بسم الله الرحمن الرحيم
صراعاتٌ ومؤامرات في تونس الخضراء!.
حمد طبيب – بيت المقدس
ما زالت تونس الخضراء ترزح تحت الظلم السياسي والاقتصادي، في كافة المجالات الحياتية؛ بسبب الطغمة المتحكمة بأهل تونس ومواردها الاقتصادية، وبسبب رهن البلاد والعباد إلى المستعمر الكافر الأجنبي. والشيء الجديد في صراع الولاءات -على حساب معاناة أهل تونس وعذاباتهم- هو وصول هذا الصراع إلى الحزب الحاكم نفسه، (داخل هذا البلد الطيب الأبيّ)، وإلى مؤسسات الدولة، وإلى رموز وأكابر الحكم فيها. فما هي حقيقة هذا الصراع المستشري داخل مؤسسات الحزب الحاكم ومؤسسات الدولة؟ وما هو تأثيره على أهل تونس الخضراء (شعلة الثورة)، ومستقبلها السياسي؟ وهل هذا الصراع المحموم لمصلحة أهل تونس، ولرفع الفقر والمعاناة عن أهلها، أم هو لمصلحة الدول الاستعمارية الحاقدة المجرمة؛ أمثال أميركا ودول أوروبا؟!
وقبل أن نذكر (حقيقة هذا الصراع على الكراسي والنفوذ)؛ لأجل الولاءات السياسية الغربية نقول: إن أهل تونس المثابرين الثائرين على الظلم والظالمين لم يغيروا من واقع الظلم شيئاً سوى القشور؛ فما حصل في تونس بعد الثورة هو مؤامرات متعاقبة ومتتابعة ابتداءً من حكومة فؤاد المبزغ، بعد اندلاع الثورة في 17/12/ 2010م، والتي أعقبت المخلوع بن علي، ومروراً بالتأسيسي – في سنة 2011م – ومن ثم التشريعي سنة 2014م، وعدة حكومات متلاحقة، خلال فترة لم تتجاوز أربع سنوات، كان آخرها حكومة حزب نداء تونس في ديسمبر/كانون أول سنة 2014م برئاسة (الباجي السبسي)، من الحرس القديم، وعلى نهج بورقيبة في فساده وولائه السياسي.
فتونس، شأنها شان باقي الثورات، وقعت تحت وطأة التضليل والخداع السياسي، المغطاة والمزينة بالوعودات الكاذبة والشعارات الفارغة؛ كالحرص على مصلحة البلد، ونشر الديمقراطيات، ورفع المستوى الاقتصادي، والقضاء على ألوان الفساد بكافة أشكاله، وخاصة الاقتصادية… وغير ذلك من أكاذيب ليس لها واقع ولا وجود… فالفساد في تونس ازداد وطأةً وشدة في كل المجالات، وازداد الفقر فبلغت نسبته بين أهل تونس سنة 2015م حوالى 25% كما ذكر وزير الشؤون الاجتماعية (أحمد عمار)؛ حيث قال: «إن أكثر من 25 بالمائة من سكان تونس يعانون الفقر والأمية، إذ تعد البلاد حالياً حوالى 870 ألف عائلة معوزة». وأصبحت نسبة البطالة تزيد عن 15%، وتبلغ بين حملة الشهادات العلمية حوالى 30%؛ حسبما ذكر (المعهد الوطني للإحصاء). وهناك أكثر من 600 ألف عاطل عن العمل، كما ذكرت (جريدة الشروق التونسية) في 6/4/ 2015م، وضاق الناس ذرعاً من هذه الشدة، فصاروا يهاجرون عبر البحار إلى دول الكفار، رغم المخاطر والأهوال، وصارت فئة متحكمة في اقتصادات البلد ترهن الثروات الحسّاسة المهمة في البلد؛ مثل البترول والغاز والزيت الصخري للشركات الأجنبية، وتجري معها العقود لخمسين سنة قادمة، ولا تعرف ما يستخرج من هذه الثروات، ولا تعرف عن حفر الآبار الجديدة التي تحفر داخل أراضي تونس، ولا تعرف حتى مقدار العائدات من هذه الثروات البترولية وغير البترولية!!..
هذا كله حصل في تونس تحت شعارات كاذبة، وأعمال مضللة عن الواقع؛ مثل الانتخابات المضللة، وتغيير الحكومات الزائفة، والبرلمانات التي لا تمثل رأي الشعب ولا توجهاته السياسية، والدساتير الملفقة البعيدة عن شرعة الأمة ودينها، ولم تتقدم تونس إلى الأمام خطوة واحدة، بل إنها تتردى في كل يوم جديد تطلع فيه الشمس درجاتٍ إلى الخلف.
إن الشيء اللافت للنظر، والذي يستحق الوقوف والتمعن والتدبر، ويحتاج المتابعة السياسية الواعية هذه الأيام؛ هو ما جرى في الآونة الأخيرة من صراع حامي الوطيس على كرسي الحكم، وعلى تصدّر مركز القيادة، داخل الحزب الحاكم (حزب نداء تونس)، وقد طفت هذه الأحداث على سطح الساحة السياسية التونسية، في حمامات الشاطئ في 1-11-2015م في اجتماعات للمكتب التنفيذي للحزب؛ بين مؤيدين لجناح الأمين العام (محسن مرزوق)، ومخالفين له برئاسة نجل الرئيس باجي السبسي (حافظ)، وقد وصل الأمر إلى حد العراك بالعصي كما ذكر موقع (فرانس 24) في 4-11-2015م، ثم عَلّق 30 نائباً عضويتهم في البرلمان، وهدّدوا بالاستقالة إذا لم تلبَّ طلباتهم بالإصلاح في الاجتماع القادم، وذكر موقع (فرانس 24) في مقابلة مع هؤلاء النواب قولهم: «نحن نعلن تعليق عضويتنا بالحزب منذ اليوم، إلى حين اجتماع المكتب التنفيذي؛ وهو الهيكل الشرعي حيث يمكن اتخاذ القرارات الحاسمة”. فما هي حقيقة هذه الأحداث المتعاقبة؟ وإلى أين سينتهي المطاف بها؟ وماذا ستجرُّ على تونس وأهلها؟.
إن حقيقة الصراع السياسي داخل تونس، كما ذكرنا، ليس لمصلحة تونس، ولا لرفع شأنها وإنقاذها؛ وإنما هو صراع المصالح والولاءات السياسية لصالح الأجنبي الكافر. والذي يتزعم دفة الصراع في هذه المعركة هم رجالات الحزب الحاكم الموالين للنهج السياسي القديم؛ وعلى رأسهم الباجي قائد السبسي، من مخلفات العهد القديم (بورقيبة وهم من عملاء الانجليز)، وفي الجناح المقابل (محسن مرزوق) الذي برزت ولاءاته وارتباطاته الجلية الواضحة بالأميركان، وخاصة بعد الزيارة الأخيرة التي قام بها إلى أميركا في (30 تشرين أول الماضي)، عقد خلالها سلسلة من اللقاءات، مع العديد من المسؤولين الكبار في الإدارة الأميركية؛ من بينهم مسؤولين في وزارتي الشؤون الخارجية والأمن، على غرار المدير السابق لوكالة الاستخبارات الأميركية (ديفيد بترايوس)، ومع مستشار البيت الأبيض لشؤون الأمن القومي (إريك بولوفسكي)، والسفير الأميركي السابق بتونس (جاكوب والس)، ومساعدة وزير الشؤون الخارجية المكلفة بالشرق الأوسط (آن باترسون)، وأعضاء من الكونغرس الأميركي، كالنائبين (شويكرت وهاستينغز)، واللذين يمثلان الرئيسين المساعدين في «Tunisia Caucus» بالكونغرس!!.
إن الوضع المتردي داخل تونس، وفشل الحكومات المتتابعة في إنقاذ تونس، وتعدد ولاءات الأحزاب السياسية فيها، جعل أميركا تنجح في كسب الولاءات حتى داخل الحزب الحاكم، وتنجح كذلك في اختراق المؤسسة العسكرية، على نفس الشاكلة؛ وهذا ليس صعباُ على أميركا ورجالاتها.
لقد نظرت أميركا إلى تونس نظرة خاصة، والسبب هو أهميتها بالنسبة إلى دول الجوار، وخاصة للمساعدة في حسم الصراع الدائر في ليبيا، وأهميتها كذلك بالنسبة إلى الجزائر ونظرة أميركا لتغبير الموازين السياسية فيها لصالحها، مستغلة ما يجري فيها من صراعات بين المؤسسة السياسية والعسكرية؛ لذلك صارت أميركا تفكر بشكل جدي لحسم الصراع داخل تونس لصالحها؛ وذلك عن طريق رجالات داخل الحزب الحاكم، وداخل المؤسسة العسكرية، مستغلة ما يجري من فشل سياسي وأمني داخل البلاد، ومستغلة الأوضاع الاقتصادية المتردية.
إن السؤال الذي يرد هنا هو: ما هو موقع المسلمين الحريصين على مستقبل تونس، وعلى مصالح أهلها؟ وما هو عمل المخلصين من أبناء تونس أمام هذا (الصراع بالوكالة) داخل تونس على حساب معاناة أهلها وشقائهم وتشردهم وفقرهم وحرمانهم؟.
إن المطلوب اليوم من المخلصين الواعين الغيورين من أهل تونس الخضراء (شعلة الثورات)؛ هو أخذ زمام المبادرة من هؤلاء العملاء العبيد؛ عن طريق إثارة مشاعر الإيمان داخل أبناء الأمة في تونس الأبية، وعن طريق توعية المسلمين- في تونس – على هذه المؤامرات السوداء المظلمة. إن المطلوب من الغيورين على تونس الخضراء هو تلمس المخلصين في المؤسسات السياسية بكافة مستوياتها، وتلمس المخلصين في المؤسسة العسكرية على اختلاف درجاتهم، ومن الفعاليات المؤثرة داخل تونس على كافة المستويات الحزبية والوجهاء والمؤثرين، ومخاطبة الجماهير بشكل صريح (لتتسلم الأمة قيادة نفسها)؛ بفكرها ودينها وتوجيه الواعين المخلصين من أبنائها، وان لم تفعل فإنها ستبقى وسط هذا البحر المتلاطم الأمواج، تحركه الرياح الخارجية؛ الموجه من أميركا تارة، ومن فرنسا وبريطانيا تارة أخرى؛ من أجل الحفاظ على مصالحهم وعملائهم السياسيين.
وفي الختام نقول بأن هذا الصراع المكشوف، وهذا الفساد المستشري داخل المؤسسة السياسية والعسكرية، ليبشر بخير قريب على أهل تونس؛ لتأخذ الأمة -من هؤلاء الأجراء- زمام المبادرة في ثورة واعية جديدة، مبنية على الوعي والفكر والإخلاص؛ تصل إلى تحكيم شريعة الله عز وجل في تونس الخضراء؛ لتعود خضراء كما كانت بعقيدتها ودينها، وتحكّم كتاب الله في داخل أرضها، وتحمله- كما كانت من قبل- رسالة خير وهدىً إلى البشرية جمعاء… نسأله تعالى أن يصرف عن أهل تونس الفتن والمؤامرات- ما ظهر منها وما بطن- وأن يعيد تونس كما كانت من قبل نقطة انطلاق إلى بلاد أوروبا؛ تحمل الهداية والخير والنور… آمين يا رب العالمين.