شذوذ الغرب الحضاري مفرخة لكل شذوذ انتهاء بشذوذه الجنسي
2023/05/20م
المقالات
1,040 زيارة
مناجي محمد
بدأ النموذج العلماني الغربي بمسلَّمة عقائدية أن المعرفة الكاملة لقوانين المادة ستؤدي إلى التحكم التام في الواقع وتوظيفه لمصلحة الإنسان وسعادته، ثم انجلى غبار الوهم وخداع التبسيط وزيف الاختزال العلماني المادي، وحلَّ محلَّ ذلك التبسيط والاختزال المخل إدراكٌ عميقٌ من مفكري الغرب من أن المعرفة الكلية وحتى شبه الكلية لحقيقة الإنسان والحياة والكون مستحيلة، وأن رقعة المجهول تتزايد وتتعاظم ودائرة المعلوم تتناقص وتتآكل، وأن المعارف المادية والعلمية منها فوق كونها قاصرة عن فهم الظاهرة الإنسانية المتجاوزة لحدود المعمل والمختبر، فمعارفها احتمالية إلى حد كبير، والواقع الإنساني مركَّب ومعقَّد وهكذا طفح إلى السطح مفهوم «النسبية» المعرفية في الفكر العلماني الغربي، واتَّضح جليًّا قصور الفلسفة المادية العلمانية الغربية ووقوف الفكر العلماني الغربي عاجزًا أمام القضايا الحضارية الكبرى من مثل «الوجود وسببه» و«الوجود معناه وغايته» و«السعادة» و«المصير» و«القيم» و«الخير والشر».
ثم تعاظمت المعضلة الفكرية للفلسفة العلمانية المادية الغربية حتى انتهت إلى التيه الفكري الحديث وبرزت مفاهيم العدمية واللامعنى، ثم تلتها مفاهيم المابعديات وأصبحت مفردة «ما بعد» لازمةً اصطلاحية ومفهومًا يمسك بناصية الفكر العلماني الغربي على شاكلة «ما بعد الحداثة» و«ما بعد الميتافزيقا» و«ما بعد العلمانية» و«ما بعد الفلسفة»، وما بعد عند التحقيق هي اختزال لإفلاس المنظومة القائمة وعجز عن ابتكار البديل، فهو رفض بأسلوب فلسفي للقائم وعجز عن استشراف القادم، تم نحَّته كفلسفة واصطلح عليه فلسفة التفكيك أو ما بعد الحداثة.
فانتهى الفكر العلماني المادي الغربي إلى العدمية الشاملة واللاعقلانية المادية الخالصة، وإن شئت فقل فلسفة الحمق؛ فأنتج الغرب عصارة شذوذه الفلسفي والفكري وترجمها شذوذه الحضاري. فأنهت الفلسفة العلمانية المادية الغربية المسألة الإنسانية بعد تفكيك الإنسان إلى مادة صماء، يتساوى فيها حسب التفسير المادي ومعيار وقوانين المادة الإنسان والحيوان والقرد واليرقة والشجرة والحجرة، وتأسَّست نظريات ومدارس لهكذا شذوذ فكري فظهرت نظرية داروين للتأسيس للعنصرية الغربية، بها يفرز البشر وينخل حسب المعايير الداروينية العلمانية «حرب الكل ضد الكل» و«البقاء للأقوى»، ونظريتا ويليام جيمس وتوماس مالتوس عن تقليص حجم هذه الكتلة المادية البشرية لإتمام الفرز والنخل واستئصال الفائض البشري المادي، ونظرية ومدرسة فرويد للتحليل النفسي المادي للتأسيس للإباحية الجنسية والشذوذ الجنسي والفوضى الجنسية، ثم تجارب بافلوف على الإنسان-الكلب لنزع أي قداسة عن التميز الإنساني وتسويته بالحيوان الشيء. وانتهى الشذوذ الفلسفي العلماني الغربي إلى تفسير أحادي شاذ، إنِ الوجود كل الوجود إلا مادة صماء لا تعرف لا خيرًا ولا شرًّا ولا قيمًا ولا أخلاقًا ولا معنًى ولا غايةً، بل توصيف الخير والشر والقيم هو مجرد توصيف لظواهر مادية صرفة (اختلالات مادية، بيئة، جينات، غدد، هرمونات، أنزيمات…) يُتعامل معها بأدوات مادية بحتة (الأدوية، العمليات الجراحية، عمليات التجميل، تخفيض الانبعاثات الكربونية…).
وفي غياب كل يقين معرفي وإيمان وقيم وأخلاق غاب الهدف والقيمة والمعيار والمعنى والغاية، وحلَّت العدمية الظلامية والشك المطلق المحيِّر وتساوت المتناقضات وسوغت المتضادات وأصبحت السيولة والميوعة نسقًا فكريًّا، والفراغ جوهرًا معرفيًّا. وإن كانت الحداثة الغربية هي نفسها عدمية وعبثية، فما بعد الحداثة هو ملامسة القاع العدمي العبثي، فالعدمية العلمانية نتيجة طبيعية لفلسفة جحدت بالأساس الأول ونقضت الشرط الأساسي الحتمي للمعنى والغاية في المسألة الإنسانية وهو الإيمان بخالق الإنسان، فكيف يكون إدراك لمعنى وغاية الآلة في جحود كافر برب الآلة، فالنتيحة حتمًا هي العدم والتيه والحيرة، وذلك ما عبر عنه أحد فلاسفتها ريتشارد رورتي (1937-2007)م: «إن الحضارة العلمانية الحديثة لن تكتفي باستبعاد فكرة القداسة أو بإعادة تفسيرها بشكل جذري، وإنما ستهاجم الذات الإنسانية نفسها كمصدر للحقيقة».
في شذوذ فلسفتها، حوَّلت العلمانية المادية معارفها الثقافية إلى أدوات تفكيك وهدم ونسف للحقائق وزرع للشك والريبة وتوليد للحيرة والضياع، يقول علي عزت بيجوفيتش (رحمه الله): «وهكذا رأينا علم الاجتماع الديني يقضي على الجوهر الأساسي للدين، وعلم النفس يقضي على النفس، وعلم الأنثربولوجيا (الدراسة الثقافية للإنسان) يقضي على الشخصية الإنسانية، وبَيَّنَ علم الأخلاق أن الذي نحسبه أخلاقًا هو مجرد نوع من الأنانية المستنيرة، أي أن الأخلاق نفي للأخلاق في علم الأخلاق، بل إن علم البيولوجيا قرر أن الإنسان ليس في الحقيقة إلا حيوان وأن الحيوان شيء، وأن الحياة في نهاية الأمر مجرد آليات بلا حياة».
فهذا الشذوذ الحضاري لفلسفة الغرب العلمانية المادية أنتجت للبشرية مأساتها الفريدة الشاذة، فلأول مرة في التاريخ البشري يلغى المعنى والغاية من الوجود الإنساني، ويُصنع دين وضعي من دون قيم ولا أخلاق ولا معايير ولا مقاييس للخير والشر مرجعيته النهائية هي في إنكار أي مرجعية. وهذه الإباحية المعرفية الشاذة لا تعرف لا مقدسات ولا مطلقات ولا حقائق ولا محرمات، حيث الإنسان العلماني في العراء الحضاري التام. ففي تفكيكه هو مجرد مادة صماء وكتلة عضلية مادية صرفة، يتم توظيف هذه الطاقة العضلية إنتاجًا واستهلاكًا في ضمور تام وإقصاء شامل لأي حس قيمي أو أخلاقي أو إنساني مع جحود تام لأي صلة بخالق الإنسان ومدبر أمره. وهكذا انتهت الفلسفة العلمانية المادية في شذوذها إلى إنجازها الأهم وهو إلغاء العقل نفسه مَلَكة إنسانيةِ الإنسان وأداة فهمه لمعناه وغايته، بل حولته إلى كائن مادي خالص تحركه دوافع مادية خالصة لا تتجاوز عالم المادة، والهدف من هذه الحركة المادية الصرفة هو هدف مادي بحت وهو اللذة. ولا تتصل هذه الدوافع والإشباعات بخالقها أو ببعث ونشور وحساب وثواب وعقاب وجنة ونار وقيم وأخلاق وحلال وحرام. وهكذا انتهت المنظومة الفلسفية العلمانية المادية إلى الجنون المادي وعدمية اللامعنى كفلسفة حياة ترجمتها أنظمتها بصدق خالص فبات الشذوذ سمة الفلسفة والحياة.
ففي شذوذه، كدَّ وجهدَ وعنتَ العقل العلماني الغربي في صياغة مأساته وأنظمة فنائه وشرائع وطرائق عذاباته، ففي شروده وهو يأبق من ضلال وطغيان كنيسته واستبداد قساوستها وملوكها، انتحل من ديمقراطية الإغريق نظام حكم لإدارة وسياسة توحشه، فهروبًا من الدين حفر العقل العلماني الغربي في أعماق تاريخ الشرك البشري حتى أقعر واستقر به المقام في قعر أثينا الإغريق وما ابتدعته من أنظمة لقيادة وحكم عبيدها، فانتحلها الغرب لقيادة وحكم عبيده وإدارة وسياسة الغابة التي استحدثها لهم في غاية افتراسه، فديمقراطية أثينا هي آلية الغرب لاستعباد شعوبه والمكر بأهله.
فالديمقراطية هي التي مكنته من إحلال كنيسته العلمانية بدلًا عن الكنيسة البابوية، وإحلال ذلك التحالف السافر بين الرأسماليين والساسة العلمانيين محل تحالف القساوسة والملوك الإقطاعيين. ثم انتهت الفلسفة العلمانية من صياغة شذوذها السياسي في تحويل الدولة ووظيفتها ومهامها السياسية من دولة لخدمة المجتمع إلى دولة لخدمة شؤون ومصالح طبقة الرأسماليين المهيمنين أصحاب البنوك والشركات الكبرى، وانتهى المجتمع الغربي بل العالم معه إلى غابة دستورها الافتراس وقانونها الأعلى البقاء للأقوى ونظامها السياسي الشاذ هو مجرد وسيلة لإدارة التوحش.
ثم ترجم الغرب في شذوذه الحضاري حقيقة الشر والمعنى الحقيقي لتعفن الطباع وخبث الأخلاق، في جعله حيازة الدنيا حقًّا مفردًا لحفنة من رأسمالييه وحكرًا عليهم، فكانوا بحق في البشرية مادة فساد وإفساد وهلاك وإهلاك، واستبدل الغرب بطبقة الإقطاعيين طبقة الرأسماليين من أصحاب البنوك والشركات الكبرى، ثم فلسفت العلمانية هذا الشذوذ في حب المال حبًّا جمًّا وهذا الجشع والطمع في استئثار حفنة من الرأسماليين بالثروة كل الثروة وأكل الحقوق غصبًا، كقضاء ومشيئة مادية لميكانيكا السوق عبر تلك الطقوس المادية للعرض والطلب، وصيَّرت هذا الشذوذ الاقتصادي نظامًا وكنَّته السوق الحرة، وهذه السوق المتحرِّرة لا تكترث بالإنسان وحاجاته وغرائزه ولا بمشكلته الاقتصادية ولا بهَمِّ معيشته وحاجاته الأساسية، وغير معنيَّة البتة بالقيم والأخلاق والغايات، ففي دين السوق غاية الغايات هي الربح ولا شيء يعلو فوق الربح. وهنا انتهت العلمانية الغربية من صناعة شذوذها الاقتصادي، فمع الاقتصاد الحر والسوق الحرة أنهت المشكلة الإنسانية عبر التخلص من صاحب المشكلة، فصمَّمت وصنعت للبشرية غابة يفترس قويها ضعيفها، ثم عولمت هذا المقت والشذوذ الحضاري عبر استعمارها وحروبها الطاحنة، وأنتجت للبشرية مأساتها الكبرى وسمتها لها نظامًا دوليًّا ونظامًا عالميًّا، ثم جعلتها تعيش عين اليقين معيشتها الضنكى وخراب ودمار دنياها.
وفقًا لمصرف كريدي سويس «ارتفع إجمالي الثروة العالمية بنسبة 9.8 لتستقر في حدود 463.2 تريليون دولار، وبنهاية 2021م كانت 45.5% من الثروة العالمية في أيدي 1% فقط من السكان مقارنة بـ43.9% في عام 2020م»، بينما «أكثر من 50% من أهل الأرض ما يتجاوز 3 مليارات إنسان يعيشون يوميًّا بأقل من 2.5 دولار، وأكثر من 1.3 مليار إنسان بأقل من 1.25 دولار، و805 مليون إنسان لا يجدون قوت يومهم». وفي تقرير مؤسساتهم الدولية وما خفي أقبح وأشنع تقرير الأمم المتحدة «عدد الجياع في العالم ارتفع إلى 828 مليون إنسان في عام 2021م. و45 مليون طفل دون الخامسة من العمر يعانون من الهزال بسبب الجوع، 149 مليون طفل دون سن الخامسة يعانون من التقزم بسبب النقص المزمن للغذاء». كما أعلن برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة لسنة 2022م عن أرقام وحجم الكارثة الإنسانية «موت 3.1 مليون طفل تحت سن الخامسة من الجوع في كل عام بمعدل 45% من وفيات الأطفال عالميًّا، ويتأثر 16 مليون طفل بسوء التغذية الحاد».
ويؤدي هذا الشذوذ الاقتصادي بحسب تقديرات خبراء الغابة العلمانية لسنة 2020ه إلى موت أكثر من 132 مليون إنسان بسبب الجوع في العالم، بمعدل 362 ألف إنسان يوميًّا أكبر من ضحايا القنبلتين النوويتين على هيروشيما وناغازاكي (220 ألف قتيل). بل في سحقه للإنسان عدَّدّ الغرب العلماني أصنافًا وألوانًا من العذاب، فلك أن تموت من قرص الجوع أو من جرعة مخدر أو من تحويلك إلى لحم تنهشه ضباع البشر، فالسوق الحرة تتكفَّل بذلك فإنسانها مستهلِك ومستهلَك مادة إنتاج واستهلاك. وهكذا أفرز شذوذ السوق الحرة تجارة المخدرات وقدر ذلك الركام البشري الذي تمَّ تحطيمه وركسه بـ300 مليون مدمن مخدرات متمركزين في كل من أمريكا وأوروبا، وعلى مستوى العالم قدر العدد بمليار مدمن ومتعاط للمخدرات ويمثل الشباب الغالبية العظمى، وقدر حجم تجارة المخدرات بـ800 مليار سنويًا ما يمثل 8% من حجم التجارة العالمية.
أما فاتورة هذا الشذوذ الاقتصادي فنصف مليون من الوفيات من متعاطي المخدرات سنويًّا، ثم أضعاف هذه الأعداد من المصابين بالأمراض الفتاكة كالإيدز والسرطان والالتهاب الكبدي الحاد والاضطرابات النفسية والسلوكية المصاحبة لتعاطي المخدرات، وعطفًا عليها جرائم السرقة والقتل والعنف والاغتصاب. ثم أنتج هذا الشذوذ الاقتصادي صنفًا آخر من العذاب، التجارة في لحوم البشر، فقد قدَّرت الدراسات الغربية حجم سوق صناعة وتجارة البغاء بـ1500 مليار دولار ما يمثل أكثر من 15% من حجم التجارة العالمية. وهذا الحطام البشري من النساء اللواتي سحقتهن رأسمالية الغرب الملعونة وحولتهن إلى الشيء السلعة والبضاعة في سحق تام لكرامتهنَّ الإنسانية، قدر عددهنَّ بـ50 مليون امرأة حوِّلنَ إلى بغايا. وتناسل الشذوذ فكانت جرائم الاغتصاب. ففي أمريكا النموذج الصارخ لعلمانية الغرب، ذكر مركز الضحايا الوطني ومركز الأبحاث ومعالجة ضحايا الاغتصاب في دراسة له بواشنطن أن 78 امرأة يتعرضن للاغتصاب كل ساعة أي بمعدل 683 ألف امرأة سنويًّا والنسبة في ازدياد، وتضيف الدراسة أن 13% من النساء الأمريكيات تعرضن للاغتصاب على الأقل مرة واحدة في حياتهنَّ، وأن 61% منهنَّ كنَّ دون سن 18، و29% دون الحادية عشرة من العمر. وفي دراسة أخرى فإن معدل الاغتصاب في أمريكا يتراوح ما بين 21% و23%.
ثم في شذوذها أعادت الحضارة العلمانية المادية صياغة مفاهيمها للإنسان والاجتماع البشري على ضوء معايير المنفعة المادية والجدوى الاقتصادية، فصيَّرت الإنسان شيئًا وسلعة وحوَّلته إلى مادة إنتاجية واستهلاكية قابلة للتوظيف بأقل التكاليف لتحقيق أعلى عائد وربح في وقت قياسي، فالكلفة والثمن والعائد والربح والوقت وساعات الإنتاج والاستهلاك هي المعايير الحاسمة والصارمة في الرؤية العلمانية المادية الشاذة للنوع الإنساني والعلاقات الاجتماعية بين الرجل والمرأة.
ثم قاءت الحضارة الغربية العلمانية عصارة شذوذها الحضاري في تناولها لمسألة النوع الإنساني ونظامه الاجتماعي، فحطَّمت وهشَّمت حقيقة الرجل والمرأة والأسرة، وانتحلت في شذوذها مفاهيم ومصطلحات ودلالات شاذة لمسخ النوع الإنساني وتشويه اجتماع النوعين، فكان قيح شذوذها مصطلح الجندر أو النوع الاجتماعي، بمعنى أن نوع الإنسان الذي يشير إلى جنسه من كونه ذكرًا أو أنثى لا تحدِّده خِلقته وسماته البيولوجية والفسيولوجية التي تميز الذكر والأنثى، بل المعايير والقوالب وأعراف المجتمع والثقافة السائدة والأفكار والتصورات الثقافية لمعنى الذكورة والأنوثة (وهي تحديدًا القوالب الثقافية العلمانية)، فهذه الأخيرة هي من يصوغ الإنسان جنسيًّا ويحدد نوعه الجنسي «الجندر» بمعزل عن نوعه الحقيقي وطبيعة خِلقته. وفي شذوذها وتطرفها باستحداثها لمفهوم الجندر، أحدثت العلمانية الغربية قطيعة وانفصامًا شاذًّا بين جنس الإنسان الحقيقي وغريزته الفطرية وبين الممارسة والإشباع الشاذَّ، فتشكَّلت ونمت تلك السلوكيات الشاذَّة المتطرفة واتخذت أشكالًا متعددة لم يعرفها تاريخ البشر، حتى قوم لوط في قبيح صنيعهم لهذه الموبقة اقترفوها بوصفهم ذكورًا لا شيئًا أو نوعًا آخر. ثم استحدثت الفلسفة العلمانية في شذوذها مفهوم المساواة الجندرية أي لا خصوصية للرجل أو المرأة ولا فوارق بين الذكر والأنثى، ثم عولمت هذا الشذوذ الاجتماعي عبر مؤسساتها الدولية وجعلته جزءًا من إعلانها المعولم لحقوق إنسانها، وجعلته شرطًا مسبقًا للتنمية المستدامة وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان العلمانية، ثم أصبح هذا التشويه الجنسي ومسخ النوع البشري سياسة دولية تم فرضها قسرًا حتى على الأطفال في الروضات والمدارس عبر مناهج التعليم وألعاب الكرتون. وتبنَّت مصطلح الجندر الأمم المتحدة في مؤتمر بكين عام 1995م، وتم ترويجه بكثافة سردية لطبعه في الأذهان، لدرجة أن البيان الختامي ذكرت فيه مفردة الجندر 233 مرة.
ثم هذه المحادة الشاذة للفطرة ما كانت لتمر دون عواقب مأساوية وكارثة إنسانية وأرقام الدمار والخراب المجتمعي شاهد، فنسبة الانتحار بين الشاذين جنسيًّا هي الأعلى على الإطلاق بين المنتحرين في الغرب. وكذلك نسبة الاكتئاب والإدمان على المخدرات، فحسب الإحصاءات الأمريكية لسنة 2020م «أنه، بعد أول خمس سنوات من الشذوذ الجنسي، فإن 92% من الشوَّاذ قد لجؤوا للانتحار مرة واحدة على الأقل، 97% لجؤوا للعلاج النفسي»، عطفًا على الأمراض الفتاكة التي ظهرت في أوساطهم كمرض الإيدز الذي حصد منذ انتشاره في أوساط الشاذِّين جنسيًّا في التسعينات من القرن الماضي حياة أكثر من 40 مليون شخص حتى نهاية 2022م، وتحتل الولايات المتحدة بين الدول الغربية المركز الأول في عدد الإصابات بالإيدز، ويوجد فيها أكثر من 1.1 مليون شاذّ يحمل مرض الإيدز حسب إحصاء 2020م.
ثم في كل هذا، ما كانت هذه الفلسفة العلمانية الملعونة إلا نفث ونفخ إبليس الرجيم، وما كان اللعين ليتوقف حتى يُنهي المسألة الاجتماعية للنوع البشري بالكامل ويُتِمَّ شذوذه، فكانت لعنة سيداو تفكيكًا للمرأة والأسرة، وعبرها تمت عولمة هذا الشذوذ الاجتماعي في قالب اتفاقية دولية تحت بند إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة، علمًا أن هذه المرأة في الرؤية العلمانية المادية هي ذلك الجسد المادي حصرًا وقصرًا، فبعد تفكيكها عبر المعيار المادي وتحويلها للمرأة الشيء والسلعة والمادة الإنتاجية والاستهلاكية، تم تحديد قيمتها المادية في ثمن جاذبيتها الجنسية ومردود اللذة الاقتصادي منها والربح المستخلص بعدها. وفي التحليل الأخير انتهى شذوذ الغرب الاجتماعي ومعياره المادي الشاذ المدمر بالمرأة إلى بغي ومومس كمنتج اقتصادي منتج للذة ومستهلك لأدوات الزينة والتبرج ومدرّ للربح، فالغرب الكارثة في شذوذه وتطرفه حوَّل المرأة إلى مومس وحول الدعارة والبغاء إلى حريات شخصية ثم صيَّرها صناعة وتجارة في لحوم البشر، وفي شره يسعى لتعميمها وعولمتها وسيداو هي الاتفاقية الناظمة لعولمة هذا المقت والشذوذ الاجتماعي في سحق كافر لكرامة المرأة ومسخ إنسانيتها عبر تحويلها إلى البغي السلعة والبضاعة خدمة لشرذمة وحوش الرأسمالية ونماء لأرباحهم.
في كتابه (البغاء… مهنة كأي مهنة) يقدر الباحث ريتشارد بولان حجم صناعة البغاء على الصعيد العالمي بـ1500 مليار دولار وجيش البغايا بـ50 مليون امرأة. بل تم تحويل بلد بكامله كتايلاند إلى ماخور بغاء. فالنموذج التايلاندي هو النموذج الصارخ في تحويل المرأة إلى سلعة وبضاعة ومادة استهلاكية وأداة للمتعة أي بغي، ففي هذا البلد الآسيوي الذي جعلت منه أمريكا حاضنة لشذوذها الحضاري أصبح قطاع البغاء فيه أهم مصادر إجمالي الدخل. وهو ما يسعى الغرب لتعميمه، ومن أفعل آلياته السياحة «الجنسية» وجعلها رافدًا اقتصاديًّا، فهذا التشجيع على السياحة والتوصيات المتكررة للمؤسسات الدولية بها كرافد اقتصادي، يستبطن في خبث خفي الغاية الخبيثة من كون السياحة أداة من أدوات الغزو الحضاري المباشر، فعوض العساكر الغازية جيوش الغزاة من السائحين الغربيين المنحلين والشاذِّين.
وبعد إغراق المجتمع في هذه الفوضى والاضطرابات الحادة القاسية لمحددات النوع البشري، وما نتج عنها من اختلال للوظائف والأدوار للذكر والأنثى، عبر شذوذ الجندر في تسويته الشاذة للذكورة والأنوثة وطمس الفواصل ومسخ الفطرة وجعل الذكورة والأنوثة مسألة عرضية طارئة. انتهى الغرب في شذوذه الحضاري إلى تحطيم وتهشيم نواة الاجتماع البشري «الأسرة» والتزاوج بين الذكر والأنثى، ففكَّك وحطَّم الإنسان ثم نوعه الرجل والمرأة ثم اجتماعهما الطبيعي الأسرة ووصل بشذوذه الاجتماعي إلى أقصى حدود الشذوذ بتحطيمه نواة الاجتماع البشري وسبب بقاء نوعه في سعيه الحثيث لاختصار زمن الفناء والانقراض البشري.
ففي شذوذه الاجتماعي استحدث صيغًا شاذة للاجتماع، فقد أشارت إحدى مطبوعات الأمم المتحدة أوردها كتاب (الأسرة وتحديات المستقبل) إلى أن هناك 12 شكلًا ونمطًا للأسرة منها أسر الشواذ (الجنس الواحد)، وكان مؤتمر بكين قد أقرَّ وجود 6 أنماط للأسرة بحسب الوسط الاجتماعي. ثم رتبت وثيقة برنامج عمل مؤتمر القاهرة للسكان حقوقًا للشوَّاذ جاء فيها «ينبغي القضاء على أشكال التمييز في السياسات المتعلقة بالزواج وأشكال الاقتران الأخرى» تم التعبير عليها بمصطلح «الأسرة بكافة أشكالها». وتكريسًا لهذا الشذوذ المتطرف وصفت المادة الخامسة لاتفاقية سيداو الملعونة وظيفة المرأة بأنها وظيفة اجتماعية يمكن أن يقوم بها أي شخص.
وفي لعنة شذوذه الاجتماعي استأصل النسل والأنساب والأرحام، فلا نسب ولا صهر ولا بنين ولا حفدة ولا أصول ولا فروع، فمع جندره وشذوذه الجنسي لا آباء ولا أمهات ولا إخوة ولا أخوات ولا أخوال ولا خالات ولا أعمام ولا عمات ولا أجداد ولا أحفاد، بل جيفة بشر مُنْبـَتَّة لا نسل لها ولا غرس ولا جذور ولا فروع.
من ذا الذي يستطيع أن يقول إن هذا الوضع الاجتماعي الشاذَّ وثماره الخبيثة السامة وعواقبه المدمرة يمكن أن يدوم، مهما أقيمت له الأسانيد من تلك الفلسفة العلمانية الكافرة، فأرقام الكارثة تنبئ عن الانتحار والموت وليس الحياة. ففي أوروبا واتحادها البائس 47% من المواليد هم أبناء زنا، وتشكل فرنسا قمة هذا الشذوذ الاجتماعي بنسبة 60% وفي بريطانيا حسب الإحصاءات الأخيرة لـ2018م تجاوزت النسبة 50% بحسب الـ(بي بي سي) للأخبار. أما عن تدمير الحياة الزوجية فقد أظهرت البيانات الصادرة عن المركز الأمريكي للإحصاءات الصحية عام 2020م أن معدلات الزواج انخفضت بشكل قياسي وغير مسبوق. ثم أدى هذا الوضع الاجتماعي الشاذُّ إلى انخفاض حاد في معدلات الخصوبة واختلالات في الهرم السكاني وانتشار للشيخوخة، وانطبق اسم أوروبا العجوز انطباقًا تامًّا على مسمَّاه؛ حيث يعيش في أوروبا أكبر نسبة من المسنين في العالم، ففي حين يبلغ سكانها مليار نسمة تقريبًا لسنة 2021م، فإن حوالى 191 مليون شخص منهم تتجاوز أعمارهم 60 سنة، ويبلغ عمر خمس سكان الاتحاد الأوروبي أكثر من 65 عامًا. وكشف تقرير صادر عن مكتب الإحصائيات «يوروستات» تابع للمفوضية الأوروبية في تموز/يوليو 2022م، انخفاضًا جديدًا في عدد سكان الاتحاد الأوروبي في عام 2021م، بعد أول انخفاض في النمو السكاني في عام 2020م، وأضحت شيخوخة أوروبا نذير فنائها وانقراض مجتمعاتها.
ثم تناسل ذلك الشذوذ الاجتماعي لتزحم تلك الرحم الملعونة بأشنع شذوذ وألعن الموبقات، سفاح المحارم والأطفال تحديدًا، فقد أعلنت صحيفة «ميديا بارت» الفرنسية أن اللجنة التي شكلت من أجل زنا المحارم في فرنسا كشفت عن أرقام مفزعة وصادمة في تقريرها الذي ستصدره في 2023م، وتشير إلى تعرض حوالى 160 ألف طفل لسفاح المحارم سنويًّا في فرنسا، وتحدَّث التقرير عن وجود نحو 5,5 مليون ضحية في البلاد، وأغلب الضحايا من الإناث (9 من أصل 10) ومتوسط عمر الضحايا الآن 44 عامًا، وواحدة من أصل 4 ضحايا تعرضت للاعتداء الجنسي وعمرها لا يتجاوز وقتها 5 سنوات، وتحدث التقرير عن الآثار الكارثية على الضحايا نفسيًّا وبدنيًّا ترجمه ارتفاع معدلات الإدمان والانتحار في أوساطهم، علمًا أنها مأساة ومعاناة لا تنتهي.
هو الغرب اللعين حسم أمر انتحاره، وشذوذه الحضاري هو شفرته لقطع شرايينه، جاء في كتاب (انتحار الغرب) لكاتبيه ريتشارد كوك وكريس سميث «إذا كانت هناك أزمة للغرب فهي أزمة تولدت تولدًا داخليًّا، إنها تكمن في انهيار الغرب، إنها تكمن في الرؤوس الغربية، إنها تكمن في الأفكار». ويؤكد هذا المفكر السياسي الأمريكي باتريك بوكانان في كتابه (موت الغرب) من أن العوامل المؤذنة بموت الغرب وانهياره الحضاري الفظيع هي عوامل داخلية «انخفاض معدلات المواليد وذوبان العائلة واندثارها كوحدة اجتماعية، وعزوف النساء عن الحياة الطبيعية (الزواج وإنجاب الأطفال ورعايتهم)، وعزوف الشباب عن مؤسسة الزواج وشيوع الجنس واللواط، مع الحماية لهذه النزعات غير السوية».
وما يخفيه هذا الشذوذ الاجتماعي من أهداف خفية خبيثة أشنع وألعن، فهذا التدمير الممنهج للإنسان في كينونته واجتماعه قبل أن يكون فلسفة كان تصميمًا وغاية لإدارة التوحش والتغول العلماني من طرف الفئة الحاكمة المهيمنة. وإن كانت الفلسفة الغربية وحضارتها في جوهرها شاذة، فالذي يغذي هذا الشذوذ المتطرف اليوم وينزع به إلى حدوده القصوى هو تلك العصابة الرأسمالية المتحكمة في الدولة والمجتمع والموجهة للفكر والسياسة، فهذا الشذوذ الماحق اليوم بات سلاحًا من أسلحتها للضبط والتحكم لاستمرار المنظومة على حالها في الداخل، وسلاحًا من أسلحة دمارها وخرابها في الخارج لاستمرار استعمارها وهيمنتها.
يخبرنا التاريخ القريب أن هذه الإباحية الشاملة والفوضى الجنسية التي عمت الغرب والتي اصطلح عليها بالثورة الجنسية، وهو مصطلح للتعبير عن التغيير الجذري في العلاقات الجنسية في العالم الغربي بين نهاية الستينات وبداية السبعينات، وأن هذه الإباحية قبل أن تتشكل كفلسفة للحياة كانت تصميمًا وغاية خبيثة أدارت بها عصابة الحكم الرأسمالية في الغرب ثورتها المضادة ضد أعمق وأشرس تمرد ثوري عرفته المنظومة الرأسمالية من داخلها، ونعني به تحديدًا ثورة أيار/مايو 1968م التي قادها مفكرو ومثقفو الغرب وطلبة الجامعات وسادت الاحتجاجات وانتشرت في كل من أوروبا وأمريكا، وكان تمردًا واحتجاجًا جذريًّا ضد المنظومة الفلسفية الغربية وترجمتها الحضارية بشقيها الرأسمالي والشيوعي، فابتكر شياطين الرأسمالية ثورتهم المضادة «الثورة الجنسية» فكانت فلسفة وسياسة لدائرة رأسماليي الحكم والسلطة وتصميمًا لحرف ثورة مفكري ومثقفي وطلبة الغرب وامتصاص احتقانهم وشل حركتهم وتزييف أهدافهم، فحل الانحلال الجنسي مطلبًا بدل نسف المنظومة وهدم حضارتها والتغيير الجذري لفلسفتها.
والشذوذ الجنسي اليوم هو امتداد لسياسة إدارة التغوُّل والتوحُّش في الداخل الغربي، فالأزمة الاقتصادية الأخيرة لسنة 2008م ضربت قلب الاقتصاد الرأسمالي بنوكه الكبرى، وكانت لها آثارها المدمرة في الداخل الغربي، وظهر جليًّا إفلاس المنظومة العلمانية وتهاوي ركيزة بنيانها الأساسية نظامها الاقتصادي، وظهرت معه بوادر التمرد والاحتقان الشديد المؤذن بالانفجار، فكان الشذوذ الجنسي هذه المرة هو الفلسفة والسياسة لإدارة التغوُّل والتوحُّش وصد التمرد ضد المنظومة الفاشلة. فهذه الإباحية الشاملة والسعار الجنسي والشذوذ الجنسي بهذه الكثافة وبهذا الزخم والسرعة، هو لتذويب الإنسان الغربي في ماكينة النظام حتى يصبح جزءًا أصيلًا منه في عُطبِه عُطبُه، فيستميت في الدفاع عن بقاء وديمومة النظام، ففي انحلاله وشذوذه يتم ذلك الانسجام التام والانطباق الكامل مع انحلال وشذوذ الفلسفة الغربية وحضارتها وأنظمتها، ويستميت حينها الإنسان الغربي المنحل جنسيًّا والشاذ جنسيًّا في الدفاع عن المنظومة الشاذة التي توفر له كل أسباب إشباعاته الشاذة، والتي لن يجد له وضعًا وحياة منحلة وشاذة إلا بها وفيها، بل تم حرف بوصلة حاجات الإنسان الغربي تلك الحاجات الطبيعية الإنسانية واصطناع حاجات شاذة بدلًا عنها وجعلها مطلبًا، ومظاهرات الشواذ في مدن الغرب هي الترجمة، وهنا أحكمت قبضة الفخ في الداخل الغربي بتحويل المشكلة من أزمة منظومة وعصابة الحكم إلى مشكلة مجتمع مع شوَّاذه.
أما الخارج فإباحية الغرب وشذوذه الجنسي هي فخاخه التي نصبها للبشرية لاستئصال جزء منها، ومحاولة حرف جزء آخر وهو يخوض ضده حربًا حضارية ضد إسلامه وسموه الحضاري وتحدِّ يه الفكري، بغية ديمومة استعماره خدمة لعصابة رأسمالييه. أما عن الشق الأول فنشر وإشاعة انحلاله وإباحيته الجنسية وشذوذه الجنسي هو التنفيذ والتطبيق العملي لمقتضيات شذوذه الحضاري ورؤيته في تقليص البشر (نظريات ويليام جيمس ومالتوس) لمعالجة ما وصفه الغرب بالخطر السكاني واصطلح عليه تضخم السكان أو الانفجار الديمغرافي، في زعم منه خاطئ كاذب عن وجود خلل وعطب في التوازن بين عدد السكان وحاجاتهم ومواردهم المتوفرة. فكانت سياساته الاستئصالية وبرامج إبادته لجزء من البشرية، وتقرير كيسنجر لسنة 1974م فاضح، فعبر الوثيقة التي أصدرها مجلس الأمن القومي الأمريكي باسم تقرير كيسنجر، والتي كان موضوعها «آثار النمو السكاني في جميع أنحاء العالم على الأمن الأمريكي والمصالح الخارجية» والتي عرَّت الحقيقة الداروينية والوحشية الغربية في التعامل مع البشر كركام يستعمل ويركس ويباد، فالتقرير رسم خطة الإدارة الأمريكية ومن ورائها وحوش الرأسمالية لتخفيض عدد سكان الأرض من أجل الوصول إلى المواد الخام وثروات تلك الشعوب بأقل كلفة عبر إبادتهم سلفًا. جاء في التقرير «سيتطلب الاقتصاد الأمريكي كميات كبيرة ومتزايدة من المعادن من الخارج، خاصة من الدول الأقل نموًّا. هذه الحقيقة تعطي الولايات المتحدة اهتمامًا متزايدًا بالاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي لتلك الدول، ويمكن أن يؤدي تقليل الضغوط السكانية من خلال انخفاض معدلات المواليد وتقليل عدد السكان إلى زيادة احتمالات هذا الاستقرار، بناء عليه تصبح سياسة تقليل السكان ذات صلة بإمدادات الموارد والمصالح الاقتصادية للولايات المتحدة بشكل مباشر». فهذه الإبادة للجنس البشري هي نهج أصيل وشذوذ متجذر في الفلسفة والحضارة العلمانية الشاذة، وأدواته تحديد النسل وتحطيم الزواج والزهد فيه والحروب الطاحنة والأوبئة الفتاكة المصطنعة والمفتعلة، ثم هذه الإباحية الجنسية انتهاء إلى هذا الشذوذ الجنسي ما هي إلا أداة من أدوات الإبادة والاستئصال.
أما الشق الثاني على مستوى الخارج وهو الأخطر والأهم كونه يستهدف البديل الحضاري والخلاص البشري، والغرب العلماني في شذوذه الحضاري وإفلاسه الفلسفي وفي هزيمته الفكرية المدوية أمام الإسلام بعد أن تم تجريده من كل ذاك الزيف الحضاري والدجل الفكري، ولما سقط في يده وأعجزته وأرهقته هزيمته أعلنها توحشًا خالصًا وقتلًا وسفكًا للدماء الطاهرة وإشاعة للفواحش إباحية جنسية وشذوذًا، في محاولته البائسة اليائسة لمسخ عقول المسلمين وانتزاع إيمانهم وركس وتشويه فطرتهم لاقتلاع نبل سلوكهم وتحطيم عزمهم في سحق ودفن المشروع العلماني الغربي الشاذ وإعادة البديل الإسلامي إلى دفة القيادة والريادة، وذلك عبر ترسانة قانونية لتشريع وعولمة الرذائل والفواحش والشذوذ باسم الحريات وحقوق الإنسان، حتى إن قرن الشيطان أمريكا عينت سفيرًا خاصًّا للنظر في شؤون الشواذ، ثم سيف التجريم والوصف بالرُهاب المثلي والكراهية والتطرف والإرهاب مسلط على كل من رفض ونازع وكافح هذا السحق والمحق الحضاري، وهم المسلمون تحديدًا حصرًا وقصرًا. فالإباحية الجنسية والشذوذ الجنسي وهذا السعي النكد لإشاعتهم بين المسلمين هو حملة في حرب حضارية صليبية، لقتل فضيلة الإسلام والإيمان به في قلوب أهله وتعسفهم بكفر الغرب وضلاله لإغراقهم في مستنقع علمانيته.
هو شذوذ الغرب الحضاري قد استفحل واستشرى، وكل هذا السحق الحضاري ومفاهيمه الشاذة الجندر وسيداو والشذوذ الجنسي وقبلها العنصرية ونظريات العرق المادية وتأصيل الإبادة عبر نظريات مالتوس وداروين ونشر الأوبئة والعلم التجريبي الأسود، فكل هذا الشذوذ ليس خللًا معرفيًّا ولا عطبًا فكريًّا ولا هي مظاهر انحراف ولا ظواهر وأحداث طارئة عارضة على المنظومة العلمانية المادية الغربية، بل هي نسق معرفي ومنهج فكري من صلب وصميم الفلسفة العلمانية الشاملة وإفراز منطقي لها.
فنحن في صلب وصميم الفلسفة المادية العلمانية، ولسنا خارج دائرة إنتاجها المعرفي ولسنا على الحواشي والأطراف فضلا أن نكون في دائرة العارض الطارئ أو الفكر الدخيل، فالشيء من معدنه لا يستغرب، فشذوذ الغرب الحضاري هو إفراز منطقي لمفاهيم شاذة عن الحياة تفرعت عن جذر فلسفي علماني مادي شاذ.
إنها لحظة الحقيقة العارية في ضوء ما تكشف من أزمات ساحقة وكوارث طاحنة وحروب عدمية وتوحش وتطاحن استعماري وعنصرية وإبادة بشرية، وكل أصناف الشذوذ فلسفي وسياسي واقتصادي واجتماعي، فحتى الإنسان الغربي نفسه لم يعد يرى في المنظومة العلمانية المادية الغربية مشروع حياة وإعمار وسعادة، بل أصبح يراها مشروع موت وشقاء وانتحار. فالحديث الدائر اليوم في الغرب هو عن تدهور الغرب وسقوط الغرب وانحطاط الغرب وانتحار الغرب وموت الغرب وعن مفاهيم الفناء لا الحياة، إن ثمرة حضارة الغرب العلمانية المادية كانت إلى أبعد الحدود قاتمة مظلمة مصدرًا خالصًا لكل بؤس وشقاء مستنقعًا للأدواء ومقبرة للفناء.
يا معشر العقلاء، إن علمانية الغرب المادية الشاذة الظالم أهلها والكافرة بربها وحسابه، والسادرة في غي جهالتها العمياء وفي تحديها لخالق الأرض والسماء، الغارقة في مستنقع فواحشها ورذائلها، والمصممة على استئصال البشرية وشحذ كل حديدة لنحرها وانتحارها، فما تركت لكم من خيار، فالمعادلة مع هذا الشذوذ الحضاري الغربي حدية إلى أقصى الحدود لا تقبل أنصاف الحلول، إما أن تستأصلوه أو يستأصلكم!
معاشر المسلمين، أبناء خير أمة أخرجت للناس أصحاب رسالة الإسلام العظيم، وشهادة الحق على العالمين، أنتم طوق نجاة العالم وخلاص البشرية، فإسلامكم العظيم بناء تامُ الصِنْعَةِ، رؤيته أساسها عقيدة قطعية يقينية، قاعدته يقين حق ومعياره يقين حق، متجاوِزٌ لعدمية المادة إلى خالق المادة ومدبر أمرها الخبير العليم، وهذه الرؤية المستنيرة تعطي الإنسان تصورًا حقيقيًّا للحياة الدنيا، فيراها على حقيقتها وجود له ما قبله وما بعده له، سببه وغايته ومصيره، فيصبح لوجوده وحياته سبب ومعنى وغاية ويرتقي إلى سموه الإنسان تكريمًا بالسير على بصيرة وهدي خالقه وبارئه.
معاشر المسلمين، معشر الأتقياء الأنقياء وشباب هذا الحزب الأمين حملة دعوة الإسلام العظيم، هي معركتكم الفاصلة، هو الزمان زمانكم، زمن المفاصلة، زمن الابتلاء، زمن الفسطاطين، زمن الفصل والحسم هو زمن الملحمة. فشذوذ الغرب الحضاري تعفن ونتن وحان زمن استئصاله، وما لهذا العالم المنكوب البائس إلا أنتم لإخراجه من حيرته وضلاله، ولن يكون إلا باسترجاع سلطانكم المغصوب أولًا، وتحكيم شرع ربكم بإقامة أمر إسلامكم ببيعة رجل منكم يُحَكِّمُ فيكم كتاب ربكم وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، ويُعِيد فيكم سيرة الصحب الكرام الراشدين خلافة راشدة على منهاج النبوة، تقيم أحكام القرآن بعد هَجْر وتحيي سنة المصطفى الهادي صلى الله عليه وسلم بعد موات، وتستأنفون حياتكم الإسلامية العزيزة بعد انقطاع، وتحملون دعوة الإسلام العظيم نورًا وهدى للعالمين، فتَصِلُوا الأرض بالسماء ليرضى عنكم رب الأرض والسماء.
(هَٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥۚ)
2023-05-20