التدخل التركي في سوريا في ميزان الشريعة
2015/11/08م
المقالات
2,200 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
التدخل التركي في سوريا في ميزان الشريعة
أولاً: واقع النظام التركي
تركيا بلد إسلامي تظهر فيه بعض شعائر الإسلام، ويحكمها حزب العدالة الذي يوصف بأنه إسلامي، وينسبه الغرب إلى الإسلام المعتدل المقبول عندهم، وبسبب تسلم هذا الحزب الحكم فيها يقال عن الحكم فيها بأنه حكم إسلامي، وأنه يجب أن يكون نموذجاً للحكم الإسلامي الحديث. وهنا لا بد من ملاحظة أمور عدة:
من المعروف أن تركيا بعد هدم دولة الخلافة الإسلامية سنة 1924م على يد المجرم مصطفى كمال اليهودي العلماني المتآمر مع الإنكليز قوَّض هذ المجرم أركان الدولة الإسلامية، وجعل نظام الحكم في تركيا جمهورياً علمانياً يقوم على دستور علماني يحكم بشرائع الكفر، وحارب الإسلام والإسلاميين؛ فقتل العلماء، وحظر شعائر الإسلام من منع الأذان باللغة العربية، إلى منع تعلم القرآن، إلى تحويل المساجد إلى إسطبلات… وبقي الحال كذلك حتى 1954م، حيث تسلم الحكم عدنان مندرس الذي أعاد بعض الشعائر الإسلامية وأعاد المساجد التي صودرت وبنى كثيراً منها، وفتح معاهد تحفيظ القرآن. وكان لأفعاله أثر كبير على الشعب التركي المسلم الذي يحمل العقيدة الإسلامية ويتعطش للإسلام؛ إلا أنه ومع هذه الإصلاحات التي قام بها مندرس بقي نظام الحكم في تركيا نظاماً جمهورياً علمانياً يحكم بغير الإسلام، ولم يوصف حينها الحكم بأنه إسلامي. واستمر الحكم في تركيا كذلك حتى استلام أردوغان للحكم، فأظهر مزيداً من الانفتاح على الإسلام كشعائر فردية ومظاهر تعبدية، ورافق ذلك اهتمام غربي إعلامي وصف حكمه بأنه حكم إسلامي معتدل؛ وتبنى شكلياً بعض الشعارات والقضايا التي تشغل اهتمام المسلمين من مثل دعوته إلى فك الحصار عن غزة، أو دعوته إلى تنحية بشار أسد عن الحكم في سوريا مع تلميع إعلامي، أو تهديده النظام السوري لأكثر من مرة إن هو تجاوز خطوطاً حمراً لديه؛ ولكن المسلمين سرعان ما أدركوا أنها مواقف سطحية لا تنفذ إلى العمق، وفقاعات إعلامية غرضها غير مريح، وأنه لا يختلف عن حكام المسلمين الآخرين في شيء…
إن الذي يجعل حكم أردوغان حكماً إسلامياً، هو ما يتبناه من دستور يحكم به البلاد، وما تطبقه حكومته من قوانين. وهنا لا بد من ذكر أنه لا عبرة بما يظهره الحاكم، أي أردوغان، من اهتمام بالإسلام وادعاء نصرته وإظهار تأييده، بل العبرة بالتطبيق، وفي هذا المجال، بقي حكم أردوغان حكماً ديمقراطيا جمهورياً يحكم بالقوانين الوضعية، بل استمر على ما يفعله كل رئيس للجمهورية في تركيا بعد انتخابه وحين تقلده لمسؤولية الحكم بالذهاب إلى قبر مصطفى كمال اليهودي العلماني، والقسم عنده على الولاء والحفاظ على الدستور العلماني الذي يحكم بالكفر، وهناك مؤسسات دستورية تحاسبه على عدم الحكم بالدستور العلماني، ولم يحصل هذا. بل وأكثر من ذلك، فإن حزبه حزب العدالة يضم نواباً غير مسلمين وواضحي الولاء للعلمانية.
ومما يذكر في هذا المجال أيضاً، إن تركيا-أردوغان بقيت في علاقاتها الخارجية جزءاً من المنظومة الدولية التي لا تقوم على الإسلام في شيء، بل تخالفه وتناقضه وتعاديه، وهي عضو في المنظمات الدولية التي تحكم بالكفر وتتآمر على الإسلام والمسلمين كالأمم المتحدة، وعضو في حلف الناتو الذي تقوده أميركا، تلك المنظومة العسكرية الغربية التي تستهدف الإسلام بالدرجة الأولى، وشاركت معه في التحالف الدولي الصليبي في احتلال وضرب أفغانستان وترأست قيادته هناك، وهي الآن في سوريا تشارك التحالف الدولي الصليبي في ضرب المسلمين ومشروعهم لمنع إقامة دولة الخلافة فيها، وتعمل مع الآخرين على فرض إقامة دولة مدنية علمانية.
وعليه، فإن تركيا أردوغان تحكم بنظام جمهوري ديمقراطي يقصي الشرع ويحكم بالقوانين الوضعية، وهي جزء من المنظمات الدولية التي تحكم بأنظمة الكفر وتحادُّ الله ورسوله وتقتل المسلمين في كل مكان، وبالتالي عندما نريد أن نحكم على إسلامية الحكم في تركيا يجب أن يبحث من هذا الباب. وفي المحصلة، فإن النظام في تركيا كغيره من أنظمة الحكم في بلاد المسلمين يتبع دول الغرب الكافر، وتحديداً أميركا، ويسير معها في تنفيذ مخططاتها ولو في قتل المسلمين، وهم لم يتورعوا عن ذلك في أفغانستان من قبل. أما إلقاء بعض التصريحات من النظام التركي بشأن دعم الإسلام، وإطلاق بعض الشعارات الإسلامية فلطالما ناقضته تصريحات أخرى كافتخارهم بأنه كان لهم دور أساسي في التقريب بين حركة المقاومة الإسلامية حماس ويهود ورعايتهم للقاءات بهذا الشان، بدل أن ن يقطعوا العلاقات مع يهود ويحركوا جيوشهم للقضاء عليهم ويقطعوا العلاقة مع حماة يهود من أميركا ودول الغرب، ويقطعوا الأيدي التي تسفك دماء المسلمين في فلسطين وغيرها، بدل هذا كله لا نرى من النظام التركي إلا تصريحات فارغة المضمون وشعارات جوفاء تزعم أنها تريد نصرة الإسلام والمسلمين.
على أنه لا يغير هذا الواقع البحث في نوايا حكام تركيا، ورغبتهم في نصرة الإسلام والوقوف مع قضايا المسلمين؛ لأن البحث ليس في نوايا الحكام ولا في رغباتهم. فعلى أرض الواقع، يحكم على تركيا أنها دولة تحكم بغير ما أنزل الله، وتسير مع أميركا وتنفذ مخططاتها.
ثانياً: التدخل التركي في سوريا: ما أهدافه؟ ولصالح من؟
وقفت تركيا منذ بدء ثورة المسلمين على الطاغية بشار موقف الداعم لها والمطالب بحقوق السوريين في المحافل الدولية، وفتحت أبوابها للاجئين والضباط، وقدمت بعض الدعم الإغاثي والطبي لأهل الشام، وهذا أمر ظاهر ومعروف. ولكن السؤال هو: هل فعلت تركيا-أردوغان هذا بهدف إغاثة المسلمين، أم لأمور أخرى؟ ولنترك للواقع وليس للتخمينات يجيبنا عن دورها والهدف الذي تسعى إليه. إنه لا يخفى على أحد أن تركيا لها دور أساسي في احتضان المعارضة العلمانية العميلة للغرب الممثلة بالائتلاف الوطني والذي تسيره أميركا، ولها دور في التسويق لمشروع الحل الأميركي القائم على قرارات مؤتمر جنيف، والتي تهدف إلى وصول حاكم جديد عميل لأميركا يحل محل عميلها السفاح بشار، وفرض دستور مدني علماني، وهي تحارب المشروع الإسلامي الذي يسعى جاداً للوصول إلى الحكم، وهذا من أولى أولويات التحالف الدولي الصليبي الذي تقوده أميركا، والذي انضمت إليه تركيا مؤخراً، كما انضمت إلى مثله في أفغانستان. ثم إن تركيا ترعى من خلال استضافتها لكثير من القيادات العسكرية والسياسية اللقاءات التي تعقد مع المخابرات الأميركية والغربية، بل وتحولت تركيا لغرفة عمليات كبيرة لتوجيه الفصائل على الأرض. وأكثر من ذلك، فقد دخلت في التحالف الدولي الصليبي، وسمحت لهذا التحالف بتدريب الفصائل المسلحة المعتدلة. ولهذا يجب أن لا ينظر إلى الدور التركي على أساس أنه دعم إنساني بريء، بل إنه يساهم في تمرير المخطط الأميركي، ويحاول أن يقطع الطريق على ثورة الشام من الوصول إلى غايتها في تحكيم الإسلام.
وعليه، فإنه يجب أن ينظر إلى الدور التركي من الجانب السياسي بشكل أساسي. وإذا تعارض الدور السياسي مع الإنساني قدم السياسي لديها، ولا أدل على ذلك من إغلاق تركيا لحدودها مع سوريا وفتحها حسبما تقتضي مصالحها السياسية، وهي لا تتورع عن إطلاق النار وقتل النازحين الذين يعبرون الحدود في مئات الحالات.
وحتى موضوع الأكراد الذي يشكل هاجساً لتركيا، فإنها تريد أن تحجمهم وتكسر شوكتهم من خلال استخدام الفصائل المجاهدة على أرض الشام كأدوات لتحقيق ذلك، أي المطلوب أن تقوم الفصائل بحرب بالوكالة عن تركيا لمحاربة الأكراد؛ وبذلك تحقق تركيا مصلحتها بقمع الأكراد دون أن تخسر قطرة دم من دماء جنودها. وطبعاً الهدف الظاهر المعلن هو محاربة تنظيم الدولة لكي تضلل الناس ولا تثير أكراد تركيا فتعاني من مشاكل في أراضيها
من ذلك كله يتبين أن التدخل التركي هو لصالح تركيا ولصالح أميركا ولصالح دول الغرب عن طريق العمل معهم على منع عودة الإسلام إلى الحكم، وتحديداً الخلافة، ولا علاقة لما تقوم بمصالح المسلمين في سوريا الشام لا من قريب ولا من بعيد.
ومن هنا يتضح واقع النظام التركي؛ فهو نظام علماني من حيث تطبيق الدستور، وتابع وعميل لأميركا من حيث الممارسات السياسية، هو يتصرف لتحقيق مصالحه ومصالح أميركا، ولا يغرنَّ المسلمين ما يقوم به النظام التركي من تقديم المساعدات والتسهيلات؛ لأن ذلك ضروري لنجاح خطتها في تحقيق المصالح الأميركية، ودور تركيا لا يختلف عن الدور الذي تقوم به كثير من بلاد الكفر الأصلية كالدول الأوروبية كهولندا وألمانيا والسويد وغيرها كثير؛ فهي ترسل الإغاثات، ومنظمات هذه الدول موجودة على الأرض وتستقبل اللاجئين السوريين في بلادها. وهذه البلاد تدين في تصريحاتها جرائم الأسد وتطالب برحيله… وكأميركا التي لطالما أظهرت عداءها لبشار المجرم، وأدانت مجازره التي يرتكبها بحق السوريين، وتفخر بأنها أكثر من قدمت المساعدات للشعب السوري بينما هي في الوقت ذاته تقف وراء كل إجرامه؛ فهذه كلها مساعدات يراد من ورائها مصادرة القرار السياسي لأهل الشام، مساعدات مغلَّفة بنوايا استعمارية خبيثة، مساعدات ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قبله العذاب.
بعدما تكلمنا عن واقع النظام التركي من أنه نظام علماني وعميل لأميركا، سنعرض لواقع حزب العدالة والتنمية -الذي يقوده أردوغان والذي يحكم تركيا، وعمالته لأميركا:
بعد أن هدم مصطفى كمال أتاتورك الخلافة العثمانية حافظت بريطانيا على نفوذها في تركيا من خلاله، وحاولت أميركا مرات عديدة السيطرة على تركيا وإزاحة عملاء الإنكليز، إلا أنها كانت تفشل في كل مرة من خلال الانقلابات التي تحدث في الجيش. فالإنكليز كانوا يحافظون على مصالحهم في تركيا من خلال عملائهم في الجيش.
وآخر انقلاب للجيش كان عام 1997م على حكومة “أربكان”، وبعد الانقلاب حلَّ الجيش «حزب الرفاه» الذي يرأسه «أربكان» وأخرج منه كل السائرين في الركاب الأميركي والموالين لها ومنهم كان «رجب طيب أردوغان» و«عبد الله غل» واستلم الحكم بعدها ربيب الجيش وعميل الإنجليز العتيق “بولند أجاويد”.
رأت أميركا أن التصدي للجيش أمر صعب ومحفوف بالمخاطر، فعملت على التصدي له عن طريق “الديمقراطية” وذلك بأن تساعد أحد رجالاتها للوصول إلى الحكم بأغلبية برلمانية، ومن ثم يشرِّع قوانين تقلل من سلطة الجيش وهيمنته. وهي من أجل ذلك وقع اختيارُها على “رجب طيب أردوغان” و”عبد الله غل” اللَّذيْن شكّلا حزب “العدالة والتنمية” بعد خروجهما من حزب “أربكان”، وكان الحزب برئاسة “أردوغان” الموالي لأميركا والمخلص لها منذ رئاسته لبلدية إسطنبول، وبدأ الحزب يعمل مع الناس لنيل الشعبية والتأييد.
وكان «أردوغان» قبل أن يشكل حزب “العدالة والتنمية” قد حُكم بالسجن لمدة عشرة شهور بسبب استشهاده بـبيت شعر فيه: «مآذنُنا حِرابنا… والمصلون جنودُنا»، ولكن تم تخفيضُ حكمه لأربعة أشهر، فطلب تأجيل الحكم عليه فوافقت المحكمة على ذلك، إلى أن قدم نفسه لتنفيذ الحكم عليه سنة 2001م
في فترة سجن أردوغان، سافر “مَلِيح كوْرجيْك” رئيس بلدية أنقرة (وهو عضو بارز في حزب الرفاه الذي كان فيه مع أردوغان) إلى أميركا لمدة ستة أيام، ولما عاد من أميركا استضافته قناة (Atv) التركية، وسأله الصحفي: مَن التقيت بأميركا” فأجابه: «التقيت بالبيت الأبيض وجِوار البيت الأبيض”، فسأله سؤالاً آخر: «ما هو سبب اللقاء فأجابه؟ «من أجل تأسيس حزب”. ثم سأله: «على أي أساس سيتم تأسيس الحزب؟”فقال: «على أساس المحافظة على المصالح الأميركية التركية!”.سأله المذيع بعدها: «من سيكون رئيس الحزب أنت أم أردوغان؟” فقال: «أنا لا أبحث عن الرئاسة ولا السيادة”
بعد ذلك خرج “أردوغان” من السجن (أردوغان كان قد سلم نفسه هذه الفترة حتى يُسقِطَ حكمَه ويتمكن من إنشاء الحزب) وبعد خروجه سافر إلى “أميركا في شهر شباط 2002م من أجل التنسيق معها حول الرتوش النهائية للحزب، ثم عاد منها وأعلن تأسيس الحزب.
ضمن هذه الفترة وما قبلَها، هيَّأت أميركا الأجواء لوصول “أردوغان” إلى الحكم، وذلك بسحبها من خمسة إلى سبعة مليارات دولار من البنك المركزي التركي، فانخفضت الليرة التركية انخفاضاً هائلاً (حيث كانت 450000 ليرة تركية تساوي دولاراً واحداً، وخلال 24 ساعة أصبحت 1650000 ليرة تركية تساوي دولاراً واحداً ببعض الأحيان، وانبثقت من هذه الحركة هزة اقتصادية أغضبت الناس وزادت من نِقمتُهم على حكومة “بولند أجاويد” العميل لبِريطانيا. والجدير قوله إن الحكومة التركية قبل “أردوغان”كانت معارضة للتدخل الأميركي في العراق، وغير مستعدة للعمل معه.
أعلنت انتخابات عام 2002م، ولما فشل العلمانيون التابعون للإنجليز من تأجيلها حرّكوا مجموعة”جيم أوزان” التجارية للقيام بحملة تشويهية ضدّ حزب «أردوغان» وقد صرفوا ملايين الدولارات بفترة قصيرة. وبالمقابل كانت مؤسسة “آيدِن” وهي مؤسسة كبيرة قيل عنها “إنها تسقط حكومات وترفع حكومات» إضافة إلى غالبية المؤسسات الإعلامية ساندت حزب “العدالة والتنمية” بأمر وتوجيه أميركي، أو كما يقول “ أربكان” أستاذ”أردوغان” بـ»توجيه صهيوني” أربكان كان دائماً يصف أردوغان بأنه صنيعة (إسرائيل) وربيب الصهيونية، وصرّح بهذا الكلام مرة على قناة الجزيرة ضمن برنامج «بلا حدود”
فاز حزب”العدالة والتنمية”في الانتخابات فوزاً ساحقاً، خصوصاً أنه كان لديه مكياجٌ إسلامي في دعايته الانتخابية، وبعد أن قام «عبد الله غل» بتشكيل حكومة (أردوغان وقتها كان محروماً من العمل السياسي لخمس سنوات) وأولُّ عمل فعله وقتها تغييرُ المادة الدستورية التي تجرِّمُ الفكر وتنتهك حرية الرأي، هذه المادة التي سجن بسببها «أردوغان» ومُنع من العمل السياسي، وبعد تغييرها سقط حكم المنع السياسي عن «أردوغان”
استكمالاً لفصول مسرحية وصول”أردوغان” للحكم وبعد إسقاط الحكم القضائي عن”أردوغان» تم استبعاد عضو من البرلمان. ومن الناحية القانونية، فإن قوائم الانتخابات تحدد العضو الذي يحِقُّ له الدخول للبرلمان بعد العضو الذي استُبعد، ولكن الشخص الذي كان من نصيبه المقعد قدم استقالته مباشرة ،فقام وقتها “أردوغان”بترشيح نفسه لعضوية المقعد، وبما أنه لم يكن هناك منافسٌ له استطاع دخول البرلمان والفوز بالعُضوية. بعد ذلك استقالت حكومة”عبد الله غل” وشكّل الحكومة الجديدة “أردوغان” رئيس حزب”العدالة والتنمية”.
بعدها بدأ “أردوغان” بتنفيذ خطة أميركا؛ وذلك بتقليم أظافر الجيش لإضعاف نفوذ بريطانيا، فعرض على البرلمان قانوناً يهدف إلى تقليص صلاحية تدخّل (مجلس الأمن القومي) في الحكم، وتضايق الجيش من ذلك القانون، حتى إن بعض الأخبار قالت إن تفجيرات إسطنبول سنة 2003م كان خلفها الجيش لإيجاد وضع مناسب للانقلاب على «أردوغان» كما فعل الأمر ذاتَه مع حكومة”أربكان” سنة 1997م ولكنّه لم ينجح في ذلك مع «أردوغان».
الخطوة التالية كانت توقيع وثيقة مشتركة بين تركيا وأميركا عام2006م وقعها”عبد الله غل”مع كونداليزا رايس، وجاءت خطوطُها العريضة، حسَبَ البيان الصحفي المنشور على موقع وزارة الخارجية الأميركية: «إننا مشتركون في القيم والأفكار المتعلقة بالأهداف الإقليمية والعالمية: تطور السلام، الديمقراطية، الحريات، الرفاه…» وفي مضمون الوثيقة باختصار: «العمل بين تركيا وأميركا في تطوير السلام من خلال الديمقراطية بالشرق الأوسط، دعم الرفاه والديمقراطية في العراق الموحد (المحتل من قبل أميركا)، محاربة الإرهاب وتوابعه بما في ذلك “حزب العمال الكردستاني”.
ملاحظات حول أردوغان:
– صرّح “أردوغان” في اجتماع حاشد لحزبه عام 2004م: «أنا رئيس مشارك في مشروع الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ونحن ماضون بتنفيذ ذلك المشروع الأميركي» هو هنا يجهر بعمالته لأميركا.
– تركيا “أردوغان” اشتركت في حلف “الناتو” الذي يقتل المسلمين في أفغانستان ويحارب” طالبان” وقادته عامَي 2004م و2005م
– بعد ثورة مصر وسقوط حسني مبارك، ذهب “أردوغان” لمصر وقال لجماعة «الإخوان المسلمين»: «عليكم أن تَبْنوا مصر العلمانية، وتتخذوا دستوراً علمانياً». فصُعِق المسلمون من تصريحه هذا.
هذا هو”رجب طيب أردوغان” وهذا هو حزبه (العدالة والتنمية) وهذا هو تاريخُهم وقصة وصولهم إلى الحكم. وهذا هو النظام التركي بعلمانيته وبعمالته… فليحذر المسلمون منه كل الحذر.
إن ما سبق ذكره إنما يوضِّح واقع النظام في تركيا، وإن أي اجتهاد أو فتوى لا يمكنها أن تصدر بمعزل عن هذا الواقع، بل لا بد من أخذه في الاعتبار، وهو ما يسمى عند الأصوليين تحقيق مناط الحكم، أي الواقع الذي سينزل عليه الحكم، فبحسب ما يكون عليه الواقع يكون عليه الحكم. وأول الاجتهاد يكون بمعرفة مناط الحكم، ومن غيره لا يكون اجتهاد. وعليه فإذا كان واقع النظام التركي أنه نظام علماني يحكم بالكفر، وأنه نظام عميل لأميركا ويسير معها في تحقيق سياستها العدوانية على المسلمين، وقد رأيناه يفعل ذلك في أفغانستان، وهو يكرره اليوم في سوريا. ورأيناه كيف وصل إلى الحكم في تركيا، ورأينا علاقته الجيدة مع دولة (إسرائيل)… فهل يجوز بعد ذلك أن تصدر الفتاوى التي تجيز طلب الاستعانة به، لا شك أنه الانتحار، وتسليم لرقبة المسلمين في سوريا للذبح بالسكين الأميركية. إن تركيا كدولة هي من الدول القوية في المنطقة، ولو كان أردوغانها إسلامياً كما يدعي نفاقاً، أما كان عليه أن يحارب النظام السوري بالفعل لا بالتصريحات؟!، أما كان يملي عليه دينه أن يدافع عن المسلمين الذين يقصفهم السفاح بشار بكل وحشية؟!، أما كان عليه أن يمد المسلمين بالسلاح اللازم لإسقاط هذا النظام الفاجر؟! أما كان عليه واجب أن يفتح الحدود للمسلمين الهاربين من جحيم النظام السوري بدل أن يقيم السدود الإسمنتية وغير الإسمنتية، فأردوغان عندما وصف السوريين الهاربين إلى بلاده بالمهاجرين، وشبه الشعب التركي بالأنصار، نتساءل بعدها، كيف يضيِّق عليهم في عبور الحدود، بل ويطلق عليهم النار ويوقع فيهم قتلى… إنها قائمة كبيرة من التساؤلات تلقى في وجهه وتكبُّه في النار لأنه لم يستجب لأوامر ربه فيها.
وإننا نعود إلى التساؤل مرة أخرى: هل يجوز بعد كل هذا العرض للواقع، أن تصدر فتاوى تجيز مد اليد إلى هذا النظام التركي وعلى شروطه. على أنه يلاحظ على عامة الذين يصدرون الفتاوى أمران:
1- أنهم لا يفهمون الواقع السياسي الدولي، ولا الإقليمي، ولا المحلي، ولا يعرفون خفاياه ولا ألاعيبه… وهم منفصلون عنه ويتعاملون مع نتائج الأحداث السياسية ويجهلون أسبابها. ومعلوم أن فهم الواقع يشكل مناط الحكم، ومن دونه لا يصح أن يصدر أي اجتهاد…
2- أنهم ينطلقون من منطلق الأخذ بالرخصة، ويريدون أن يصلوا إلى مخرج من هذه الأوضاع المأساوية التي يعيشها المسلمون، وكون أن عندهم رأياً مسبقاً. أي إنهم يريدون أن يجعلوا الشرع شاهداً على ما يريدون، وليس العكس، وقد يكون الدافع عند هؤلاء العلماء هو رد الأذى عن الناس وتخفيف مآسيهم، ولكنه طريق غير شرعي، وفيه اتباع للهوى.
أما الأمر الأول: فبما أن النظام التركي تابع لأميركا، فإن أي تعامل مع النظام التركي إنما يحقق أهداف سيدته أميركا، وهناك علاقة تبادلية بينهما؛ فهي التي أوصلته إلى الحكم، وهي التي تدعمه وتحميه دولياً، وهو عليه إن أراد الاستمرار في الحكم أن يسير مع سياستها مثله مثل سائر عملائها؛ حيث ترسم لكل منهم دوره.
أما الأمر الثاني، فلا بد أن تظهر على صاحبها علائم التقوى في الفتوى، أي تحري الصواب والإخلاص. أما الإخلاص فإننا لا نتهم أحداً، أما الصواب فإنه يجب تحريه؛ وذلك بفهم الواقع السياسي الدولي والإقليمي والسوري، وعلاقة الدول الإقليمية بالدول الكبرى، وخاصة الدولة الأولى في العالم، وهذا للأسف ما نفتقده في العلماء في سوريا، فهم والحمد لله خارج سيطرة النظام السوري، ولكن يخشى من الأنظمة الأخرى التي تتظاهر نفاقاً أنها تعمل لمصلحة المسلمين بينما هي تعمل حقيقة لمصلحة الدول الكبرى التابعة لها، وبعضها يتظاهر بالتأييد لقضية المسلمين ويهاجم النظام السوري، وفي الوقت نفسه يقدمون المال ليصادروا القرار، ويقدمون السلاح ليفرضوا زمان ومكان استعماله، ويحددوا خطوطاً حمراً يمنعونهم بها من السيطرة على مناطق، ما يعني بشكل واضح أن هناك أجندات خارجية تملى عليهم بكرة وأصيلاً. ومؤخراً راحت هذه الدول تحدد وجهة استعماله إذعاناً لأوامر أميركا وأجندتها التي تظن أنها خفية بينما هي أصبحت مكشوفة… إن العلماء الذين يصدرون الفتاوى التي تجيز الاستعانة بهذه الدول يجهلون تماماً هذا الواقع السياسي ويتجاهلونه، ولا يعنون أنفسهم إلا بالناحية الإنسانية التي يعاني الناس منها حقيقة، وللأسف نقول إن هؤلاء العلماء تعلموا العلم لا ليخوضوا به الصراع الفكري ولا الكفاح السياسي، ولا ليقولوا للظالم يا ظالم، بل ليكونوا علماء جامدين نظريين، وهذا دأب الأنظمة الحاكمة الفاجرة التي لا تسمح بما يهدد مصالحها؛ لذلك جاءت الفتاوى قاصرة تعالج المشكلة الإنسانية على حساب المشكلة السياسة مع أن أصل المشكلة سياسي. ونحن في هذا الكلام لا نهاجم أحداً ولكن ندعو مخلصين هؤلاء العلماء إلى حسن النظر، وان يكونوا علماء ربانيين، وأن يكونوا علماء ينطبق عليه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «يَا عَبْدَ اللَّهِ ، أَتَدْرِي أَيُّ عُرَى الإِسْلامِ أَوْثَقُ؟» قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «الْوَلايَةُ فِي اللَّهِ، وَالْحُبُّ فِي اللَّهِ، وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ. يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَتَدْرِي أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟» قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «فَإِنَّ أَعْلَمَ النَّاسِ أَعْلَمُهُمْ بِالْحَقِّ إِذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ، وَإِنْ كَانَ مُقَصِّرًا فِي الْعِلْمِ، وَإِنْ كَانَ يَزْحَفُ عَلَى إسْتِهِ زَحْفاً».
إن المسلمين في سوريا اليوم يعيشون في واقع لا قوة لهم فيه ولا شوكة ولا ظهور، ويريد البعض منهم أن يدفع عدوه النظام بمد يده إلى أعدائه الآخرين حتى يحصل على القليل مقابل شروط ذليلة توقع به في نهاية المطاف في الحفرة الأميركية. إذاً واقعنا ليس كواقع النبي صلى الله عليه وسلم حين استعار الدروع، وليس كواقعه يوم قاتل معه قزمان كفرد ،وليس كواقع المسلمين حين قاتل معهم أفراد من يهود بني النضير في أحد…
فواقع المسلمين في ذلك الوقت أنهم كانوا في دولة ذات قوة ومنعة وشوكة ،قاتل في صفوفها أفراد لا يغيرون في ميزان القوة ولا يؤثرون على قرارات المعركة أو توجهها أو التخلي عن عقيدة أو أحكام شرعية… بل هم أفراد قاتلوا حمية أو عصبية كما قال أحدهم: إنا نكره أن يشهد قومنا موقعة ولا نكون معهم. وهذا ليس كواقعنا في هذه الأيام: أناس مستضعفون مقهورون كالكرة تتقاذفها أقدام أميركا وأوروبا وروسيا بهدف تحقيق مصالحهم عبر أدواتهم من حكام دول الجوار، كل يسحب الحبل لصالح سيده، فأي تدخل أو إعانة من الخارج (لأن الغلبة والظهور بأيدي الأعداء) هي حتماً ستؤدي لبيع القضية وبيع الدماء والشهداء والتغاضي عن بيع الأعراض والمقدسات.
هذا ما نراه في هذه الأيام من أن المساعدات من الدول توصل إلى بيع القضايا والثورات؛ وهذا ما رأيناه في ثورات بلاد المسلمين المجاورة في كل من مصر وليبيا واليمن وتونس. فالمال السياسي والسلاح المشروط الذي أدخل إلى تلك الثورات أفسد تلك الثورات وجعل الغرب الكافر يتسلط على رقاب المسلمين، واستبدل طواغيت تلك البلدان بطواغيت أشد شراً، وبقيت الأنظمة تحكم بغير ما أنزل الله.
أما بالنسبة للتعاون مع الأتراك الذين انضموا إلى التحالف الدولي الصليبي والذين هم أعضاء في حلف الناتو يقاتلون المسلمين مع دول الكفر كأميركا وأعوانها فلا يختلف الحكم بالنسبة إليهم؛ فلا يجوز أن يُترك لهم موطئ قدم يفسد الثورة ويحافظ على مصالح الكفار في البلاد. فالتدخل التركي يهدف في الدرجة الأولى إلى تنفيذ مخطط أميركا لفرض حلها السياسي الخبيث. بل إن تركيا-أردوغان تتصرف بشكل أسوأ مما يتصور؛ ذلك أن موضوع الأكراد يشكل هاجساً لها، وهي تريد أن تحجم الأكراد وتكسر شوكتهم من خلال استخدام الفصائل المجاهدة على أرض الشام كأدوات لتحقيق ذلك ، أي تريد أن تقوم الفصائل بحرب بالوكالة عنها بمحاربة الأكراد؛ وبذلك تحقق مصلحتها بقمع الأكراد بدماءٍ سورية دون أن تخسر قطرة دم من جنودها ،وطبعاً الهدف الظاهر المعلن هو محاربة تنظيم الدولة لكي تضلل الناس ولا تثير أكراد تركيا فتعاني من مشاكل في أراضيها.
بعد ذلك كله يتبين أن التدخل التركي هو لصالح الغرب بالكامل، ولصالح تركيا بالدرجة الثانية ،ولا علاقة له بمصالح المسلمين في الشام لا من قريب ولا من بعيد، وبالتالي فإن الاستعانة بتركيا-أردوغان لا يجوز مطلقاً لأنه يحقق أهداف سيدته أميركا، وهذا المناط إذا أحسن فهمه من علماء المسلمين فإنهم لن يفتوا أبداً بجواز الاستعانة لا بالدول الكافرة ولا بالدول العميلة لها، وكل حكام المسلمين هم عملاء من غير استثناء.q
2015-11-08