في سبيل ترشيد ثورات الربيع العربي: الاستعانة بالغرب إثمه كبير وضرره خطير
2015/04/30م
المقالات, كلمات الأعداد
2,222 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
في سبيل ترشيد ثورات الربيع العربي:
الاستعانة بالغرب إثمه كبير وضرره خطير
لقد أتقن الغرب سياسة دفع الشعوب والأنظمة والجماعات والثورات إلى الاستعانة به، وجعلها نزعة عامة وتوجهاً طبيعياً لديها للتخلص من المشاكل التي تواجهها. والغرب لجأ إلى هذا الأسلوب بعد أن تطورت طريقة الاستعمار لدى دوله، وتحوَّل من استعمار مباشر وصريح إلى استعمار مبطن؛ فكان هذا الأسلوب من أنجح أساليبه لفرض نفوذه على الشعوب والأنظمة وحتى الجماعات، ودفعها للارتباط به ارتباط عمالة وارتهان، فمثلاً من باب الحاجة إلى المال يتدخل عن طريق المصرف والبنك الدوليين في سياسة الأنظمة الداخلية والخارجية. وعن طريق الحاجة إلى السلاح يفرض وجهة استعماله ويمنع، وعن طريق الحاجة إلى خبراته العلمية يدرب البعثات العلمية والعسكرية ليتمكن من شراء الذمم وإيجاد العملاء…بل أكثر من ذلك فإنه بات يتدخل بين الشعوب وأنظمتها الحاكمة، لمصلحة الشعوب إن كان في هذا مصلحته، أو لمصلحة الأنظمة إن كان في ذلك مصلحته، وفي كل الأحوال بات هذا التدخل الأجنبي أمراً طبيعياً مقبولاً به، لا بل أصبح مطلوباً في كثير من الأحيان، مع أن فيه الموت الزؤام، وصار السعيد من يحظى بالمساعدة! ومما تتمثل به الاستعانة بالغرب عادة، فعن طريق قبول مساعداتها بالمال والسلاح والغذاء والمساعدات الطبية والغذائية والإنسانية من بطانيات وثياب وخيم… أو عن طريق البعثات الإنسانية كالصليب الأحمر وأطباء بلا حدود… أو عن طريق قبول التدخل العسكري، أوعن طريق قبول مهمات الموفدين الدوليين أوعن طريق قبول قرارات الأمم المتحدة أو الجامعة العربية أو منظمة التعاون الإسلامي أو التعامل مع التجمعات أو الائتلافات السياسية التي يؤسسها الغرب لقيادة الثورات أو الانخراط في أي خطة أو اتفاق دولي لقيادة الثورات…
نعم، وللأسف، هذا الكلام ينطبق على القائمين على الثورات الذين تحت مطارق الاستضعاف والتعسف في القتل التي راحت الأنظمة تستعملها ضدها، ومن باب الحاجة إلى المال والسلاح اللذين تحتاجهما للتخلص من هؤلاء الحكام الطغاة… يلجأ هؤلاء إلى مد اليد إلى الغرب ظناً منهم أنه المخلص فيطلبون منه العون والمالي والعسكري وتأييده بالمواقف السياسية ومدهم بالخبرات… لتخليصهم من هذه الأوضاع الشاذة، ناسين أو متناسين أنهم يستعينون بشياطين أتقنوا فن اللعبة، وأنهم يفتحون على أنفسهم أبوب العمالة في الدنيا وأبواب جهنم في الآخرة. وأوضح دليل على ما أدت إليه مثل هذه السياسات هو ما حدث من لجوء أقطاب الثورات العربية التي حدثت في مطلع القرن الماضي إلى الغرب للتخلص من سلطة الدولة العثمانية، فماذا كانت النتيجة؟! ضرب للدولة العثمانية وهدم الخلافة، وتفتيت الدولة الواحدة الجامعة إلى دويلات واستعمارها تحت عنوان الانتداب، ثم فرض دساتير الكفر عليها وألقام عملائها الفكريين والسياسيين والعسكريين مناصب القيادة ورهن مقدرات هذه الدويلات لتصبح ملكاً لها والحكام نواطير عليها. هذه بالإجمال كانت الثمرات العجاف للثورات العربية التي قامت ضد الدولة العثمانية وأدت إلى هذه الأوضاع الشاذة، فهل يريد من يدعي أنه يقود هذه الثورات أن يكرر السيناريو نفسه؟! وإذا كان الأ مر كذلك، فهل سيصلون إلا إلى ما وصل إليه أسلافهم من قبل: حكاماً عملاء؟! كحكام السعودية والأردن ومشيخات الخليج اليوم الذين يعتبرون امتداداً لتلك الفترة المشؤومة التي كان فيها أجدادهم عملاء لبريطانيا زعيمة العالم في ذلك الوقت! لقد وعدتهم بريطانيا بدولة جامعة فأخلفت موعدها معهم، وقتلت من اعترض، وسلمت الحكم لمن ارتضى بعمالتها وشرذمتها لبلاد المسلمين. أما سائر بلاد المسلمين كمصر وسوريا والجزائر والسودان… فقد نصبت عليها كذلك نواطير لها، وهؤلاء صحيح أنهم لم يعتمدوا نظام التوريث للحكم، ولكنهم اعتمدوا على ما هو أسوأ منه، وهو تزوير الانتخابات والاستفتاءات التي كانت تأتي في كثير من الأحيان بنسبة 99 بالمئة. والغرب كان يعلم ذلك ويسكت لأن هؤلاء الحكام عملاء له.
ويمكن القول إن ثورات اليوم هي ثورات مضادة لما خلفته الثورات الأولى. فثورات الأولى كانت لضرب دولة الخلافة الإسلامية التي كان يقودها العثمانيون، بينما هذه الثورات هي على العكس تماماً: تريد إقامة خلافة راشدة على منهاج النبوة، وإذا كان الذي قاد الثورات الأولى هم العملاء للغرب المضبوعين بثقافته؛ فإن الذي يجب أن يقود هذه الثورات هم المؤمنون حقاً الذين يستمدون مفاهيم التغيير من تعاليم دينهم الحنيف. وإذا كانت الاستعانة بالغرب هي الطريق التي أوصلت إلى شرذمة بلاد المسلمين وفرض أحكام الكفر عليها ونهب خيراتها؛ فيجب أن تتخلص ثورات اليوم من كل وصاية غربية عليها، بل أن تنطلق من إيمان راسخ بالله تعالى وحسن توكل عليه واستمداد للعون منه فحسب، بمعنى آخر، إن قيام الثورات الأولى على مفاهيم الغرب الضالة المضلِّلة أورث الأمة الاستعمار والذلة والصَّغار، وإن اعتماد من يحاول أن يقود ثورات اليوم على نفس مفاهيم الغرب فإنه لا شك واصل بها إلى ما وصل إليه أسلافه: دويلات ممزقة من جديد، باتت معالمها ظاهرة أنهم يريدونها دويلات قائمة على أسس طائفية بغيضة متنافرة، أي أن تقسيماتها ستكون ألعن من تقسيمات سابقتها سيكس بيكو المشؤومة.
من هنا يجب على المسلمين أن يحددوا موقفهم الصريح من هؤلاء الذين يحاولون اختطاف ثورات اليوم ووضعها في يد الغربيين من جديد، وأن يقطعوا يد كل من يستعين بهم، وأن يعتبروها طلب إعانة له عليهم لا إعانة لهم، وقبل كل شيء عليهم رفض مفهومه الأساسي القائم على فصل الدين عن الدولة واعتبارها حجر الزاوية في كل مفاهيمه السياسية والفكرية ومقاييسه في النفعية، وبمعنى مفيد رفض أفكاره عن الحياة القائمة على العلمانية اللادينية ورفض مشاريعه للدولة المدنية اللادينية، والالتفات فقط إلى ما يريده الله العليم الخبير منهم؛ فإن هذه الأمة إسلامية، ولا ينظر إليها الغرب إلا على أنها إسلامية ولا يمكر لها ويكيد إلا لأنها كذلك. وهو وإن سمَّى هذه الثورات بالربيع العربي فاستباقاً وصرفاً وخوفاً من أن تسمَّى باسمها ثورات إسلامية. فالغرب واعٍ على مصالحه، وعنده مجسات استشعار ترصد دقائق التغيير التي تحدث في بلاد المسلمين، ويتابع حركة التاريخ بأي اتجاه تسير، وهو بات مدركاً أن حضارته صائرة إلى زوال بعد أن استنفذت أهدافها، وانكشف عوارها وانفضحت جرائمها وبان فسادها وضررها لأهلها قبل غيرهم، وكل هذا كان لمصلحة حضارة الإسلام؛ لأنه لم يعد في العالم ، بعد سقوط المبدأ الاشتراكي في القرن الماضي، سوى مبدئين الرأسمالية والإسلام. هذا ما يجعل الغرب متوتراً جداً، وكثيراً ما تبرز حاجة العالم إلى الإسلام، وخاصة بعد كل فشل أو أزمة رأسمالية حيث تعلو الأصوات من داخل أسواره إلى طلب التفتيش عن الحلول من تعاليم الإسلام، وما الأزمة المالية التي وقعت فيها أميركا في الآونة الأخيرة إلا مثلاً صارخاً على صحة ما نقول ، فقد وجد من يقول «يجب أسلمة وول ستريت» ووجدت دراسات مصرفية تطلب الاستفادة من تعاليم الإسلام في أحكام الصرف. وليس هذا فحسب، فقد دعت مؤخراً باحثة سويدية هي «أن كول» إلى الاستعانة بالإسلام لاستحداث قوانين جديدة لحقوق المرأة في السويد.
إن ثقة الغربيين بمبدئهم الوضعي هي في الحضيض، وفي المقابل يجب أن يعلم المسلمون أن دينهم رباني لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأن فهمه إذا تحصَّل من علماء بالشريعة ربانيين، يمكنه حل كل مشاكل العالم المستجدة مهما كانت، وليس فقط مشاكل المسلمين ؛ لأن أحكامه إنسانية عالمية. وهذا يجب أن يوجد الثقة لديهم بدينهم، وأن لا يكرروا ما حصل لهم في الثورات الأولى عندما خفت الثقة بدينهم، وبخاصة علماؤهم حيث ضعف فهمهم للإسلام وغُلبوا من الغرب فأصبحوا يفهمون الإسلام على طريقته، ما أوجد أفكاراً إسلامية مدجنة بأفكار الغرب، ولعمر الله ما زال أمثال هؤلاء العلماء موجودين وهم أصحاب مراكز عليا يهتدون بغير هدي الله ويستنون بغير سنة رسوله كما جاء في حديث حذيفة. وهؤلاء، والحمد لله، قد انكشف أمرهم للمسلمين، وهؤلاء ممن يتحملون وزر ضعف ثقة المسلمين بدينهم.
ولا بد من الإشارة إلى أنه لا ينبغي أن يظن ظانٌّ، سواء أكان من المسلمين أم من أعدائهم، أن الثورات قد اختطفت أو أجهضت وبالتالي فشلت؛ إذ المسألة أنها ليست ثورات عابرة، وإنما هي حركة أمة حركة تغيير مبدئي لم يستسلم الغرب لها، بل هو يقاوم ويقاوم ظناً منه أنه في النهاية سينجح ولكن هيهات هيهات له ذلك ، إنها حركة تاريخ، تسير نحو غايتها، مصدقة لوعد رسول هذه الأمة من أنها ستكون، وسنكون خلافة راشدة يعم خيرها العالم أجمع. ثم إن الأسباب التي دعت إلى إشعال الثورة ما زالت قائمة، بل هي زادت وتفاقمت وبدا للمسلمين ما فضح أمرهم أكثر وأكثر بتآمرهم وحكامَهم عليهم.
ثم إن رغبة المسلمين بالعودة إلى الحكم بالإسلام وبالخلافة الراشدة لم تنطفئ في يوم من الأيام، فتاريخ الخلقاء الراشدين مضيء مضيء في نفوس المسلمين، وهم عندما يسمعون الدعوة إليها يقبلونها من الصميم ولا يمكن أن ينزعها نازع من النفوس مهما بلغ مكر الغرب في تشويه صورتها. ثم إن حبهم هذا للخلافة الراشدة هو من الدين ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم داعياً إلى التمسك بسنتهم ما يجعل سيرتهم مجالاً للاتباع المـُنجي المـُرضي:»أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبد حبشي من يعش منكم يرى اختلافاً كثيراً. إياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة من أدرك ذلك منكم عليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ» رواه الترمذي.
نعم، إن للخلافة الراشدة منزلتها عند الأمة. والغرب بمحاولته تشويهها إنما يزداد بعداً من الأمة وستزداد لعنتها عليه، فليس في بلاد المسلمين من يقبل مقولته من الأمة إلا حفنة من العلمانيين الذين يقفون في صف أعدائها، وهؤلاء أقل من القليل، ومعهم بقايا من المنتفعين والعملاء الصغار، وكل هؤلاء لا يشكلون في الأمة نسبة تذكر، وهؤلاء وإن علت أصواتهم وطُبِّل لهم وزُمِّر فإنما هم غثاء هَبَاء، وسراب وليس بماء.
لقد جعل الله تعالى الخلافة الراشدة على منهاج النبوة تاج الفروض: بها يقام الدين، وبها يحفظ الله سبحانه للأمة كرامتها ويحمي بيضتها ويمنع تسلط الكفار عليها ويضع حداً لكفر الكافرين وإرجاف المنافقين؛ ولكن لا بد من العلم بأن هذا الفرض لا يقام إلا بعمل شرعي منضبط، ومن أول ما سيسعى إليه هو قطع كل استعانة بالغرب وإبعاد كل تأثير لها على المسلمين وعلى الدولة الإسلامية. وليعلم المسلمون أن الغرب كما هو يتدخل اليوم في الثورات ويعمل جاهداً، بما له من نفوذ، على محاربة قيام الخلافة ويسخر لذلك كل عملائه من حكام المسلمين وتوابعهم ومن العلمانيين ومن الوسط السياسي الفاسد، وكذلك سيفعل إذا فشل وأقيمت الخلافة فإنه سيتدخل ومن أهم واجبات دولة الخلافة بعد إقامتها أن تقطع تدخله. فالغرب عدوٌّ بفكره وبالقائمين عليه ولا يألو جهداً في نكاية المسلمين. رأيناه كيف يسمح لمفكريه وفنانيه أن يتناولوا الإسلام، ورأيناه مؤيداً وداعماً لـ (إسرائيل) في وجودها واغتصابها لفلسطين وفي عدوانها على المسلمين، ورأيناه في أفغانستان وفي العراق كيف يرتكب أبشع الجرائم، وكيف أظهر عدوانية لا تقل عن عدوانية اليهود للمسلمين، وهو في سوريا أظهر من التآمر اللئيم على المسلمين ما يندى له جبين البشرية، وهو فتح على المسلمين باب الخلافات المذهبية المقيتة…
إن الغرب شر مستطير، وتدخله في بلاد المسلمين خطير، والاستعانة به جريمة كبرى في الإسلام، على أنه من أهم أسباب تدخله منع إقامة الخلافة والحكم بالإسلام يقول تعالى: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)) سورة التوبة.
2015-04-30