ماذا على الثورة في سوريا أن تقوم به حتى تنجو من احتوائها كما حدث من احتواء الثورات العربية
2015/03/30م
المقالات, كلمات الأعداد
4,812 زيارة
ماذا على الثورة في سوريا أن تقوم به حتى تنجو من احتوائها كما حدث من احتواء الثورات العربية
لقد كانت ثورات الشعوب العربية ناقمة بشدة على حكامها وعلى الأنظمة التي تحكمها؛ لذلك سرعان ما انتشر شعار “الشعب يريد إسقاط النظام” بسرعة انتشار النار في الهشيم، وصار الناس يرددونها في كل بلاد المسلمين ممن شهدت بلادهم ثورات وممن لم تشهد، وأخذت وضع قابلية التمدد في سائر بلاد المسلمين بشكل أخاف كل حكام المنطقة، ومن ورائهم أسيادهم من أنظمة الغرب… ولكن الذي حدث أن هذه الثورات كانت تفتقد إلى قيادة مخلصة لتقودهم؛ وهذا ما مكن دول الغرب من احتوائها، مستعينة بالمؤسسات الدولية كالأمم المتحدة أو الإقليمية كجامعة الدول العربية، ومسخرة الحكام الآخرين العملاء لها، ومستخدمة كل عملائها الذين كانوا يأخذون دور المعارضات للحكام الذين قامت الثورات في بلادهم؛ وذلك بإدخالهم على خط هذه الثورات ليقودوها ويوصلوها إلى حيث وصلت إليه من الاحتواء: استلام السيسي الحكم في مصر مع العمل على تبرئة مبارك مع ابنيه مع كل الطاقم الذي أدين معه من كل التهم التي اتهموا بها. واستلام عبد ربه منصور هادي نائب علي عبد الله صالح الحكم، ومؤخراً استلام السبسي الحكم في تونس، وهو كان من أوثق معاوني بن علي. وفي ليبيا ما زالت عملية الاحتواء قائمة على قدم وساق… أما في سوريا التي طالت عملية الاحتواء فيها لصعوبتها، وتميّزت بدمويتها وشدة إجرامها؛ فقد قدمت على سبيل الاحتواء فاروق الشرع نائب السفاح بشار كرئيس انتقالي، ولكن هذا العرض فشل وفشلت معه كل أساليب الاحتواء الأخرى، والتي كان آخرها العمل على فرض مقررات مؤتمر جنيف الأميركية كإطار للحل، وكانت مبادرة ديمستورا هي خطوة من خطوات فرضها…
أما السبب لغياب القيادة الواعية المخلصة التي كان عليها أن تقود هذه الثورات لإيصالها إلى هدفها بالرغم من وجودها، فهو أن الحكام في بلاد المسلمين هم طغاة بكل معنى الكلمة، لاحقوا واتهموا وسجنوا وعذبوا وقتلوا وغربوا… كل من عارضهم. وهؤلاء استطاع الحكام المجرمين أن يحولوا عملياً بينهم وبين الأمة، وكان من أبرز هؤلاء حزب التحرير الذي يدعو إلى الخلافة، أما فكرياً فقد تبين أنه كان لدعوته تأثير بالغ على الناس، وظهر هذا التأثير أكثر ما ظهر في سوريا. ومعلوم أن المسلمين باتوا بمجموعهم يريدون تغيير أوضاعهم بتغيير حكامهم العملاء للغرب وأنظمة حكمهم العلمانية القائمة على الكفر، وفي مقابل ذلك يريدون إقامة الخلافة. هذا وقد رصد الغرب مبكراً التوجه الجديد هذا لدى المسلمين، وراح يعمل على إفشاله؛ من هنا جاء تعاطي الغرب مع هذه الثورات منذ بدايتها على أنها ثورات إسلامية، ولكنه أطلق عليها زوراً وبهتاناً أنها ثورات الربيع العربي
والسؤال الذي يرد هنا هو: بمَ اختلفت الثورة في سوريا عن غيرها حتى أخذت هذا المنحى من الإجرم والتآمر الدولي عليها؟
أما الجواب فهو أن ثورة الشام كانت أصدق في التعبير عن الهدف من ثورات الأمة ككل عندما نادت بالخلافة، والخلافة عند الغرب تعني إنهاء نفوذه كلياً من المنطقة، ومن ثم القضاء على حضارته وبالتالي سيطرته على العالم؛ لذلك تعامل الغرب، وبالأخص أميركا، مع ثورة الشام بقسوة بالغة، وأمر باستعمال كل الأساليب الإجرامية لمنعها؛ ولم يكن الأسد إلا يد أميركا التي تبطش بها؛ إذ فتحت له باب الإجرام على مصراعيه وراحت تخذِّل عنه وتحميه من غير مساءلة من المجتمع الدولي بالرغم من كل إجرامه المشهود من أجل القضاء على الثورة لمصلحتها. فعندما تسعى أميركا للمجيء بنائب بشار فاروق الشرع بديلاً عنه، ثم عندما تنشئ الائتلاف وتعمل على جعله يتبنى حلها عن طريق مقررات جنيف، وتطالب فيها بإنشاء هيئة حكم انتقالية مؤلفة من عملائها في الائتلاف والنظام، وتطالب بالإبقاء على جهاز بشار الأمني المجرم جهازاً للنظام الجديد؛ فإنما يعني هذا أن أميركا مهتمة جداً بما يحدث في سوريا، وتحاول تسيير الأمور بحسب أوامرها. وليس كما تدعي ويتهمها الإعلام الدولي والإقليمي أنها لا تتدخل. ونحن عندما نذكر مثل هذه الوقائع إنما نذكرها لإثبات صحة ما نقوله منذ عشرات السنين عن عمالة آل أسد لأميركا وأنها تعمل جادة على أن يبقى الحكم في سوريا تابعاً لها، ولفضح من يريد التعامل معها سياسياً ومع مخابراتها عسكرياً… فأميركا هي العدو الأول للثورة في سوريا، وأميركا هي المسؤول الأول عن كل الموت الفظيع هناك.
وما يجدر ذكره هنا، أن أميركا هذه التي تملك كل الإمكانات وعلى كل الصعد لم تستطع أن تقضي على جذوة الثورة في سوريا بالرغم من أنها استعملت القوة بشكل مفرط، والذي جعلها تفشل هو كبر الهدف الذي أعلنت عنه هذه الثورة وهو الخلافة، وقوة التحمل وتقديم أعز التضحيات بصبر جميل… ولكن أميركا التي لم تستطع أن تفرض حلها بشكل سريع، فهي تعمل على تحقيقه خطوة خطوة، ويجب مواجهتها في ذلك لا السير معها، وهذا يقتضي القيام بأمور معينة لإفشالها في مسعاها الاستعماري المجرم، بل والتغلب عليها بمشروع إنقاذ مبدئي عالمي يضع حداً لظلمها المنتشر في كل أصقاع العالم، وليس فقط في مناطق المسلمين. وعلى ذلك، فيجب على المسلمين في سوريا، ومعهم كل المسلمين، الانطلاق من أمر لا يمكن أن ينجح هذا المشروع من دونه، وهو يشكل الأساس الذي سيبنى عليه نجاح مشروعهم، وبدونه لن يحصلوا إلا على المزيد من المآسي والذل والفقر والضلال. أما المشروع فهو مشروع إقامة الخلافة على منهاج النبوة، وأما الأساس الذي يبنى عليه فهو العقيدة الإسلامية، أي الإيمان بأن الله وحده هو الخالق المدبر. والناظر في واقع الصراع الجاري يجد أنه صراع حضاري مبدئي، تتزعمه من الطرف الآخر إمبراطورة الشر أميركا على أساس مبدئها، وهي تتخذ أسلوب المكر والدهاء على المسلمين حين تدعي أنها تحارب الإرهاب وهي في حقيقة الأمر تحارب الإسلام، وتقود تحالفاً دولياً منذ سقوط الاتحاد السوفياتي ضد العاملين على هذا المشروع، وتعمل جاهدة على تلويث سمعتهم؛ ولكن أقل تدقيق في ذلك يفضح كذبها ويبين عداءها العميق للإسلام، فهي تحارب، أشد المحاربة اعتبار أن الإسلام فيه نظام حكم وحياة، وتحارب أن يكون للمسلمين دولة خلافة راشدة تجمعهم، وتحارب أحكام الجهاد، وتهاجم ما تستطيع من أحكام الإسلام، وهي تكيد له وللعاملين له كيداً. وأمام هذا الصراع الشرس الدامي الذي لايرحم، فإن المسلمين ليس لهم إلا سبيل واحد للانتصار، وهو أن يرتفع صراعهم إلى المستوى المطلوب والمناسب الذي تواجههم به أميركا: إنها تواجههم بفكر مبدئي فعليهم مواجهتها بفكر مبدئي مثلها، وهو بفضل الله موجود وقوي ويجعل حامله بحق قوياً بحق، ويجعله يستحق نصر الله تعالى له. إنها تقود تحالفاً دولياً عليهم وعلى دينهم، فعليهم مواجهتها كدولة لا كجماعات وفصائل، نعم، عليهم أن يخوضوا الصراع معها كدولة جامعة هي دولة الخلافة تجمع كل المسلمين معها ليقوموا بفرط هذا التحالف الدولي العدواني الخطير وإفشاله. لذلك يجب أن تتركز الجهود في سوريا على إسقاط النظام السوري، وإفشال المسعى الأميركي بإيجاد نظام جديد يكون عميلاً لها، وإقامة دولة خلافة راشدة على منهاج النبوة تكون مصداقاً لوعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تكون في آخر الزمان، ويكون عقر دارها بلاد الشام. وهذا يتطلب القيام بأمور معينة:
1- أ ما بالنسبة إلى إسقاط النظام السوري، فيجب أن يتم بمعزل عن أي تدخل خارجي يأتي من أي دولة من دول من يدَّعون أنهم “أصدقاء الشعب السوري” وبالأخص أميركا، ولا يستثنى من ذلك الأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين لأنها أنظمة عميلة لدول الغرب من غير استثناء. فكل هذه الدول امتنعت عن تسليح الشعب السوري امتثالاً لأوامر أميركا، وتشارك معها في التحالف الدولي لمحاربة الإسلام، وتساهم في تدريب مجموعات على السلاح من قبل المخابرات الأميركية، وكلها ترفض إقامة دولة الخلافة، وتريد إقامة دولة مدنية علمانية تحكم بالكفر كما هم يحكمون، وهؤلاء يعملون جاهدين على استيعاب الفصائل المسلحة وتوجيه سلاحها لبعضها البعض، وتشارك أميركا في عملها على تقسيم المعارضة إلى معتدلة وإلى إرهابية متطرفة. وحتى الائتلاف قد صنعته أميركا ليخدمها في عملية التغيير وليفاوض بشار وليكون بديلاً عنه أو جزءاً من الحكم الجديد. فأعضاؤه جميعهم ليس لهم علاقة عضوية بالثورة، لا من قريب ولا من بعيد، وهؤلاء يظهر من خلافاتهم المستمرة أن هدفهم هو الوصول إلى كراسي الحكم فقط، وهؤلاء علمانيون وغير مقتنعين بأن الإسلام فيه نظام حكم.
قد يقول قائل إن هذا الكلام يجعل عملية التغيير من أصعب الصعوبات، ونحن نقول هي كانت كذلك من قبل تدخلهم، وهؤلاء زادوها أضعافاً. وإنه لو ترك بشار من غير تدخل خارجي من روسيا وإيران وتوابعها، بإذن من أميركا، لكان الآن في خبر كان. والمدقق في هذا الواقع يجد أن تحقيق النصر على بشار يمكن تحقيقه بشكل أسهل من غير هذا التدخل الخارجي وليس العكس. وهذا التدخل كان لمصلحة النظام، سواء ما كان منه لمساعدة بشار فهو قد أنقذه من السقوط، أم ما كان منه لمساعدة الفصائل فهو قد أضعفها ولم يقوَّها، وكبلها ولم يطلقها لإسقاط بشار، وهو يضغط لحرفها عن هدفها في إقامة الخلافة.
2- أما إفشال المسعى الأميركي بإيجاد نظام جديد في سوريا يكون عميلاً لها، فهذا أمر يجب أن لا يكون هناك خلاف عليه، وهو يتطلب إقفال باب التدخل كلياً أمامها، ومهما حاولت أن تغلف تدخلها بعناوين أخرى من مثل تسليح الفصائل المعتدلة، وتدريب الفصائل المعتدلة، ومحاربة المتطرفين، وغيرها من العناوين المضلِّلة، فهي لا ترمي إلا إلى أن ينتقل الحكم في سوريا من يدها الأولى إلى يدها الأخرى، وإذا تم لها ذلك فمعناه أن الحكم بقي في يدها ولا شيء قد تغير. وأقل نظرة تكشف عداء أميركا الشديد لهذه الأمة ولدينها. وأنها هي التي تقف وراء المجرم بشار، وأنها هي المسؤولة عما وصلت إليه سوريا من ظلم وقهر واستبداد في ظل حكم آل أسد العملاء لها، وكذلك الآن فإن كل ما يرتكبه المجرم بشار إنما يرتكبه بضوء أخضر منها ولمصلحتها… وعليه فإن هذا يقتضي أن يكون الموقف من أميركا موقفاً عدائياً، وأن يعتبر كل تعاون معها خيانة لله ولدينه وللمسلمين ويجب الكف عن المطالبة بتدخلها… ويجب الانتباه لكل تصرف منها وتفسيره من هذا المنطلق؛ فهي عندما تمتنع عن مد الثوار بالسلاح وتمنع غيرها منه بحجة الخوف من وقوعه بيد (الإرهابيين) فيجب تفسيره على أنه موقف تحمي به عميلها بشار، وتكشف أن صراعها هو صراع حضاري ضد الإسلام بالدرجة الأولى. وهي عندما تطالب بأن يكون فاروق الشرع بديلاً عن بشار، وهو من أكبر مساعدي الأسد (الوالد والولد) فإنما معناه أن نظام آل أسد كان تابعاً لها وأنها تسعى لبقائه كذلك عن طريق فاروق الشرع هذا. وهي عندما تستخدم الأمم المتحدة فلكي تمتلك بواسطتها مشروعية التغيير. وهي عندما تسكت عن تسليح روسيا لسوريا وتعطيها دوراً سياسياً وعسكرياً هناك فمن أجل أن تقوم روسيا نيابة عنها بهذا الأمر الذي لا تستطيع هي أن تقوم به بنفسها. وهي عندما تسكت عن مدِّ بشار بالمال والرجال والسلاح والخبرات من قبل النظام الإيراني العميل لأميركا، وتعطي الإيرانيين دوراً في سوريا ولبنان والعراق واليمن… فلكي يكونوا رأس حربة لها تستخدمها لمصلحتها في المنطقة. وهي عندما تنشئ الائتلاف الوطني السوري فليكون البديل عن بشار. من هنا يجب التعامل مع أذناب أميركا كما يتعامل مع أميركا بالذات. وهو الرفض الكامل لأي تدخل لها أو تسيير للثورة، أو القبول بأي قرار أممي تصدره… إن السكوت عما تقوم به أميركا أو التعامل معه يعطي معنى القبول لما تفعله. وإن الرفض القلبي غير المعلن لكل ما تقوم به أمريكا هو موقف ضعف تستغله لمصلحتها. إن حكام أميركا هم شر البرية، وهي لا تعتمد على نفسها فقط في فرض ما تريد، بل تستخدم حكام المسلمين مع أجهزتهم الأمنية الذين ما رأت العين أكثر إجراماً منهم، تستخدمهم لمصلحتها، فهي استخدمت إيران وتوابعها في العراق ولبنان أبشع استخدام في مشاركة المجرم بشار في قتل وإبادة الشعب السوري رجالاً ونساء وأطفالاً، ولعبت بواسطتها هي وحكام الخليج بورقة الصراع المذهبي؛ لذلك يجب التعامل مع أميركا على أنها رأس الحربة القاتلة والوقوف سداً أمام كل سبيل من سبل تدخلها: من الائتلاف إلى المبعوثين الدوليين، إلى قرارات الأمم المتحدة، إلى الاعتماد على حكام المسلمين إذ كلهم عملاء ومجرمون، وكل واحد منهم لا يقل إجراماً في بلده عن المجرم بشار وهي تريد الآن أن تستغل السيسي حاكم مصر الجديد والذي يقدم نفسه بقوة لخدمتها عله ينال رضاها وتثبته في نادي الرؤساء العملاء لها، وهي تريد أن تستخدمه الآن في جلب الفصائل إلى طاولة المفاوضات مع نظام بشار ووتريد إدخاله في التحالف الدولي ليلعب معها لعبة الموت ضد مشروع الأمة العظيم… إن حكام المسلمين جميعهم مشتركون في جريمة المؤامرة على المسلمين في سوريا. ومن هنا يجب الحذر والتحذير من أميركا ورفض كل أشكال تدخلها، ورفض عملائها، واعتبار كل ما يصدر عنهم إنما هو منها. وحتى دول أوروبا، وخاصة النافذة منها على المسرح الدولي كفرنسا وبريطانيا دخلوا على خط أميركا؛ لأن موضوع محاربة الإسلام عندهم مقدم على ما سواه. وبالخلاصة إن أمريكا تعلم أنها لا تستطيع أن تجعل التغيير لمصلحتها إلا بضرب التوجه لإقامة دولة الخلافة، وهذا ما تريده من إعلان إرادتها القضاء على الإرهاب. أي إنها تريد من المسلمين أن يحاربوا دينهم معها ويقبلوا حكمها وعمالة الحكام الجدد لها.من هنا فإن التعامل معها هو أكبر خيانة لله ولدينه وللأمة.
3- أما إقامة دولة خلافة راشدة على منهاج النبوة فهو المشروع الحقيقي للأمة في سوريا وفي كافة بلاد المسلمين. وهذا المشروع يجب الإعلان عنه صراحة أنه مشروع الأمة الجامع. ويجب تسليم الأمر لله وحده في عملية التغيير. ويجب عزل أميركا ودول الغرب وحكام المسلمين العملاء، فهؤلاء لا يجوز السير معهم خطوة واحدة في عملية التغيير. فإذا ادعت أميركا أو أحداً من حكام المنطقة أنه ضد بشار، وأنه مستعد لمعاونة من يعمل على إسقاطه بمده بالمال أو بالسلاح، فإن مد اليد إلى هؤلاء حرام لأن أساس عملهم ليس إيمانهم بالله بل أساس عملهم هو عمالتهم لدول الغرب؛ من هنا كان القول بحرمة أخذ المال السياسي والسلاح السياسي لأنه مشروط ومرهون لأهداف الغرب المشبوهة والعدائية للإسلام ولمشروعهم العظيم… وإذا كان تنظيم البغدادي يرتكب أخطاء قاتلة ويجب مقاتلته بنظر الفصائل، فيجب على المسلمين أن يعلموا أنه يحرم مقاتلته مع أميركا على طريقتها وتحقيق أهدافها. بل يجب معالجة هذا الوضع المعقد بالحكم الشرعي، وبمعزل عنها، مهما كان هذا الحكم الشرعي، سواء أكانت مقاتلته أم مفاوضته. إن فكرة التقاء الأهداف أو تقاطع المصالح مع الغرب لا تجيز للمسلمين أبداً أن يتعاونوا معه؛ لأن العمل عند المسلم يجب أن يبنى على أساس الإيمان بالله حتى يقبله الله.
نعم، يجب الانطلاق للفوز من حسابات مختلفة عما هو متداول، إنه يجب الرجوع إلى الأحكام الشرعية في عملية التغيير.
وإنه تجاه هذا العداء الغربي الشرس للإسلام ولمشروع الخلافة العظيم، فليس أمام المسلمين إلا سبيل واحد للانتصار وهو الاستمساك بما كان السبب بالعداء لهم وهو الإسلام نفسه، مكمن قوة المسلمين. فأميركا مهما بلغت قوتها ومهما قيل عنها بأنها قوة غير مسبوقة في التاريخ؛ فإن الله هو أقوى منها، وليتدبر المسلم آيات الله تعالى ليدرك بإيمانه أن جند الله هم الغالبون، وما أكثر من آيات القوة والغلبة التي تعطي القوة للمسلم وتضمن له التأييد والتوفيق والنصر من الله. قال تعالى: (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) وقال سبحانه: (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ) وقال جلَّ من قائل: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ). وإن من يقرأ آيات الله في النصر يجد أن مبناه على الإيمان والصبر والالتزام، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ) وقال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) أما الغلبة فلا يمنُّ الله بها إلا للثلة المؤمنة التي لاتوالي في الله أحداً، قال تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) وقال سبحانه: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). ومهما بلغ الاستضعاف بالمؤمنين فإن الله سبحانه مظهر الدين بهم وجاعلهم أئمة في الأرض، قال تعالى: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) ولعل الآية الآتية هي أرجى ما في موضوع الوعد بالنصر لمن يعبد الله وحده لا يشرك به أحداً، قال جل من قائل: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ). وقال تعالى: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أما عن تأييد الله سبحانه للمؤمنين والتدخل الرباني لنصرهم والتخذيل عنهم، ولنفكر بقوله تعالى: (قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ). وبقوله تعالى: (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ * إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ). وأما استدراج الله للكفار وإملاء الله لهم وأخذهم أخذ عزيز مقتدر، فقد حدثنا الله كثيراً عنه فقال: (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) وقال سبحانه: (وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ * كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ). إن موضوع النصر شيِّق مترابط فيه الإيمان والالتزام والابتلاء والصبر والاستضعاف والاستخلاف، والولاء والبراء… إنه موضوع حساس يتطلب استعلاء بالإيمان، وقوة بالالتزام، وتمحيص بالابتلاء، وصبر على الاستضعاف، والتمتع بصفة الإخلاص الخالص لله الذي لا إله إلا هو، تعالى اسمه، وجل ثناؤه… ومن يدرس سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم يجد فيها خير مؤنس ومرشد له في حالكات هذه الأيام التي اجتمع فيها أهل الشر جميعهم لمحاربة دين الله باسم محاربة الإرهاب ومحاربة المؤمنين الساعين لإعلاء كلمة الله بإقامة الخلافة الراشدة بتهمة أنهم متطرفون. فالرسول صلى الله عليه وسلم مرَّ في مكة بأصعب الحالات وكان طيلة دعوته فيها في حالة استضعاف مريرة، هو وصحابته، فقد أوذي في الله حتى قال: “ما أوذي أحد ما أوذيت في الله”. وعُذب أصحابه حتى قال لهم: “إني لا أملك لكم من الله شيئاً”. وحوصر هو والمؤمنون معه في الشعب وقوطعوا حتى أكلوا ورق الشجر. وهاجر متخفياً إلى المدينة وهو في مكة في قمة الاستضعاف. ولكنه لما كان عند الله مرضياً جاءه النصر المؤزر من الله. ثم لما كان في المدينة مر الرسول صلى الله عليه وسلم ، هو وصحابته كذلك بأوضاع حرجة بلغت أقصاها في غزوة الأحزاب حتى نزل قوله تعالى فيها: (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11) ) ولكن الله سبحانه خذَّل عنه بنعيم بن مسعود، وأرسل ريحاً وجنوداً، وكفى المؤمنين القتال، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ) وبعد انفراط عقد الكفار الذين أرادوا استئصال الدعوة والدولة في هذه المعركة وردهم الله بغيظهم، وكفى المؤمنين القتال قال: (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ) بعد كل هذا قال الرسول ٍ صلى الله عليه وسلم : “الآنَ نَغْزُوهُمْ وَلا يَغْزُونَا”
إن المطلوب القيام به ليتحقق مشروع الخلافة هو التقيد بطريقة الرسول صلى الله عليه وسلم من وجود قيادة سياسية على غرار حزب الصحابة الكرام مع الرسول الأكرم، وتأمين الحاضنة الشعبية التي قبلت إقامة دولة الإسلام عندها، واستجابة أهل القوة المؤمنين لنصرة هذا الدين كما حدث باستجابة أسيد بن حُضَير وسعد بن معاذ الذي اهتزَّ عرش الرحمن لموته تقديراً لمكانته في الإسلام.
لقد شاء الله أن تكون ثورة الشام ثورة ذات بال، وأن يطرح فيها مطلب الخلافة الراشدة عن الأمة جمعاء، ونسأل الله تعالى أن يخرج عمود النار الآن إلى الشام، وأن تهفو قلوب المؤمنين وتفتح على هذا الفرض العظيم. اللهم واجعل كيد أميركا وتحالفها الدولي في خسار وتباب. اللهم آمين.
2015-03-30