العدد 457 -

السنة التاسعة والثلاثون، صفر 1446هـ الموافق أيلول 2024م

نداء إلى علماء الأمة الإسلامية لنصرة أهل غزة

جمال الخميسي

 ولاية اليمن

يا علماء الأمة الإسلامية: إنَّنا في زمن الغرباء الذي ذكره رسول الله ﷺ حين قال: «بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ».

أيها العلماء، أنتم للأمة كطوق النجاة للغريق في هذا الزمن، ينقذه من الغرق ويهبه بإذن الله حياة جديدة. فالعلماء هم من يبصرون الحق إذا عميت البصائر في ظلمات الفتن، وقد رفع الله العلماء إلى مكانة سامية ترنو إليها أبصار المسلمين وأفئدتهم، فقد قال الله تعالى: (يَرۡفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ دَرَجَٰتٖۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ). وهذه المكانة السامية التي وضع الله فيها العلماء ليلوذ المسلمون دائمًا بهم في الملمات ويسترشدون بأقوالهم وتوجيهاتهم. وقد أوجب الله على العلماء العديد من الواجبات تجاه قضايا الأمة المصيرية، خاصة في زماننا الحاضر.

أيها العلماء، ألم يحركْ ما يحدث في غزة من إبادة جماعية للرجال والنساء والأطفال حتى طال الشجر والحجر؟! ألم يحرك فيكم المسؤولية الملقاة على عاتقكم؟! ألم يحركْ فيكم العهد والميثاق الذي أخذه الله عليكم (وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ لَتُبَيِّنُنَّهُۥ لِلنَّاسِ وَلَا تَكۡتُمُونَهُۥ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمۡ َٱشۡتَرَوۡاْ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلٗاۖ فَبِئۡسَ مَا يَشۡتَرُونَ١٨٧)؟! لذلك وجب عليكم أيها العلماء أن تتقوا الله وتقولوا كلمة الحق، وأن تبينوا للأمة الواجب الشرعي، وأن تنشروا ثقافة وحدة الأمة فتكون كالجسد الواحد، ونبذ الفرقة وتقسيمات سايكس بيكو.

إنه يقع على عاتق العلماء واجب توضيح أن توحيد أمة الإسلام أمر شرعي حث عليه الخالق سبحانه وأمر به وجعله سببًا وسنة من سنن النصر والتمكين في الأرض، قال تعالى: (وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعٗا وَلَا تَفَرَّقُواْ) وقال: (وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفۡشَلُواْ وَتَذۡهَبَ رِيحُكُمۡۖ وَٱصۡبِرُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ٤٦).

يا علماء الأمة: إن ما يحصل للمسلمين في غزة بل في العالم كله ما هو إلا بسبب التفرق فلا تكونوا مشاركين في هذا التفرق بالسكوت تارة والتشجيع عليه تارة أخرى.

يا علماء الأمة: ألا يكفي ما يحصل للمسلمين في غزة حتى تدركوا خطورة الفرقة على المسلمين؟ ألم يكفِ القتل والدمار الذي حل في غزة حتى توقنوا؟! فوالله إنه لا عزةَ ولا قوةَ للأمة إلا بتوحُّدها. ألم يكفِ قتل الأطفال والنساء حتى تستيقن نفوسكم أن النصر لن يأتي إلا بعد عودة المسلمين إلى وحدتهم؟!. والذود عن نفوسهم وحرماتهم أينما كانوا؟!.

إن دوركم أيها العلماء ليس دورًا مرحليًّا حتى تطلوا عليها بين الفينة والأخرى بأقوال ضعيفة ومواقف مخزية لا تصل إلى عظمة ما تمر به الأمة من مصاب جلل، بل هو دور مفصلي وواجب شرعي على عاتقكم مستمر منذ أكبر نكبة حلت بالأمة عند هدم دولة الخلافة العثمانية، فبسبب هذه الفاجعة الكبرى وصلت الأمة إلى ما وصلت إليه الآن من ذل وهوان بلغ إلى حد أن لا تقدر على نصرة أهل غزة وهم يقتلون على يد إخوان القردة والخنازير، وأنتم عيونكم تشاهد ذلك مباشرة، بينما ألسنتكم معوجة أو خرساء!

يا علماء الأمة: إن لكم دورا مفصليًّا في هذه المرحلة في ترسيخ فكرة عودة الأمة إلى وحدتها تحت راية الخلافة الإسلامية، وتذكَّروا قول الإمام مالك رحمه الله «لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما صلح به أولها». وإن أول صلاح هذه الأمة بالإسلام؛ بعقيدته ونظامه والقيام بأمر الله وأداء حقه والجهاد في سبيله، ولن يصلح حالنا الآن إلا بالعودة للإسلام بعقيدته ونظامه وتطبيقه بعودة الخلافة على منهاج النبوة ومبايعة خليفة للمسلمين، كل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها تحت قيادته كما قال رسول الله ﷺ في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: «إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ».

إن واجبكم، أيها العلماء، ليس مجرد إدانة أعمال يهود ولا مخاطبة أحرار العالم الذين لا يملكون شيئًا، وليس من واجبكم مطالبة ما يسمى بمجلس الأمن بالتدخل لإيقاف الحرب. إنكم بهذا الموقف المتخاذل الذليل تخالفون أمر الله تعالى الذي قال: (أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزۡعُمُونَ أَنَّهُمۡ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوٓاْ إِلَى ٱلطَّٰغُوتِ وَقَدۡ أُمِرُوٓاْ أَن يَكۡفُرُواْ بِهِۦۖ وَيُرِيدُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَن يُضِلَّهُمۡ ضَلَٰلَۢا بَعِيدٗا ٦٠).

فاتَّقوا الله ياعلماء الأمة في أنفسكم وفي المسلمين، واجعلوا خطابكم موجهًا نحو جيوش الأمة لتقوم بما أوجب الله عليها من جهاد لتحرير أرض الإسلام ونصرة أهلها وإزالة كل ما يحول بينهم وبين هذا الواجب. وإن أكبر ما يحول بين قيام جيوش الأمة بهذا الواجب هو من يحكم المسلمين الآن من حكام عملاء خانوا الله ورسوله وخانوا أمتهم.

يا علماء الأمة: تذكروا أنكم ستقفون أمام الله وستسألون عن تقصيركم في قول كلمة الحق وفضح خيانة الحكام في بلاد المسلمين، فأعدُوا للسؤال جوابًا! فما يقع على عاتقكم اليوم هو واجب اتخاذ الموقف الجاد والصريح الذي لا يقبل اللبس ولا التأويل ممن يشرعن لقتل أهلنا في غزة ويعترف بشرعية كيان يهود ويطبّع معه، ما لكم كيف تحكمون؟!

أيها العلماء: إن الواجب عليكم اليوم أن تبيِّنوا للمسلمين أن الحكم الشرعي فيما يحدث في غزة هو إعلان الجهاد وتحريك جيوش الأمة لنصرة إخوانهم المسلمين في غزة بل في كل فلسطين، وتحرير المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين، قال تعالى: (وَمَا لَكُمۡ لَا تُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلۡمُسۡتَضۡعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ َٱلنِّسَآءِ وَٱلۡوِلۡدَٰنِ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخۡرِجۡنَا مِنۡ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةِ ٱلظَّالِمِ أَهۡلُهَا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّٗا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا ٧٥)، لا أن تحدثوا المسلمين عن أمور فرعية، الوقت ليس وقتها! وتذكروا قول العز بن عبد السلام سلطان العلماء وبائع الأمراء «من نزل بأرض قوم تفشى فيها الزنا فحدث الناس عن حرمة الربا فقد خان الله ورسوله»! فلا تخونوا الله ورسوله ولا تخونوا أمة الإسلام!: تذكروا قول الله تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوٓاْ أَمَٰنَٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ٢٧).

إن ما يحصل في الأمة الإسلامية الآن من آلام وأوجاع تدمي القلوب ما هي إلا آلام المخاض التي سيخرج بعدها ما وعدنا الله سبحانه به وبشرنا به رسوله الكريم ﷺ: «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ» التي تعلمون في نفوسكم علم اليقين أنها قادمة لا محالة، فلا تكونوا كمن قال الله تعالى عنهم: (وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسۡتَيۡقَنَتۡهَآ أَنفُسُهُمۡ ظُلۡمٗا وَعُلُوّٗاۚ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُفۡسِدِينَ ١٤)!

يا علماء الأمة: الآن حصحص الحق، وإن اليوم هو يوم الفرقان؛ فإما أن تكونوا مع الحق ومن جنده أو مع الباطل وجنده!

يا علماء الأمة: لا تمنعنَّكم المناصب والمكاسب التي تحصلون عليها مقابل سكوتكم عن قول كلمة الحق؛ قولوا للخونة والعملاء من حكام المسلمين كما قال السحرة لفرعون: (قَالُواْ لَن نُّؤۡثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلَّذِي فَطَرَنَاۖ فَٱقۡضِ مَآ أَنتَ قَاضٍۖ إِنَّمَا تَقۡضِي هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَآ٢) فلا تبيعوا آخرتكم بعرض من الدنيا، وأنتم من قال الله عنهم: (إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَٰٓؤُاْۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ).

يا علماء الأمة: لا تمنعنَّكم خشية الحكام العملاء أن يقتلوكم أو يعذبوكم، لا يمنعنّكم كل هذا من قول كلمة الحق، وتذكَّروا قول الله تعالى: (قَالُواْ لَا ضَيۡرَۖ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ ٥٠).

يا علماء الأمة: إن فلسطين منذ هدم دولة الخلافة وإلى اليوم وهي تنزف دمًا وما من مغيث، بالله عليكم أيها العلماء هل تنتظرون من حكام قلوبهم كالحجارة بل هي أشد قسوة، من حكامٍ أشداء على المسلمين أذلة على الكافرين، هل تتوقعون من هؤلاء أن ينصروا أهل فلسطين؟! لا والله لن ينصر أهل فلسطين إلا دولة الخلافة الراشدة الثانية التي يعمل حزب التحرير لإقامتها.

إن حزب التحرير بهذه الدعوة لا يبيعكم الأوهام، ولا يسبح بكم في عالم الأحلام، بل يطلب منكم أيها العلماء أن تكونوا معه تقولون كلمة الحق وتبينون للمسلمين أن الخلافة عاش المسلمون تحت ظلها 13 قرنًا أعزاء أقوياء، وأن الخلافة هي الركن الشديد الذي يأوي إليه كل مسلم، والحصن المنيع الذي تتحطم على أسواره أحلام الغرب الكافر، وبإقامتها تُحرَّر فلسطين وتُعَزُّ بها كل بلاد المسلمين.

يا علماء الأمة: لا يكن في قلوبكم شك ولا ريب أن السبيل الوحيد لنصرة أهل غزة هو بإقامة دولة الخلافة الراشدة.

يا علماء الأمة: ألم يقل رسول الله ﷺ في الحديث الصحيح، عن أبي أمامة الباهلي: «لَيُنْقَضَنَّ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً، فَكُلَّمَا انْتَقَضَتْ عُرْوَةٌ تَشَبَّثَ النَّاسُ بِالَّتِي تَلِيهَا، وَأَوَّلُهُنَّ نَقْضًا الْحُكْمُ وَآخِرُهُنَّ الصَّلَاةُ» فلا حلَّ لمصائب الأمة الإسلامية ولا حياة كريمة إلا بالعودة إلى العروة الأولى. قال تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسۡتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمۡ لِمَا يُحۡيِيكُمۡۖ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَقَلۡبِهِۦ وَأَنَّهُۥٓ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ ٢٤).

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *