التآمر على الثورة السورية
2015/07/01م
المقالات
2,314 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
التآمر على الثورة السورية
أسعد منصور
إن الانتفاضات والثورات المباركة التي اندلعت في بداية عام 2011م في بعض البلاد العربية، وخاصة الثورة السورية، أدهشت العالم وخاصة الدول الكبرى والأنظمة العميلة في المنطقة وأتباعها، وأدخلتهم في حالة من القلق والاضطراب والتناقض، فراحوا يتآمرون عليها ليخمدوها أو ليحرفوها عن مسارها، فعملوا على احتوائها وخداع الناس والثائرين بمختلف الأساليب. وإننا في هذا المقال نريد أن نوضِّح حلقات التآمر على الثورة السورية في بيان مواقف الأطراف التي ظهر لها دور فعّال في الموضوع، ونركز على دور أميركا الدولة الكبرى الأولى عالمياً، والتي تقود عملية التآمر، ونبيِّن ذلك تحت العناوين التالية:
الثورة تفاجئ النظام في حالة من القلق والاضطراب والتناقض:
يؤرَّخ لانطلاقة الثورة على نظام الطاغية بالشام يوم 15/3/2011م، ولم يكن في حسبان النظام ولم يدُرْ في خَلَده أن مثل ذلك سيحصل، وكان يظن أن الشعب قد تعود حالة الذلّ والمهانة والقهر والعذاب التي أذاقه إياها على مدى أربعة عقود من حكم حزب البعث الإجرامي بقيادة حافظ أسد وابنه بشار الذي صرَّح يوم 31/1/2011م قبل تفجر الثورة المباركة قائلاً: “إن الوضع في سوريا مستقر… إن عقوداً من الركود السياسي والاقتصادي ووجود زعماء من ذوي أيدلوجيات ضعيفة والتدخل الأجنبي والحروب أدت إلى استياء الشارع في تونس ومصر…”. بهذا التصريح يتناسى زعامته وزعامة والده من ذوي الأيدلوجيات الضعيفة، بل السقيمة والعميلة للأجنبي التي لم تثبت في الحكم إلا بالحديد والنار والدعم الأجنبي. وأضاف: “إن الجراثيم تنمو في المياه الراكدة فتوجد الأمراض”. فتناقض مع قوله الآنف بأن الوضع مستقر”. وعبَّر عما يحدث بقوله: “إن ما ترونه في هذه المنطقة هو نوع من المرض، هكذا نرى”. فإنه يرى حركة الشعوب وانتفاضتها ضد الطغاة أمثاله وضد عسفهم وجورهم وتحركهم لتغيير الأنظمة عبارة عن مرض، وأن الحالة الصحية بالنسبة له ولأمثاله هي الرضى بالأمر الواقع السيئ، والقبول بالذل، والاستسلام للمهانة والخنوع، وإغلاق العقول، وتكميم الأفواه، وتجريم العمل الفكري والسياسي للتغيير الجذري. ويدلُّ ذلك على أنه لا يدرك طبيعة الأمة الإسلامية الأصيلة التي إن قهرت وسحقت لا تستسلم ولا تخنع، وإنما تعمل على استعادة قواها لتنتفض مرة أخرى في وجه هؤلاء الطغاة المجرمين، وتقوم بالمحاولات المرة تلو المرة للتحرُّر والتخلص من الأوضاع السيِّئة الواقعة فيها مهما بذلت من تضحيات حتى تنتصر وتدوس هؤلاء المجرمين تحت أقدامها. والشعب السوريّ الأبيّ هو جزء أصيل من هذه الأمة.
وعندما بدأ زخم الاحتجاجات يزداد، قام الطاغية يخطب في برلمانه يوم 30/3/2011م قائلاً: „هناك مؤامرة كبيرة، خيوطها تمتد من دول بعيدة ودول قريبة، ولها بعض الخيوط الداخلية، تتعرض لها سوريا، تعتمد بشكل كبير على ما يحدث في الدول العربية“. فالمفاجأة جعلته يضطرب ولا يدري ماذا يقول، وكيف يصف الوضع؛ فيدخل في تناقضات. فتحوَّل عن القول بالجراثيم والأمراض إلى القول بالمؤامرة الكبيرة التي تمتدُّ خيوطها من دول بعيدة؛ فأصبح يعتبر خروج الناس ضد الظلم مؤامرة من الخارج ومن الداخل؛ فلا يحق لهم أن يتظلَّموا أو يتشكُّوا، وما عليهم إلا الخنوع لنظام عائلته وحزبه وعصابته الملوثة أيديهم بالدماء الزكية من أهل سوريا طيلة عمر هذا النظام، بل إنه وحزبه هم المتآمرون والمرتبطون بالدول الاستعمارية. وادّعى كاذباً بقوله: „إن هناك مخططاً كان يسعى إلى تفتيت سوريا تم إسقاطه، ويهدف إلى إخراجها من زعامة المقاومة ضد إسرائيل“. مع العلم أن نظامه منذ عام 1973م لم يطلق طلقة واحدة على ما يسمى (إسرائيل) رغم أنها ضربت سوريا عدة مرات، ودمَّرت مكاناً عسكرياً يقال إنه مفاعل نوويّ. وهو ونظامه يتراميان على الصلح مع هذا العدو منذ زمن طويل، وكاد أن يتم على عهد إسحق رابين لولا مصرعه عام 1995م، وكذلك كاد أن يتم عام 2008م بوساطة أردوغان سمسار أميركا بسبب عدوان يهود على غزة الذي سبَّب له إحراجاً، ولولا هذا العدوان لتمَّت جريمة الصلح مع العدو. وما زال بشار يطالب يهود باستئناف المفاوضات للصلح معهم. فذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت اليهودية في 22/5/2011م (أي بعد حوالى الشهرين من اندلاع الثورة) نقلاً عن مصادر أميركية أن بشار أسد بعث خلال الأسابيع الماضية برسائل إلى الإدارة الأميركية أبدى فيها استعداده لاستئناف المفاوضات مع (اسرائيل). فقد ذكر في رسائله: «أن 98% من المواضيع المختلَف عليها بين سوريا و(إسرائيل) تمَّ الاتفاق حولها في مراحل المفاوضات المختلفة بين البلدين. وأنه سيقترح استئناف المحادثات مع (إسرائيل) بعد أن تهدأ الأوضاع في سوريا».
لقد عمل الطاغية على إخماد الثورة بالقوة، فأعلن يوم 19/11/2011م بأن «الصراع سيستمر، والضغط لإخضاع سوريا سيستمر، وسوريا لن ترضخ» معتبراً نفسه وعصابته وشبيحته وحزبه هم سوريا. وأعلن أنه سيستمر في صراعه مع الشعب المسلم في سوريا الذي انتفض وثار ليُسقط حكم الطاغية مستعداً لتقديم مئات الآلاف من الشهداء ومعلناً رفضه البقاء راضخاً لهذا الحكم الجبروتي برفعه شعار «الموت ولا المذلة» و«لن نركع إلا لله». فقامت كل قوى الكفر الخارجية المتعاونة معه في المنطقة لإحباط هذه الثورة بمختلف الأساليب والوسائل.
بل أعلن الطاغية في خطابه يوم 3/6/2012م بأن «العدو داخل الحدود وليس خارج الحدود». فالعدو بالنسبة له ليس كيان يهود الذي يحتل الجولان وفلسطين، وإنما هو الشعب السوري المنتفض والثائر في وجه الظلم والطغيان، وفي وجه الخونة والعملاء المتاجرين بقضية فلسطين.
وقد تناقض مع نفسه في خطابه مرة أخرى عندما قال «قد حصل تغرير بهم (بالمنتفضين والثائرين) من قبل بعض الأطراف التي تريد ضرب الاستقرار في سوريا. وإنهم قاموا بالخلط بين أشياء ثلاثة: الفتنة، والإصلاح، والحاجات اليومية. ولكن الفتنة دخلت على الموضوع وبدأت تقود العاملين الآخرين وتتغطَّى بهما». فهنا يعترف بأن الناس يريدون إصلاح أوضاعهم وتأمين حاجاتهم اليومية التي حُرموا منها على يد النظام وأزلامه على مختلف أشكالهم الذين طغَوا في البلاد وسعوا فيها فساداً، وهنا يعترف أن الناس المنتفضين ليسوا مرضى أو مغرَّراً بهم أو نتيجة مؤامرة خارجية. ولكنه يعتبر الخروج على الظلم فتنة كادِّعاء كافة الظَلَمة من حكام وسوقة وممن يسمون بعلماء السلاطين. فعندما يخرج الناس على الحاكم المجرم أو الظالم الذي لا يحكم بما أنزل الله يقولون هذه فتنة، ويطالبون بوأدها باستباحة دماء الناس وأموالهم. وما أن أنهى بشار أسد خطابه حتى تفجرت المظاهرات في عدة مناطق رداً على ادعاءاته الكاذبة وتحدِّياً له ليقول له أهل سوريا: لم نعد نخشاك ونخشىى جلاوزتك، وليثبتوا أنهم كسروا حاجز الخوف ولم يعودوا يَرهبون بطش النظام ولا يصدّقون وعوده الكاذبة بالإصلاح التي طالما سوَّف بها منذ عام 2005م. كما تطرَّق إليها هو نفسه في خطابه ليبحث عن حجج واهية تبرر عدم وفائه بوعوده وهو كاذب. ولم يعد الناس يريدون إصلاحاً وإنما تغييراً جذرياً؛ لأن الإصلاح ينفع عندما يكون الشيء أصله صالحاً، ولكن عندما يكون أصله فاسداً لا ينفع معه إصلاح، بل يجب أن يحصل انقلاب كليٌّ وتغيير جذريٌّ يستند إلى أسس صالحة ألا وهي الإسلام.
موقف أميركا المتناقض والمضطرب من النظام السوري ومن الثورة عليه:
وقفت أميركا من أول يوم تَسند النظام السوري وتعمل على ضرب الثورة بأشكال مختلفة تخفى على البسطاء من الناس، ولكن المراقبين والسياسيين والواعين سياسياً أدركوا ذلك، حتى إن أعضاء من الكونغرس الأميركي وجَّهوا اتهاماً للإدارة الأميركية يوم 6/5/2011م بأنها „متساهلة كثيراً مع نظام الرئيس السوري بشار أسد، ولم تطلب منه التنحّي كما طلبت من حسني مبارك ومن القذافي“. وقد رفضت الإدارة الأميركية مطالب هؤلاء الأعضاء من استدعاء السفير الأميركي في دمشق؛ ولذلك قالت بثينة شعبان مستشارة بشار أسد لصحيفة «نيويورك تايمز» يوم 11/5/2011م: «إنه لا توجد إدانة دولية لسوريا»، ووصفت بيانات الرئيس الأميركي أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون بأنها «غير سيِّئة». وذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت اليهودية في 22/5/2011م: „في الوقت الذي قررت فيه الولايات المتحدة قصف معاقل القذافي في ليبيا، اكتفت بفرض عقوبات رمزية فقط على سوريا وقادتها“. وحاولت الإدارة الأميركية تبرير موقفها بقولها:“ إن سوريا تملك أسلحة كيميائية، ونحن نخشى من أن يؤدي سقوط النظام الحالي وقيام نظام جديد أقل مسؤولية لاستخدام السلاح الكيميائي أو تسليمه لحزب الله أو لجماعات إرهابية أخرى واستخدامه ضد إسرائيل وغيرها من حلفاء الولايات المتحدة“. وهنا حاولت أميركا تبرير مواقفها المتناقضة المفضوحة وهي تعمل على المحافظة على النظام بمسألة السلاح الكيماوي، ودافعت عن بشار أسد على لسان وزيرة خارجيتها هيلاري كلينتون بقولها „إنه ما زالت هناك فرصة أمام النظام السوري لإجراء إصلاحات“ وهذا لم تفعله تجاه النظام المصري والتونسي والليبي واليمني! فما إن مر أسبوعان أو ثلاثة على الانتفاضة في تلك البلاد حتى قالت أميركا إنه يجب على رؤساء هذه الأنظمة أن يتنحَّوا، وهي حتى الآن لم تقله لرئيس ما سمي بنظام الممانعة والصمود والتصدي كذباً وزوراً! ونظام يدعي أنه ضد أميركا والإمبريالية!
وقد أظهرت أميركا تخوفها مما يجري في المنطقة وفي سوريا خاصة، فقال الرئيس الأميركي أوباما: „هذه فترة فيها قدر كبير من عدم اليقين في الشرق الأوسط بالنظر إلى ما يحدث في سوريا. وبالنظر إلى ما يحدث في أماكن أخرى الآن، فهذا الوقت هو وقت التأكد من أننا نفعل كل ما في وسعنا لحماية أمن إسرائيل“. فأميركا خائفة مما يحدث في سوريا خاصة، فهي متخوِّفة من أن تفقد نفوذها هناك بسقوط النظام العلماني فيها بقيادة بشار أسد، وعدم تمكنها من إيجاد عملاء يحافظون على النظام العلماني بصورة محسَّنة. ولذلك قال وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا في 18/7/2012م :“ إن الأزمة (في سوريا) تخرج عن نطاق السيطرة بشكل سريع“. وتتخوَّف أميركا من سقوط النظام واستلام المخلصين من أبناء الأمة الحكم فتقع أسلحة سوريا في أيديهم؛ ولذلك نقلت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية في 18/7/2012م عن مسؤولَين في البنتاغون قولهما إنهما أجريا محادثات مع مسؤولين في وزارة الدفاع (الإسرائيلية) حول ما إذا كانت (إسرائيل) ستتحرك لتدمير الأسلحة السورية، وخاصة ترسانة الصواريخ والأسلحة الكيميائية.
وفي محاولة منها للحفاظ على النظام السوري عقدت أميركا مؤتمر (جنيف1) يوم 30\6\2012م الذي نصَّت قراراته على تشكيل هيئة حكم انتقالي من أعضاء في النظام السوري مع المعارضة المعتدلة، وإقامة حوار بين الأطراف، وإجراء مراجعة للدستور السوري، وإجراء انتخابات جديدة لشغل مؤسسات الدولة. ولكن هذه المبادرة فشلت، وأرادت أميركا أن تثبت أن مباداراتها وأعمالها غير فاشلة، فقامت ودعت إلى عقد مؤتمر (جنيف2) في 22\1\2014م وجمعت فيه عملاءها في النظام السوري وفي المعارضة التي يطلق عليها المعارضة المعتدلة. وكذلك لقيت المصير نفسه من الفشل. وسرُّ فشل كل ما حاولت به أميركا لإنقاذ النظام والمحافظة على نفوذها في سوريا، سواء الوعود بالإصلاح من قبلها أم من قبل النظام التركي. وسواء تسخيرها للجامعة العربية ومبعوثها الدّابي، ومهمة عنان ومن بعده الإبراهيمي، ومؤتمر جنيف 1 و 2، ومهمة دي ميستورا وغير ذلك؛ هو الوعي الذي يتمتع به أهل سوريا على مقاصد تلك المحاولات وإصرارهم على إسقاط النظام وإقامة حكم الإسلام. وقد أدخلت أميركا إيران وحزبها مباشرة، ودفعت بروسيا لتقف في الواجهة؛ وذلك لتغطي على الحقيقة ولتوهم أهل سوريا أن هؤلاء هم الذين يقاتلونهم وليست هي، وأنها هي تقف معهم، أي مع الناس، ولكن ذلك لم ينطلِ عليهم، وأدركوا أن الذي يقف وراء تلك القوى هو أميركا.
وقد أظهرت أميركا تناقضاً صارخاً في موضوع عميلها بشار أسد؛ فبعدما قالت على لسان رئيسها أوباما يوم 18/8/2011م: «قلنا باستمرار إن على الرئيس الأسد أن يقود انتقالاً ديمقراطياً أو أن يتنحَّى. ولم يقدِّر ذلك. ومن أجل الشعب السوري فقد آن الآوان لكي يتنحَّى». ولكن من دون أن تظهر أية جدية من أوباما، وإنما لرفع المؤاخذة عنه بسبب كثرة الانتقادات الداخلية والخارجية لمواقف الإدارة الأميركية. وجاء وزير خارجيتها جون كيري بعد أربع سنوات يوم 15/3/2015م ليقول: „إن الولايات المتحدة ستضطر للتفاوض مع الرئيس السوري بشار أسد من أجل انتقال سياسي في سوريا“. ومن ثم عدل عن تصريحه هذا والتفَّ عليه عندما رأى ردة الفعل عليه ليقول: „لا نريد أن نفاوض الأسد مباشرة“. ولكن هذا الكلام لم ينفِ الكلام الأول وإنما أكده؛ لأنه سواء تفاوضت أميركا مع بشار أسد مباشرة أو غير مباشرة فهي تقرُّ ببقائه وعدم تنحيته، وقد فهم الناس ذلك حتى أتباعها فهموا ذلك؛ ولهذا قامت مستشارة الأمن القومي الأميركي سوزان رايس 24/3/2015م لتخادع الناس بقولها: «إن بشار أسد فقد كل الشرعية للحكم ويجب أن يرحل». وجاءت بتصريح آخر يظهر التناقض في مواقفها المضطربة لتقول على لسان مندوبتها في الأمم المتحدة سامانثا باور يوم 31/3/2015م: «إنه من الضروري أن تبقى الدولة السورية متماسكة، مما يعني أن ذلك يتطلب حلاً سياسياً يشمل كل الأطراف بينها النظام السوري» ويفهم من ذلك بقاء الأسد وأجهزته الأمنية والعسكرية ومؤسسات الدولة الفاسدة، فاستدركت ذلك عندما شعرت أن الجميع يفهمها فقالت: «إن هذا لا يعني أن يكون الأسد جزءاً من سوريا مستقرة وسلمية، وذلك من مصلحة الشعب السوري ومن مصلحة الولايات المتحدة والمنطقة أيضاً». ويفهم من ذلك أن الأسد سيبقى إلا أنه ليس جزءاً من سوريا مستقرة وسلمية على المدى البعيد، ولكن على المدى المنظور سيبقى. وقد أكدت ذلك عندما أرسلت دي ميستورا مبعوثاً باسم الأمم المتحدة ليعلن قبل يومين من تصريحات كيري أي في يوم 13/2/2015م قائلاً: „إن بشار أسد جزء من الحل“، وليعمل على خداع الناس بخطة وقف إطلاق النار أو تجميد القتال ابتداءً من حلب، أي ليعمل على وقف الثورة والتصدي لنظام الطاغية، ومن ثم الدعوة للتفاوض بين النظام والمعارضة المعتدلة أي العميلة.
وبعدما كانت تقول إن استخدام السلاح الكيماوي خطاً أحمر كما ذكر الرئيس الأميركي يوم 21/8/2012م: „لقد أوضحنا بجلاء لنظام الأسد وأيضاً للاعبين على الأرض من أن خطاً أحمر في نظرنا سيعبر إذا بدأنا نرى مجموعة كاملة من الأسلحة الكيماوية يجري نقلها أو استخدامها، سيغير ذلك حساباتي». وأكد رئيسها أوباما ذلك يوم 27/5/2013م قائلاً: «إن استعمال الأسلحة الكيماوية خط أحمر، إن تجاوزه الأسد تغيَّرت قواعد اللعبة وعاقبته أميركا“ بعد ذلك رأيناها تلتف على قولها عندما استخدم عميلها الأسد الأسلحة الكيماوية بعد ثلاثة أشهر تقريباً من التصريح الثاني، وبعد سنة بالضبط من التصريح الأول أي في 21\8\2013م، ومن ثم تقول يوم 9/9/2013م على لسان وزير خارجيتها كيري: «إنه بإمكان السلطات السورية تفادي الضربة العسكرية في حال تسليم كافة الأسلحة الكيماوية الموجودة لديها» ويبدو أن أميركا تعلَّمت ألا تستعمل لفظة الخطوط الحمر فيما يتعلق بسوريا، ورأت أن ذلك يحرجها، ولا تستطيع أن تتعامل مع الواقع وتظهر بمظهر الكذّاب عندما تتراجع كما حصل معها في هذا الموضوع. وراح أوباما يخطب خطاباً مطولاً في الجمعية العمومية للأمم المتحدة يوم 24/9/2013م ليبرر تراجعه فقال: „وهكذا فإنني أعلم أنه في أعقاب الهجوم كان هناك من شكَّك بشرعية القيام حتى بضربة محدودة في غياب تفويض واضح من مجلس الأمن… وقد اتخذت الحكومة السورية الخطوة الأولى بتقديم بيانات بمخزوناتها الكيمائية“. مع العلم أن أميركا عندما تريد أن تضرب لا تسأل عن مجلس الأمن أوافقها أم لم يوافقها كما فعلت في كوسوفا وفي التعامل مع صدام واحتلال العراق، وتتهرب من أن تلتزم بقرارات مجلس الأمن إذا لم تقدر على منع إصدارها، بل هي هذه المرة صارت تقول حتى نوجه ضربةً لسوريا يجب أن نأخذ موافقة مجلس الأمن.
وتناقضت أميركا كذلك في موضوع دعم الثورة والتسليح، فمنعت تسليح الثوار ومساعدتهم وحاصرتهم مدّعية أن ذلك سيصل إلى أيدي المتطرفين، وتركت روسيا وإيران تسلح النظام وتمدَّانه بكافة المعونات، ومن ثم تراجعت وبدأت تعمل على تسليح البعض بأسلحة معينة، وقد لجأت إلى تدريب معارضة تتبعها أطلقت عليها معارضة سورية معتدلة، فأعلن رئيسها أوباما في 20/9/2014م بقوله: „إن واشنطن قد باشرت فعلاً بتقديم المساعدة بما فيها العسكرية للمعارضة السورية. غير أن الجهود الجديدة تؤمِّن المعدَّات وتدريب مقاتلي المعارضة السورية لكي يصبحوا أقوى ويستطيعوا ردع الإرهابيين داخل سوريا“. وقال في كلمة الاتحاد يوم 20/1/2015م: „إن دعم الولايات المتحدة للمعارضة الوسطية في سوريا لا يساهم فقط في المجهود هناك، إنما هو أيضا يمكن أن يساعد الناس في كل مكان على التصدي لعقيدة التطرف. وهذا المجهود سيتطلب وقتاً وتركيزاً“ وقال: „عوضاً عن إيفاد أعداد كبيرة من القوات البرية إلى الخارج، تعمد الولايات المتحدة الآن إلى العمل بالتضافر مع دول تمتد من جنوب آسيا إلى شمال أفريقيا لحرمان الإرهابيين الذين يهددون الولايات المتحدة من الملاذات الآمنة“. فالرئيس الأميركي يعلن أن حربه في سوريا هي لمحاربة وصول الإسلام إلى الحكم، ويصف ذلك بعقيدة التطرف، ويعمل على تجنيد العملاء تحت مسمى المعارضة المعتدلة وتسخيرهم بجانبه في هذه الحرب، وليس ضد النظام السوري.
وقد حاولت أن توجد قيادات عميلة تكون بديلة لعميلها طاغية الشام، ففي يوم 5/9/2012م جمعت أميركا 400 ضابط من مختلف الرتب من المنشقين والمنضوين تحت كتائب الجيش الحر اجتمعوا في أنطلوس في إقليم أنطاكيا بتركيا، وكان ذلك نتيجة „توافق فرنسي تركي وبدفع أميركي ومباركة عربية“ كما ورد في الأخبار. وأعلنت عن تشكيل القيادة العامة للجيش الوطني السوري، وألغت اسمها القديم الذي كان يعرف باسم القيادة العسكرية المشتركة للثورة السورية. واعترفت بذلك صراحة على لسان الناطقة الرسمية باسم وزارة خارجيتها فيكتوريا نيولاند يوم 20/10/2012م:“ إننا نعمل مع تركيا ونتشاور معها بشكل مكثَّف في الموضوع السوري. فنبحث الموضوعات من التطورات في الساحة والأشخاص الذين نرى أنه من الممكن أن يصبحوا القادة في المستقبل، والاحتمالات التي تحملها فترة التغيير ضمن مطابقات مؤتمر جنيف وما أعقبه“. وقد فشلت في ذلك.
تآمر الجامعة العربية وفشل المبعوثين باسمها:
ولجأت أميركا إلى الجامعة العربية لتستخدمها للحفاظ على النظام السوري وخداع الناس والثائرين، فأعلنت هذه الجامعة يوم 2/11/2011م عن مبادرة، فقامت أميركا بتأييدها على الفور، فقالت المتحدثة باسم خارجيتها فيكتوريا نولاند „إننا نعتبر أن الخطوات التي طالبت بها الجامعة العربية … موضع ترحيب كبير وعلى النظام السوري قبولها بالكامل، ونحن سنعتبرها خطوة أولى في الاتجاه الذي نريد أن نرى سوريا تنتقل إليه بالرغم من أننا رأينا وعوداً كثيرة في السابق دون تنفيذ“. وهذا يدل على أن الأميركيين يقفون وراء هذه المبادرة لإطالة عمر النظام وإسكات الناس بتحقيق بعض الأمور إلى أن تتمكن من إدارة الوضع وصياغته صياغة جديدة، أو استبدال القائمين على النظام بعملاء جدد.
وقد شكلت الجامعة العربية بعثة المراقبين العرب لنشرهم في سوريا برئاسة محمد الدّابي الذي ادَّعى يوم 23/1/2012م قائلاً: „إن حدة العنف قد انخفضت منذ أن قامت بعثته بنشر المراقبين في سوريا في 26/12/2011م… وإن مهمة البعثة ليست للتحقُّق أو لتقصي الحقائق، وإنما هي لتتحقق من تنفيذ برتوكول الجامعة العربية الذي قبلت به دمشق.. فهو يقرُّ بالنظام فيريد أن يحافظ عليه ضمن برتوكولات الجامعة العربية التي وضعتها بريطانيا عام 1945م، وليست مهمته وقف القتل والتدمير، فكان واضحاً أن الجامعة العربية ومن ورائها أميركا بواسطة الدّابي وبعثته أرادوا أن يحافظوا على النظام بخداع الناس بتحقيق بعض المطالب. وبعد فشل مهمة الدّابي نصَّبت أميركا كوفي عنان كمبعوث للأمم المتحدة والجامعة العربية، وطرح مبادرته في شباط 2012م، والتي تضمنت الدعوة لإيقاف الاقتتال بين النظام والثائرين في وجه ظلمه وإجرامه. حتى إن المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية مت رومني وهو يفضح سياسة أوباما قال في بيان له يوم 19/7/2012م: «فيما سارعت روسيا وإيران إلى دعم بشار أسد وتعرض الآلاف للذبح، فقد تخلى الرئيس أوباما عن القيادة وفوَّض كوفي عنان والأمم المتحدة لتولِّي السياسة الأميركية». فهو يعترف بأن موظفي الأمم المتحدة لسوريا هم موظفون لدى الإدارة الأميركية. ولكن كوفي عنان أعلن فشله بعد مرور ستة أشهر وترك مهمته، فنصَّبت أميركا مكانه عميلها الأخضر الإبراهيمي في آب/أغسطس. وأعلن هو الآخر فشله واستقالته بعد سنتين، فعيَّنت مكانه دي ميستورا في تموز/ يوليو 2014م الذي أعلن أن مهمته هي إيقاف القتال ضد النظام السوري، وإبقاء بشار أسد مسلطاً على رقاب الناس؛ حيث أعلن يوم 13\2\2015م بأن «بشار أسد جزء من الحل». فاستبشر الطاغية بذلك ورحب بمبادرته. ولكن وعي أهل سوريا سيفشل مهمته بإذن الله.
دور النظام التركي في الحفاظ على النظام السوري وضرب الثورة:
وأما النظام التركي بقيادة أردوغان الذي أظهر بداية أنه يريد أن يحافظ على مثيله النظام السوري، فقد كرَّر في البداية ما كرَّرته أميركا بأن هناك „أمام الأسد فرصة لإجراء إصلاحات“ وصرَّح وزير خارجيته أحمد داود أوغلو في 22/5/2011م لتلفزيون „إن تي في“ التركي مدافعاً عن النظام السوري قائلاً:“ لا تزال هناك فرصة لعملية انتقالية سلمية ومستقرة في سوريا.. إذا ما أطلقت إصلاحات عميقة وواسعة النطاق ووفقاً لوتيرة ينشدها الشعب“. فحركت أميركا نظام أردوغان الذي أظهر أنه يواليها حيث كان يعتبر بشار أسد صديقه وأخاه، فصار يَعِد الناس بأن بشار أسد سيقوم بإجراء إصلاحات، وأرسل وزير خارجيته ليجتمع مع بشار أسد لتحقيق ذلك، وأعطى مدة أسبوعين لتنفيذ الإصلاحات في آب/أغسطس 2011م، ولكن بشار أسد لم يفعل، فاتَّهم أردوغان ماهر أسد الأخ الشقيق لبشار أسد بأنه هو الذي يقوم بكل هذه الجرائم ويعرقل إجراء الإصلاحات. وكل ذلك كان للمحافظة على النظام السوري والحيلولة دون سقوطه؛ لأنه نظام علمانيٌّ وموالٍ لأميركا كالنظام التركي.
وبدأت تركيا تحتضن المعارضين العلمانيين وعملاء أميركا والمستعدين أن يعملوا معها، فأعلنوا في 2/10/2011م في إسطنبول عن تشكيل مجلس وطني تحت إشرافها معلنين الهدف بأنه „إقامة دولة مدنية أي علمانية دون تمييز على أساس القومية أو الجنس أو المعتقد الديني أو السياسي“. وصرح ممثلٌ عنهم يقيم في أميركا أن هذا المجلس يدعو كافة الحركات للانضمام تحته. ولكن هذا المجلس فشل فشلاً ذريعاً فلم ينجح في أن يضم تحت مظلته الحركات العاملة ضد النظام، فقامت أميركا يوم 11\11\2012م وحولته إلى ائتلاف وطني حيث جمعت مجموعة من العملاء في قطر واجتمعت بهم وزيرة الخارجية الأميركية والسفير الأميركي في سوريا روبرت فورد في محاولة منها لتجديد وجوه في المعارضة تستعد للتفاوض مع النظام.
وأخيراً اتفقت أميركا مع تركيا على تدريب عملاء لها تحت مسمى معارضة معتدلة، فأعلن وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو يوم 19/2/2015م قائلاً: „إن الاتفاقية تهدف لتحقيق تحوُّل سياسي حقيقي على أساس بيان جنيف بشأن سوريا، ولتقوية المعارضة السورية فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب والتطرف ومواجهة جميع العناصر التي تشكل خطراً على المعارضة السورية“ أي الهدف ليس إسقاط النظام أو حربه، وإنما محاربة وصول الإسلام إلى الحكم تحت مسمى محاربة الإرهاب والتطرف. ولفت وزير الخارجية التركية إلى أن „قطر والسعودية أعلنتا اعتزامهما استضافة برامج تدريب وتجهيز للمعارضة السورية على أراضيها“.
وقام الرئيس التركي أردوغان بزيارة للسعودية والتقى ملكها سلمان يوم 2/3/2015م، فكان موضوع سوريا محل بحث بينهما للتنسيق فيما يتعلق بالعمل على تقوية المعارضة المعتدلة ودعم البديل القادم الذي سترشحه أميركا، وأنهما ستنسقان مع بعضهما بكل ما أوتيتا من إمكانيات للتوصل إلى نتيجة ملموسة، وليس كما حصل مع الائتلاف حيث لم يحقق نتائج ملموسة؛ فأصبح الرهان الآن على إيجاد هذه القوة؛ لأنهما مع أميركا قد رأوا أنه من دون إيجاد قوة تسيطر على الأرض وتدّعي أنها تمثل الثوار فلن يتوصلوا إلى نتائج ملموسة وسيفشلون، ومن ثم يأتي موضوع طرح البديل وتجري المفاوضات والمؤتمرات على غرار جنيف. فكان دور تركيا لا يقل خطورة عن دور إيران التي تدعم النفوذ الأميركي بالمحافظة على النظام السوري الموالي لأميركا بالسلاح والعتاد والرجال، وتركيا تدعم هذا النفوذ وتحافظ على هذا النظام بتدريب العناصر العميلة والبحث عمن سيصبح قائداً يعمل لحساب أميركا عدا التجسس على الثوار والعاملين ضد النظام السوري.
وقوف إيران وأتباعها مع نظام الطاغية:
وقفت إيران من أول يوم بجانب طاغية الشام، فأدلى رامين مهمان برست الناطق باسم وزارة خارجيتها بتصريحات يوم 11/4/2011م حول الوضع في سوريا مدافعاً عن نظامها ومدعياً باطلاً وزوراً أن „ما يحدث في سوريا عمل شرير ينفذه الغربيون وخاصة الأميركان والصهاينة“. وادّعى أن النظام السوري مستهدف „لأنه صامد ويدعم المقاومة“. وقد وصل الحال بإيران عندما رأت النظام على وشك السقوط أن دفعت بحزبها في لبنان ليشترك في القتال فعلاً، وأرسلت عناصرها من مخابرات ومستشارين وغير ذلك، وبدأت ترسل المساعدات والمعدات العسكرية لنظام البعث الإجرامي عن طريق نظام العراق التابع لأميركا. وكل ذلك يحصل تحت سمع وبصر أميركا، بل موافقتها غير المعلنة. وإيران وحزبها في لبنان ومن لفَّ لفيفهم يعبر عن هذا الموقف المتخاذل والمستسلم للنظام السوري أمام العدو بأنه صمود وتصدٍّ وممانعة! وحاولت أميركا أن تشرك إيران في المفاوضات بشأن سوريا.
وإيران، وهي تسير مع أميركا وتقدم الخدمات لها، تطمح في أن تكون لها سيطرة في المنطقة ضمن النفوذ الأميركي؛ حيث إن أميركا سمحت لها بدخول أفغانستان والعراق وسوريا ولبنان وأخيراً اليمن. وقد اعترف الساسة الإيرانيون بأنهم ساعدوا أميركا في احتلال أفغانستان والعراق، وأمَّنوا لها الأمن والاستقرار ومنعوا مقاومة المحتل. وأخيراً عندما رأوا أن أميركا قد أفلتتهم من عقالهم في هذه البلدان بدأوا يحلمون بالأمجاد الفارسية؛ وهذا ما دفع علي يونسي مستشار الرئيس الإيراني للشؤون الدينية والأقليات ليقول أمام منتدى „الهوية الإيرانية“ بطهران في 9\3\2015م:“إن إيران اليوم أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حالياً، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي. وإن إيران منذ ميلاد العالم ولدت كإمبراطورية. والزعماء والقادة الذين حكموا إيران كانوا على الدوام يفكرون بشكل عالمي وبأدبيات مختلفة“. وقال: „تصريحاتي لا تعني أننا نريد أن نسيطر على العالم مرة أخرى، لكن يجب أن نعرف مكانتنا وتاريخنا، أي أن نفكر بشكل عالمي، ونعمل بشكل قومي إيراني“. وسبقه مستشار الرئيس الإيراني للشؤون السياسية حميد أبو طالبي حيث صرَّح يوم 22/9/2014م قائلاً: „إن إيران في القرن الواحد والعشرين تختلف عن إيران في القرن الماضي، مبيِّناً أن الأمن القومي والمصالح الإيرانية هي الأساس في سياستها القومية، وأن إيران ستقدم على أي خطوة تحقق لها مصالحها“؛ ليثبت أن الجمهورية الإيرانية ليست دولة إسلامية وإنما هي دولة قومية وأهدافها قومية بحتة، وأن الدين والمذهب وحب آل البيت وشعار الحسين والانتقام لمقتله، وشعارات الموت لأميركا ولـ (إسرائيل) ومحاربة الصهيونية والتكفيريين ما هي إلا أدوات يستغلها النظام الإيراني لتحقيق مصالحه الوطنية والقومية، وللتغطية على ارتباطه بأميركا وتعاونه معها، ولضرب مشروع الأمة الإسلامية لوحدتها وإقامة خلافتها الراشدة.
تخوُّف كيان يهود من سقوط النظام السوري وانتصار الثورة:
إن كيان يهود خائف من انتصار الثورة وسقوط بشار أسد ويرجح بقاءه؛ فقد أبدى أفيف كوخافي قائد الاستخبارات العسكرية اليهودية يوم 4/10/2012م قلقه من خطر سقوط بشار أسد على كيان يهود فقال: „الهدوء الذي ساد في الجولان طيلة عشرات السنين منذ حرب اكتوبر 1973م لم يعد مضموناً. فالمعارك الدائرة في سوريا بين جيش النظام وبين الثوار تقترب كثيراً من الحدود مع إسرائيل. والنظام السوري يفقد سيطرته على مناطق كثيرة من بينها منطقة الجولان… والأمر يخلق تحديات جديدة أمام إسرائيل. فعلى إسرائيل أن تستعد لها جيداً وتكثف جهودها لمجابهتها“. وقد صرح بذلك وهو يقوم بزيارة لهضبة الجولان بعد سماعه وصول خمسين من الثوار إلى منطقة قريبة من حدود كيان يهود التي كان يحميها النظام السوري. وذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت اليهودية أن „الأوضاع في سوريا تثير حيرة إسرائيل التي تخشى من المجهول بسبب عدم معرفتها بتكوين المعارضة في سوريا بشكل دقيق“. وذكرت الصحيفة اليهودية في 22/5/2011م أن الحكومة اليهودية لا تعلن موقفاً رسمياً تجاه ما يجري في سوريا، ولكنها ذكرت آراء عدة مسؤولين يهود سابقين ومنهم عسكريون ترجيحهم لبقاء نظام بشار أسد لأنه حافظ على الهدوء معهم في جبهة الجولان. ورغم أن إسرائيل ضربت سوريا واستفزتها أكثر من مرة ولكن بقيت سوريا ساكتة“.
شبهات حول صعود تنظيم الدولة الإسلامية:
وقد ظهر تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا عام 2013م ليقوم ويشوش على العمل لإسقاط النظام في سوريا، واشتغل بالثوار ومحاربتهم وبالسيطرة على المناطق التي حرروها، ومن ثم أعلن خلافة في 30/6/2014م ليبلبل الأجواء ويشوِّه فكرة الخلافة التي يدعو لها أهل سوريا، ويقوم بأعمال وحشية وبمخالفات شرعية وأعمال سيئة وجرائم تجاه الحركات الإسلامية العاملة وضد الناس كافة. وقد وجه نحو عين العرب/كوباني لتجد أميركا مبرراً للقيام بالتدخل في سوريا مباشرة لضرب الثورة بذريعة هذا التنظيم، وقد ساقت خلفها السعودية وقطر والإمارات والبحرين والأردن ما يثير الشبهات حوله، وأن هناك من يوجهه الوجهة الخطأ ويستغله لضرب الثورة وللتشويش على فكرة الخلافة عدا استغلاله في العراق لتركيز عملية تقسيمها حسب الخطة الأميركية. مع العلم أن الأميركان يتخوفون من قيام الخلافة على وجهها الصحيح ويعملون على عرقلة إقامتها، فقد ذكر روبرت بيرل مسؤول سابق في المخابرات الأميركية في 29/2/2012م „إن بوادر ظهور الخلافة الإسلامية قد عادت من جديد. وأضاف أن „نجاح الثورة في سوريا سيمدها إلى الأردن، فالشعوب تريد التغيير والتخلص من الفساد. حتى الاستعمار الجديد مات بعد غزو العراق“. وكان وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم قد ذكر في 24\6\2013م أن“الوضع خطير… وأن المطالبين بإقامة دولة الخلافة لن يقفوا عند حدود سوريا…“. ونشرت صحيفة نيويورك تايمز في 8/8/2014م مقابلة أجرتها مع الرئيس الأميركي أوباما قال فيها „لن نسمح لهم بإقامة خلافة بصورة ما في سوريا والعراق. ولكن لا يمكننا فعل ذلك إلا إذا علمنا أن لدينا شركاء على الأرض قادرين على ملء الفراغ“. ولكن أميركا سكتت عندما أعلن تنظيم الدولة الإسلامية عن الخلافة، فقالت الناطقة باسم الخارجية الأميركية جينفر بساكي عقب ذلك في 30/6/2014م: „إن ذلك الإعلان (عن الخلافة) لا يعني شيئاً للناس، وإن بلادها قد سمعت مثل هذه الكلمات من التنظيم“. حيث تشير إلى إعلان هذا التنظيم عن إقامة الدولة الإسلامية في العراق منذ 2007م ومن ثم في العراق والشام منذ 2013م ولم يغير في الواقع شيئاً؛ لأن الدولة الإسلامية تعني الخلافة، فإذا أعلنها هذا التنظيم منذ سنوات عديدة وبقي الأمر على ما هو عليه فماذا يعني تغيير الاسم وإعلان الخلافة، إن ذلك يدل على أن الأميركان لم يأخذوا هذا الإعلان محمل الجد، فلم يعتبروه خلافة حقيقية وسكتوا عنه لأغراض تخدمهم في سياستهم في المنطقة ومنها تقسيم العراق حتى يجدوا شركاء قادرين على ملء الفراغ. ولذلك أضاف أوباما قائلاً: „إن ما نراه يحدث في الشرق الأوسط ومناطق من شمال أفريقيا هو بداية تصدُّع نظام يعود إلى الحرب العالمية الأولى“. أي تصدع نظام سايكس بيكو البريطاني الفرنسي الذي بموجبه قسمت رقعة الدولة العثمانية بصفتها دولة إسلامية. والآن ترى أميركا أن هذا النظام هو نظام قديم وقد بدأ يتصدع وبدأ المسلمون يسعون لإلغائه وتوحيد بلادهم من جديد، فتريد أن تحول دون ذلك بزيادة التقسيم مثل مشروعها تقسيم العراق إلى ثلاثة أجزاء. وهي ترى خطر إقامة الخلافة الحقيقية فتريد أن تحول دون إقامتها بمشروع التقسيم أيضاً، وتعمل على تمييع موضوع الخلافة بتوجيه معين لهذا التنظيم لإعلان خلافة تعتبر لغواً لا يعني شيئاً وليس بحقيقة، في محاولة منها لصد الناس عن فكرة إقامة الخلافة وتنفيرهم منها بأعمال تنظيم الدولة الإسلامية التي لا تتصرف بحكمة وعقلانية حسب فهم إسلامي صحيح ووعي سياسي سليم. وقد تبين ذلك من أول لحظة عندما قال العدناني المتحدث باسم هذا التنظيم بأنهم أخذوا الخلافة بالغلبة وبدون استشارة أحد ولا ببيعة أحد من غيرهم. فدل ذلك على سوء فهمهم للأحكام الشرعية المتعلقة بالخلافة وكيفية إقامتها وموضوع الغلبة والبيعة والشورى وعلى وجود شبهات حول هذا الإعلان.
ويظهر أن الثورة السورية التي قامت من صميم الشعب السوري الأبي الذي فضَّل الموت على المذلة، ولم يتمكن العملاء في الائتلاف وخارجه من ركوب هذه الثورة وأخذ زمامها، وأعلنها المسلمون هناك إسلاميةً إسلامية، وهدفها خلافة إسلامية، وأن قائدها إلى الأبد محمد صلى الله عليه وسلم، هذه الثورة جعلت أميركا تتخبط وتكشف عن كذبها وخداعها، فاعترف رئيسها أوباما في خطاب الاتحاد الذي أشرنا إليه آنفاً قائلاً: „وهكذا فإن الأزمة في سوريا وزعزعة الاستقرار في المنطقة يصبَّان في صميم التحديات الأوسع نطاقًا التي يجب أن يتصدى لها المجتمع الدولي الآن. فكيف ينبغي أن نستجيب للصراعات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الدائرة فيما بين البلدان، ولكن أيضًا الصراعات داخلها؟“ فيرى أن ثورات الأمة وخاصة الثورة السورية هي أكبر تحدٍّ لسياسة أميركا وللدول الأخرى، وهو لا يدري كيف سيتعامل مع هذه التحديات والصراع الذي برز لأول مرة بين أميركا وحلفائها وبين الأمة الإسلامية.
أميركا تعترف بالنفاق والازدواجية والكيل بمكيالين في سبيل مصالحها
وأصبح الجميع يدرك خداع أميركا وكذبها، ولا يوجد عندها خطوط حمر إلا تحقيق مصالحها فقط لا غير، حيث قال أوباما في خطاب الاتحاد، والذي وصفه أنه يحدد فيه الاستراتيجية الأميركية في المنطقة: „إن الولايات المتحدة جاهزة لتوظيف جميع عناصر قوتنا بما في ذلك القوة العسكرية لتأمين مصالحنا الأساسية“. وختم ذلك معلنًا الجزء المهم في استراتيجيته فقال: „ورغم أننا سنتهم أحيانًا بالنفاق والازدواجية والكيل بمكيالين فإننا سوف ننخرط في المنطقة على الأمد البعيد. ذلك أن العمل الشاق من أجل نشوء الحرية والديمقراطية هو مهمة جيل بأكمله“. أي إن الرئيس الأميركي أعلن بشكل صريح أنه لا يهم أميركا إذا ما اتهمهت بالنفاق والازدواجية والكيل بمكيالين، فإنها سوف تبقى على عادتها تكذب وتخادع وتنافق وتكيل بمكيالين! فاللوم ليس عليها، وإنما على الذي يثق بها كمن يثق بالشيطان. وإنه لا يثق بأميركا وقرينات السوء من الدول الاستعمارية سوى المغفل الساذج أو العميل الخائن الذي لا يهمه إلا مصالحه الذاتية.
فالدعوة إلى الحرية والديمقراطية هي عبارة عن سلاح من أسلحة الكذب والخداع والكيل بمكيالين تشهره أميركا في وجه من تشاء وتغمده متى تشاء. فتدعم عميلها المستبد حسني مبارك ثلاثين عاماً، وعندما يثور الشعب تقول نؤيد حق الشعب في الحرية والديمقراطية، وعندما يحصل انقلاب عسكري ويسقط مرسي الذي سار معها وقد أيدته لأنه التزم بمواثيقها وبديمقراطيتها ووثق بها، تقول نؤيد خطوة الجيش المصري لإعادة الديمقراطية كما ورد على لسان وزير خارجيتها كيري. وهي بأشكال مختلفة ظاهرة ومفضوحة تراها تؤيد نظام بشار أسد الذي سقى الشعب الذل وداس على كرامته وأهان إنسانيته ولم يمنحه لا حرية ولا ديمقراطية، وصرفت النظر عن كل جرائمه وقتله لمئات الآلاف وتدميره للبلد كما أيدت والده الهالك من قبل لمدة ثلاثين سنة، وهي تؤكد دائماً أنها ستحافظ على النظام السوري، فتقول على لسان مدير مخابراتها جون برينان يوم 13/3/2015م في مقابلة مع شبكة (بي بي إس) „إن الولايات المتحدة الأميركية لا تريد انهيار الحكومة السورية والمؤسسات التابعة لها. لأن من شأن هذا الأمر أن يخلي الساحة للجماعات الإسلامية المتطرفة ولا سيما تنظيم الدولة الإسلامية“.
وهكذا فقد تآمرت كل الدول القائمة في العالم الإسلامي، عربية وغير عربية، بلا استثناء على الثورة في سوريا بأشكال مختلفة، وسارت مع أميركا والغرب في محاولة لوأدها من أول يوم حتى هذه الساعة. وتعمل سيدتهم أميركا على الخداع بأنها لا تريد أن ينهار النظام السوري بذريعة الجماعات المتطرفة. بل لأنها لم تجد عميلاً بديلاً عن عميلها بشار أسد حتى الآن، فتتذرَّع بالجماعات المتطرفة كما تذرَّعت بالسلاح الكيماوي، وهي تحارب ثورةً لأنها اتخذت طابعاً إسلامياً، وهي ما زالت عاجزةً تجاهها رغم تضييقها على الثوار واستخدامها مباشرةً لإيران ولحزبها في لبنان ورغم إمكانياتها وقدراتها ومكرها.
ولكن كما قال تعالى: ﴿وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾؛ فإنه سبحانه سيبطل مكر أولئك الأميركان وغيرهم من حلفائهم وعملائهم ومن سار خلفهم ووثق بهم فلا ينتفعون به في الدنيا وسوف يضرهم في الآخرة ولعذاب الآخرة أشدُّ وأخزى، وكما قال عز وجل: ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾، فالنصر حليف المتقين في الدنيا والآخرة. q
2015-07-01