العدد 457 -

السنة التاسعة والثلاثون، صفر 1446هـ الموافق أيلول 2024م

الغرب بين مواجهته للخلافة واعترافه بقيامها

عبد الله القاضي

 ولاية اليمن

لقد واجه الإسلام حملةً عالمية على عودته إلى الحكم وإلى مسرح السياسة الدولية، تلك الحملة التي لا يمكن مواجهتها إلا بإقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوَّة بوصفها دولة جامعة يمكنها مواجهة هذه الحروب المفتوحة عليها. وقبل أن نذكر ما يقوله الغرب على لسان ساسته وحكامه وقادة عملياته العسكرية، لا بد لنا من ذكر الأساس الذي وافق الفطرة وأقنع العقل وملأ القلب طمأنينة، وجعل المسلمين ثابتين على عقيدتهم، مؤمنين بوعد ربهم وبشرى نبيهم صلى الله عليه وسلم.

فلقد جاءت آيات القرآن الكريم تحارب في نفوس المسلمين اليأس والقنوط، وتغرس في قلوبهم بذور الأمل والرجاء، فالإسلام حرَّم اليأس وأوجد البديل وهو الأمل، وحرَّم التشاؤم وأوجد البديل وهو التفاؤل؛ لذلك فإننا نرى صاحب الأمل الكبير، عالي الهمة، دؤوب العمل، كثير البذل، سريع التضحية، بعكس الآخرين العاجزين. ومن المعلوم أنه بقدر تفاوت الناس في آمالهم وأعمالهم، تتفاوت عزائم الرجال كما قال الشاعر:

على قدر أهـل العـزم تأتي العـزائم         وتأتي علــى قـدر الكـرام المكارم

وتعظم في عين الصغير صغيـرها          وتصغر في عين العظيـم العظائم

ونحن إذ نؤكد حقيقة دنو الخلافة لا نبالغ ولا نزيد عن وصف الواقع الذي تحياه الأمة، فلا يفوتنا الاسترشاد بالنصوص الشرعية التي تبشر بدنو عودة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة. وعند دراستنا للسيرة النبوية الشريفة، نلاحظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد واجه المشاق والمتاعب عندما بدأ بتبليغ الرسالة، كما واجه المقاطعة، وجميع أشكال الأذى والتعذيب، ومع ذلك صبر، وسلَّم الأمر لصاحب الأمر، فما هي إلا فترة وجيزة، وإذا بالضيق ينقلب فرجًا والعسر يسرًا، ودخل الناس في دين الله أفواجًا. ومن خلال دراسة التاريخ الإسلامي من مصادره الموثوقة، نلاحظ أن الخط البياني للتاريخ الإسلامي مُتَعَرِّج، ينخفض انخفاضًا شديدًا، ويرتفع ارتفاعًا شديدًا، ويعلو ويهبط وفق القانون الإلهي الذي يقول: (وَتِلۡكَ ٱلۡأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيۡنَ ٱلنَّاسِ) [آل عمران: 140]. نعم قد يعلو أمر المسلمين، وقد يهبط: هبط في قرون مضت حتى اغتُصب الحجر الأسود؛ حيث أخذه القرامطة قسرًا، وظل عندهم نحو ربع قرن، ثم عاد إلى مكانه من جديد، كما هبط مستوى التاريخ الإسلامي إلى الحضيض يوم دخل التتار بغداد وقتلوا الخليفة وأذلوا الأمة الإسلامية أشدَّ الذل. ولكن هذا التاريخ الذي هبط سرعان ما علا، فما مضى قرن حتى كان المسلمون يدكُّون أسوار فيِنَّا عاصمة النمسا، ثم قبل ذلك وصلوا مخترقين الأندلس إلى جنوب فرنسا. هذا التاريخ الذي يتأرجح بين مَدٍّ وجزرٍ حقيقة لا بد من الاعتراف بها. فحدوث بعض المحن والمصائب لأمة الإسلام في هذه الأيام، أمر لا يدعو المسلم إلى اليأس، بل لا بد له من أن يصبر، فالصبر نصف الإيمان. وعلى الرغم من الجراح المؤلمة والظروف القاسية التي تعصف بأمة الإسلام، إلاّ أن ثقتنا في الله كبيرة، فالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة فيها ما يطمئن القلوب، ويبعث الأمل في النفوس، ويبشر الأمة بأن المستقبل لهذا الدين إن شاء الله، فالله سبحانه وتعالى يقول: (فَإِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرًا ٥ إِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرٗا٦) [الشرح: 5-6]، كما ورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا وَيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا» أخرجه البخاري، فالليل مهما طال فلا بد من بزوغ الفجر، وإن الفجر آتٍ بإذن الله، فالخير لا يزال باقيًا في هذه الأمة إن شاء الله إلى يوم القيامة، لن تهزه عواصف هوجاء ولا رياح عاتية، وستبقى أمتنا قادرة إن شاء الله على تجاوز المحن والشدائد مهما اشتدَّ الظلام، وسوف تتوحَّد الأمة وتكون صفًا واحدًا، كما كانت دائمًا إن شاء الله.

ومن المبشرات التي بشر بها رسولنا صلى الله عليه وسلم المسلمين بأن المستقبل لهذا الدين:

البشارة الأولى: ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المدينتين تفتح أولًا قسطنطينية أو رومية؟ قال: «مَدِينَةُ هِرَقْلَ تُفْتَحُ أَوَّلًا» أخرجه الإمام أحمد. فرومية هي روما عاصمة إيطاليا، والقسطنطينية هي إسطنبول حاليًا، والتي عرفت في التاريخ الإسلامي باسم إسلام بول، يفهم من السؤال أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا قد علموا بأن المدينتين ستفتحان، لكنهم يريدون أن يعرفوا أي المدينتين تفتح قبل الأولى، فكان الجواب مدينة هرقل، القسطنطينية التي فتحها القائد المسلم محمد بن مراد المعروف في التاريخ باسم القائد محمد الفاتح؛ حيث فتحت مدينة هرقل في شهر جمادى الأول سنة 857هـ الموافق لشهر أيار/مايو سنة 1453م، ومن المعلوم أن هذا الفتح العظيم كان بعد قرنين من دخول التتار بغداد وسقوط الخلافة، وظن الناس أن الإسلام قد هوى إلى الحضيض، ونسوا أن الإسلام لن ينتهي من هذه الدنيا؛ لأنه يوم أن ينتهي الإسلام من هذه الدنيا فلن تكون هناك دنيا؛ لأن الشمس ستنطفئ والنجوم ستنكدر والحصاد الأخير سيطوي العالم أجمع، قال جل جلاله في كتابه العزيز: (هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ٣٣) [التوبة: 23]. وبقي الشطر الثاني من البشرى، وهو فتح رومية، وهذا ما سيحدث إن شاء الله، حيث إن الناس والحمد لله يدخلون في دين الله أفواجًا، كما وأن أناسًا يعتنقون هذا الدين يوميًا في أوروبا بفضل الله.

وأما البشارة الثانية: فقد رواها حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ ثُمَّ سَكَتَ» أخرجه أحمد. فهذا يبين أن الخلافة آتية، وأن الإسلام قادم رغم المشكِّكين، رغم الحاقدين، رغم أعداء الإسلام كلهم، لأن الإسلام دين الحق والعدل، دين الخير للبشرية جمعاء.

وأما البشارة الثالثة: ما رواه ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا» أخرجه مسلم. فهذا الحديث يبشر باتساع دولة الإسلام حتى تشمل المشارق والمغارب، أي الأرض كلها إن شاء الله تعالى.

البشارة الرابعة: وهي قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ» أخرجه مسلم، وفي رواية «لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ» قيل: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: «بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ»، أخرجه أحمد. لقد بيَّن رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم أن الخير سيبقى في هذه الأمة المجيدة إلى يوم القيامة إن شاء الله، كما وأثنى على المسلمين المقيمين في بيت المقدس، وأكناف بيت المقدس وأن منهم الطائفة المنصورة إن شاء الله، فبيت المقدس سيبقى إن شاء الله حصنًا للإسلام إلى يوم القيامة على الرغم من المحن التي تعصف بالأمة؛ لأن أهله يشكلون رأس الحربة في الذود عن المقدسات الإسلامية في فلسطين بالنيابة عن الأمة الإسلامية.

إن هذه المبشرات لتؤكد أن المستقبل لهذا الدين إن شاء الله؛ لذلك فإننا لن نيأس قط من عودة الإسلام وانتصار مبدئه في العالم مرة أخرى، للحديث الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم: «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ؛ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ؛ عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ» أخرجه أحمد، كما أن هذا الحديث يـأتي مصداقًا لقوله تعالى في القرآن الكريم: (هُوَ ٱلَّذِيٓ َرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ ٩) [الصف: 9].

والآن وبعد أن أوردنا من كلام ربنا عز وجل، وتلوناه بكلام من لا ينطق عن الهوى، سنعقب ذلك بتصريحات لأهم الشخصيات من سياسيي الغرب وقادته حول مواجهة الخلافة والتحذير منها على سبيل المثال لا الحصر، تلك الشخصيات التي تعتبر أقوى وأكثر وضوحًا ووقاحة في حربها مع الإسلام، وأشدها فتكًا بأمتنا. فمن تلك التصريحات ما أدلى به الرئيس الأمريكي باراك أوباما وأكّد في ثناياه أنّه «لن يسمح بأن يقوم جهاديون بإنشاء دولة خلافة إسلامية على امتداد أراضي سوريا والعراق»، لم يأتِ من فراغ، وإنّما جاء رجعًا لصدى حالة الاستنفار المعلنة بين قادة العالم الغربي في السنوات الأخيرة، تحذيرًا من قيام الخلافة الإسلامية الخامسة، التي أصبح غالبية المسلمين يتوقون إليها وينتظرون عودتها استنادًا إلى نصوص شرعية تبشّر بنزولها أرض الشّام.

قبل أوباما كان الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش قد حذّر في أكثر من مناسبة بعد احتلال العراق من تنامي قوة وشعبية الجماعات الإسلامية الداعية إلى استعادة الخلافة الإسلامية، وصرّح في 06/10/2005 قائلًا: «إنّه عند سيطرة الأصوليين على دولة واحدة سيستقطب هذا جموع المسلمين، ما يمكّنهم من الإطاحة بجميع الأنظمة في المنطقة، وإقامة إمبراطورية أصولية إسلامية من إسبانيا إلى إندونيسيا».

وفي السياق نفسه اختار رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير أن يكون أكثر وضوحًا وحقدًا حينما تحدّث أمام المؤتمر العام لحزب العمّال في 16/07/2005م، قائلًا: «إنّنا نجابه حركة تسعى إلى إزالة دولة (إسرائيل)، وإلى إخراج الغرب من العالم الإسلاميّ، وإلى إقامة دولة إسلاميّة واحدة تحكّم الشريعة في العالم الإسلاميّ، عن طريق إقامة الخلافة لكلّ الأمّة الإسلاميّة». وحذّر من خروج القوات الأمريكية والبريطانية من العراق يومها، مؤكّدًا أنّ «الخروج من العراق الآن سيؤدّي إلى ظهور الخلافة في الشّرق الأوسط».

وعلى خطا بوش وبلير سار الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي وعدد من القيادات السياسية والحزبية والعسكرية في أوروبا على مدار السنوات التي أعقبت أحداث الـ11 أيلول/سبتمبر 2001م، في تناغم يوحي بأنّ الأمر لم يعد مجرّد هواجس خامرت هذا الزّعيم أو ذاك، وإنّما كانت بناءً على دراسات بحثية استشرافية، ولعلّ من أبرزها التقرير الصادر عام 2005م، عن مؤسسة روبير لافون للنشر الباريسية بعنوان: «كيف ترى المخابرات الأمريكية العالم عام 2020؟»، نقل توقّع عدد من الخبراء الأمريكان، على رأسهم عالم الاجتماع وكبير خبراء استشراف المستقبل ألفين توفلر صاحب كتاب (صدمة المستقبل)، إضافة إلى تيد غوردن كبير خبراء مشروع ميلينيوم بروجكت الذي أنجزته منظمة الأمم المتحدة، ضمن كوكبة من الباحثين الأمريكان الذين عملوا لمدة عامين لفائدة الوكالة المركزية للمخابرات بواشنطن، وخرجوا بتقرير خطير يرسم ملامح العالم بعد 15 سنة من يومها، من خلال المؤشرات التي بين أيديهم، ووصلوا إلى نتيجة مفادها أنّ الإسلام السياسي سيعرف على امتداد السّنوات القادمة وحتى عام 2020 انتشارًا واسعًا على الصعيد العالمي، وتوقّعوا أن ترتبط الحركات الإسلامية العرقية والوطنية ببعضها، وتسعى إلى تأسيس سلطة تتجاوز الحدود القومية.

لقد اختارت أمريكا وحلفاؤها في المعسكر الغربيّ الدّخول في سباق مع الزّمن واستخدام كلّ الوسائل الممكنة للحيلولة دون عودة الخلافة الإسلاميّة، ولو أدّى بها ذلك إلى قيادة تحالف دولي غربي عربيّ إيرانيّ، يلتئم فيه فرقاء الأمس للحيلولة دون تَمكّن أي جماعة مبدئية من الوصول إلى الحكم، وامتلاك أسلحة متطوّرة تمكّنها من تغيير الأنظمة في المنطقة.

وبهذا تكون أمريكا قد أدارت ظهرها لنصائح عدد من الخبراء الذين نصحوا البيت الأبيض بضرورة القبول بالأمر الواقع، وكيفية التعامل مع الخلافة الإسلامية التي لا مناص من عودتها، ومن هؤلاء، الكاتب الأمريكي جاي تولسون الذي يرى أنّ الغرب قد أساء فهم فكرة الخلافة واعتبرها مفهومًا غامضًا مهدِّداً له، في حين أنّها عميقة الجذور في الذّاكرة الثقافية للعالم الإسلامي. أما الكاتب والمحلّل السياسي الأمريكي جون شيا فقد وجّه رسالة إلى الرئيس الأمريكي أوباما آنذاك يطالبه بفتح مصالحة مع الخلافة الخامسة التي لن تستطيع القوات الأمريكية الوقوف في وجهها أو مجابهتها، مؤكّدا أنّ «الحقيقة الجليَّة هي أنَّه لا يستطيع أي جيش في العالم، ولا أيّ قوَّة عسكريَّة – مهما بلغت درجة تسليحها – أن تهزم فكرة عقائدية، يجب أن نقرَّ بأنَّنا لا نستطيع أن نحرق قادة هذه الفِكْرة في كلّ بلاد الشَّرق الأوسط، ولا أن نحرق كتُبَها، أو ننشر أسرارها؛ ذلك لأنَّ هناك إجماعًا بين المسلمين على هذه الفكرة. إنَّ الشرق الأوسط يواجه اليوم القوَّة الاقتصاديَّة الموحَّدة للدُّول الأوروبيَّة، هذا صحيح؛ لكن عليْنا أن نعرِف أنَّه في الغد سيواجه الغرب القوَّة الموحَّدة لدولة الخلافة الخامسة».

وذهب مستشار الرئيس الأمريكي أوباما للأمن الداخلي محمد الإبياري بعيدًا، حينما حذّر أمريكا من مواجهة قيام الخلافة الإسلامية، مؤكّدًا أنّ الخيار الوحيد للولايات المتحدة هو احتواؤها لجعلها كيانًا منظّمًا مثل الاتحاد الأوروبي – حسب قوله – ولكن أنى له ذلك، فدولة الخلافة لا يمكن احتواؤها لأنها كيان مستقل بذاته، ولها نمط عيش فريد من نوعه. كما لا ننسى نصيحة وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر لرئيس وزراء العدوّ الصهيوني مناحيم بيغين عقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد، والذي قال له: «إنّي أسلِّمك أمَّةً نائمة، والمشكلة أنّها تنام ولا تموت، فاستثمر فترة نومها ما استطعت، لأنّها إذا ما استيقظت فإنّها تعيد في سنوات قليلة ما ضاع منها في قرون». فما كان من يهود إلا استثمار السّبات الذي عاشته أمّة الإسلام على مدار عقود من الزّمان، وبسطوا سيطرتهم على أرض فلسطين، واستنفروا كثيرًا من قادة العالم الغربي وقادة دول الطوق العربي ليجعلوهم أحرص على أمن ومصلحة كيان يهود، منهم على أمن ومصلحة شعوبهم، ولكنّهم باتوا الآن أكثر من أيّ وقت مضى يخشون ما حذّرهم منه كيسنجر وهم يرون المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها يعلنون تململهم من واقع الذل والمهانة الذي عاشته أمة الإسلام على مدار ما يزيد من قرن من الزمان، ويتُوقون إلى استعادة أمجادهم التي كانت على عهد النبوّة وزمن الخلافة الراشدة، ثمّ بعدها في زمن الخلافة الأموية والعباسية، وصولًا إلى الخلافة العثمانية التي استمرّت ستّة قرون من الزّمن، ليتمّ إسقاطها سنة 1924م. كما يقول الدكتور رفيق حبيب وهو كاتب مصري قبطي في مقال له: (بالنسبة للدول الغربية، تمثل فكرة استعادة الدولة الإسلامية الموحدة، مشروعًا لبناء كيان دولة عظمى. وهو ما يعني ضمنًا تحدي الدول الغربية وأمريكا، بوصفها القوى العظمى في عالم اليوم. ولا يمكن أن يستمر الغرب في تفوقه على مختلف دول العالم، إذا تمَّ بناء دولة الوحدة الإسلامية والتي سوف تقع على الحدود الجنوبية للغرب، وتفصل الغرب عن بقية دول العالم، وتحتلُّ منطقة قلب العالم. فإذا قامت دولة للوحدة الإسلامية، لن يستمر الغرب كقوة عظمى. والأهم من ذلك، أن دور الحضارة الغربية بوصفها الحضارة المتقدمة والمهيمنة على العالم، سوف ينتهي؛ لذا كان من الطبيعي ومن المتوقع أن تحيط القوى الغربية الاستعمارية هذا الإنجاز بهالة من الأسباب والظروف والمخططات تسعى من خلالها للمحافظة عليه، وتلك الأسباب والظروف والمخططات هي بلا شك عوائق حقيقية في وجه استعادة الخلافة من جديد. ومن أدرك نظرة القوى الغربية الاستعمارية للخلافة في تاريخها وفي مستقبلها المرتقب يدرك حجم الاهتمام الذي تبديه هذه القوى في سبيل إعاقة عودة الخلافة من جديد. إن حلم العولمة، وهو حلم هيمنة الليبرالية الغربية على العالم، سوف ينتهي إذا قامت دولة إسلامية موحدة؛ لأنها سوف تجعل الحضارة الإسلامية مهيمنة على جزء مهم من العالم، وبهذا تقوم حضارة أخرى تنافس الحضارة الغربية، وتقف كحائط صد يمنع هيمنة الحضارة الغربية على العالم. وحلم دولة الوحدة الإسلامية، يعيد للغرب تاريخه مع الدولة الإسلامية في مراحلها المختلفة. فلم يستطع الغرب تحقيق هيمنته وسيادته العالمية، إلا بسقوط دولة الخلافة الإسلامية، والتي مثَّلت آخر تحدٍّ حضاريٍّ عالميٍّ للدول الغربية).

ولتحقيق ما ذكره الدكتور رفيق حبيب من وضع الغرب عوائق أمام المسلمين لعدم إقامة الخلافة، فقد انتهجت القوى الغربية الاستعمارية العديد من الطرق والأساليب للحيلولة دون عودة الخلافة ومحاربة فكرتها، نذكر بعضًا منها:

1- التضليل السياسي الذي كرَّس التبعية للغرب كسياسة عامة في كافة بلدان المسلمين؛ ما زاد من عبودية تلك الأنظمة للغرب وقلَّل من احتمالية انعتاقها من ربقة الاستعمار.

2- التضليل الفكري، وتمثل ذلك في إدخال الأفكار الغربية على الأمة الإسلامية بثوب الإسلام، من خلال مناهج التعليم، ووسائل الإعلام، والأحزاب الموالية للغرب والتي تحمل أفكاره وتروج لها، ومن خلال الكتّاب ولوثات علماء السلاطين.

3- التضليل الإعلامي والطوق المحكم الذي ضربته تلك القوى على فكرة ومشروع الخلافة وكل ما يتصل به من أحداث ونشاطات وأفكار.

4- وآخر سهم في كنانة تلك القوى هو تسخير ما بات يعرف بحركات الإسلام المعتدل، والتي تسعى من خلالها إلى إيجاد نماذج حكم تسمى إسلامية وتوالي الغرب فتجهض مشروع الخلافة عبر تصويره للأمة كتلك النماذج التي سرعان ما ستكتشف الأمة عقمها وتبعيتها وبعدها عن مبدأ الإسلام.

وبعد أن ذكرنا تصريحات سياسيي الغرب وقادته حول مواجهة الخلافة والتحذير منها، نذكر جملة من تصريحاتهم وأعمالهم التي تعكس مدى خوف القوى الغربية الاستعمارية من عودة الخلافة ما دعاها إلى إشعال فتيل الحروب في المنطقة لعرقلة عودتها؛ ولكن أنَّى لهؤلاء أن يقفوا في وجه فكرة قد آن أوانها وفي وجه مشروع بات تحققه قدرًا مقدورًا، ولعل أبرز تلك التصريحات هي تصريحات جو بايدن بشأن باكستان حيث قال: «إنَّ أكثر ما يقلقه ليس أفغانستان ولا العراق ولا أزمة الملف النووي الإيراني، بل باكستان»؟ مضيفًا: «أعتقد أنَّه بلد كبير، ولديه أسلحة نووية يمكن نشرها، وفيه أقلية مهمة فعلًا من السكان المتطرفين». جاءت تصريحاته هذه وسط تخوفات كثيرة صدرت عن العديد من المسؤولين والخبراء التي تحذر من أن تكون باكستان نقطة ارتكاز للخلافة القادمة. ففي الرابع والعشرين من تشرين الثاني 2009م صرح الميجر جنرال جون م. كستر، قائد مركز مخابرات الجيش في فورت هواتشوكا في أريزونا صرح لصحيفة واشنطن تايمز قائلًا «إنّ القادة العسكريين القدماء يحبوننا، فهم يفهمون الثقافة الأمريكية، ويعلمون بأنّنا لسنا الأعداء؛ ولكنهم خارج القوات المسلحة مجددًا». وقد ورد تصريح آخر على صفحات واشنطن بوست في آذار 2009م لديفيد كيلكولن، مستشار قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال ديفيد بتريوس قال: «في باكستان 173 مليون نسمة، و100 رأس نووي، وجيش أكبر من الجيش الأمريكي… وقد وصلنا إلى مرحلة حيث يمكن رؤية انهيار النظام الباكستاني خلال ستة شهور… إنّ إطاحة المتشددين بالنظام سيدمر كل الذي نراه في الحرب على الإرهاب اليوم». وفي الثاني من كانون الأول 2009م ومن على شاشة محطة جيو الباكستانية أعربت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون عن قلقها من العمل للخلافة في باكستان.

وهذه التصريحات خرجت للعلن وبات التوجس من الخلافة المرتقبة ظاهرًا وماثلًا للعيان – برغم وجوده عبر العقود المنصرمة – بسبب تحسبهم وتوقعهم أن تقوم الخلافة بين لحظة وأخرى، ومنهم من توقع عودتها حتى عام 2020م كتقرير (رسم خريطة المستقبل العالمي) الصادر عن المجلس الوطني للاستخبارات في ولاية فيرجينيا التابعة لوكالة الاستخبارات الأمريكية C.I.A، وكنائب رئيس مجلس الدوما السابق ميخائيل يورييف.

وهذه التصريحات ليست الشاهد الوحيد على ما نؤكده من دنو الخلافة، بل إن الواقع الذي تحياه الأمة يدل على ذلك أتم الدلالة والوضوح، فالأمة الإسلامية اليوم باتت تتطلع للخلافة وللوحدة الإسلامية ولتطبيق الشريعة في كافة مناحي الحياة، وبات تمسك الأمة بالإسلام اليوم أكثر من أي وقت مضى، وباتت الأمة على أتم استعداد لتقديم التضحية تلو الأخرى في سبيل دينها، يدفعها إلى ذلك ترسخ مفاهيم العقيدة لديها، وإدراكها الحسي أن لا خلاص لها مما هي فيه سوى بالعودة للإسلام عبر إقامة دولته، وبات شعار «إن هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح به أوله» مفهومًا عمليًّا مجسَّدًا لدى الأمة بأسرها، كما أن الحكام الجاثمين على صدرها قد بانت سوءاتهم في وضح النهار، وباتوا يناصبون الأمة ومشروعها الحضاري العداء علانية، فهم شركاء أمريكا والغرب في الحرب على الإسلام، بل إن القوى الغربية قد انكشفت سوءاتها كذلك فبانت هشاشة جيوشها وقوتها العسكرية برغم امتلاكها لأعتى آلة عسكرية، فحلف شمال الأطلسي في أفغانستان عاش كابوسًا أرّق مضجعه من قبل ثلة من المسلمين لا من قبل جيش وأمة، بل إن من جيوش ذاك الحلف من دفع الإتاوات ليحتمي من هجمات المجاهدين في أفغانستان. كما رأينا ونرى جيش كيان يهود وهم مسنودين من الغرب بعدته وعتاده، وهم يفرون من أمام قلة من المجاهدين في غزة هاشم لا يلوون على شيء. ذلك واقع الغرب الكافر المهزوم نفسيًّا وميدانيًّا، وهذا واقع الأمة الذي تعيشه بكل خيوطه، ليؤكد على أن الأمة باتت مهيأة لتحتضن دولة الخلافة القادمة قريبًا بإذن الله، فالخلافة في نظر الأمة باتت واقعًا مرتقبًا لا حلمًا ولا أمنية.

أخيرًا هناك استطلاعات غربية كثيرة أجريت في السّنوات الأخيرة، أكّدت أنّ أكثر من 70 % من المسلمين يتلهَّفون لاستعادة الخلافة الإسلاميّة، التي يرى كثير منهم أنّها أصبحت قاب قوسين أو أدنى؛ ولأجل هذا فالعالم الغربيّ مدعوّ لمراجعة حساباته في هذا الموضوع، وقد آن الأوان أن يصغي للأصوات العاقلة من أبناء جلدته، ويضرب صفحًا عن الأصوات المتلعثمة التي تستدعيه ليخوض حربًا دفاعًا عن عروش رُدّ أصحابها إلى أرذل العمر لكيلا يعلموا من بعد علم شيئاً. لقد حاول فرعون أن يَحول دون ظهور النبيّ المخلّص، وأمر بقتل أبناء الذين آمنوا، ولكنّ الله أخزاه وأذلّه حين جعل موسى عليه السّلام ينشأ في بيته وفي حجر زوجته، وجعل نهايته على يده، ومنّ على الذين استضعفوا وأورثهم ملك فرعون وقصوره وكنوزه.

وختامًا: لن نجد من مفكري الغرب أوضح مما أكده الأوروبي برناردشو عندما قال: «إن العالم اليوم بحاجة إلى رجل مثل محمد صلى الله عليه وسلم يحل مشكلاته وهو يشرب فنجانًا من القهوة»، وفي ذلك دلالة واضحة على أن العالم قد يئس من جميع الأيدولوجيات الاشتراكية والرأسمالية، وما عليه إلا أن يدرس هذا الدين ويؤمن برسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ويطبق مبادئ الإسلام، لتعيش البشرية حياة آمنة مطمئنة إن شاء الله تعالى.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *