العالم يقف اليوم على أعتاب تغيير كوني، (الخلافة الراشدة على منهاج النبوة هي أمر الله الغالب إن شاء الله تعالى)
2023/04/08م
كلمات الأعداد
1,953 زيارة
لقد كان سقوط الاتحاد السوفياتي في أواخر ثمانينات القرن الماضي، أي منذ أربعين سنة ونيف،كان يعني سقوط النظام الدولي الذي كان سائدًا آنذاك، ويعني أيضًا التفكير بإقامة نظام دولي جديد يكون لمصلحة الدولة الأقوى، وهي أمريكا. ومنذ ذلك الوقت، قامت أمريكا تعمل جاهدة على فرض النظام الدولي الجديد، فاتخذت من الإسلام عدوها البديل عن الاشتراكية، وأنه الخطر القادم الذي لا بدَّ من منع عودته إلى مسرح الحياة الدولية، كمبدأ وحضارة وشريعة حكم حية قابلة للتطبيق في دولة جامعة هي دولة الخلافة، تلك الدولة التي كانت تهلع قلوب وعقول حكام الغرب ورجال الدين من مجرد ذكرها… وقدَّمت أمريكا الصراع مع الإسلام ومشروعه للخلافة على الصراع مع الصين وروسيا ودول أوروبا التي كانت تسعى إلى الوحدة من أجل أن يكون لها مجتمعة وزنًا على المسرح الدولي… لذلك أعلنت أمريكا حربها العالمية على الإسلام تحت شعار الحرب على الإرهاب؛ ولكنها فشلت في حربها هذه، وزادت إفلاسًا على الصعيد الحضاري، حتى ولم تستطع أن تحقق نصرًا عسكريًّا، وما انسحابها المذل من أفغانستان ثم من العراق وسوريا إلا مظهر من مظاهر فشلها الذي اعترفت به.
لقد كان انسحاب أمريكا من بلاد المسلمين اضطراريًّا وليس اختياريًّا؛ لأنه في حمأة انشغال أمريكا بالحرب على المسلمين، استفادت الصين من ذلك واستطاعت أن تصير على مقربة من الوصول إلى المنافسة الجدية لأمريكا في الصراع الدولي على كل الصعد، وروسيا وإن كانت لوحدها غير قادرة على أن تكون دولة منافسة؛ ولكنها مع الصين تشكل خطرًا استراتيجيًّا عليها… لقد تأكَّد لأمريكا أنها فشلت في حربها على الإسلام في نهاية فترة حكم بوش الابن الأولى وبداية الثانية، ووضعت الملامة في انتشار التطرف والإرهاب على الطغيان، أي الحكام، معتبرين أنهم هم سبب وجود حالة الإرهاب في المنطقة؛ ولكن، ومع هذا الاعتبار، لم يتغير شيء في حرب أمريكا على الإسلام… ولما جاء أوباما أعلن عن هذا الفشل صراحة بإعلانه التخلي عن فكرة (القطب الأوحد) في حكم العالم، وأراد أن يحسن العلاقة مع المسلمين، فزار مصر في الأشهر الأولى من رئاسته وألقى من الأزهر خطبة كان هدفه منها تحسين العلاقة بين أمريكا والعالم الإسلامي التي تشوّهت كثيرًا أثناء فترة رئاسة جورج بوش الابن، وقال: «مهمتي أمام العالم الإسلامي هي توضيح أن الأمريكيين ليسوا أعداءً لكم»… ولكن المسلمين فاجؤوه وفاجؤوا العالم كله بالثورات التي قامت على الحكام وعلى أسيادهم من دول الغرب… وعندما جاء ترامب أعلن عن عداء واضح للإسلام والمسلمين وهاجم الإسلام كدين وربطه بالكراهية والعداء للولايات المتحدة، وطالب بفرض حظر على دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، وأعلن أنه يريد أن تنسحب قواته من أفغانستان والعراق وسوريا متذرعًا بأن الحروب المفتوحة مضرة؛ ولكنه لم يستطع تنفيذ ذلك، حتى جاء بايدن وانسحب انسحابًا اضطراريًّا وصف بأنه مذل، وتكلم مسؤولون أمريكيون عن فشل حربهم هناك.
مع بايدن وجدنا أن أمريكا بدأت بتنفيذ خطة لها لإيجاد نظام دولي جديد قائم على التفرد في حكم العالم (نظام القطبية الواحد) أي دولة أولى لا منافس لها… وجدنا أن أمريكا تفتح جبهات صراع وتقفل جبهات، وتورِّط دول، وتحاصر دول، وتحالف دول، من أجل أن يأتي التغيير بحسب أجندتها… فقد قام بايدن بعد الانسحاب مباشرة من بلاد المسلمين بإشعال حرب بين روسيا وأوكرانيا، هدفها استنزاف خصمين منافسين لها على المسرح الدولي، هما دول الاتحاد الأوروبي وروسيا وإضعافهما، من غير التدخل المباشر لها في تلك الحرب، وظهر أن هناك خطة أخرى معدة للصين لاستنزافها وإضعافها وإشغالها بمحيطها كذلك من غير أن تورط نفسها مباشرة في ذلك، وهي تريد أن تجعل دول العالم كلها تستنزف ما عداها لتستلم بعدها قيادة العالم الجديد مع مشروع مارشال عالمي جديد. وهنا يبدو أن سياسة تقسيم الدول وتسعير الحروب بينها هو من مخطط الإضعاف الذي تتبعه، والذي يشمل تقسيم روسيا والصين وشرذمة دول أوروبا، وإثارة النزعات القومية والمذهبية والطائفية لدى المسلمين لعدم السماح لهم بإقامة دولة الخلافة… هذا ما يطغى الآن على السياسة والصراع الدوليين، ويشغل الدول الفاعلة على المسرح الدولي، ومعلوم أن نتائج هذا الصراع سترسم مستقبل الصراع السياسي الدولي في الكرة الأرضية لأجيال عديدة.
إذًا، يقف العالم اليوم على حافة تغيير كوني، فما هو نصيب الإسلام والمسلمين فيه؟… وهنا نعود إلى ما بدأنا به كلمتنا، وهو أن أمريكا عندما لم تختر الإسلام عدوًّا لها بعد سقوط الاتحاد السوفياتي من فراغ، بل اختارته لأنها تعلم أنه مبدأ وحضارة وشريعة حكم حية قابلة للتطبيق في دولة جامعة هي دولة الخلافة، وفوق ذلك هي تعلم أن المسلمين بدؤوا يثوبون إلى رشدهم وبدؤوا ينخلعون من حالة التخدير والتعمية التي أصابتهم بفعل الغزو الفكري والسياسي الغربي، وبدؤوا يسعون من أجل استئناف حياة إسلامية كالتي كانت من قبل، ولم تكن ثورات ما سمي بـ «الربيع العربي» إلا صدى لهذا التوجُّه… ولئن أجبرت أمريكا على الانشغال عن حربها على الإسلام بفعل بروز قوى دولية أخرى منافسة لها على المسرح الدولي لا تستطيع أمريكا أن تغفل عنها؛ إلا أن الإسلام يبقى هو المنافس الأهم في هذا الصراع، فهو يملك ما لا يملكه غيره، إنه يملك مبدأً صالحًا من غير منافس، فدول العالم المتنافسة كلها تحمل مفاهيم المبدأ الرأسمالي الذي سبَّب كل مآسي وأزمات العالم، ويريدون أن يكون النظام الدولي الجديد على نفس مفاهيم هذا المبدأ. وكل ما يتصارعون عليه اليوم هو صراع على المواقع والمصالح فحسب، وبمعنى آخر، فإنه على أي شكل أتى التغيير الذي ينشدونه، فإنه لن يأتي بتغيير حقيقي ولا بمعالجة جذرية.
وحده الإسلام هو الذي يحمل الحق، الحل، الخلاص، وهذا مصدر قوة الإسلام في هذا الصراع؛ إذ إنه يعني أن الخلاص به هو للمسلمين ولغير المسلمين. فالمبدأ، أي مبدأ، حتى ينتصر، يحتاج إلى القوة الفكرية، وإلى القوة المادية. فالغرب ودول العالم الفاعلة على المسرح الدولي تمتلك القوة المادية ولكنها لا تمتلك القوة الفكرية الصحيحة الصالحة. وفي المقابل يمتلك الإسلام القوة الفكرية الصحيحة الصالحة، ولكنه لا يمتلك القوة المادية ولا دولة الخلافة الإسلامية التي تمكنها من حمايتها. والله سبحانه أمر المسلمين أن تقوم حياتهم كلها على أمر الله، وأن يقوموا بحق الله بإقامة الخلافة وتطبيق الشرع وفتح البلاد وإدخال العباد في الإسلام، وأن يكونوا على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته، وأن يكون في المسلمين (أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ ) والله سبحانه وتعالى تعهَّد أن ينصر من ينصره وحصر النصر به وحده…
أما عن الأمة الوارد ذكرها، فقد قام حزب التحرير امتثالًا لهذه الآية الكريمة، وسار على طريق رسول الله، وقام بنفس الأعمال التي قام بها الرسول الأكرم لإقامة الدولة الإسلامية، ومرَّ بنفس مراحل السير. وهنا يمكن القول إن الحزب قد نجح في تبني أحكام الفكرة الشرعية وأحكام الطريقة الشرعية، وفي سلوك الطريق الشرعية وبلوغ نهاياتها بدأب وصبر والتزام دون حيد قيد شعرة عن طريق الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد قام في خوض الصراع الفكري والكفاح السياسي وتبني مصالح الأمة وكشف خطط الغرب الكافر المستعمر، متأسيًا في ذلك بعمل الرسول صلى الله عليه وسلم وقد أدَّى نجاحه فيها إلى إيجاد الرأي العام في العالم الإسلامي على إسلام الحكم حتى أصبحت الخلافة أمل الأمة بمجموعها، وصار الحزب يعرف بأنه حزب الخلافة، وصارت عودة الإسلام إلى مسرح الحياة من جديد هو هاجس خوف وقلق لدى دول الغرب الكافر التي لا تفتأ تجمع كيدها ومكرها وقمعها لمنعه. ومما هيَّأه الحزب كان في تقديم دستور جاهز للتطبيق في الدولة الإسلامية الموعودة مبيًّنا فيه أجهزة الدولة وصلاحياتها… ومما هيَّأه أيضًا هو إيجاد ثلة من الشباب قام ويقوم معهم بحمل أعباء الدعوة بكل قساوتها قبل قيام الدولة، هؤلاء الشباب الذين أقدموا حين أحجم الآخرون وخافوا وجبُنوا وآثروا حياتهم الدنيا… هؤلاء الشباب الذين خاضوا غمرات الدعوة وتحمَّلوا كل لأوائها، وتأسَّسوا وانبنت شخصياتهم على أرض واقع قاسٍ ظالم، فصبروا على ما كُذبوا وأوذوا حتى أعدتهم المواجهة إعدادًا جعلت منهم حملة دعوة ورجال دولة الإسلام القادمة قريبًا بإذن الله تعالى… ويمكن القول إنه بمجرد سير الحزب على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا من شأنه أن يعدَّ الشباب قبل قيام دولة الخلافة تمامًا لأن يكونوا أهلها. ومما يجعل النفس مطمئنة هو أن نرى أن الحزب جعل تبنِّياته في إدارة العمل الحزبي شبيه بالتبنِّيات الشرعية لإدارة الحكم بعد قيام الدولة: من وجود منصب الأمير ويقابله منصب الخليفة. وأعضاء مكتب الأمير ويقابله وزراء التفويض. ومن وجود معاونين له في الأعمال الإدارية يبلغون له ومنه ما يرده وما يصدر منه ويقابله وزراء التنفيذ. وولايات عمل ودعوة عليها معتمدون ويقابلها ولايات حكم وإدارة وعليها الولاة في الدولة الإسلامية. ومحليات ونقباء ويقابلها عمالات الدولة الإسلامية وعمَّالها…
أما بالنسبة إلى النصر الذي كتبه الله سبحانه وتعالى على نفسه، فقد جعله بيده وحده، وجعله لرسله وللمؤمنين، في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، قال تعالى: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيۡنَا نَصۡرُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ) وقال: (وَمَا ٱلنَّصۡرُ إِلَّا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ) وقال: (هُوَ ٱلَّذِيٓ أَيَّدَكَ بِنَصۡرِهِۦ وَبِٱلۡمُؤۡمِنِينَ) وقال: (حَتَّىٰٓ إِذَا ٱسۡتَيَۡٔسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُمۡ قَدۡ كُذِبُواْ جَآءَهُمۡ نَصۡرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُۖ وَلَا يُرَدُّ بَأۡسُنَا عَنِ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡمُجۡرِمِينَ ١١٠) وقال: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيَوۡمَ يَقُومُ ٱلۡأَشۡهَٰدُ ٥١) وقال: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرۡكُمۡ وَيُثَبِّتۡ أَقۡدَامَكُمۡ٧). وغيرها الكثير الكثير من الآيات… ونحن عندما نؤمن بأن النصر من عند الله وحده، فهذا يعني أن الله سبحانه سيهيئ أسبابه، وسيجعل الأوضاع الدولية مناسبة لقيام هذا الأمر، وسيفتح قلوب أهل قوة مؤمنين لينصروه… وهذا ما نراه حدث مع الرسول صلى الله عليه وسلم وتحدث به القرآن الكريم. يقول ابن هشام في سيرته عن النفر الذين حضروا من المدينة في موسم الحج: «قال ابن إسحاق: فلما أراد الله عز وجل إظهار دينه، وإعزاز نبيه صلى الله عليه وسلم، وإنجاز موعده له، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم الذي لقيه فيه النفر من الأنصار، فعرض نفسه على قبائل العرب، كما كان يصنع في كل موسم. فبينما هو عند العقبة لقي رهطًا من الخزرج أراد الله بهم خيرًا» وهذا ما حدث في المدينة مع مصعب بن عمير حين استجاب له في لقاءَين وفي ساعتين من نهار كل من أسيد بن الحضير وسعد بن معاذ، رضي الله عنهما، سيدا قومهما، ولم يتطلب الأمر جهدًا خاصًا ولا عدة لقاءات… وكذلك ما ذكرته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في هذا المعنى من أن يوم بعاث كان هدية من الله لرسوله حيث قضت هذه الحرب على زعماء المدينة كبار السن المخضرمين الذين يرفضون التغيير عادة، وأتت بالشباب الذين يسهل إقناعهم، وكمثال على ذلك أسيد بن الحضير، فقد قتل والده الحضير واستلم زعامة القبيلة من بعده ابنه أسيد… والقرآن يذكر في كثير من آياته عن تدخل ربَّاني في نصر المؤمنين، قال تعالى: (هُوَ ٱلَّذِيٓ أَخۡرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ مِن دِيَٰرِهِمۡ لِأَوَّلِ ٱلۡحَشۡرِۚ مَا ظَنَنتُمۡ أَن يَخۡرُجُواْۖ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمۡ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَأَتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِنۡ حَيۡثُ لَمۡ يَحۡتَسِبُواْۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعۡبَۚ يُخۡرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيۡدِيهِمۡ وَأَيۡدِي ٱلۡمُؤۡمِنِينَ فَٱعۡتَبِرُواْ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَبۡصَٰرِ٢) وكانت أحداث هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم كلها دالة على هذا التدخُّل الربَّاني… وما نريد أن نقوله في هذه الكلمة أن الله جلَّ وعلا قد أمرنا بالسير على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم وتكفل سبحانه بالنصر إن نحن نصرناه باتباع أوامره فيها وعدم الحيد عنها مهما كانت الضغوط علينا، وهو الذي يهيئ أسبابه لنا، ونحن ننتظر منه سبحانه أن ينصرنا بحسب ما يريد… ولعلَّ ما تخطط له أمريكا من إشعال الحروب بين الدول، وأولها كانت الحرب الروسية الأوكرانية، هو من باب التهيئة لقيام دولة الإسلام، فالنصر مفتاحه بيد الله وحده، لا بيد أمريكا ولا غيرها كائنًا من كان، وعلينا أن نقوم بما طلبه الله العزيز الحكيم منا من التزام، وفي الوقت نفسه أن نترقب كيف سيقيم الله لنا دولة الخلافة… ويسألونك متى هو؟ قل عسى أن يكون قريبًا.
إن الأمة اليوم تقف أمام حقائق ثابتة لا تتزعوع، وهي تستمد منها قوتها كونها مستمدة من عقيدتها، ومن هذه الحقائق:
– إنها أمة موعودة بخلافة راشدة على منهاج النبوة، وأن هذا الدين سيحكم مرة أخرى فالخلافة قادمة بوعد الله عزَّ وجلَّ، وببشرى رسوله الأكرم، قال تعالى: (وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ٥٥) النور، وقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ» رواه الإمام أحمد.
– إن النصر من عند االله عز وجل، وإنه لينصر عباده المؤمنين حتى وإن كانوا قلة مستضعفين، ويهزم الكفر والكافرين حتى لو ملكوا كل أسباب القوة والجبروت؛ مصداقًا لقوله تعالى: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيَوۡمَ يَقُومُ ٱلۡأَشۡهَٰدُ ٥١). وقوله سبحانه: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنَجۡعَلَهُمۡ أَئِمَّةٗ وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَٰرِثِينَ ٥ وَنُمَكِّنَ لَهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنُرِيَ فِرۡعَوۡنَ وَهَٰمَٰنَ وَجُنُودَهُمَا مِنۡهُم مَّا كَانُواْ يَحۡذَرُونَ ٦) فنحن نقوم بالأخذ بالأسباب، ونلتزم أمر ربنا، ونثق ثقة تامة بأن النصر حليف هذه الأمة على الشروط التي وضعها الشرع…
– إن الله عز وجل يدافع عن عباده المؤمنين، ويخذلُ أعداءهم، وكفى بالله هاديًا ومعينًا ونصيرًا، قال تعالى: (إِنَّ ٱللَّهَ يُدَٰفِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٖ كَفُورٍ ٣٨ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمۡ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصۡرِهِمۡ لَقَدِيرٌ ٣٩).
– إن هذه الدول الطاغوتية الجبرية رغم قوتها وجبروتها إلا أنها عند الله هي أوهن من بيت العنكبوت، قال تعالى: (مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡلِيَآءَ كَمَثَلِ ٱلۡعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتۡ بَيۡتٗاۖ وَإِنَّ أَوۡهَنَ ٱلۡبُيُوتِ لَبَيۡتُ ٱلۡعَنكَبُوتِۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ ٤١).
إن ما يبنيه يهود من مستوطنات ستكون إن شاء الله مساكن للمسلمين يسكنونها من بعدهم، وستكون أسلحتهم التي سنستولي عليه ومصانعها في سبيل الله، قال تعالى: (وَأَوۡرَثَكُمۡ أَرۡضَهُمۡ وَدِيَٰرَهُمۡ وَأَمۡوَٰلَهُمۡ وَأَرۡضٗا لَّمۡ تَطَُٔوهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّشَيۡءٖ قَدِيرٗا ٢٧)، ولنتأمل قوله سبحانه وتعالى:(هُوَ ٱلَّذِيٓ أَخۡرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ مِن دِيَٰرِهِمۡ لِأَوَّلِ ٱلۡحَشۡرِۚ مَا ظَنَنتُمۡ أَن يَخۡرُجُواْۖ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمۡ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَأَتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِنۡ حَيۡثُ لَمۡ يَحۡتَسِبُواْۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعۡبَۚ يُخۡرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيۡدِيهِمۡ وَأَيۡدِي ٱلۡمُؤۡمِنِينَ فَٱعۡتَبِرُواْ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَبۡصَٰرِ ٢)وعن أبي عبد الله خباب بن الأرت -رضي الله عنه- قال: شكونا إلى رسول اللهصلى الله عليه وسلموهو مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً له في ظِلِّ الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة، فقلنا أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ فقال:«قد كان من قبلكم يُؤخذ الرجل فيُحفر له في الأرض، فيُجعل فيها، ثمَّ يُؤتى بالمِنْشَارِ فيوضع على رأسه فيُجعل نصفين، ويُمشَّط بأمشاطِ الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يَصُدُّهُ ذلك عن دينه، والله لَيُتِمَّنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غَنَمِه، ولكنكم تستعجلون».
ولعل من الحقائق المستمدة من الوقائع:
– إن ما يقوم به حزب التحرير من التقيُّد بالأحكام الشرعية المتعلقة بالتغيير والعمل لإقامة الخلافة إنما يأخذ دوره في صنع وكتابة التاريخ. وما نراه من طغيان الشعور لدى المسلمين، بعمومهم وبعلمائهم وبجماعاتهم بأن النصر للإسلام، ومن لجوئهم إلى الدعاء ليفرج الله سبحانه كربهم العظيم، هذا الشعور وإن كان هذا لا يصحبه العمل الشرعي المطلوب منهم فإنه يعتبر رأيًا عامًا لمصلحة دعوة الحزب، حتى إذا ما جاء نصر الله وفرجه، فسيعتبرون أنه إجابة لدعوتهم، وأن عليهم أن يحموه ويقوموا بحق الله عليهم في نصرته، أي سيعتبرون أن عملنا هو عملهم.
– إن الأمة سرعان ما تجتمع على قضاياها الإسلامية إذا ما مُسَّت، فلقد رأينا كيف أنها اجتمعت على رفض الإساءة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وكيف أنها كذلك اجتمعت على رفض الصلح مع يهود، وحتى وجدنا ذلك في لعبة كرة قدم…فكيف سيكون حالها في حال إقامة حكم الله في الأرض… إننا كثيرًا ما نسمع تعليقات على قوة تمسك المسلمين بإسلامهم أن المستقبل لهذا الدين، وأنه دين حي في النفوس. في مقابل ذلك، نرى أن الغرب اليوم في حالة إفلاس لافتة، وهو لم يجد أمامه مؤخرًا إلا بالدعوة إلى المثلية وإلى تفكك الأسرة في العالم مما يرفضه المسلمون وغير المسلمين، ويخوض الحروب المدمرة حتى في بلاده وعلى شعوبه من أجل صراع المصالح.
إننا نقول، مطمئني القلوب، إن الخلافة الراشدة ستكون هي المشروع الحضاري الجديد، وأن هذا المشروع يتقدم بثبات نحو هدفه مصداقًا لبشرى رسولنا الكريم: «ثم تكون خلافة على منهاج النبوة»، فالحكم على هذا الأمر من زاوية شرعية وواقعية يكشف أنها باتت على الأبواب بإذن الله، وبإذن الله ستكون ديار أهل الكفر، وأرضهم وأموالهم غنيمة للمسلمين يتقوَّون بها على قتال أعدائهم، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لِتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» متفق عليه.
أيها المسلمون، ليعمل الواحد منا لأن يقوم بأفضل ما يمكن أن يقوم به في خدمة الدعوة إلى إقامة دولة الخلافة الإسلامية، ليسخر لها وقته، فلا يشغله عنها إلا ما لا يستطيع إلا أن يهتم به من أمور حياته… إن دولة الخلافة الإسلامية قادمة إن شاء الله تعالى، والأمر جادّ، ويجب التعامل معه على المستوى نفسه.
أيها المسلمون، إن دولة الخلافة قائمة قريبًا إن شاء الله تعالى، وعلينا أن نعدَّ أنفسنا لما بعد قيامها، والله نسأل أن نكون أحق بها ومن أهلها من قبل قيامها وخلاله ومن بعد. (وَيَوۡمَئِذٖ يَفۡرَحُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٤ بِنَصۡرِ ٱللَّهِۚ يَنصُرُ مَن يَشَآءُۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ ٥). اللهم اجعلنا من الصادقين، وحقق لنا النصر المبين، واجمعنا في جنة النعيم مع رسولك الكريم.
2023-04-08