اللاسامية وعلاقتها بقضية فلسطين (2)
2024/06/19م
المقالات
1,602 زيارة
يوسف الساريسي
الأرض المباركة فلسطين
قوانين مكافحة معاداة السامية
قبل الحرب العالمية الثانية لم تكن هناك قوانين دولية لمكافحة معاداة اليهود واللاسامية؛ ولكن بعد انتهاء الحرب والكشف عن الهولوكوست والإبادة الجماعية لليهود التي نفذها النازيون، بدأت الدول في اتخاذ تدابير لمكافحة معاداة السامية والتمييز الديني والعرقي، ولضمان عدم تكرارها في المستقبل.
وقد تم إنشاء المحكمة الدولية العسكرية في نورمبرغ بألمانيا بعد نهاية الحرب في العام 1945م؛ لمحاكمة المسؤولين النازيين عن الجرائم بما في ذلك الهولوكوست. كما وضعت أسسًا قانونية للمحاكمات الجنائية الدولية، وساهمت في بلورة المفهوم القانوني لجريمة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.
في السنوات التالية، بدأت الدول في وضع تشريعات لمكافحة معاداة السامية، وعقوبات على تشجيع الكراهية الدينية أو العنصرية ولتعزيز الحماية من معاداة السامية. قد أسهمت الأمم المتحدة في التحذير من أخطار التمييز والكراهية، وضغطت لاتخاذ إجراءات فعّالة لمحاربة هذه الظاهرة، والعمل دوليًا لمنع تكرار جرائم الهولوكوست والحفاظ على حقوق الإنسان.
فبعد الحرب العالمية الثانية، تم اتخاذ عدة قرارات دولية تتعلق بمعاداة السامية والحفاظ على حقوق الإنسان. مثل:
القرار 96 (1946): اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الأولى هذا القرار الذي أسس لجنة لدراسة وإعداد مشروع ميثاق لمحكمة جنائية دولية. على إثر جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي ارتكبها النازيون.
القرار 181 (1947): صدر عن الجمعية العامة ودعم تقسيم فلسطين إلى دولة يهودية ودولة عربية، وذلك قبيل انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين. ومع أنه غير متعلق مباشرة بمعاداة السامية، إلا أن تأثيره كان هامًا في الاعتراف بوطن قومي لليهود في فلسطين.
قرار 260 (1948): أعلنت الجمعية العامة في هذا القرار تحديد «جريمة الإبادة الجماعية». وهذا يعتبر خطوة مهمة في توسيع تعريف الجرائم ضد الإنسانية.
قرار 7/60 (2005): صدر عن الجمعية العامة، وتم تعيين يوم 1/27 من كل عام لإحياء ذكرى الهولوكوست، والتأكيد على ضرورة مكافحة جميع أشكال العنصرية والكراهية والتمييز الديني والعرقي.
معاقبة من ينكر محرقة الهولوكوست:
كان من ضمن ما نتج عن الهولوكوست من قوانين هو عدم حق أي شخص في إنكار المحرقة أو التشكيك فيها أو في أعداد المقتولين، واعتبرت العديد من الدول إنكار المحرقة النازية والهولوكوست جريمة يعاقب عليها؛ بدعوى حماية الحقائق التاريخية، ولكون هذه الأحداث هي جزء من تاريخ مأساوي حدث في القرن العشرين، ولمنع ترويج الكراهية العنصرية والتمييز تحت عباءة إنكار هذه الأحداث، وللحفاظ على السلم الاجتماعي والاستقرار ضد من يثير النعرات الدينية والعرقية، وللحفاظ على الكرامة البشرية بالاعتراف لضحايا الهولوكوست وعائلاتهم.
وقامت العديد من الدول بتجريم إنكار المحرقة النازية والهولوكوست وأجرت محاكمات لمن ينكر هذه الأحداث التاريخية. وتتباين قوانين إنكار المحرقة من بلد إلى بلد، فبعض الدول -مثل كندا- تعتبر ذلك ترويجًا للتمييز والكراهية. فيما تعتبرها دول أخرى كألمانيا وفرنسا والنمسا وبولندا والنرويج جريمة جنائية. وقد تجاوزت قوانين مكافحة معاداة السامية وإنكار المحرقة النازية أغراضها، وأصبحت تشكل العصى الغليظة التي تلوح بها دول أوروبا وأمريكا لكل من يحاول مجرد انتقاد اليهود أو التعرض لهم، وبعد قيام دولة الكيان أدخلت تحت هذه العباءة وأصبح انتقادها أيضًا عملًا لاساميًّا وجريمة يعاقب عليها بالقانون، فحرق علم الكيان يعتبر في أمريكا جريمة في حين حرق العلم الأمريكي لا عقوبة عليه!!.
تأثير المحرقة النازية على قيام كيان يهود في فلسطين
كان للهولوكوست وقوانين مكافحة اللاسامية أثر كبير على قيام دولة لليهود في فلسطين، فمن جهة شكلت محرقة الهولوكوست حافزًا قويًّا لليهود وللحركة الصهيونية لإقامة وطن آمن، ومن جهة أخرى زاد الدعم الدولي لفكرة إقامة دولة يهودية؛ حيث تأثر الرأي العام بشكل كبير وزاد الدعم لحق اليهود في الحصول على وطن قومي لليهود. وكانت واحدة من النتائج الهامة لذلك هي قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين في عام 1947، الذي فتح الباب أمام إنشاء دولة يهود.
وقد قامت بريطانيا بعد احتلالها لفلسطين سنة 1917م بإصدار وعد بلفور وسمحت بهجرة اليهود إلى فلسطين، وكانت هناك هجرة غير شرعية لليهود تصل الساحل الفلسطيني بواسطة سفن مكتظة باللاجئين؛ ولكن بعض العصابات اليهودية المسلحة مثل «الهاغاناه» قامت بتنفيذ عمليات ضد القوات البريطانية في منتصف الثلاثينات بهدف إيجاد ممرات للهجرة اليهودية. وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية هاجر عدد كبير من اليهود إلى فلسطين، بما في ذلك الناجين من المحرقة، وتصاعدت الهجمات اليهودية ضد القوات البريطانية لزيادة الضغوط على بريطانيا لرفع القيود عن الهجرة وللحصول على استقلالهم. وقبل يوم واحد من إعلان بريطانيا إنهاء الانتداب في 15/5/1948م، أعلن دافيد بن غوريون إقامة دولة «إسرائيل».
وبهذا يمكن اعتبار أن قيام «إسرائيل» هو نتيجة لإرادة بريطانية وأمريكية ودولية في الدرجة الثانية ونتيجة لجهود الحركة الصهيونية وتأثير اللاسامية والهولوكوست على الرأي العام الدولي لإقامة دولة يهودية.
إن الأعداء الحقيقيين للأمة الإسلامية وأهل فلسطين هم أوروبا وأمريكا، وما كيان يهود إلا أحد صنائع أوروبا، فهو مولودهم الذي أنشؤوه وحمَوه ودعموه في كل المراحل ولا زالوا، وهدفهم من إيجاد هذا الكيان أمران: أولهما الظاهر وهو التخلص من المشكلة اليهودية الموجودة في أوروبا منذ قرون، والهدف الثاني المخفي وهو زرع كيان غريب يقسم بلاد المسلمين ليشتغلوا به ويبقيهم متفرقين ويبعدهم عن عدوهم الحقيقي بعدو آخر بحيث يؤدي ذلك إلى منع نهضتهم وتوحيدهم ويبقيهم ضعفاء؛ وبذلك يصرف ويعيق المسلمين عن العمل لإعادة الخلافة مرة أخرى.
التذرع باللاسامية ضد من يهاجم دولة اليهود
بعد قيام هذا الكيان بمعونة أوروبية وأمريكية واحتلاله ما يقارب 78% من أرض فلسطين سنة 1948م ثم احتلال الباقي سنة 1967م، فما زال الكيان يبرر وجوده الشرعي ويبرر أفعاله الإجرامية بالاستناد إلى الهولوكوست واللاسامية والحق التاريخي والحق الديني، ويحاول اتهام من يعاديه أو ينتقده أو يتخذ مواقف متعاطفة مع أهل فلسطين بأنه معاد للسامية.
وهذا الخلط بين معاداة السامية ومعاداة كيان يهود متعمد من طرفهم لتحصين أنفسهم ولمنع انتقاده أو اتخاذ أي موقف سلبي ضده. وإن عدم وجود حد فاصل بين مفهوم معاداة السامية ومعاداة سياسات وأفعال الكيان الإجرامية يخلق التباسًا مقصودًا في الرأي العام الدولي، وهذا الالتباس يشبه ما ذكره القرآن عن اليهود في قوله تعالى: (وَلِيَلۡبِسُواْ عَلَيۡهِمۡ دِينَهُمۡۖ). ومن السخرية أن يقوم الكيان باتهام الصين بمعاداة السامية نتيجة موقفها من حرب غزة، في حين أن الصين هي أبعد ما يكون عن مسألة اللاسامية؛ ولكن هذه الشماعة التي يعلقون عليها دائمًا في الرد على من ينتقدهم.
من جانبهم عبّر كُتّاب يهود في المجلة الأدبية الإلكترونية (إن+1) عن رفضهم لــ» الخطاب السائد الذي يُعِدّ أي انتقاد لإسرائيل معاداة للسامية» وأشاروا إلى أن مفهوم معاداة السامية استُخدم حتى الآن «لحماية إسرائيل من المساءلة، ولإخفاء حقيقة الاحتلال، وإنكار السيادة الفلسطينية»، وأن المفهوم نفسه يستخدم اليوم «لتسويغ قصف إسرائيل لغزة، وإسكات الانتقادات داخل المجتمع الدولي». المصدر: الجزيرة نت في 7/12/2023م.
ونرى هذا واضحاً أيضًا في تصرفات بعض الدول كأمريكا، فالمبعوثة الخاصة لرصد ومكافحة معاداة السامية ديبورا ليبستادت ذكرت بأن أمريكا تشجب وتدين الصور والخطابات المعادية للسامية في أمريكا والصين وجميع أنحاء العالم. وحسب تعريف وزارة الخارجية الأمريكية فإن معاداة السامية تعني: إما رفض الاعتراف بشرعية «إسرائيل»، أو تحميلها مسؤولية التوترات الدينية والسياسية في المنطقة، أو أنكار حق اليهود في تقرير مصيرهم، أو التشكيك في الأرقام المنشورة عن الاعتداءات عليهم.
منطق أوروبا في التكفير عن الهولوكوست
إن حكام أوروبا وما يحملونه من أفكار رأسمالية ونظرتهم الداروينية للحياة تجعل العنصرية والتفوق العرقي والنازية تجري في عروقهم، فهم من أجرم في قتل اليهود في بلادهم لأسباب عنصرية، ثم قاموا بتعويض الضحايا من اليهود بارتكاب جريمة أكبر في حق المسلمين بالتضحية بفلسطين للضحايا اليهود.
وهذا يعبر عن القيم الزائفة والتعسف والظلم المستمر لهذه الحضارة الفاسدة، وهناك مقولة مشهورة إن من لا يملك أعطى فلسطين لمن لا يستحق، فبدل أن يعاقب المذنب الحقيقي المجرم ويعوض الضحية ويكفر عن خطيئته، يقوم الغرب بتسليم فلسطين التي لا يملكها ليُضحى بها تعويضًا عن جرائمه؛ وبذلك تكون جريمته مركبة ومزدوجة. وهذا ليس مستغربًا من أصحاب هذه الحضارة الزائفة، فالغرب الذي يحمل معيار البراغماتية لا يهمه الحق ولا قيمة عنده للعدل، وما يهمه هو المنفعة والمصلحة، فلا اعتبار عنده لحق أهل فلسطين في أرضهم وبلادهم، فما دام تقديم فلسطين ثمنًا لليهود لا يضر بهم، فلمَ لا؟!
تصرف يهود الوحشي في غزة وعلاقته بالمحرقة
قام كيان يهود بأعمال وحشية وانتقام وقتل جماعي وتهجير ليس له مثيل في حرب غزة بعد 7/10/2023م وما زال، ولا يفهم هذا التصرف الذي يشابه الإبادة الجماعية التي قام بها النازيون إلا من نفوس مريضة مليئة بالعنصرية والحقد والعداوة للغير وخصوصًا المسلمين، وكل تصرفاتهم بعد ما حدث تنمُّ عن طبيعة عنصرية مقيتة، وكأن اليهود تقمصوا تصرفات عدوهم النازي، فبعد أن كانوا هم الضحية أصبحوا هم الجلادين، وصاروا يستغلون الفرصة للتسلّط على من هم أضعف منهم. فمثلًا وصف وزير دفاعهم لأهل غزة بأنهم حيوانات بشرية واقتبس نتانياهو من كتبهم المحرفة عن لزوم القيام بالإبادة الجماعية للعماليق ويقصد أهل غزة، وهو تكرر مرارًا من كافة الوسط السياسي اليميني العنصري الذي يدعو إلى إبادة غزة ومسحها عن وجه الأرض وتهجير أهلها إلى مصر.
وبعد ما رآه العالم من إبادة وعنصرية دفع جنوب أفريقيا إلى تقديم شكوى لمحكمة العدل الدولية في لاهاي لوقف الإبادة الجماعية التي يقوم بها الكيان في حق أهل غزة، وهذا الأمر استفز الكيان استفزازًا عظيمًا ودفعه للمثول أمام هذه المحكمة للدفاع عن نفسه، وكان على رأس المحامين المدافعين أهارون باراك (87 عامًا) وهو أحد الناجين من الهولوكوست من أصل ليتواني، وهو كان يترأس سابقًا المحكمة العليا في الكيان؛ وذلك حتى يقول للعالم بأنه هو الذي تعرض للمحرقة النازية، ومن أجله سنت قوانين دولية لمنع تكرار الإبادة الجماعية والهولوكوست، فكيف تجرؤون على اتهام ما يقوم به الكيان تجاه غزة بأنه إبادة جماعية، وأن عليكم أن تستحوا من مجرد التلفظ بهذا تجاه اليهود و»إسرائيل»، فقد قال نتانياهو في 11/1/2024م: (نحارب الإرهابيين ونحارب الأكاذيب، رأينا اليوم عالـَمًا مقلوبًا رأسًا على عقب. فإسرائيل متهمة بارتكاب إبادة جماعية بينما تحارب الإبادة الجماعية).
موقفنا من مصطلح اللاسامية
مصطلح معاداة السامية أو اللاسامية هو اصطلاح خاص بمنطقة معينة وتاريخ معين والمنطقة هي أوروبا، وبتاريخ معين وهو القرن العشرين، وهذه المشكلة لا يمكن أن تستوعب ولا أن تفهم في غير الإطار الأوروبي.
فالعنصرية هي نتاج التاريخ الأوروبي والحضارة الغربية الرأسمالية. ومعاداة السامية هي نتاج أوروبي خالص لا شأن للمسلمين ولا للعرب ولا لباقي الشعوب فيه. ولا يوجد لمفهوم اللاسامية أي معنى عندما يتعلق الأمر بالعرب والمسلمين، وعند مخاطبة العرب والساميين بهذا الدعوى فإنها توجد التباسًا وارتباكًا لا يمكن فهمه بأنهم معادون للسامية، وهم أصلًا من الشعوب السامية، فالسامية في السياق الأوروبي هي معاداة اليهود حصرًا، وليس معاداة الشعوب السامية كلها، لأنها لم تكن جزءًا من تاريخ أوروبا.
والإسلام يحرم التمييز على أساس العرق واللون؛ حيث لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى. وفي الإسلام هناك نظرة خاصة لأهل الكتاب مميزة عن باقي الملل الكافرة حيث أباح الإسلام أكل طعامهم ونكاح نسائهم. فاليهود عاشوا منذ دولة الإسلام الأولى في المدينة المنورة وحتى اليوم في بلاد لمسلمين -بوصفهم أهل ذمة- من المغرب ومصر واليمن والعراق وسوريا وفي فلسطين كرعايا، ولم تحدث مشكلة معاداة السامية ولا مشكلة مذابح ولا محرقة لليهود في هذه البلاد، بل بالعكس عندما طرد المسلمون من الاندلس خرج اليهود معهم إلى بلاد المغرب وإلى المناطق المجاورة لعاصمة الدولة العثمانية؛ ولكنهم للأسف تآمروا على الدولة العثمانية وكانوا من أهم المعاول في هدمها خصوصًا يهود الدونمة والذي كان منهم هادم الخلافة مصطفى كمال لعنه الله.
ولذلك لا تجد لمفهوم معاداة السامية أي وجود بين العرب والمسلمين لعدم وجود العنصرية لا ضد اليهود ولا ضد غيرهم؛ ولذلك لم يوجد من بين هؤلاء اليهود من دعم الحركة الصهيونية. وبالتالي لا يستساغ لعربي ومسلم ذو أصول سامية أن يقال له أنت معادٍ للسامية من زاوية عنصرية قومية، فكيف يعادي الإنسان أصله وعنصره وذاته، ألا يرى من يقول عن العرب بأنهم لاساميون تناقضًا صارخًا في اتهامهم هذا؟!
ولذلك فالمسلمون لا علاقة لهم بهذا المصطلح، ولا يقرُّون به ولا يتعاملون معه، وهو لا معنى له في حضارتنا وتاريخنا ولا يخصنا ولا يلزمنا بشيء. أما موقفنا من الكيان المغتصب لأرض فلسطين هو موقفنا من أي كافر محارب فعلًا، جاء واغتصب أرضنا وحاربنا فوجب علينا محاربته وطرده من أرضنا كما طردنا أهل الصليب والتتار من قبل؛ ولذلك لا علاقة لموقفنا من الكيان الغاصب بمفهوم اللاسامية لا من قريب ولا من بعيد.
الخلاصة
يدعي يهود أن لهم حقًّا تاريخيًّا ودينيًّا في أرض فلسطين، أما ادعاء الحق التاريخي فهذا لا قيمة له ولا اعتبار عندنا، فهذه أرض إسلامية خراجية يجب المحافظة عليها، ويجب أن تكون جزءًا من دار الإسلام ودولة الإسلام. والتاريخ لا يعطي حقًّا لأحد بملكية أرض في يد الغير، فهو ليس من أسباب التملك الشرعية والأرض تبقى بيد مالكها بحكم الأصل ولا تنتزع ملكيتها منه إلا بسبب شرعي، ومن اغتصب أرض غيره فإنه لا حق له فيها بذريعة الحق التاريخي أو غيره، وما فعل اليهود في اغتصابهم أرض فلسطين من أصحابها سنة 1948م كان بالحرب والقتل والإكراه ولا يثبت ذلك أي ملكية لهم فيها، بل لا بد من إخراجهم منها وعودتهم من حيث جاؤوا.
أما الحق الديني المزعوم في أرض بيت المقدس فقد كان ذلك أيام سيدنا موسى عليه حين أمرهم الله بدخول الأرض المقدسة؛ ولكنهم قالوا لموسى (فَٱذۡهَبۡ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَٰتِلَآ إِنَّا هَٰهُنَا قَٰعِدُونَ) فحرمها الله عليهم 40 سنة، وهذا الأمر انتهى بزوال ملكهم بعد حكم سيدنا داود وسليمان ومن بعدهم، ثم أصبحت هذه الأرض إسلامية بحكم الفتح الإسلامي وأصبح المسجد الأقصى للمسلمين بقرار رباني في سورة الإسراء.
إن أمريكا وأوروبا هم الأعداء وهم أصل الداء، فهما من قامتا بصياغة النظام الدولي الظالم بعد انتصارهم في الحرب العالمية الثانية على النازيين ومحورهم، وهي من قامت بصياغة تلك القوانين التي تعاقب من يعادي السامية، فأوجدوا رأيًا عامًّا دوليًّا يتعاطف مع ضحايا المحرقة النازية من اليهود بعد الحرب وهم اتخذوا قرارات صارمة لمكافحة معاداة السامية، وقد استغلوا هم والحركة الصهيونية الهولوكوست ومعاداة السامية لدعم إقامة دولة لليهود في فلسطين، ثم استغله هذا الكيان لصالح بقائه ولصالح سياساته العدوانية ضد أهل فلسطين، ويحاول الكيان جعل من يعاديه أو ينتقد سياساته العدوانية أو يتخذ مواقف متعاطفة مع أهل فلسطين بأنه معادٍ للسامية.
وقد لاحظنا استخدام الكيان والأوروبيون والأمريكان لهذه الشمَّاعة المسماَّة اللاسامية في الحرب الأخيرة على غزة للدفاع عما يقومون به من إجرام وإبادة وتهجير لأهل غزة، وهم يتصوَّرون بأنه مهما فعلوا بأنهم فوق المحاسبة والانتقاد؛ لأنهم شعب الله المختار؛ ولذلك تمنع معاداتهم والتعرض لأي شأن من شؤونهم بواسطة القوانين الصارمة والرأي العام الدولي؛ ولكن هذا الوهم بدأ يتزعزع في الرأي العام الدولي بعد جرائم يهود في غزة، وهو في طريقه للزوال بمشيئة الله.
وأخيرا فنحن لا نستخدم اسم دولة «إسرائيل» في الإشارة إلى الكيان؛ لأن في ذلك نوعًا من الاعتراف بدولتهم، والاسم الأنسب للكيان الغاصب لفلسطين هو دولة يهود، أما محاولة الوطنيين الابتعاد عن استخدام هذا الاسم بدعوى أن حربهم ليست حربًا دينية مع اليهود بل مع الصهاينة فهو أمر لا نقر به؛ لأن من يحاربنا ويغتصب أرضنا يفعل ذلك من منطلقه كيهودي إما كدين وإما كقومية بأن لهم الحق في إقامة دولة على أرض فلسطين، وكلا المنطلقين موجودان في وصف الكيان لنفسه فكان الاسم الأنسب له كيان يهود… والحمد لله رب العالمين.
2024-06-19