مؤامرات حيكت وتحاك ضد القرآن الكريم، وقد تكفل الله بحفظه على مرِّ الدهور
2023/09/07م
المقالات
1,043 زيارة
الكاتب: وحيد أبو عمرو- اليمن
إن لكل نبي مرسل معجزة تدل على صدق نبوته ورسالته وتنتهي بموت النبي المرسل وهلاك قومه إلا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإنه لما كان خاتم الأنبياء والمرسلين، فإن هذا يقتضي أن معجزته (القرآن الكريم) باقية بيقاء أمته إلى قيام الساعة، وقد كان ذلك رغم ما قد حيكت ضده من مؤامرات وافتراءات خبيثة منذ أن حان الوقت الأول لمبعث سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم في مكة إلى عهد الخلافة الراشدة ومنها إلى عهد الخلافة الإسلامية أيام بني أمية وبني العباس وبني عثمان، ومن تلكم إلى يو,م الناس هذا. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون، قال تعالى: (إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ ٩).
نعم، إن أول ما يجب معرفته أن الصراع قائم بين الغرب والشرق منذ بداية الإسلام، وقد كان الغرب ينظر إلى الشرق نظرة الغير الذي ينبغي صدُّه. فراحوا يعملون جاهدين لتحويل المسلمين إلى قبلة يرضونها: مرة عن طريق الاستشراق، وأخرى عن طريق التنصير، وأخرى عن طريق الاستعمار؛ حيث كان نمط الصورة الذهنية لدى الغرب عن المسلمين دائميًّا، وهو أنهم رجعيون، متخلفون، همج… واستخدموا في صراعهم هذا الوسائل الحديثة والأساليب الخبيثة من إعلام كاذب ومنافق، ومناهج تعليم تقلب عقول المسلمين لتجعلها تسير على طريقتهم، وتزرع تصورات ومفاهيم تحرفهم عن الحق إلى الباطل الذي هم عليه، وتشوِّه سمعة الإسلام والمسلمين… ويمكن إرجاع تاريخ الصراع بين الغرب والمسلمين إلى بداية ظهور الإسلام متمثلًا بعقيدة هادية ودولة راشدة تحمل الإسلام قيادة فكرية تعالج مشاكل الإنسان كإنسان، وتلبي متطلباته الفكرية والنفسية وتشبع طاقته الحيوية فكانت مشعل الهداية لغير المسلمين ومنبع العلم والمعرفة والثقافة والحضارة للإنسانية جمعاء؛ ما جعل الناس يدخلون الناس في دين الله أفواجًا من كل الأجناس والأعراق والملل، وهذا في المقابل جعل الغرب يغذي خطاه جاهدًا في النيل من الإسلام للحيلولة بينه وبين الناس في مجتمعاتهم من أن يسلموا، ولأجل أن الإسلام والدولة الإسلامية تقطع على الغرب استعماره للشعوب الأخرى؛ لذلك أجمعوا أمرهم على التشكيك بدينهم وعقيدتهم والنيل من الدولة الإسلامية في عقر دار المسلمين. فكانت وما زالت تلك الحروب الصليبية التي اجتمع ويجتمع فيها الكفر الصليبي في كل دول أوروبا بالأمس، وأضيف إليه الأمريكي اليوم، والذي عمل ويعمل بكل قوة في إفراغ حقده الدفين وعدائه المشحون بالكراهية، وهذا ما يحس به المسلمون في كل مكان.
لقد حاول الغرب الكافر منذ مئات السنين محاولاته الماكرة لإبعاد المسلمين عن القرآن الكريم والسنة النبوية المطهَّرة؛ وذلك لإبعادهم عن مصدر القوة الحقيقي لهم في فهم الإسلام، وقام بحروبه الصليبية الحاقدة من أجل القضاء على دولته التي تعتبر طريقته في حمل دعوة الإسلام ونشرها بالجهاد وإدخال الناس في دين الله أفواجًا؛ لذلك كانت له إلى جانب حروبه الصليبية غزواته الفكرية…
ولقد سلك الكفار الغربيون الصليبيون بالأمس والرأسماليون العلمانيون اليوم في ليِّ أفهام المسلمين للقرآن الكريم أساليب ووسائل كثيرة، ساعدهم في ذلك بالأمس الجمود الفكري لدى الأمة عندما أغلق باب الاجتهاد من القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة. وإغلاق باب الاجتهاد كان من نتائج تسلم غير العرب لقيادة المسلمين؛ ما جعل الاهتمام باللغة العربية يقل، والاجتهاد يتأخر وينزل عن مستوى نصح العلماء للخلفاء في مسائل الحكم، وعُوِّض عن ذلك بانشغال الخلفاء بالفتوحات الإسلامية، وترك الأمة ترزح في دياجير ظلام الجمود والانحدار إلى مستوى دون الذي كانت عليه يوم كان يحمل الإسلام قيادة فكرية إلى جانب قوته العسكرية، فاكتفى المسلمون بالقيادة العسكرية دون الفكرية، وهذا ما أدى فيما بعد إلى ضعف المسلمين الفكري، وهذا ما ساعد الكفار من النجاح في مهمتهم بالقضاء على الدولة الإسلامية، وساعدهم معها من النيل من مفاهيم الإسلام الصحيحة، لقد بقي القرآن محفوظًا بألفاظه بحفظ الله له من التغيير؛ ولكن لم يعد المسلمون يفهمون هذا القرآن وهذه السنة على الطريقة الصحيحة الأولى التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم. ومعها عمل الغرب على تغيير قضايا المسلمين المصيرية، وتحريف معنى الجهاد، وإقصاء فكرة الدولة والحكم والشريعة من حياة المسلمين، وجعل الإسلام مقتصرًا على أمور الفرد الشخصية دون العامة… وعلى العبادات والأخلاق ومسائل الطلاق والزواج دون المعاملات العامة من تشريعات تطال المعاملات والعلاقات التجارية والسياسية والخارجية مع الدول ومسائل الحكم…
هكذا رسم الكفار خططهم للنيل من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وفي هذا يقول المستشرق تاكلي: «يجب أن نستخدم القرآن، وهو أمضى سلاح في الإسلام ضد الإسلام نفسه، وسنقضي عليه تمامًا، ويجب أن نبيِّن للمسلمين أن الصحيح من القرآن ليس جديدًا، وأن الجديد ليس صحيحًا» وكما قال حاكم فرنسا عند زيارته للجزائر للاحتفال بمرور مائة عام على احتلالها: «يجب أن نزيل القرآن من وجودهم، وأن نزيل العربية من ألسنتهم، عندها نستطيع أن نهزمهم» ولقد قاموا بأعمال من شأنها أن تضعف المسلمين وتشككهم في عقيدتهم والأحكام الشرعية المنبثقة عنها المتمثلة في (القرآن والسنة) والتي منها على سبيل المثال لا الحصر:
1- هدم الخلافة الإسلامية: فالخلافة هي الحامية والحارسة والحافظة للعقيدة والمنفذة للأحكام، وبدونها لن تقوم للإسلام قائمة. ولقد صدق الإمام علي كرم الله وجهه حين قال: «الدين أسٌّ والسلطان حارس، فما لا أسَّ له فمهدوم، وما لاحارس له فضائع». وقد جعل الإسلام إقامة هذا الفرض العظيم من أعظم وأهم الفروض والواجبات. وبالعودة إلى كتب الأوائل وأقوالهم في هذا المجال تجدهم يجمعون عليه، هذا بالنسبة للمسلمين. أما بالنسبة للكفار، فقد فكَّروا وقدَّروا ثم فكَّروا وقدَّروا حتى توصلوا إلى نتيجة قاطعة أن قوة المسلمين تكمن في دولتهم والقرآن واللغة العربية… فبعد أن ملأت قوات الجيش الإنجليزي الأراضي الإسلامية في إسطنبول وطلب الأتراك خروج القوات العسكرية الإنجليزية، عُقدت مؤتمرات حيكت فيها مؤامرات ضد المسلمين، وشرطوا على القبول بالخروج من بلادهم إذا نفذت هذه الشروط: إلغاء الخلافة وطرد الخليفة ومصادرة أمواله، إعلان تركيا دولة علمانية، وغيرها من الشروط التي تبعد الإسلام عن الحكم… وفي أحد هذه المؤتمرات قام أحدهم بتمزيق المصحف عندما سمع قائلًا يقول: لن نهزم المحمديين ماداموا متمسكين بهذا الكتاب (القرآن) فقال لمن مزق المصحف: نريد تمزيقه من صدور رجالهم لا كما تفعل الآن. وفعلًا درسوه ونقبوا فيه وأدركوا مكمن الخطر فيه عليهم ككفار، وحاولوا فرض فهمهم له على المسلمين بما يتلاءم مع نظرتهم للمصالح، حتى وجد في المسلمين من يتبنى تلك الأفهام الخبيثة ويجادل الناس من خلالها، ونورد على سبيل المثال:
– فهمهم لقوله تعالى: (وَقُلِ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَن شَآءَ فَلۡيُؤۡمِن وَمَن شَآءَ فَلۡيَكۡفُرۡۚ) أن الإنسان في مفهوم الآية الكريمة يتعلق إيمانه باختياره هو. فله الحق بأن يقرر موقفه من الاعتقاد، فله أن يكون مسلمًا متى شاء ويكفر متى شاء حيث لا مانع له من ذلك. وهذا الفهم العاطل للآية يعطل حكمًا شرعيًا وحدًّا من حدود الله وهو حدُّ المرتد لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من بدَّل دينه فاقتلوه». إنهم من خلال هذا الفهم يؤولون مفهوم النص القرآني خدمة لأفكار الكفر التي يروَّج لها في بلاد المسلمين مثل فكرة التعايش، والقبول بالآخر، وحرية الرأي والمعتقد. ونسي أو تناسى المضبوع ممن انجرَّ وراء الأعداء وباع دينه بدنياه أن الآية لم تنتهِ بعد، بل كانت خاتمتها (إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلظَّٰلِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمۡ سُرَادِقُهَاۚ وَإِن يَسۡتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٖ كَٱلۡمُهۡلِ يَشۡوِي ٱلۡوُجُوهَۚ بِئۡسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتۡ مُرۡتَفَقًا) وغيرهم من ظلمة (الكفار) المعنيين في الآية؛ لأنهم وضعوا الشئ في غير محله. هذا وعيد لهم في الآخرة وفي الدنيا القتل حدًا كما هو مبيَّن في السنة النبوية الشريفة. هذا في حق المسلم الذي يعتنق الإسلام ثم يكفر به. أما بالنسبة للكفار فإن هؤلاء قد خصص لهم الشرع حكمًا شرعيًّا آخر، وهو قوله تعالى: (لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَيِّۚ فَمَن يَكۡفُرۡ بِٱلطَّٰغُوتِ وَيُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ
بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰ لَا ٱنفِصَامَ لَهَاۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ٢٥٦).
– فهمهم لقوله تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمۡ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصۡرِهِمۡ لَقَدِيرٌ ٣٩) وبقولهم في الآية إن المعنى الحقيقي للجهاد هو الدفع فقط، وتغافل من سار وراء الأعداء وجارى العصر بحسب زعمهم قول الله تعالى: (قَٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَا بِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ ٱلۡحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ حَتَّىٰ يُعۡطُواْ ٱلۡجِزۡيَةَ عَن يَدٖ وَهُمۡ صَٰغِرُونَ ٢٩) وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول اللّه. فإن فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله» ولكن لما تصدَّر أمر الأمة الإسلامية جهلتها، وطفَّ الصاع بجهلهم، وغزى الكفار أوساط المجتمع في بلاد المسلمين، وسخروا إعلامهم ومنظماتهم في نشر ثقافة القبول بالآخرين، وقبل المسلمون هاتيك الثقافة الخاطئة التي يأباها الإسلام نفسه؛ فكانت الطامة الكبرى طامة (هدم الخلافة) مفتاحًا للقبول بتلك المفاهيم المغلوطة ودخولها في أوساط المسلمين.
2- اللعب بنصوص القرآن: بعد اللعب بفهم القرآن،انتقل اليوم الغرب الكافر والذي تتزعمه في ذلك أمريكا، إلى اللعب بنصوص القرآن والسنة يريدون أن يزيلوها من حياة المسلمين، ويمكن القول إن أول هجوم للغربيين على القرآن الكريم جاء من البيزنطيين؛ لأنهم أول من احتكوا بالمسلمين من الغربيين، حيث اقتطع المسلمون مناطق كانت تحت سيطرة الإمبراطورية البيزنطية من منطقة الشام إلى مصر إلى شمال إفريقيا… ولهذا كان أول ما كتب في هذا الموضوع كتاب «نقد الأكاذيب الموجودة في كتاب العرب المحمديين»، وكتاب «ضد تمجيد الملة المحمدية» و«ضد الصلوات والتراتيل المحمدية»، والكتاب الأول للمسمى نيكتياس البيزنطي، والكتابان الآخران للإمبراطور البيزنطي جان كونتا كوزين. وعلى سبيل التآمر على القرآن الكريم قاموا بأعمال عدة منها:
– دراسة القرآن الكريم وترجمته إلى لغات أخرى:
لقد كان الدافع الرئيسي من وراء ترجمة القرآن الكريم هي دوافع وأسباب كنسية واستعمارية، فقد وصلت أعداد ترجمات القرآن الكريم إلى ما يربو عن الستمائة والخمسين ترجمة في إحدى وعشرين لغة أوروبية. (من كتاب «ماذا يريد الغرب من القرآن» للدكتور عبدالرحمن محمد عبدالمحسن، ص17). ولقدشرع الغرب الكافر للنيل من القرآن الكريم إلى ترجمته إلى اللغات الأخرى باعتبار أن الترجمة هي وسيلة من وسائل الاتصال الحضاري والتأثير الثقافي بين الأمم وسبيل من سبل نقل المعارف والعلوم والخبرات المختلفة من حضارة إلى أخرى. (المصدر السابق). وقد أشرف على الكثير من هذه الترجمات والدراسات هيئات كنسية أو مؤسسات تابعة للدول الغربية. وكانت ترجمات ودراسات غير موضوعية، وتفتقر إلى الحيادية والعلمية… ويؤكد ذلك انتقادها من الغربيين أنفسهم… وقد أجهد هؤلاء المترجمون أنفسهم لإثبات أنه من تأليف بشر!! وكان الهدف الأكبر من هذه الترجمات والدراسات هو «محاكمة القرآن الكريم» (المصدر السابق، ص 204). فتلك الترجمات لم تكن إلا أعمال ساذجة، بعيدة عن معاني النص الأصلي، حافلة بالأخطاء والمجادلات اللامعقولة. وهي ترجمة حرفية ونقل الكلمات إلى لغة لاتينية بربرية. (من كتاب «دفاع عن القرآن ضد منتقديه» للدكتور عبدالرحمن البدوي، ص١٤).وكان القصد منهم معرفة المواطن التي يمكن الوثوب منها على القرآن نفسه أو البحث عما يمكن أن يكون نقاط ضعف يتم التركيز عليها لقهر الآخر وهزيمته والسيطرة عليه وهي سلاح جديد قديم سلَّه الكفار لمحاربة القرآن الكريم ومنعه من الغلبة وكان الغرض التشويه والتبشير. (المصدر السابق، ص: ٣٧)
– الاعتراض على القرآن:
لقد حاولت بعض الدراسات التوفيق بين القرآن وبين الكتب السماوية السابقة. ويعد ابن كمونه أول دارس يهودي للقرآن الكريم وقد ضمن جدلياته ضد القرآن الكريم في كتابه (تنقيح الأبحاث للملل الثلاث) فعقد فصلًا للقرآن أورد فيه خمسة عشر اعتراضًا منها: قولهم إن القصص القرآني تكرار لقصص التوراة والإنجيل وهذه خرافات من الصعب التمييز بين الواقع والخرافة. وقولهم ببشرية مصدر القرآن، وإنه قول شاعر بإلهام شيطان الشعر، وقولهم إن القرآن تلفيق من اليهودية والنصرانية…
أما بالنسبة إلى الترجمات، فقد كانت ترجمات باطلة حافلة بالأخطاء والمجادلات اللامعقولة، واتصفت بعدم الدقة وبالجهل والتشويه… وعلى سبيل المثال، هناك ترجمة (جاك بيرك) التي صدرت عام 1990م، فقد أثارت جدلًا واسعًا في الأوساط الإسلامية لما انطوت عليه من مغالطات وأخطاء ومقدمات جدلية دفعت الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق شيخ الجامع الأزهر إلى تشكيل لجنة من المختصين لفحص الترجمة ومقدمتها وانتهت اللجنة إلى أن الترجمة بمقدمتها تضمنت جهلًا باللغة العربية، وظهر عليها عدم فهم للنصوص القرآنية، وافتقدت للأمانة العلمية، واستخدمت عبارات تستخف بالقرآن، وقامت بالتجني على الذات الإلهية بإظهارها في صورة مرعبة، وزعمت أن تحريف القرآن وقع عند جمعه وفي قراءته وفي ترتيله، وزعمت تأثر القرآن بالشعر الجاهلي والفكر اليوناني…
إن هذا الكيد والتآمر على القرآن الكريم امتد إلى هذا العصر، ودخل في صلب الصراع الفكري الذي تخوضه أمريكا ضد الإسلام ككل ومحاربته دوليًّا تحت شعار (محاربة الإرهاب)، وتجلى بدعوى تنقيح القرآن وتحديثه أو ما عبر عنه بـ«تحقيق القرآن» والمطالبة بإلغاء آيات منه لتتناسب مع مقتضيات طريقة الحياة الغربية، وعلى سبيل المثال لا الحصر، الدعوة إلى إلغاء أو تعديل آية: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعۡلَمُهُمۡۚ..) وآية: (وَٱقۡتُلُوهُمۡ حَيۡثُ ثَقِفۡتُمُوهُمۡ…) وفي هذا يقول الكاتب أحمد الحضراوي محمد في كتابه: (تنقيح القرآن: لعبة التأويل والنص القرآني): «لم تتوقف المحاولات عن الارتطام بالجسد القرآني، راغبةً -في كل مرة- بالقضم من معماره اللغوي وزعزعة بِنيته اللسانية؛ فقد كانت دومًا تتغيَّا تفكيك مكوناته بشكل تدميري من أجل معاودة صياغته طبقًا لمقتضيات اللحظة التاريخية، وشرط التفوق المادي، واختلال موازين القوى». ويذكر هنا ضمن الحديث عن «التحديث والإسلام» أو ما سُمي بـ«تحقيق القرآن»أن هناك ندوة عقدت في بيروت 25 – 26 يونيو/2003 ولقيت صدى في تونس، والبعض عبر عنه بـ«تنقيح القرآن»، ويبدو جليًّا اندراج هذه المقولة -أو التقاؤها- ضمن مشروع تحديث الإسلام، ومحاربة ما تسميه الولايات المتحدة بـ«الإرهاب»، فهي تتجه نحو محاولات هندسة المجتمعات لتجفيف منابع الرفض للهيمنة الغربية». هذا السيناريو السوداوي الذي كان يتخوف منه الإسلاميون من قبل من محاولات تنقيح القرآن الكريم أصبح الآن سياسة غربية معلنة، (قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُۖ أَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ)
نعم، إن ما دفع هؤلاء إلى القيام بهذه الأباطيل هو تخوفهم الكبير من الإسلام وقوته الفكرية التي تتلاءم مع فطرة الإنسان عند إشباعه لها وقوة انتشاره بين الأمم وتأثيره على النفوس والدخول فيه أفواجًا. ولقد ظهرت مقولات لساسة الغرب ومفكريه تكشف هواجسهم من الإسلام وما يمكن أن يصنعه بهم إن هم قصروا في إيقاف انتشاره؛ ولذا يقول صموئيل هنتجتون: إن الإسلام هو قوام القوة الظلامية في العالم لسبب نزوع المسلمين نحو الصراع والعنف؛ ولذلك فقد قرر أن الصدام سيكون حتميًّا بين الإسلام والغرب.
وفي الأخير لقد صدق الله العظيم الذي قال في كتابه العزيز: (إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلذِّكۡرِ لَمَّا جَآءَهُمۡۖ
وَإِنَّهُۥ لَكِتَٰبٌ عَزِيزٞ٤١ لَّا يَأۡتِيهِ ٱلۡبَٰطِلُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَلَا مِنۡ خَلۡفِهِۦۖ تَنزِيلٞ مِّنۡ حَكِيمٍ حَمِيدٖ٤٢) ويقول تعالى: (يُرِيدُونَ أَن يُطۡفُِٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَيَأۡبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ ٣٢ هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ ٣٣) [ التوبة: 32-33]
فمهما تطاول المتطاولون، ومهما كاد الكائدون، فهم عند أوهن من بيت العنكبوت، وماهم بمعجزي الله بشيء، والنصر للقرآن وأهله آتٍ قريبًا بإذن الله، والله على كل شيء قدير… اللهم أمكنا منهم ومن كل كيدهم، واجعلنا من أهل القرآن الذين يذودون عنه وبعملون على تحكيمه، ويؤمنون الأجواء الإيمانية للمسلمين أجمعين بتلاوته وحفظه وتدبره والعمل به ونشره… اللهم آمين، اللهم آمين، اللهم آمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
2023-09-07