إعلام الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بمكان الهجرة
2024/08/03م
المقالات
934 زيارة
خبر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم عند الأمم السابقة:
– هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم عند النصارى إلى أرضٍ بين حرتين: روى الأمام أحمد جاء فيما رواه ابن عباس عن سلمان الفارسي رضي الله عنهم عن حاله قبل الإسلام، وتنقله من أسقف إلى أسقف آخر بحثًا عن الدين الصحيح حتى وصل إلى الأسقف الأخير أن من أوصاه إلى نبي الإسلام قال له: “ولكنه قد أظلك زمان نبي، هو مبعوث بدين إبراهيم، يخرج بأرض العرب مهاجراً إلى أرض بين حرتين ( أرض ذات الحجارة السود ) بينهما نخل، به علامات لا تخفى، يأكل الهدية، ولا يكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل”.
– هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم عند يهود إلى طابة: روى روى الدارمي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سأل كعب الأحبار: كيف تجد نعت رسول الله ص في التوراة، فقال كعب: نجده محمد بن عبد الله، يولد بمكة، ويهاجر إلى طابة ويكن ملكه في الشام، وليس بفحاش ، ولا سخاب في الأسواق ، ولا يكافئ بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ، ويغفر ، أمته الحمادون يحمدون الله في كل سراء ، ويكبرون الله على كل نجد ، يوضئون أطرافهم ، ويأتزرون في أوساطهم ، يصفون في صلاتهم كما يصفون في قتالهم ، دويهم في مساجدهم كدويِّ النحل ، يسمع مناديهم في جو السماء …” وأخرجه من طريق آخر وفيه: مولده بمكة، وهجرته بطيبة، وملكه بالشام.
– إعلام الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بمكان الهجرة: روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: . . . قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلْمُسْلِمِينَ: “إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ وَهُمَا الْحَرَّتَانِ، فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ، وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ”.
– روى النسائي عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أُتيت بدابة فوق الحمار ودون البغل، خطوها عند منتهى طرفها، فركبت ومعي جبريل عليه السلام، فسرت، فقال: انزل فصلِّ، ففعلت، فقال: تدري أين صليت؟ صليت بطيبة، وإليها المهاجر. ثم قال: انزل فصلِّ، فصليت، فقال: أتدري أين صليت؟ صليت بطور سيناء، حيث كلم الله موسى، ثم – يعني – قال: انزل فصلِّ، فصليت، فقال: أتدري أين صليت؟ صليت ببيت لحم، حيث ولد عيسى. ثم دخلت بيت المقدس، فجمع لي الأنبياء، فقدمني جبريل حتى أممتهم، ثم صعد بي إلى السماء الدنيا…”
– إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالهجرة إلى المدينة: قال ابن سعد في طبقاته يروي عن عائشة رضي الله عنها: “لما صدر السبعون من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم طابت نفسه، فقد جعل الله له منعة وقومًا أهل حرب وعدة ونجدة، وجعل البلاء يشتد على المسلمين من المشركين لما يعلمون من الخروج، فضيّقوا على أصحابه وتعبّثوا بهم، ونالوا ما لم يكونوا ينالون من الشتم والأذى. فشكا ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واستأذنوه في الهجرة، فقال: “قد أخبرت بدار هجرتكم وهي يثرب، فمن أراد الخروج فليخرج إليها” فجعل القوم يتجهَّزون ويتوافقون ويتواسَون ويخرجون ويُخفُون ذلك…”.
– إذن الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بالهجرة: وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد أصحابه من المهاجرين ينتظر أن يؤذن له في الهجرة، ولم يتخلَّف معه أحد من المهاجرين إلا من حُبس أو افُتتن إلا علي بن أبي طالب و أبو بكر، وكان أبو بكر كثيرًا ما يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة فيقول له: “لا تعجل لعل الله أن يجعل لك صاحبًا” فيطمع أبو بكر أن يكون هو.
– مؤتمر الندوة للبحث بشأن الهجرة: قال المباركفوري في الرحيق المختوم: ولما رأى المشركون أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تجهَّزوا وخرجوا وحملوا وساقوا الذراري والأطفال والأموال إلى الأوس والخزرج، أصابتهم الكآبة والحزن، وساورهم القلق والهمُّ بشكل لم يسبق له مثيل، فقد تجسَّد أمامهم خطر حقيقيٌّ عظيم، أخذ يهدد كيانهم الوثني والاقتصادي. فقد كانوا يعلمون ما في شخصية محمد صلى الله عليه وسلم من غاية قوة التأثير مع كمال القيادة والإرشاد، وما في أصحابه من العزيمة والاستقامة والفداء في سبيله، ثم ما في قبائل الأوس والخزرج من القوة والمنعة، وما في عقلاء هاتين القبيلتين من عواطف السلم والصلاح، والتداعي إلى نبذ الأحقاد، ولاسيما بعد أن ذاقوا مرارة الحروب الأهلية طيلة أعوام من الدهر. كما كانوا يعرفون ما للمدينة من الموقع الاستراتيجي بالنسبة إلى المحجة التجارية التى تمر بساحل البحر الأحمر من اليمن إلى الشام. وقد كان أهل مكة يتاجرون إلى الشام بقدر ربع مليون دينار ذهب سنويًا، سوى ما كان لأهل الطائف وغيرها. ومعلوم أن مدار هذه التجارة كان على استقرار الأمن في تلك الطريق. فلا يخفى ما كان لقريش من الخطر البالغ في تمركز الدعوة الإسلامية في يثرب، ومجابهة أهلها ضدهم. شعر المشركون بتفاقم الخطر الذي كان يهدد كيانهم، فصاروا يبحثون عن أنجح الوسائل لدفع هذا الخطر الذي مبعثه الوحيد هو حامل لواء دعوة الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم. وفي يوم الخميس 26 من شهر صفر سنة 14 من النبوة، الموافق 12 من شهر سبتمبر سنة 622م ـ أي بعد شهرين ونصف تقريبًا من بيعة العقبة الكبرى ـ عقد برلمان مكة [دار الندوة] في أوائل النهار أخطر اجتماع له في تاريخه، وتوافد إلى هذا الاجتماع جميع نواب القبائل القرشية؛ ليتدارسوا خطة حاسمة تكفل القضاء سريعًا على حامل لواء الدعوة الإسلامية؛ وتقطع تيار نورها عن الوجود نهائيًا. وكانت الوجوه البارزة في هذا الاجتماع الخطير من نواب قبائل قريش: 1 ـ أبو جهل بن هشام، عن قبيلة بني مخزوم. 2، 3، 4ـ جبير بن مُطْعِم، وطُعَيْمَة بن عديّ، والحارث بن عامر، عن بني نَوْفَل بن عبد مناف. 5، 6، 7ـ شيبة وعتبة ابنا ربيعة وأبو سفيان بن حرب، عن بني عبد شمس بن عبد مناف. 8 ـ النَّضْر بن الحارث، عن بني عبد الدار. 9، 10، 11ـ أبو البَخْتَرِى بن هشام، وزَمْعَة بن الأسود، وحَكِيم بن حِزَام، عن بني أسد بن عبد العزى. 12، 13ـ نُبَيْه ومُنَبِّه ابنا الحجاج، عن بني سهم. 14ـ أمية بن خَلَف، عن بني جُمَح. ولما جاءوا إلى دار الندوة حسب الميعاد، اعترضهم إبليس في هيئة شيخ جليل، عليه بَتله، ووقف على الباب، فقالوا: من الشيخ؟ قال: شيخ من أهل نجد سمع بالذي اتَّعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون، وعسى ألا يعدمكم منه رأيًا ونصحًا. قالوا: أجل، فادخل، فدخل معهم النقاش البرلماني والإجماع على قرار غاشم بقتل النبي صلى الله عليه وسلم. وبعد أن تكامل الاجتماع بدأ عرض الاقتراحات والحلول، ودار النقاش طويلًا. قال أبو الأسود: نخرجه من بين أظهرنا وننفيه من بلادنا، ولا نبالي أين ذهب، ولا حيث وقع، فقد أصلحنا أمرنا وألفتنا كما كانت. قال الشيخ النجدي: لا والله ما هذا لكم برأي، ألم ترَوا حسن حديثه، وحلاوة منطقه، وغلبته على قلوب الرجال بما يأتى به؟ والله لو فعلتم ذلك ما أمنتم أن يحلَّ على حيٍّ من العرب، ثم يسير بهم إليكم بعد أن يتابعوه حتى يطأكم بهم في بلادكم، ثم يفعل بكم ما أراد، دبروا فيه رأيًا غير هذا. قال أبو البخترى: احبسوه في الحديد وأغلقوا عليه بابًا، ثم تربَّصوا به ما أصاب أمثاله من الشعراء الذين كانوا قبله ـ زهيرًا والنابغة ـ ومن مضى منهم، من هذا الموت، حتى يصيبه ما أصابهم. قال الشيخ النجدي: لا والله ما هذا لكم برأي، والله لئن حبستموه ـ كما تقولون ـ ليخرجَنَّ أمره من وراء الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه، فلأوشكوا أن يثبوا عليكم، فينزعوه من أيديكم، ثم يكاثروكم به حتى يغلبوكم على أمركم، ما هذا لكم برأي، فانظروا في غيره. وبعد أن رفض البرلمان هذين الاقتراحين، قدم إليه اقتراح آثم وافق عليه جميع أعضائه، تقدم به كبير مجرمى مكة أبو جهل بن هشام. قال أبو جهل: واللهِ إن لي فيه رأيًا ما أراكم وقعتم عليه بعد. قالوا: وما هو يا أبا الحكم؟ قال: أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتًى شابًّا جليدًا نَسِيبًا وَسِيطًا فينا، ثم نعطي كل فتًى منهم سيفًا صارمًا، ثم يعمدوا إليه، فيضربوه بها ضربة رجل واحد، فيقتلوه، فنستريح منه، فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرَّق دمه في القبائل جميعًا، فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعًا، فرضوا منا بالعَقْل، فعقلناه لهم. قال الشيخ النجدي: القول ما قال الرجل، هذا الرأي الذي لا رأي غيره. ووافق برلمان مكة على هذا الاقتراح الآثم بالإجماع، ورجع النواب إلى بيوتهم وقد صمَّموا على تنفيذ هذا القرار فورًا.
– مبيت علي رضي الله عنه على فراش النبي صلى الله عليه وسلم: جاء في البداية والنهاية لابن كثير: فأتى جبرائيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: لا تَبِتْ هذه الليلة على فراشك الذي كنتَ تبيت عليه. قال: فلما كانت عتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه حتى ينام فيثبون عليه. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانهم قال لعلي بن أبي طالب: «نَمْ على فراشي وتسجَّ ببردي هذا الحضرمي الأخضر، فنمْ فيه فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم». وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام في برده ذلك إذا نام. قال ابن إسحاق: فحدثني يزيد بن أبي زياد عن محمد بن كعب القرظي. قال: لما اجتمعوا له وفيهم أبو جهل قال، وهم على بابه: إن محمدًا يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره كنتم ملوك العرب والعجم، ثم بُعثتم من بعد موتكم، فجُعلت لكم جنان كجنان الأردن، وإن لم تفعلوا كان فيكم ذبح، ثم بُعثتم بعد موتكم، ثم جعلت لكم نار تُحرقون فيها. قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ حفنة من تراب في يده ثم قال: «نعم أنا أقول ذلك، أنت أحدهم»، وأخذ الله على أبصارهم عنه فلا يرونه، فجعل ينثر ذلك التراب على رؤوسهم وهو يتلو هذه الآيات: ]يسٓ١ وَٱلۡقُرۡءَانِ ٱلۡحَكِيمِ ٢ إِنَّكَ لَمِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ ٣ عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ٤[إلى قوله:]وَجَعَلۡنَا مِنۢ بَيۡنِ أَيۡدِيهِمۡ سَدّٗا وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ سَدّٗا فَأَغۡشَيۡنَٰهُمۡ فَهُمۡ لَا يُبۡصِرُونَ ٩[ [يس: 1-9] ولم يبقَ منهم رجل إلا وقد وضع على رأسه ترابًا، ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب. فأتاهم آتٍ ممن لم يكن معهم فقال: ما تنتظرون ههنا؟ قالوا: محمدًا. فقال: خيبَّكم الله، قد والله خرج عليكم محمد، ثم ما ترك منكم رجلًا إلا وقد وضع على رأسه ترابًا، وانطلق لحاجته! أفما ترون ما بكم؟ قال: فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا عليه تراب، ثم جعلوا يتطلعون فيرون عليًّا على الفراش متسجِّيًا ببرد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون: والله إن هذا لمحمدٌ نائمًا، عليه برده، فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا، فقام علي عن الفراش فقالوا: والله لقد كان صدقنا الذي كان حدثنا.
– مسير النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة: وعن مسير الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، روت عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فقَالَتْ: «لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَرَفَيِ النَّهَارِ، بُكْرَةً وَعَشِيَّةً… وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلْمُسْلِمِينَ: “إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ، ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لاَبَتَيْنِ” وَهُمَا الحَرَّتَانِ، فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ المَدِينَةِ، وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ بِأَرْضِ الحَبَشَةِ إِلَى المَدِينَةِ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ قِبَلَ المَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “عَلَى رِسْلِكَ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي” فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَلْ تَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِي أَنْتَ؟ قَالَ: “نَعَمْ” فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِيَصْحَبَهُ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ وَهُوَ الخَبَطُ، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ…. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَبَيْنَمَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، قَالَ قَائِلٌ لِأَبِي بَكْرٍ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُتَقَنِّعًا، فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِدَاءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي، وَاللَّهِ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ، قَالَتْ: فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَأْذَنَ، فَأُذِنَ لَهُ فَدَخَلَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي بَكْرٍ : “أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ” فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ، بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: “فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الخُرُوجِ” فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الصَّحَابَةُ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “نَعَمْ” قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَخُذْ -بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ- إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم “بِالثَّمَنِ” قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الجِهَازِ، وَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ، فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا، فَرَبَطَتْ بِهِ عَلَى فَمِ الجِرَابِ، فَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ، قَالَتْ: ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ، فَكَمَنَا فِيهِ ثَلاَثَ لَيَالٍ، يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ غُلاَمٌ شَابٌّ، ثَقِفٌ لَقِنٌ، فَيُدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ، فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ، فَلاَ يَسْمَعُ أَمْرًا، يُكْتَادَانِ بِهِ إِلَّا وَعَاهُ، حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلاَمُ، وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ، فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا حِينَ تَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنَ العِشَاءِ، فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلٍ، وَهُوَ لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا وَرَضِيفِهِمَا، حَتَّى يَنْعِقَ بِهَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ، يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلاَثِ، وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ، هَادِيًا خِرِّيتًا، وَالخِرِّيتُ المـَاهِرُ بِالهِدَايَةِ، قَدْ غَمَسَ حِلْفًا فِي آلِ العَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ، وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَأَمِنَاهُ فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلاَثٍ، وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، وَالدَّلِيلُ، فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ السَّوَاحِلِ.
– لحوق النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر بالغار: قال ابن إسحاق: ثم عمدا إلى غار بثور – جبل بأسفل مكة – فدخلاه، وأمر أبو بكر الصديق ابنه عبد الله أن يتسمَّع لهما ما يقول الناس فيهما نهاره، ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون في ذلك اليوم من الخبر، وأمر عامر بن فهيرة مولاه أن يرعى غنمه نهاره، ثم يريحها عليهما إذا أمسى في الغار. فكان عبد الله بن أبي بكر يكون في قريش نهاره معهم، يسمع ما يأتمرون به وما يقولون في شأن رسول الله صلى الله عليه وسلموأبي بكر، ثم يأتيهما إذا أمسى فيخبرهما الخبر ، وكان عامر بن فهيرة يرعى في رعيان أهل مكة، فإذا أمسى أراح عليهما غنم أبي بكر فاحتلبا وذبحا، فإذا غدا عبد الله بن أبي بكر من عندهما إلى مكة اتبع عامر بن فهيرة أثره بالغنم يعفي عليه… وقال ابن إسحاق : وكانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها تأتيهما من الطعام إذا أمست بما يصلحهما. قالت أسماء: ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر أتانا نفر من قريش فيهم أبو جهل بن هشام، فوقفوا على باب أبي بكر، فخرجت إليهم، فقالوا: أين أبوك يا ابنة أبي بكر؟ قالت: قلت: لا أدري والله أين أبي؟ قالت: فرفع أبو جهل يده – وكان فاحشًا خبيثًا – فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي، ثم انصرفوا .
– دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم عند خروجه للهجرة: وقد روى أبو نعيم من طريق إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق، قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلملما خرج من مكة مهاجرًا إلى الله يريد المدينة، قال: “الحمد لله الذي خلقني ولم أكُ شيئًا، اللهم أعنّي على هول الدنيا، وبوائق الدهر، ومصائب الليالي والأيام، اللهم اصحبني في سفري، واخلفني في أهلي، وبارك لي فيما رزقتني، ولك فذللني، وعلى صالح خلقي فقوِّمني، وإليك رب فحبِّبني، وإلى الناس فلا تكلني. ربَّ المستضعفين، وأنت ربي، أعوذ بوجهك الكريم الذي أشرقت له السماوات والأرض، وكشفت به الظلمات، وصلح عليه أمر الأولين والآخرين، أن تحلَّ علي غضبك، وتنزل بي سخطك، أعوذ بك من زوال نعمتك، وفجأة نقمتك، وتحوُّل عافيتك، وجميع سخطك، لك العتبى عندي خير ما استطعت، لا حول ولا قوة إلا بك”… وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين.
2024-08-03