حل قضية فلسطين يرتبط بتحرُّك الجيوش
2024/03/26م
المقالات
1,128 زيارة
الكاتب / د. محمد بن محمد
ولاية اليمن
ها قد رأينا كيف أن الغرب بقضِّه وقضيضه قد استنفر كل الاستنفار وجاءت أمريكا بقواتها وبأحدث أسلحتها تحسُّبًا من تحرك الجيوش في المنطقة ومنعًا لأي تغيير. ولأن الأمة وقفت كلها مع عملية (طوفان الأقصى) اضطر حكام المسلمين إلى الركون والسكون، ولشدة الدعوة التي وجهت إلى الجيوش للتحرك، استنفر هؤلاء الحكام أجهزتهم الاستخباراتية والأمنية لمنع أي خطر غير محسوب؛ من هنا كان استنفار الحكام إنما هو لحماية عروشهم من جيوشهم وليس ضد (إسرائيل). من هنا يمكن القول إن الجيوش تبقى مصدر قلق للأنظمة لأنها تبقى من جنس الأمة وليست من جنس الحكام، فقط قادة هذه الجيوش، مع قادة الأجهزة الأمنية المختلفة، يتم اختيارهم بعناية من قبل الغرب والحكام التابعين له للمحافظة على أنظمة الدول وإبعاد كل خطر عنها ومنع أي تهديد لها، وفرض السير في سياسته. أما باقي أعضاء السلك العسكري فإن فيهم الكثير من أهل القوة والنصرة المخلصين، وهؤلاء تخافهم الأنظمة، وهؤلاء يجب العمل على كسبهم.
إن عملية طوفان الأقصى وما يحدث في غزة أثبتت للمسلمين وللعالم أجمع أن الصراع هو صراع بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية الرأسمالية، أي بين الحق والباطل، بين الإسلام والكفر، وليس كما يتوهَّم البعض أنه صراع على قطعة أرض بين سكانها، فالغرب الكافر يدرك حقيقة هذا الصراع.
أولًا: كيف قامت دولة ليهود في فلسطين؟
إن من أنشأ دولة ليهود في فلسطين هي بريطانيا، إنها صاحبة هذه الفكرة، وهي لم تألُ جهدًا في تحقيق ذلك، وقد برزت بشكل واضح في المؤتمر الذي دعت إليه بريطانيا كلًّا من فرنسا وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال وبلجيكا وهولندا، والذي عقد في لندن سنة 1905م بصورة رسمية وسرية. وقد استمرت جلسات المؤتمر حتى عام 1907م برئاسة رئيس وزراء بريطانيا السير هنري كامبل باترمان، وقد تم تشكيل لجنة عليا متخصِّصة بالشؤون الاستعمارية مؤلفة من أعضاء الدول المشتركة، واجتمعت هذه اللجنة في لندن سنة 1907م، وكانت تضم جماعة من كبار علماء التاريخ والاجتماع والاقتصاد والزراعة والجغرافيا والبترول… وانتهى تقرير المؤتمر عام 1907م باتخاذ توصيات عديدة مثل تقسيم مناطق النفوذ بينها، وغير ذلك من أمور الاستعمار؛ لأن اليافطة التي عقد المؤتمر تحتها يافطة الاستعمار والمحافظة عليه. وكان من ضمن القرارات التي اتخذها هذا المؤتمر قرار إنشاء دولة لليهود في فلسطين لتحقيق ثلاثة أمور مهمة لخدمة مصالح الدول الكافرة المستعمرة بزعامة بريطانيا آنذاك وهي:
1- فصل بلاد المسلمين في المشرق عنها في المغرب مما يجعل وحدتها أكثر صعوبة.
2- زرع عدو جديد للمسلمين في بلادهم في أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ومن ثم يستقطب اهتمامهم وتتركز جهودهم للقضاء عليه فيخفف ذلك من تصديهم لعداء الغرب الصليبي وينسيهم مآسي الحروب الصليبية.
3- إقامة قاعدة متقدمة للكفار المستعمرين، وعلى رأسهم بريطانيا زعيمتهم آنذاك، تحفظ لهم مصالحهم وتنفذ مخططاتهم ومؤامراتهم وتؤمن لهم تدفق الموارد والتسويق التجاري لمنتجاتهم في المنطقة.
وقد تبنَّت بريطانيا أوائل هذا القرن تحقيق ذلك، فقد ناقشت الوزارة البريطانية عام 1914م خمس أوراق بالنسبة لمستقبل فلسطين، واختارت الرابعة والخامسة، وتقضي الرابعة بتحويل فلسطين إلى مستعمرة صهيونية فورًا وتسليمها للمستوطنين الصهاينة.
وواجه الاقتراح صعوبات للغاية نظرًا للكثافة السكانية العربية، فتقرر تبنِّي الورقة الخامسة أي وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني لعدة سنوات تفتح أثناءها أبواب فلسطين للهجرة والاستيطان اليهودي، ويتم خلالها بناء المؤسسات الاستيطانية التي تقوم بتسلُّم فلسطين حينما تكون جاهزة لذلك.
ثم كان وعد بلفور وصكّ الانتداب البريطاني على فلسطين من عصبة الأمم، ومن ثَم تولِّي بريطانيا إقامة كيان لليهود في فلسطين. إن من يجهل هذه الحقيقة لن يعطي الحل الصحيح للقضية الفلسطينيةن بل سيأتي بحل غلط.
ثانياً: لماذا تحركت جيوش الغرب لنجدة الكيان المسخ بينما لم تتحرك جيوش المسلمين لنجدة أهل فلسطين؟
لقد تلقى الكيان المسخ ضربة موجعة في عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر الماضي شلت فيها الحركة في ذلك الكيان، واتَّضح أنه مجرد كذبة وبالونة منفوخة، وأنه أوهن من بيت العنكبوت؛ حيث تمكَّن ثلة من المجاهدين المخلصين من قتل وأسر المئات في يوم واحد؛ لذلك أدرك الغرب الكافر الخطر واستنفر قواه من جنود وأسلحة وحاملات طائرات خوفًا من هزيمة قاعدته العسكرية المتمثلة بكيان يهود، وخوفًا من أن يعود جيش المسلمين من جديد.
أما بالنسبة لجيوش المسلمين فهي لم تحرك ساكنًا، لماذا؟ لأنها مكبلَّة بقيود الوطنية وحدود سايكس بيكو وتحت قيادة الحكام العملاء الذين وضعهم الغرب لحراسة هذا الكيان ومنع المسلمين من نصرة إخوانهم المستضعفين.
فانقسم حكام المسلمين إلى قسمين:
– أحدهما وقف مع هذا الكيان الصهيوني وقدم له الدعم والنجدة وخذل المستضعفين في فلسطين…
– والآخر استثمر هذه الأحداث ليظهر في موقف العداء وخوض المناوشات لتحقيق مآرب أخرى.
ثالثًا: تحركت الأمة الإسلامية في الشرق والغرب ونادت الجيوش لنصرة المسلمين في فلسطين المباركة وخرجت إلى الشوارع بالملايين، هنا تحركت أجهزة الاستخبارات والأمن أتباع الحكام العملاء خوفًا من خروج الأمر عن السيطرة ولحماية عروش الظلَمة من الأمة الإسلامية وجيوشها وليس ضد (إسرائيل).
رابعًا: إن الجيوش في بلاد المسلمين هي جيوش الأمة لأنها من جنسها، فهم أبناؤنا وإخواننا وأقاربنا، هم منا ونحنُ منهم، هم قريبون منا ونحن قريبون منهم… فقط القادة العسكريون، الذين يتم اختيارهم بعناية من قبل الغرب وأتباعهم من الحكام المرتبطين به لمنع أي خطر قد يأتي من هذه الجيوش هم من يُعمَل حسابهم لأنهم مثل الحكام في الانسلاخ عن الأمة والارتهان لأعدائها… أما الباقون فهم مخلصون، وعليهم أن يفكُّوا قيدهم المتمثل بقيادتهم ويتدبَّروا لهم قيادة مخلصة من بينهم، ويقوموا بعملية استلام الحكم بأنفسهم.
إن ما يقوم به هذا الكيان المسخ من إبادة للمسلمين في غزة لا يستثني طفلًا ولا شيخًا ولا امرأةً ولا حجرًا ولا شجرًا ولا حتى حيوانًا، فهو يقتل من غير طائل ومن غير حساب، وبأعداد متحركة لدرجة أنك لا يمكن أن تذكر عددًا محدَّدًا، فهي حتى الآن بعشرات الآلاف من القتلى وبأضعافها من الإصابات… هكذا وعلى أعين الدول التي تتباهى بحقوق الإنسان والطفل والمرأة، وفي عقر دار المنظمة الدولية التي تدَّعي أنها منبر الحريات والحقوق: الأمم المتحدة، ومجلس الأمن اللذين لم يحركا ساكنًا!!!.
إن الأمة الإسلامية أمة حيَّة قد تمرض ولكنها لا تموت… إنها فقط تفتقد العامل الرئيسي لإحداث التغيير والنصر وطرد المحتلين الغاصبين للأرض المباركة فلسطين، ألا وهو تحرُّك الجيوش أولاً لخلع حكامهم، واستلام الحكم، وتسليمه إلى من نذروا أنفسهم أن يقيموا حكم الله على الأرض، تحت قيادة خليفة واحد ونظام رباني واحد، وجيش واحد، وراية واحدة… وحينها لن يصمد الغرب ولا قاعدته العسكرية (إسرائيل) أيامًا معدودات. ولنا في صلاح الدين الأيوبي رحمه الله خير دليل على ذلك؛ حيث مكث ما يقارب عشرين عامًا يوحِّد المسلمين ويلمُّ شملهم، ثم انطلق لتحرير وتطهير الأقصى المبارك من دنس الصليبيين.
يا أمة الإسلام، ويا جيوش المسلمين، إن الحديد يدفع بالحديد، والجيوش تقابَل بالجيوش، فاجيبوا إخوانكم المسلمين المستضعفين في أرض الإسراء والمعراج، وأجيبوا صرخات النساء والأطفال والشيوخ، قال تعالى: (وَإِنِ ٱسۡتَنصَرُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيۡكُمُ ٱلنَّصۡرُ) [الأنفال: 72].
إن جيوش المسلمين لديها من القوة العسكرية والجنود الوفيرة ما يكفي لسحق هذا الكيان الغاصب والمعربد في أرض فلسطين ولو اجتمعت حوله حبال العالم كله. فمثلًا:
جيش مصر: ترتيبه الأول في إفريقيا والخامس عشر على مستوى العالم، تعداده 440000 قوات عامة، و480000احتياط. عتاده 1092 طائرة حربية (منها ف 16)، 4664 دبابة (ثاني دولة في امتلاك دبابات إبرامز) وفيه عدد كبير من المدرَّعات، و1489مدفع ذاتي الحركة، و1575 راجمة صواريخ، و245وحدة بحرية.
الجيش التركي: ترتيبه الـ13 على مستوى العالم، ذو تدريب وخبرة عالية، تعداده 425000 قوات عامة، ونفس العدد احتياط. عتاده 1057 طائرة حربية، 3022دبابة، 1327مدرعة، 956 مدفع ذاتي الحركة، 1189مدفع ميداني، 407 راجمة صواريخ، 156 وحدة بحرية.
الجيش الباكستاني يعتبر الجيش الـ7 على مستوى العالم، وهو جيش نووي. تعداده 654000 قوات عامة، و550000 احتياط، وعتاده 1413 طائرة حربية، 3124 دبابة، 3187 مدرعة، 4521 مدفع ذاتي الحركة وميداني، 190 صاروخ استراتيجي، 114 وحدة بحرية (حسب إحصاءات في قناة الواقية).
هذا غيض من فيض، وهذه مجرد 3جيوش من جيوش المسلمين فكيف لو اجتمعت كلها؟!.
إن تحرير فلسطين وباقي أراضي المسلمين المحتلة هو من واجب هذه الجيوش، ويجب أن تتحرك وتحمل على عاتقها الذود والدفاع عن كرامة هذه الأمة؛ وإلا فإن وجودها سيكون كما خطط له: حماية الحكام، وتأمين مصالح الدول الغربية التي يتبع لها هؤلاء الحكام، وضرب كل توجه مخلص في الأمة، ومنع التغيير… إذًا سيعتبر وجودها ضارًّا ما لم يقم أناس مخلصون من الضباط الذين يعتبرون الدين أغلى عليهم من حياتهم ويجمعوا أمرهم على التخطيط الذكي الفذ المتقن لاستلام الحكم… فالجيوش الحالية، وبحسب الوضعية القائمة اليوم، لا يتوقع أن تتحرك. وللعلم، فإن بلاد المسلمين وإن بدت متعددة فهي واحدة، والتغيير في أي بلد منهم سيتبعه سريعًا في باقي البلدان؛ لذلك فهنيئًا للسابقين منهم.
أيها الضباط والجنود في جيوش المسلمين، أليس فيكم من يطمع أن يكون قائد هذه المعركة المشرفة التي وعد بها الله رب العالمين عباده المؤمنين أن يهود سيجتمعون في الأرض المقدسة حيث ستكون نهايتهم، فها هم اليوم قد اجتمعوا كما وعد الله وقضى في هذه البقعة المباركة من بلاد المسلمين ليكون القضاء عليهم فيها… قد اجتمعوا بعد أن كانوا في شتات لتجري سنة الله عز وجل فيهم، قال تعالى: ( فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ ٱلۡأٓخِرَةِ جِئۡنَا بِكُمۡ لَفِيفٗا) [الإسراء: 104]. وقال تعالى: (فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ ٱلۡأٓخِرَةِ لِيَسُُٔواْ وُجُوهَكُمۡ وَلِيَدۡخُلُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوۡاْ تَتۡبِيرًا) [الإسراء: 7].
وكذلك بشَّر بها رسوله صلى الله عليه وسلم حيث قال: «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم ياعبدالله هذا يهودي خلفي فتعالَ فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود» رواه مسلم.
إن المسلمين اليوم يحملون قضية واحدة جامعة، ألا وهي قضية إقامة دولة إسلامية واحدة هي دولة الخلافة الموعودة، والتي فيها حلٌّ لكل قضاياهم، والتي ستجمعهم وتوحِّدهم في دولة واحدة تؤمن عيشهم الكريم، وتطبق الإسلام وتحمله إلى العالم بالدعوة والجهاد، وتقضي على هذا النظام الدولي الجائر الذي لم يدعْ موبقة إلا ونشرها، وتقضي على كيان يهود كما جاء في الأحاديث، قال تعالى: (وَعۡدَ ٱللَّهِۖ لَا يُخۡلِفُ ٱللَّهُ وَعۡدَهُۥ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ ٦) [الروم :6]. صدق الله العظيم
2024-03-26