارى في ألوهية المسيح، وهل الإله واحد أو ثلاثة… فافترقوا إلى طوائف تختلف كل طائفة عن الأخرى، بل تعاديها إلى حد الاقتتال… لكن الأمة الإسلامية رغم اختلاف المذاهب الفقهية في المسائل الفرعية العملية، فإنها بقيت أمة واحدة يجمعها كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتجمعها أصول الدين في العقيدة والشريعة، ومن خرج منها عن هذه الدائرة (في العقيدة) أي خرج عن الأصول الصحيحة؛ فإنه أصبح خارج الأمة وليس من جنسها، فمن قال إن الرسول B ليس خاتم الأنبياء، أو قال بأن العصمة هي للبشر كالرسل… فهؤلاء خرجوا على الأصول الشرعية في العقيدة وأصبحوا خارج سرب المسلمين.
2-الخروج عن الأصول القطعية إلى أصول تؤخذ بغلبة الظن، يحصل فيه مناقضة لهذه الأصول، وخروج على نصوصها القطعية… وهذا ما حصل عند بعض المجتهدين – هذه الأيام- ممن أخذ بالمصالح العقلية، أو الاستحسان العقلي، بإنزال الحاجة منزلة الضرورة، وجعلها أصلاً فقهياً؛ فصاروا يحللون الربا أحياناً بحجة المصلحة؛ فيخالفون أصول الدين القطعية الثبوت القطعية الدلالة التي تحرم الربا مثل قوله تعالى في النص القطعي الثبوت القطعي الدلالة: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا).
3 الخروج عن الأصول الثابتة بالقطع عرضة لإدخال أصول جديدة ليس لها سند من الدين، أي إدخال الهوى والعقل في التشريع؛ مع أن الأصل في التشريع شرعاً أنه لا يؤخذ إلا من النصوص الشرعية- فمثلاً عندما اعتبر قسم من الفقهاء المصلحة من أصل التشريع، فقد جاؤوا بأمر من الدين ليس له سند من الوحي، أي إنه ليس قرآناً ولا سنة، ولا دل عليه القرآن أو السنة (من إجماع معتبر أو قياس صحيح). والله عز وجل يقول: (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) ويقول: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) وحتى يبقى الأمر منحصراً في الوحي (القرآن والسنة)، يجب أن تكون الأصول قطعية؛ أي إن كونها من الوحي هو أمر قطعي لا شك فيه؛ لأنها تبنى عليها كل أحكام الدين…
4- الأصول العقلية – في الفقه- ليست نصوصاً شرعية، وليست منضبطة؛ إنما هي قواعدُ عقلية، عرضة لتفاوت الناس، ولا تعتمد النص الثابت من أصل قطعي، أو دل عليه النص القطعي… فما يراه أحد الناس مصلحة يراه الآخر غير ذلك، وما يستحسنه البعض يراه الآخر سيئاً، وما يراه البعض ضرورة من إنزال حاجة، يراه الآخر حاجة وليس ضرورة، وهكذا فتصبح الأحكام حسب الهوى والميل وليس بالفهم المنضبط.
5- أخبر الحق تبارك وتعالى أن هذا الدين محفوظ إلى يوم الدين، وحفظه يقتضي أن يبقى أصلة نقياً ثابتاً، لا يداخله شك ولا ظن ولا اختلاف في أي أصل من أصوله، فإذا حصل شيء يخالف ذلك؛ فإنه لا يحفظ بل إنه يضيع ويصبح حسب أفهام البشر، قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، وقال عليه الصلاة والسلام: “تركتكم عليها بيضاء نقية، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك”.
هذه فوائد وآثار كون الأصول لا تؤخذ إلا من يقين، ونحن نرى في أرض الواقع أن من خرج من الفرق العقائدية من الملة، أو من حرَّف في أحكام الدين وخالف القطعي في دلالته إنما هي الطائفة التي خرجت عن الأصول المعتبرة شرعاً، فضاعت وأضاعت غيرها، فصار قسم من الفرق العقائدية يقول بأن الرسول ليس خاتم الأنبياء، وأن البشر لهم العصمة، وأن الرسالة حدث فيها خطأ في النزول… أما الفقهاء فصار قسم منهم يحلل الربا صراحة باسم المصلحة، وصار قسم منهم يبيح دماء المسلمين خدمة لمشاريع أميركا باسم المحافظة على البلد، وصار قسم يحلل الربا من صندوق النقد الدولي، بحجة المساهمة في رفع الاقتصاد… وهكذا إذا فتح الباب للاختلاف، فإن المسلمين يصبحون مذاهب وفرقاً كثيرة؛ تماماً كما حصل مع اليهود والنصارى، وهذا ما حذر منه سبحانه وتعالى، قال جل جلاله: (وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)).
نسأله تعالى أن يحفظ هذه الأمة من الفرقة، وأن يحفظ هذا الدين من التحريف والتخريف والتخريب… آمين
2016-02-15