من هو الحاكم؟ لمن الحق في التشريع؟ لله تعالى أم للإنسان؟ (2)
2022/12/07م
المقالات
956 زيارة
ثائر سلامة
لقد تم التأسيس فكريًّا لهذا السؤال في كتاب (الصندوق الأسود للفكر الغربي) للمؤلف الضليع ثائر سلامة. ويكاد يكون السؤال المحوري الذي يدور عليه الكتاب، وقد أصَّل فيه المؤلف بيانًا للمشاكل الفكرية العوِّيصة التي تنتج عن وضع التشريع في يد البشر، ومن ثم قدَّم الحلول التي تعيد المسألة لنصابها الصحيح،مبينًا: ما هي نتائج إعادة وضع التشريع بيد الخالق بدلًا من البشر؟ ولماذا يجب أن نقوم بذلك؟، ولماذا يتحتَّم أخذ الشريعة الإسلامية بذاتها، وبما فيها من خصائصَ معجزةٍ منهجًا لصلاح البشرية، وإحقاق الحق، وإقامة العدل، وللتنظيم الصحيح للحياة؟
المحددات والسمات الضامنة لصلاح التشريع والتي يجب امتلاكها من قبل الشارع المتعلقة بفهم الواقع والسمات التي تتعلق بطبيعة الحكم:
أ) تعيين الزاوية الصحيحة التي ينظر فيها إلى الواقع محل التفكير؛ ليعالج المشاكل علاجًا صالحًا لكل زمان ومكان علاجًا يتَّصف بالشمول والسَّعة والثبات والتجدُّد المواكب لتغييرات الحياة، وعدم المرونة وعدم التطور، حتى لا يقع المتشرِّع في معضلة الحاجة للتغيير، أو اختلاف الأحكام باختلاف الأزمنة والأمكنة والبيئات، أو الاضطرار للانقلاب في الحكم من النقيض إلى النقيض مما سيوقع المجتمع في بلبلة فكرية، أو سيفضي حتمًا إلى عدم تحقيق العدالة.
والإسلام حدَّد الزاوية بأنها نظرة عالمية، تعالج مشاكل الإنسان علاجًا متعلقًا بجنس الإنسان، بوصفه إنسانًا؛ وحيث إن ماهية الإنسان وخصائصه (طاقته الحيوية من غرائز وحاجات عضوية) هي هي، لا يختلف إنسان عصر الذرة عن الإنسان قبل ألف سنة في خصائصه وماهيته واحتياجاته، فإن المعالجات ستبقى صالحة لتلك المشاكل.
واتَّسم علاج الإسلام بالعالمية، فهو علاج لا يتعلق بقبيلة دون أخرى، ولا بقوم دون غيرهم، وراعى أثر اختلاف الجنس والقدرات والطاقات والمواهب على المسؤوليات والواجبات والأحكام، فخصَّ الأنثى بأحكام خاصة بها تناسب أنوثتها، والذكر بأحكام أخرى تناسب أصل خلقته. وحين لم يكن لاختلاف الطاقات أثر على الحكم خاطبهما الخطاب ذاته بأحكام أخرى لا أثر فيها للجنس، ووزع التشريع الإسلامي الواجبات والحقوق والمسؤوليات على الفرد والأسرة والمجتمع والدولة، حسب المقدرة والاستطاعة، الأمر الذي يضمن اشتراك الفرد في تحقيق رفاه الجماعة وأمنها والحفاظ على قيمها، ومسؤوليات الجماعة والدولة عن حل مشاكل الفرد، وتوزيع الثروة بشكل عادل يجسر الهوة بين فئات المجتمع (مثال: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التكافل الاجتماعي، الفيء).
ولم يبنِ الإسلام تلك الأوامر والنواهي، ولا تلك المسؤوليات والواجبات والحقوق على الحاجات المتغيرة المتحرِّكة المتقلِّبة المتبدِّلة بحسب الظروف والأحوال، والزمان والمكان والبيئة والعرف، بل ضبط الأحوال والظروف والنوازل والعرف والمصالح بتشريعات تحكمها (أي إنه إذ يعالج النوازل والمشاكل الناجمة عن الواقع أو الموجودة فيه لم يجعل ذلك الواقع مصدرًا للفقه وللتفكير لاستنباط الحلول منه، بل موضعًا للتفكير والتغيير ليضبطه بمفاهيمه وأحكامه لاستنباط الحلول له) تلك الحلول التي صفتها الأساس هي الثبات، فلا تتغير؛ فتستطيع بذلك الثبات ضمان استمرار تحقيق العدالة، وضمان تحقيق غاياتها ومقاصدها على الوجه الصحيح، وبقاء انسجامها في عين المنظومة التشريعية، ولا يتخذ الواقع مصدرًا للتفكير، فيقول مثلًا: يحتاج الناس لمساكن وثمن بنائها ليس في متناولهم، وبالتالي لا حلَّ لها إلا بالتخلي عن تحريم الربا، وتشريع البنوك والقروض الربوية، الإسلام لا يفعل ذلك؛ لأن هذا التفكير نتاج النظام الرأسمالي الذي تتخلى فيه الدولة عن صفة الرعوية، وتتحَّول لدولة جباية، ولا تتدخل في قضاء حاجات الأفراد الأساسية، ويقوم نظامها على تركيز الثروة في يد القلة، بدلًا من توزيع الثروة توزيعًا عادلًا على المجتمع، ويحتكر فيها أصحاب الثروات الثروات الطبيعية واستخراجها، والموارد اللازمة لبناء البيوت، كالإسمنت والحديد، فتتضاعف أسعارها، وقيام النظام الرأسمالي على نظام العملة الورقية غير المدعومة بالذهب يُدخل الاقتصاد في تضخم، فترتفع الأسعار بانخفاض قيمة العملة، وبهذا فإن المجتمع في غالبيَّته الساحقة سيتحوَّل إلى عمال عند أصحاب الشركات ورأس المال، لا يستطيعون امتلاك ثمن المساكن، وسترتفع كلفة بناء البيت نتيجة طبيعة النظام الرأسمالي؛ مما يضطر المرء للجوء للبنوك، بينما في الإسلام لا توضع المعادن التي لا تنقطع تحت ملكية خاصة، كالنفط والذهب والملح والحديد والإسمنت، والثروات الطبيعية المشابهة، بل هي ملكية عامة للمسلمين، وحسن تدبير استخراجها واستثمارها كفيل بتأمين حاجات المسلمين الأساسية وجزء كبير من حاجاتهم الكمالية، ونظام المال القائم على الذهب والفضة لا تضخم فيه.
وسلَّط الحكم على فعل الإنسان الذي يفعله لإشباع مظهر من مظاهر الغريزة، أو إشباع حاجة عضوية؛ وحيث إن الأفعال والعلاقات (المعاملات) تندرج تحت قواعد وعناوين متشابهة (كطرق إشباع غريزة الجنس، وما ينضوي تحتها من نكاح وطلاق، أو أنواع البيوع، فتتعلق الأحكام بأفعال الإنسان والوقائع، فلكل واقعة حكم ثابت، فواقع الزنا غير واقع التقبيل، غير واقع اللمس، فلكلٍّ حكمه وعقوبته، وواقع صلاة الكسوف غير واقع صلاة الجنازة، كما أن هذه الأفعال تكون على شكل معاملات معينة تتكرر في كل زمان ومكان، كأسباب تملك المال، أي أن أسباب حيازة المال كالعمل (ومنه الصيد والمضاربة وإحياء الأرض الموات، والعمل بأجر) والإرث وعطايا الدولة للرعية، وغير ذلك. وأسباب نماء المال وتكثيره أيضًا معاملات معينة لها أحكام ثابتة كأحكام البيع والإجارة والعقود والقمار وغير ذلك، يلاحظ فيها أن المعاملات هي هي، العمل بأجر سواء في الصين أم في أمريكا، في هذا الزمان أم في الزمان الغابر، عمل في شركة أم عمل أجيرًا خاصًّا في حياكة الثياب أيام الدولة العباسية مثلًا! أكان الميسر بلعب القداح أم بما يسمى «اليانصيب»، فيعطي الإسلام أحكام الأفعال، التي ستشبَع بها مظاهر الغرائز والحاجات العضوية، وتفاصيل طريقة إجراء المعاملات (البيع والزواج مثلًا) فمثلًا: عن طريقة تملكه (حيازته) لهذه الأشياء (السيارة والبصل مثلًا) التي سيشبع بها جوعته، وكيفية تصرفه فيها (البيع أو السرقة مثلًا) تُعطى أحكام تفصيلية تحلُّ البيع وتحرِّم الربا، والسرقة والنهب، وأحكام الزكاة…إلخ، وأحكام ضمانة الحقوق المترتبة على تلك التصرفات (حق الأجير في الأجر مثلًا)، وتبقى هذه الأحكام ثابتة إلى يوم الدين، فلا تتغير أحكام البيوع لأننا نبيع طائرات بدلًا من الجمال! كما أن كلمة بيع تستغرق أنواع البيوع جميعًا، كقوله تعالى ]وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلۡبَيۡعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَوٰاْۚ[ [البقرة275] ينطبق الحكم العام بإباحة البيع على جميع أنواع البيع فهو حكم عام!
وفي الاقتصاد والاجتماع وباقي أنظمة المجتمع لم يسلِّط الإسلام النظر على المشكلة على أنها مشكلة اقتصادية أو اجتماعية، بل على أنها مشكلة اقتصادية متعلقة بالإنسان[1]. فلم نحتج لبحث معالجات «كينز» في حل مشكلة البطالة والركود المتكرر العاصف بالاقتصاد الرأسمالي، ولم يعالج الفقر بزيادة الإنتاج، إنما عبر كيفية توزيع الثروة على جميع الأفراد فردًا فردًا، لإشباع حاجاتهم الأساسية، ففي الغرب ينظرون للنهوض الاقتصادي من خلال الناتج القومي، مع أن من يملك الثروة لا يتعدَّون الخمسة بالمائة من الشعب، وأن نسب البطالة والتشرد والفقر وانعدام الرعاية الصحية بأرقام فلكية، فهذا أثر النظر للمشكلة على أنها مشكلة اقتصادية منبتة عن الفرد الإنسان، أما الإسلام فيعالج فقر الفرد وفقر المجموع، فيقيم نظام «التكافل الاجتماعي».
بينما كانت الزوايا التي سلطتها الليبرالية العلمانية على المشاكل هي تحقيق حرية الإنسان في الاختيار، وتمكينه من الانتفاع المادي لأقصى درجات الانتفاع، والبحث في المشاكل بصفتها اقتصادية أو اجتماعية، بمعزل عن علاقتها بالإنسان واجتماعه، ومن زاوية أن الحقيقة نسبية، وأن التغيير هو سنَّة الحياة، الأمر الذي جعل تشريعاتهم وقوانينهم تنقلب من الضد إلى الضد.
ب) ضبط الإسلام علاقة كل مؤثر حقيقي أو ظني على الأفعال والأشياء، حتى لا تُقحم قضايا لا تؤثر فعلًا على الواقع في مسألة التشريع وسن القوانين، مثل المكان والزمان والبيئة، والتقدم التقني والصناعي والعمراني، أو تلك التي تؤثر في السلوك؛ ولكن التشريع يعالج ذلك التأثير بأحكام تضبطه فلا يكون أسيرًا لأحكام خطأ، كالعادات والتقاليد والأعراف.
ت) لم ينظر الإسلام لموضوع المصالح والمفاسد من زاوية مادية بحتة، بحيث تتواءم مع الأهواء والميول، والتقدير المحدود من قبل الإنسان لما فيه مصلحة أو ما فيه ضرر، بل قدَّم للإنسان نظام حياة متكامل يكون طريقة عيش له، يضمن حسن تنظيم وتكامل العلاقات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، وحدَّد له مسؤولياته الفردية والاجتماعية، ومسؤوليات الدولة بصورة نظام شامل متكامل يجلب للإنسان السعادة والطمأنينة ويحقق الاستقرار للمجتمع والعلو والرفعة للأمة.
ث) نلاحظ أن بناء التشريعات البشرية على تحقيق المصالح، والتي في الغالب ستكون مصالح مادية، أو مقاييسها مادية نفعية فقط، في الوقت نفسه الذي لا يستطيع الشارع البشر أن يدرك المصالح على نحو قطعي يجعل القوانين عرضة للانقلاب من النقيض إلى النقيض، ويجعلها دائمة في دائرة احتمال الخطأ، دون مرجح ولو ظني إلى إمكانية أن يكون أحد الآراء المتعددة التي تصلح حلًّا للمشكل صوابًا، مما يعطِّل تحقيق أي قيمة من هذه القوانين والتشريعات، فقد تتحقق المصلحة بالقانون الملغى، ويتبين ذلك بعد حين، أو تتحقق تحقُّقًا مؤقتًا بالتشريع الحالي ثم تأتي ظروف أخرى يتبين أنها غير متحقَّقة، فيلزم تغييرها، أو تعديلها، أو قد يكون الحل في أمر لم يخطر للمشرع ببال؛ لذلك ترى الأحزاب السياسية في الغرب أنها تسعى لتغيير التشريعات والسياسات كل فترة انتخابية لما يتبين من آثار سلبية لها على المجتمع؛ ولذلك كان من الحتمي أن يلجأ إلى مصدر تشريع تنتفي لديه دائرة الظنية في تحديد المصالح.
ج) ثم إن القيم التي تتحقق بالقيام بالأعمال ليست دائمًا قيمًا مادية، فقد تكون القيم روحية أو إنسانية أو أخلاقية أيضًا؛ لذلك وجدنا الجفوة في الغرب من الأعمال التي تتحقق فيها قيم أخرى غير المنفعة المادية البحتة، فلو رأى جمع منهم مظلومًا يُعتدى عليه في الشارع تجد أن من يخف لنجدته قليل، وإن فعلوا فللقيم النصرانية أو الإنسانية المتركزة لديه، لا للقيم الناتجة عن المجتمع الغربي العلماني نفسه.
ح) إن الإسلام يرى أن تكون النظرة للمصالح تجمع الناحية المادية بالناحية الروحية والأخلاقية والإنسانية، فترتبط التشريعات بالقيم التي تحققها، أو تكون جزءًا من منظومة تشريعات تهدف لإيجاد أنظمة مجتمعية تحقق فوائد أعظم، كنظام الزكاة يصب في استقرار المجتمع وتكافله وإن كان مالًا يؤخذ من الغني، أو على الأقل أن يوجد مرجح يجعل المصلحة متحقَّقة في الرأي؛ لأن مصدره عليم حكيم خبير.
خ) صحة التشريع، وموضوعيته فلا يحابي أحدًا على أحد، فلا ينطلق التشريع من تحقيق شعارات مخادعة كالمساواة الاجتماعية (دون النظر إلى اختلاف الطبيعة والمسؤوليات والقدرات)، وأن يكون التشريع ممكن التطبيق (كالتكافل الاجتماعي)، وليس خياليًّا، (كبناء الديمقراطية على رأي الأغلبية أو الإرادة العامة).
د) ولضمان أن يؤدي السلوك إلى إعمار الأرض بالعمل الصالح لا العيث في الأرض فسادًا، مراعيًا إنسانية الإنسان وعقله، محقِّقًا مصلحته على الحقيقة، وهذا يتطلب أن يمتلك المتشرع القدرة على معرفة المصلحة، والمصلحة العامة على الحقيقة وما يحوطها من مؤثرات.
ذ) القدرة على تحقيق العدل والإنصاف والمساواة أمام القانون، وضمان الحقوق، وتحقيق التوازن بين الحقوق الفردية والمصلحة العامة والحق العام، وأن تناسب العقوبة الذنب، والمساواة والمماثلة في العقوبة.
ر) أن ينفذ التشريع إلى أعماق المشكلات المختلفة، وما يؤثر فيها، وما يتأثر بها، والنظر إليها نظرة محيطة مستوعبة، مبنية على معرفة النفس الإنسانية، وحقيقة دوافعها وتطلعاتها وأشواقها، ومعرفة الحياة البشرية وتنوع احتياجاتها وتقلباتها.
المحددات الضامنة لصلاح التشريع والتي تتعلق بتطبيق الحكم في الحياة
أ)ربط التشريع بالقيم الدينية والأخلاقية؛ بحيث يكون التشريع في خدمتها وحمايتها، ولا يكون مِعولًا لهدمها.
ب) وضع المعالجات التي تناسب الظروف الطبيعية ومراعاة الظروف الاستثنائية التي قد يمر بها الإنسان (أحكام الاضطرار والمشقة).
ت) لا بد من وجود القيم والمقاييس التي يراد لها أن تسود المجتمع أو أن تكون غايات للتشريعات؛ ولكن وجود مثل هذه القيم والمقاييس يتعارض مع الأساس الفكري للعلمانية والديمقراطية، ولما يسمونه بالمجتمع التعددي؛ إذ إن وجودها خطر على فكرة التعددية، وفرض لرؤى معينة على المجتمع تصادر حق الإنسان في التفكير، وتجعل التشريعات جامدة في حين إن طبيعتها في نظرهم أنها نسبية ومتغيرة، الأمر الذي يفتح الباب على مصراعيه لمناقضة العدالة، ولتفريغ التشريعات من أي غايات ومقاصد مجتمعية تسعى لتحقيقها.
ث) الثبات؛ حيث إن التغير علامة على فساد النظام وعدم قدرة التشريع السابق على حل المشاكل حلًّا صحيحًا، والتغيير إقرار بهذا الفساد حيث إن المشكلة واحدة والعلاج الجديد يضرب القديم ويثبت خطأه، واستمرار التغيير يدل على عدم قدرة البشر على التشريع، كما وأن التغيير يعني الإقرار بأن النظام السابق لم يحقق العدالة ولا القيم المرجوة منه على صعيد المجتمع، ولا يمكن الرجوع لكل الحالات التي عولجت بالتنظيم السابق لإعادة الحقوق لها، وهكذا يبقى المجتمع في دوامة عدم تحقق العدالة والقيم المجتمعية، الأمر الذي يضعف ثقة الناس بالقوانين والتشريعات، ويضعف احترامهم لها، ويظهر عدم قدرة النظام على حل المشاكل، فلا طمأنينة!.
ج) ولقد فعَّل الإسلام جملة من الأحكام لتتكامل مع حلول المشاكل ولتنتج المقاصد التشريعية، فمثلًا حين قضى بحرمة السرقة، وبقطع يد السارق، فإن ظاهر هذا التشريع وحده إن طبق وحده بمعزل عن باقي الأحكام، قد يصعب أن يتلاءم مع كون الإسلام رحمة للبشرية، ولكن بالنظر المتفحص نجد أن الإسلام قد بيَّن أسباب الملكية الحلال، وحضَّ عليها مثل العمل (فأباح البيع وحرم الربا، وضبط العقود وصيغها وما يترتب عليها من مشاكل كالديون والبيع الآجل وما شابه) والميراث والهبة والنفقة، وأحكام تتعلق بتوفير المسكن والملبس والتطبيب والتعليم للبشر، وأوجب على الحكومة أن تضمن للناس حاجاتهم الأساسية، ومنعت الدولة من التسلط على الفرد ونهب أملاكه،…إلخ؛ فانتظم المجموع الكلي للأحكام في إطار إنتاج الرحمة والعدل، وكان قطع يد السارق نتيجة لاعتدائه بعد أن خرج على منظومة متكاملة من الأحكام التي ضمنت لذلك السارق حاجاته رحمة به (عقوبة جابرة للذنب) وبالمجتمع (عقوبة زاجرة عن الذنب، فتحمي أموال الناس وأمنهم فلا يتجرَّأ أحد على السرقة)، ورحمة من كونها ملائمة للذنب، وهكذا. إذًا، فجلب المصلحة ودرء المفسدة احتاج لتفكير أعلى من مجرد التفكير في مشكلة ووضع حل لها، إلى التفكير في ضمن إطار قوانين مجتمعية متكاملة تحل المشكلة من أساسها، وتضمن للفرد حاجاته في كل الظروف، وتتواءم مع أمن المجتمع وأنظمته، واحتاج ذلك لتكامل مجموعة من النظم المجتمعية، وهذا الأمر لا يلمس في الأنظمة البشرية، بل نجدها مقتصرة على قوانين تتعامل مع المشكل وحده، دون أن تعير اهتمامها لأثر ذلك في النظم الكلية[يتبع]
[1] أنظر كتابنا: (معجزة التشريع الإسلامي، خصائص ومقومات)، حيث أجرينا فيه دراسة تفصيلية للطريقة التي عالج فيها الإسلام مشاكل الإنسان علاجًا ثابتًا، صحيحًا، منطبقًا على الواقع، يحل مشاكل الإنسان حلًّا صحيحًا.
2022-12-07