بسم الله الرحمن الرحيم
الإعلام المأجور بات افتراضياً والدعوة تفرض إعلامها الحقيقي
د. مصعب أبو عرقوب
عضو المكتب الإعلامي في الأرض المباركة فلسطين
خرجت الدعوة الصادقة التي يقودها حزب التحرير من محنة عظيمة بعد هجمة إعلامية فكرية هدفت إلى إلصاق تهمة الإرهاب والعنف والقتل بمشروع الأمة الخلافة، وتنفير الناس من مجرد ذكر اسم الخلافة، فخاب مسعى الكافر المستعمر وتحطَّمت مؤامراته على صخرة تاريخ تليد حفر عميقاً في وجدان الأمة معانيَ سامية راقية للخلافة ومكانتها في قلوب المسلمين، خاب لأن المولى عز وجل تكفل بحفظ دينه وهيَّأ لهذا الدين رجالاً يصلون ليلهم بنهارهم في سبيل إقامة الخلافة الراشدة.
خلافة باتت تتصدر نشرات الأخبار قدحاً وتنفيراً بعد أن كانت تحارَب بمنع ذكرها والتعتيم الإعلامي على من يعمل لإقامتها، وفي ذلك اعتراف ضمني بتجاوز الخلافة لأسوار التعتيم الاعلامي، واعتراف بأن الباطل قد فقد القدرة على تغطية عملاق بدأ يتململ، فتجاوزت الخلافة الآفاق، وفرضَ مشروع الأمة الحضاري واقعاً لم يعد بالإمكان تجاهله من الإعلام المأجور بعد التفاف الأمة حوله وتصاعد ثورة الأمة في الشام كرائدة لمشروع الخلافة، وكدعوة صريحة جعلت الخلافة الهدف الذي تسعى إليه الأمة عبر ثورتها وتضحياتها.
هنا يقف المتابع للإعلام المأجور والمموَّل من الباطل ليلحظ هذا التقدم الإعلامي وإزاحة ستار التعتيم عن «الخلافة» كمحظور لفظي منع ذكره عبر الفضائيات والتلفزة وكل وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية. فتجاهل الخلافة، كمشروع أمة بل وكمجرد لفظة، صبغ عقوداً من المعركة بين أهل الحق الذين يسعون لإقامة الخلافة وبين الكافر المستعمر وأدواته في بلادنا الذين يسعون لمنعها؛ لتخرج الخلافة، كلفظة ورمز للتغيير، للواجهة الإعلامية رغم أنف الكفار المستعمرين لتصبح حديث الساعة، وهنا يبرز سؤال وجيه: كيف لدعوة لا تملك الوسائل الإعلامية ولا الفضائيات، ولا يعد إعلامها شيئاً من حيث الإمكانيات أمام إمبراطوريات الإعلام المسيطر عليها من الكفار المستعمرين وأذنابهم من الأنظمة العربية؟! كيف لدعوة محاربة عالمياً أن تُخرج كلمة «الخلافة» من ظلمة التعتيم الإعلامي لتحفرها عميقاً على جدار التناول الإعلامي اليومي؟! كيف لها أن تفرض مفرداتها على جدول التعاطي اليومي للأخبار دون أن يكون لها قوة أكبر من الباطل وإمبراطورياته الإعلامية الضخمة وأساليبها ودعاياتها؟! أي قوة تلك؟! إنها، بكل إيمان، معية الله فقط هي التي تفسر صعود كلمة الخلافة ورايتها في الإعلام، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96) فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا ).
يخبر تعالى أنه يغرس لعباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات، وهي الأعمال التي ترضي الله عز وجل لمتابعتها الشريعة المحمدية، يغرس لهم في قلوب عباده الصالحين مودة، وهذا أمر لا بد منه ولا محيد عنه. «وهو ودٌّ يشيع في الملأ الأعلى، ثم يفيض على الأرض والناس فيمتلئ به الكون كله ويفيض». وقد وردت بذلك المعنى الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير وجه. فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل فقال: «يا جبريل، إني أحبُّ فلانا فأحبَّه». قال: «فيحبُّه جبريل». قال: «ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً». قال: «فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض». وإن الله إذا أبغض عبداً دعا جبريل فقال: «يا جبريل، إني أبغض فلاناً فأبغضه». قال: «فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه». قال: «فيبغضه أهل السماء، ثم يوضع له البغضاء في الأرض»”. رواه أحمد
فالمعركة تدور الآن بوضوح على حيازة قلوب وعقول الناس، والإعلام ليس إلا أداة في هذه المعركة. والقلوب والعقول بيد الله وحده، وإذاعة الصيت وإعلاؤه بيده سبحانه وتعالى وحده، وقبول الناس ومودتهم بيده أيضاً سبحانه وحده، والله خيرٌ حافظاً لهذه الدعوة، وهذا ما يفسر صعودها رغماً عن أنوف كل الكفار وأعوانهم وأدواتهم.
إذاً، يبقى صدق التوجُّه وإخلاص العمل وموافقته لكتاب الله وسنة نبيه مفتاحاً لوصول الفكرة للناس وقبولهم إياها، وعلى أهل الله أن يطرقوا بابه أولاً ويخلصوا العمل لتفتح لهم كل القلوب والعقول. وحتى يصل صوتُ دعوتنا صوتَ ثورة الأمة عبر الإعلام وتصل أفكار الإسلام وصدى أعمال الدعوة إلى المستوى الذي نرضي الله به، ونكون قد بذلنا الوسع فيه، فلا بد لحمَلة دعوة الخلافة أن يجتهدوا في ابتكار الأساليب حتى يأذن الله بنصر من عنده، ويفتح لنا قلوب وعقول المسلمين وأهل القوة منهم خاصة.
ويأتي العمل في المجال الإعلامي وأساليبه المتنوعة في أعلى قائمة العمل الذي يجب أن يبذل فيه الوسع حتى نبرأ إلى الله؛ فيلقي الله محبة الدعوة وأهلها في قلوب العباد، ونكون بذلك قد انتصرنا في معركة العقول والقلوب التي تدور رحاها الآن على أرض الإسلام، بل في العالم أجمع، بين أهل الحق وأهل الباطل الذين يتقدم صفوفهم السحرة من الإعلاميين والفضائيات والمواقع الإخبارية ومحطات التلفزة والصحافة المكتوبة والتي تبثُّ سمومها ليل نهار في محاولة لإيقاف ذلك التقدم للإسلام وأهله في معركة لا تهدأ.
إنها معركة يحارب الباطل فيها في آخر حصونه، ويرتجل أساليب إعلامية جديدة أمام الحق المتقدم، ويتخلّى عن أساليبه القديمة وبعض محظوراته الإعلامية التي كان رأسها كما أسلفنا عدم ذكر لفظة «الخلافة» لما فيها من معانٍ تذكر المسلمين بتاريخهم وأمجادهم وتحفزهم على إعادتها. ومع تسارع المعركة، وتحت ضغط الواقع الجديد الذي ترسمه الأمة في ميادين التحرير، وعلى رأس ذلك التحرك ثورة الشام المباركة، تبرز سمات عامة للهجمة الإعلامية باتت تتشكل على عجل وبسرعة لتصبغ الإعلام المعادي لثورة الأمة بصبغة واحدة تكاد لا تتعداها. فعلى اختلاف عمالة القائمين على الوسائل الإعلامية واختلاف توجهاتهم السياسية إلا أنهم يتفقون على حرب الإسلام وأهله ضمن سياسة باتت ملامحها تتضح وتضيق أمامها الخيارات والأساليب التي تم حرقها واستُهلكت وأصبحت غير فعالة أمام مشاهد التحرر من سطوة الأعلام الرسمي وشبه الرسمي في ظل وجود «الإعلام الاجتماعي» ممثلاً بمواقع التواصل الاجتماعي. وهناك ملامح وسمات للهجمة الإعلامية لا بد للدعاة والإعلاميين منهم خاصة أن يتنبهوا لها ويولوها أهمية خاصة حتى يُرد كيد سحرة الأنظمة إلى نحورهم بإذن الله، ومن السمات العامة للهجمة الإعلامية على الأمة التالي:
صياغة الأخبار والمسمَّيات والألفاظ لتعطي دلالات تخدم مصالح الكفار المستعمرين.
العمل على نشر ما يخدم مصالحهم والتعتيم على ما يخدم مشروع الأمة الخلافة، دون أي اعتبار للمهنية الصحفية.
كثافة إنتاج المواد الإعلامية المموَّلة جيداً، والجيدة تقنياً، والجذابة فنياً .
1.صياغة الأخبار والمسميات والألفاظ لتعطي دلالات تخدم مصالح الكفار المستعمرين:
تتم صياغة مفردات الأخبار بعناية فائقة لتخدم مصلحة الجهة المموِّلة للوسيلة الإعلامية وتكون منحازة دائماً وبفظاظة -في هذه المرحلة من المعركة- للمالك وتخدم أهدافه ومصالحه في بلادنا. ولكل وسيلة إعلامية قاموسها الخاص الذي يشكل كتابها المقدس الذي يحفظه العاملون في تلك الوسيلة عن ظهر قلب ولا يستخدمون غير مفرداته .
إنها مفردات تشن حرباً فكرية في كل حرف من حروفها على الأمة الإسلامية. فالفضائيات تسمي كيان يهود “الجانب الإسرائيلي” وفي ذلك إقرار بأحقية وجود كيان يهود وتسليمٌ بحل الدولتين الذي تطرحه عدوة المسلمين أميركا الكافرة المستعمرة لبلاد المسلمين، وتطلق بعض الفضائيات لفظة “ المعارضة “ على ثوار الأمة في الشام لتضفي نوعاً من الشرعية على المعارضة العميلة للغرب والمصنَّعة على عجل في سفارات الغرب الكافر لاستبدال عميلهم بشار المجرم بآخر. وللدلالة على الحرب المعلنة على مفردات الأمة ومصطلحاتها وخطورة ذلك على الأمة، وتحسس أعداء الفكر الإسلامي من تلك المفردات وتوصياتهم بعدم استعمالها نورد جزءاً من مقالة للكاتب مراد بطل الشيشاني تحت عنوان «في مفهوم الحكم الرشيد» يقول الكاتب فيه: «الأساس الذي يقوم عليه مفهوم الحكم الرشيد هو عملية نزع «القداسة» عن السلطة ونقلها للمجتمع والأفراد، وهو مفهوم حديث النشأة، وما زال المفهوم غير متفق على تعريفه، وهو مبرر استخدامنا للفظ الأجنبي في العنوان، ويواجه مشكلة في ترجمته، فيترجم أحياناً إلى «الحاكمية»، كما تفعل الأمم المتحدة في وثائقها، إلا أن مفهوم الحاكمية ارتبط بمفهوم «الحاكمية لله» والذي تحدَّث به «سيد قطب»، وعليه فهو محمَّل بصبغة أيديولوجية ولا يعبر عن مفهوم(governance). ويترجم أيضاً إلى مفهوم «الحكم» «الذي ينطوي على قدر عال من التجريد الذي قد لا يصلح ترجمة للمفهوم»، وفقاً لـ«سلوى شعراوي جمعة»،ولذا قد يكون تعبير «الحكم الرشيد» الأنسب لترجمة المفهوم».
والكاتب مختص في شؤون الجماعات الإسلامية في هيئة الإذاعة والتلفزيون البريطانية (بي بي سي) والكاتبة التي يستند إلى كلامها في مقاله هي سلوى شعراوي جمعه حاصلة على دكتوراه في العلوم السياسية من جامعة بيتسبرغ (الولايات المتحدة) وأستاذ الإدارة العامة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة ومقرر «لجنة المشاركة السياسية بالمجلس القومي للمرأة» إبان حكم المخلوع مبارك وأحد كوادر حزبه المنحل ومروجي سياسته والمصفقين لها !!.
وعند الرجوع إلى موقع الأمم المتحدة على الإنترنت وتصفُّح بعض وثائقها الحديثة لا تجد أي أثر لمصطلح الحاكمية، وهو استبدل بمصطلح آخر «الحكم الرشيد أو الحوكمة». وهذا دليل على أن تلك التوصية قد أُخذ بها، وأن كلمة «حاكمية» قد حَكمت عليها الأمم المتحدة والغرب بالإعدام، ولا يتم تداولها لأنها «ترتبط بمفهوم الحاكمية لله ومحمَّلة بصبغة أيديولويجية بحسب المقال والكاتبة سلوى شعراوي!!.
وهذا مثال صارخ مما أمكن توثيقه على محاربة المفردات والاصطلاحات والتسميات التي تُشعر الأمة بخصوصيتها وحضارتها المتميزة، فغالباً ما تبقى مناقشة تلك المفردات والاصطلاحات والمحاكم التفتيشية التي تقام لإعدام مفردات الأمة، غالباً ما تبقى في كواليس المخابرات العالمية لتخرج كأوامر تنفذ في غرف الأخبار كصياغات جديدة تضاف لقواميس الببغاوات في الإعلام المأجور أو كأوامر إعدام لألفاظ ومسميات ومصطلحات وأسماء شخصيات يطويها النسيان الإعلامي، ولا تتداول في أروقة البث الإعلامي وجلسات «الحوار والرأي» وغيرها من جلسات «تخزين السم الإعلامي» الذي تبثه قنوات الضرار .
ويزداد ضرر تلك الصياغات عندما تصبح دارجة على ألسن بعض الساسة وعند بعض سطحيي التفكير لتصبح مسلمات دون تدقيق في محتواها السمِّي التضليلي الذي يرسم تاريخاً مزوراً وحضارة مشوشة ومفاهيم تركز التبعية للغرب، وتغرس عقلية العبودية والدونية أمام حضارة الكفار المستعمرين، وتعمل على سلخ الأمة عن الثقافة الإسلامية.
وهنا تقع مسؤولية عظيمة على حمَلة الدعوة والعاملين لاستعادة سلطان الأمة المسلوب بإقامة الخلافة في إعادة إحياء ما تم تجاهله والتعتيم عليه من مصطلحات ومسميات وأسماء أبطال للأمة الإسلامية، وعدم الاستسلام لصياغة الأخبار والمسميات والمفاهيم وعدم اعتبارها مسلمات، والنظر بعين فاحصة في كل لفظة، والتدقيق في كل حرف حتى نقف أمام هذه الهجمة على مفردات الأمة وألفاظها وأسماء أبطالها ومعاركها وأيام انتصاراتها. فحامل الدعوة يجب أن يكون ثائراً في موقعه على كل الصياغات المقولبة، مستحضراً مفردات الأمة في ذهنه، محاولاً غرسها من جديد في واقع الأمة المعاش .
فالخطيب والمدرس والبائع والشاري والطالب والإعلامي في الدعوة سواء.. يتحملون معاً عبء إعادة مفردات الأمة ومصطلحاتها للوجود. فالمفردات تُبعث فيها الحياة بتداولها ونفض الغبار عنها؛ لتعيد للأمة معاني وأفكاراً يريد الغرب الكافر المستعمر أن يلغيها من الوجود، فلنتداول مفردات كالجهاد والاستشهاد والفتوحات والجزية والحدود والمكوس والحرام والحلال وأحكام الذمة والحروب الصليبية وفتوحات الأندلس وغرناطة وأشبيلية ومحاكم التفتيش وعدو الله وأعداء الأمة والكفار والصليبيين والشام وبلاد الحجاز والخلفاء والردة… وغيرها من المفردات والاصطلاحات والتسميات التي لها عمق حضاري فكري يعيد للأمة إحساسها بالتميُّز والعزة، ويستنهض همم الشباب لإعادة مجد الأمة وسلطانها.
وعلى العاملين في حقل الإعلام المنتمي للأمة أن يعيدوا صياغة الأخبار لتكون منحازة تماماً للأمة، وقد خطت بعض المواقع المنتمية للأمة الإسلامية المنحازة لدينها في ذلك خطى جيدة يجب أن تتركز وتتنامى. فموقع الناقد الإعلامي مثلاً يعيد صياغة الخبر ليزيل عنه ما علق به من سموم إعلامية جاءت عبر صياغة الإعلام المأجور. وخطت صفحة نبض الأمة خطوات في ذلك المجال لتشق طريقها في العمل على ترسيخ فكرة الإعلام المنتمي لأمته المنحاز لثقافتها.
وأصبحت جريدة الراية التي استأنف حزب التحرير إصدارها عنواناً لذلك الإعلام المتبني لقضايا الأمة الإسلامية. ويكفي أن نورد مثالاً واحداً لنضع الفرق أمام أعين القرَّاء الكرام بين ذلك الإعلام المأجور المعادي للأمة الإسلامية وبين الإعلام الذي يحمل قضايا أمته ويناضل من أجلها.
فتحت عنوان «الإعلام الرأسمالي في آخر خنادق الهزيمة» جاء الخبر التالي: «أعلن موقع التواصل (الاجتماعي) فيسبوك بأنه حدّث معايير النشر المسموح والممنوع للمستخدمين، مؤكدًا في الوقت ذاته أنه لن يسمح باتخاذه منبراً لنشر «الإرهاب» وخطاب الكراهية والمواد غير الأخلاقية، وانتهى التعليق على الخبر في جريدة الراية بتساؤل وبإجابة منحازة لثوابت الأمة وقضيتها المصيرية: «هل سينجح الغرب الرأسمالي في حربه الإعلامية الإرهابية ضد الإسلام!! إن كل المؤشرات تقول إنه لن ينجح بل إنه سيخسر معركة الرأي والمعلومة الصحيحة خسارةً عظيمة، فهناك العديد من أبنائه يعتنقون الإسلام رغم الكبت والتعتيم والتشويه الذي يُمارَس اليوم، فكيف إذا أقيمت للأمة دولة صاحبة رسالة حضارية وإعلام يدعو لتحرير الأريسيين والمقهورين من قبضة الأديان الوضعية إلى سعة الإسلام العظيم».
الخبر ذاته جاء على الجزيرة نت ومعظم وكالات الأنباء العربية تحت عنوان: «فيسبوك» يتخذ خطوات للحد من «الإرهاب» والكراهية !!!.
وفي مثال آخر صارخ على طريقة تعاطي الإعلام الذي لا يتبنى قضايا الأمة ولا ينحاز لها خبر عن قناة البحرين، فقد تناقلت الجزيرة نت وفضائية الميادين وجريدة القدس الخبر وكأنه خبر روتيني لا يمتُّ إلى الأمة بصلة، ولم تكشف تلك الوسائل الإعلامية أبعاد تلك الاتفاقية، واكتفت بما نقلته الصحف العبرية ووكالات الأنباء العالمية دون أي تعليق أو إلقاء للضوء على خطورة تلك الاتفاقية، فقد جاء في الخبر الذي تناولته وسائل الاعلام المذكورة أعلاه «وقعت إسرائيل والأردن على اتفاق للبدء في المرحلة الأولى من تنفيذ مشروع ربط البحرين الأحمر والميت بقناة، وإقامة مجمع لتحلية المياه شمال مدينة العقبة الأردنية، وصفها (الإسرائيليون) بأنها أهم اتفاقية مع الجانب الأردني منذ معاهدة السلام عام 1994م، وتضيف قناة الميادين للخبر: «ويتضمن المشروع كما نقل موقع «يديعوت أحرونوت» إقامة منشأة لتحلية المياه شمال العقبة من أجل تأمين المياه لمنطقة العربة في إسرائيل والعقبة في الأردن، ونقل المياه مع تجميع عالٍ لمياه مالحة إلى البحر الميت، وسيتم نقل المياه عبر قسطل طوله 200 كلم من البحر الأحمر إلى البحر الميت وذلك بهدف استقرار البحر الميت وإنقاذه.
القناة الثانية (الإسرائيلية) وصفت الاتفاق بأنه «تاريخي». ويذكر بأن المشروع هو الصيغة الحالية لخطة قناة المياه التي توافقت (إسرائيل) والأردن عليها منذ التوقيع على معاهدة السلام عام 1994م وكانت جزءاً من رؤى حكومات (إسرائيلية) لسنوات منذ عهد إسحق موداعي ويوفال نئمان منتصف القرن الماضي».
أما جريدة الراية وكمثال على الإعلام الذي يحمل هموم أمته ويعمل لإعادة سلطان الأمة، فتعلق على الخبر بالتالي: «كعادة باقي حكام المسلمين حين يفرطّون بمصالح المسلمين لصالح أعدائهم، برّر حكام الأردن هذه الاتفاقية بأن فيها مصلحة للشعب الأردني. ويكفي أن يصف وزير الطاقة في كيان يهود سيلفان شالوم الاتفاقية بأنها «أهم اتفاقية» بين البلدين منذ توقيع اتفاقية السلام بينهما عام 1994م، لنعلم كم أن هذه الاتفاقية غاية في الأهمية بالنسبة إلى كيان يهود. فكيان يهود سيستفيد على صعيد توفير مبالغ طائلة من وراء إنشاء محطات لتوليد الكهرباء مستفيداً من الارتفاع الشاهق للمياه الساقطة إلى البحر الميت، كما سيقوم كيان يهود باستخدام مياه المشروع في تبريد مفاعل «ديمونة» في صحراء النقب، مما يوفر على كيان يهود مبالغ كبيرة لأنه يقوم تبريدها حالياً بواسطة الهواء، كما ستشكل هذه القناة المقترحة حاجزاً مائياً تستفيد منه (إسرائيل) من الناحية الدفاعية، بالإضافة إلى منافع أخرى كثيرة.
إن الإسلام قد أوجب على المسلمين الجهاد للقضاء على كيان يهود، وبدل القيام بواجب الجهاد يقوم الحكام الخونة في بلاد المسلمين بكل إجراء من شأنه تثبيت كيان يهود وحمايته وتوفير القدرة له على الاستمرار. فهل يسكت المسلمون عن هذه الجريمة الجديدة التي يقوم بها حكام الأردن، أو يقومون بما افترض الله عليهم من وجوب محاسبة حكامهم والتغيير عليهم؟!.
وتعليق جريدة الراية العميق المفنِّد لخطورة اتفاقية البحرين كاف للتدليل على الفرق الشاسع بين إعلام مأجور مرتزق لا ينتمي لأمته ولا يشعر بها، وبين إعلام يذوب ألما وحرقة على أوضاع أمته ويرسم طريقاً واضحاً للتغيير الجذري والخروج من التبعية للغرب.
2.العمل على نشر ما يخدم مصالحهم، والتعتيم على ما يخدم مشروع الأمة الخلافة، دون أي اعتبار للمهنية الصحفية.
تكاد الأمثلة على التعتيم الإعلامي الذي يمارسه الإعلام المعادي لثورة الأمة التابع للمستعمرين تفوق الحصر، وأصبحت لا تحتاج إلى تدليل لكثرتها ووضوحها. فالأعمال الجماهيرية الضخمة والمؤتمرات العابرة للقارات والمتخصصة في شؤون الأمة وهمومها والتي انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي لم تحظَ بما يحظى به أقل نكرة يصول ويجول في فترات البث المباشر على الفضائيات العميلة للغرب، لكن ذلك ليس بجديد ولا غريب، وقد ازداد هذا التعتيم على النشاطات الهادفة لنهضة الأمة وإعادة حكم الله في الأرض بعد الانحياز الفظ للفضائيات وغيرها من وسائل الإعلام لأعداء الأمة واصطفافهم في وجه ثورة الأمة وسعيها الدؤوب لاستعادة سلطانها بإقامة الخلافة.
وعلى الجانب الآخر تقف الدعوة بشبابها أمام فرصة تاريخية لنشر أخبار الدعوة والمقالات والآراء والإصدارات والتعليقات الصحفية والبيانات عن المكاتب الإعلامية لحزب التحرير الذي يعبر التعبير الصادق عن الأمة، وذلك عبر الاجتهاد في المساهمة بالنشر عبر كل وسيلة ممكنة في الفضاء الإلكتروني وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، واعتبار تلك المواقع أداة نشر يجب بذل الوسع في استخدامها وتوظيفها في خدمة مشروع الأمة العظيم، مشروع الخلافة.
وتشكل المكاتب الإعلامية لحزب التحرير المنتشرة في العالم مصدراً متجدداً للمقالات والتعليقات الصحفية على الأحداث السياسية والاقتصادية والفكرية والتي بدورها تعطي الموقف الشرعي المنضبط والمؤثر والمعبر عن ثقافة الأمة وحضارتها ويصب في طريق نهضتها وعزتها؛ لتؤمن المكاتب الإعلامية بذلك الإنتاج اليومي وجبة إعلامية لكل حامل دعوة، وكل موقع منحاز للأمة؛ ليكون بدوره عنصراً فاعلاً في نشر ما يصدر عن المكاتب الرسمية وأعمال حملة الدعوة ومقالاتهم وكتاباتهم وخطبهم ودروسهم.
ويتحمل الشباب الناشطون في مجال التواصل الاجتماعي مسؤولية نشر تلك المواد الإعلامية المنتجة الرصينة والتي تعبر عن الأمة وهمومها، وتسير بها ومعها نحو التغيير الجذري، فكل صاحب حساب على الفيسبوك وتويتر وغيرهما من مواقع التواصل الاجتماعي يجب أن يعمل على إيصال تلك المواد الإعلامية إلى تلك القطاعات التي يتعامل معها، فالمدرس والطبيب والطالب والتاجر والأخوات مع بعضهن… كلهم يشاركون في ذلك، وهكذا نصل بالرسالة اليومية الإخبارية أو الإعلامية التي ينتجها حملة الدعوة إلى كل القطاعات، وليحرص كل منا على أن يوصل تلك الوجبة الإعلامية الصادرة عن المكاتب الإعلامية إلى كل فضاء يستطيع إيصاله إليه. وبذلك نكون قد وسعنا نطاق النشر. وإذا أضيفت له نقاشات وتعليقات فإننا نكون قد حققنا إنجازاً لا تستطيع الوسائل النمطية الروتينية التي تعتمد على الرواتب والحوافز المالية أن تقوم به، فالدعوة حافزها الأجر والثواب ونوال رضوان الله، وهو حافز لا يتوفر عند أعداء الأمة وأذنابهم من العملاء وأدواتهم من الإعلاميين .
3.كثافة انتاج المواد الإعلامية المموَّلة جيداً والجيدة تقنياً، والجذابة فنياً.
يعمد الإعلام المعادي للأمة إلى ملء الساحة الإعلامية بمواد جذابة فنياً وتقنياً لتؤثر في المتلقِّين لها وتجذب انتباههم، وقد أصبحت على كثرتها مبتذلة ومبهرجة في محاولة من أعداء الأمة ترقيع افتقارها لمحتوى مقنع أو جوهري يجذب عقول الناس أو يستميل مشاعرهم.
وعلى حملة الدعوة أن يعملوا على إنتاج مواد إعلامية متنوعة ما بين مرئية ومسموعة ومقرؤة، ولا بد لذلك من طواقم فنية تنتشر في كل بقعة تمارس فيها الدعوة، وقد أصبح من اليسير تشكيلها وتدريبها على التقنيات والأجهزة والبرمجيات التي أصبحت متاحة لكل من يرغب، وعلى العاملين لدينهم وآخرتهم ونهضة أمتهم أن يوثقوا كل عمل ويصوروه. فعلى كل خطيب أو مدرس أن يسجل درسه أو خطبته… ويرسله للإعلام المنتمي لأمته كصفحة نبض الأمة والناقد الإعلامي ومنتدى العقاب وغيرهم .
كما لا بد لكتل الوعي الطلابية أن تولي تغطية نشاطاتها إعلامياً جانباً كبيراً من عملها، وذلك كله حتى لا تبقى الخطب الإبداعية والنشاطات المميزة والدروس المؤثرة حبيسة القاعات والجدران والجغرافيا، ولتكن الواجهات الإعلامية كصفحة نبض الأمة وغيرها مركزاً لبث ذلك الإنتاج الإعلامي الرصين المعبر؛ ليخاطب الأمة ولا يقف عند حدود المكان أو الزمان، ولنثرِ بذلك المواقع المنحازة للأمة وقضاياها بمواد إعلامية وبإبداعات شباب يتوثب لقيادة العالم. على أنه يجب مراعاة تدريب تلك الطواقم الفنية التي ستقوم بالتسجيل والمونتاج وغيرها من الأعمال التقنية لكي تكون المادة المنتجة جذابة وتليق بمشروع الأمة العظيم. وكل ذلك متاح لمن أخلص النية وأعطى من وقته أفضله لله تعالى وللدعوة في سبيل الله.
وأخيراً …يجب التركيز على الدعاية الأفقية التي تميز دعوتنا والعمل النهضوي الذي نقوده، وهي الزيارات والاتصالات المتقصدة. وهذه لن تستطيع أي وسيلة اتصالات أو إعلام مجاراتنا فيها. فالاتصال الشخصي الذي يُحيَّد فيه كل عوامل التشتيت ويخلص فيه العمل لله من أنجع الوسائل على الإطلاق في التأثير. وهذا ما يجب أن نكثر منه فنعيش بين الناس ومعهم نزورهم وندعوهم لزيارتنا. فالاتصالات الحية بالناس هي المفتاح للتأثير فيهم في ظل سمعة سيئة للإعلام المأجور العميل للغرب الذي يكذب ليل نهار، ولا يحترم عقول وقلوب أبناء الأمة التي باتت منفصلة عن ذلك الإعلام وتدرك كذبه ولا تثق به .
فالأمة تتلقف شباب الدعوة المخلصين في المساجد والجامعات والأسواق والشوارع وأماكن العمل لتسألهم وتسمع منهم، وما ذلك إلا دليل على ثقة الأمة بشباب حزب التحرير كحملة دعوة وعاملين لإقامة الخلافة الراشدة، وكشباب واعٍ متصل بالله يحمل مسؤولية عظيمة عن الأمة ويضحي في سيبل قول كلمة الحق. كل ذلك يشكل دافعاً ومسؤولية عظيمة تجعل الاتصال الفردي الشخصى جزءاً يومياً من حياة حامل الدعوة يجب أن يفرد له وقتاً وجهداً.
والخطاب الجماهيري المباشر يجب أن يتواصل كذلك. فخطب ودروس المساجد يجب أن تبقى منابر أسبوعية أو شبه يومية للتعليق على الأحداث السياسية وغيرها من الأحداث التي تصيب أو تجتاح الأمة. فلا يجوز لحامل دعوة أن يُبقي مسجده بلا رأي شرعي أو كلمة حق تقال فيه أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر.
ولا بد من منابر في الجامعات لإلقاء الكلمات الأسبوعية في الساحات لرفع الكفاحية عند طلاب الجامعات، فهؤلاء شباب الأمة الذين يزخرون بالطاقة. وليُسمع صوت الحق مدوياً قريباً في كل مكان، ولنتقصد قول الحق على كل منبر إفلاتاً من قبضة الإعلام على الناس في بيوتهم. فنحن الإعلام الحقيقي، والإعلام المأجور إعلام افتراضي لا يمت إلى الحقيقة بصلة، يضلِّل ويكذِّب، ونحن نعيش بين الناس نتنفس همومهم وأحلامهم ونشعر بأحزانهم ونبكي مآسيهم، ونثور ونتعذب، ونقاتل ونقف مع الأمة وبها. والإعلام المأجور المعادي لثورة الأمة مُنبتٌ لا أساس له، كاذب لا خلاق له .
هنا تبقى مسالة خطيرة …فمهما حاول الإعلام المأجور بهرجة ما يقول وصياغة ما يطلق من أكاذيب في قوالب قد تبهر وتسحر الأعين لبرهة، إلا أنه يبقى باطلاً منبتاً غير متصل بأساس القوة، غير متصل بالله القوي الجبار، ويفتقد لعنايته وتوفيقه، والناس تشعر بالمخلصين وتلتف حولهم. فالدعوة المستمدة من الله تنير وتسطع بنورها ويشعر الناس بحرارتها. يقول صاحب الظلال -رحمه الله – «إن الكلمة لتنبعث ميتة، وتصل هامدة، مهما تكن طنانة رنانة متحمسة، إذا هي لم تنبعث من قلب يؤمن بها. ولن يؤمن إنسان بما يقول حقاً إلا أن يستحيل هو ترجمة حية لما يقول، وتجسيماً واقعياً لما ينطق، عندئذ يؤمن الناس، ويثق الناس، ولو لم يكن في تلك الكلمة طنين ولا بريق. إنها حينئذ تستمد قوتها من واقعها لا من رنينها، وتستمد جمالها من صدقها لا من بريقها.إنها تستحيل يومئذ دفعة حياة، لأنها منبثقة من حياة. والمطابقة بين القول والفعل، وبين العقيدة والسلوك، ليست مع هذا أمراً هيناً، ولا طريقاً معبداً. إنها في حاجة إلى رياضة وجهد ومحاولة. وإلى صلة بالله، واستمداد منه، واستعانة بهديه. فملابسات الحياة وضروراتها واضطراراتها كثيراً ما تنأى بالفرد في واقعه عما يعتقده في ضميره، أو عما يدعو إليه غيره».
فعلى حملة الدعوة أن يخلصوا العمل ويكونوا إسلاماً يمشي على الأرض كما قال الأمير المؤسس لحزب التحرير تقي الدين النبهاني (رحمه الله) حتى تصل دعوتهم لعقول وقلوب الناس ويقضى الله أمراً كان مفعولاً.
فالقلوب التي نطلب ودَّها خزائن الأرض، وخزائن الأرض والسموات بيد الله( هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ )قال الجنيد: خزائن السموات الغيوب، وخزائن الأرض القلوب; فهو علام الغيوب ومقلب القلوب. وكان الشبلي يقول : ولله خزائن السموات والأرض فأين تذهبون. ولكن المنافقين لا يفقهون أنه إذا أراد أمراً يسَّره . فلنخلص النية لله. فقلوب العباد وعقولهم ملك لله الواحد القهار، يقلِّبها كيف يشاء. فالمعركة إذاً محسومة لصالح العاملين المخلصين لإقامة الخلافة، فالقلوب بيده سبحانه وتعالى، وما على العاملين إلا الجد وبذل والوسع والإخلاص في العمل حتى نقيم خلاقة راشدة على منهاج النبوة. وإلى أن تقام خلافتنا نبقى نردِّد ونقول ما قاله أمير حزب التحرير العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة: «الثورة يجب ان تستمر…»q