لماذا ينفر المسلمون من «اللجنة الدولية للصليب الأحمر»؟
2006/10/30م
المقالات
1,947 زيارة
لماذا ينفر المسلمون من «اللجنة الدولية للصليب الأحمر»؟
وجهت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، دعوةً إلى أساتذة من: كلية العلوم الإسلامية جامعة بغداد، وكلية الإمام الأعظم، والجامعة الإسلامية، وكلية العلوم الإسلامية الأنبار، وكلية الإمامة والخطابة الموصل، وشخص من الجماعة الإسلامية كردستان، والاتحاد الإسلامي كردستان، وكل هؤلاء من العراق (الوفد العراقي).
وقد تم اللقاء باللجنة الدولية في عمان فيما سمي بورشة عمل تقوم على أساس أن تختار اللجنة الدولية للصليب الأحمر محاضرين، ومن حق الوفد العراقي مناقشتهم وليس من حق الوفد أن يكون من المحاضرين. وكان المحاضرون: (باندرياس بكر)، رئيس اللجنة الدولية و(كارل) رئيس اللجنة في العراق، و(رياسيلي) المسؤول القانوني، و(عامر الزمالي) مسؤول القانون الدولي الإنساني في اللجنة، و(يحيى العليبي) كلاهما من تونس، و(الشيخ وهبة الزحيلي) رئيس رابطة علماء المسلمين في الشام: (سورية، الأردن، فلسطين، لبنان).
قامت محاور الورشة على ما يلي:
أ- لماذا ينفر المسلمون عامة والعراقيون خاصة من هذه اللجنة.
ب- ما آليات إقناع العراقيين بضرورة الاستفادة من المساعدات الإنسانية التي تقدمها اللجنة.
ج- ما الآليات التي تضمن وصول المساعدات إلى المحتاجين في المناطق الساخنة من العراق.
وكان الاتفاق مع أعضاء الوفد العراقي أن يتولى (د. محمد أمين البكري) -وهو أحد أعضاء شباب حزب التحرير، عن كلية العلوم الإسلامية، بغداد- مناقشة المتحدثين في الأمور الفكرية.
وفي مناقشة رئيس اللجنة والزمالي أورد الدكتور محمد أمين الإشكالات التالية:
أ- تحمل اللجنة الدولية اسم الصليب الذي يذكر كل مسلم بمائة عام من الحرب الصليبية التي شنتها أوروبا على المسلمين، كما يذكر بموقف اللمبي عند قبر صلاح الدين رحمه الله: «الآن انتهت الحروب الصليبية يا صلاح الدين»، وتصريح بوش الابن بعد أحداث سبتمبر الذي تضمن إعلان حرب صليبية، فهذه الأمور تعطي للمسلم حق النفور من لجنة تحمل هذا الاسم، بل لعله يرى واجباً عليه أن يفعل ذلك.
ب- تضمنت محاضرة الزمالي تصريحاً واضحاً بأن هذه اللجنة تعتمد في تمويلها على الدول الكبرى، والولايات المتحدة أكبر مموليها، ومع تضمن محاضرات جميع المتحدثين إشارات صريحة إلى بشاعة الأميركيين وسوء معاملتهم للعراقيين ولمندوبي اللجنة الدولية على حدٍ سواء، ثم تأكيد اللجنة على استقلاليتها ونزاهتها وإنسانيتها وتجردها، فما الذي يجعل هذا البشع السيئ إلى هذا الحد مموِّلاً رئيسياً لهكذا منظمة.
ج- تضمنت محاضرة الزمالي تصريحاً بأن من مصلحة الدول الكبرى بما في ذلك أميركا بقاء هذه المنظمة على نشاطها مما يعني أن المنظمة في خدمة مصالح الدول الكبرى بما في ذلك الولايات المتحدة.
د- تضمنت محاضرة باندرياس تصريحاً بأن هذه اللجنة قررت في الربع الأخير من القرن المنصرم الانفتاح على العالم الإسلامي، وهو الزمن الذي انفتحت فيه شهية أميركا إلى هذا العالم، مما يعني أن هذه اللجنة بمثابة المكياج الذي يعمل على إخفاء الوجه البشع لهذه الدولة بما تقدمه من مساعدات تزعم أنها إنسانية لكي تحسن في نظر المسلمين وجه الحضارة الغربية البشع.
هـ – قال باندرياس في اللجنة الختامية موجهاً الكلام إلى فضيلة الدكتور محمد أمين أن اللجنة الدولية قررت حذف إشارة الصليب في مؤتمرها التاسع والعشرين لإدراكها ما تمثله هذه الإشارة من أثر في نفوس المسلمين، وتركت لكل دولة تدخلها هذه المساعدات أن تضع الإشارة التي تراها مناسبة على المساعدات المقدمة، وكان رد الدكتور محمد أمين بأن اسمك باندرياس لو افترضت رجلاً مسلماً يحمل هذا الاسم في الوقت الذي تحمله أنت فلا يعني أن موقفي منهما سيكون واحداً؛ لأن المهم هو محتوى الألفاظ لا الألفاظ نفسها، وما تدل عليه الإشارات لا الإشارات نفسها.
وفي محاضرة الشيخ الزحيلي عرض ثلاثة أمور:
1- تأكيده على استقلالية اللجنة الدولية وإنسانيتها ورغبتها الجادة في عمل الخير وخدمة الفضيلة وأقسم على ذلك.
2- أن الإسلام لا يعادي اليهود ولا النصارى ولا يعتبر المشركين هم اليهود ولا النصارى وإنما المشركون هم عبّاد الأوثان.
3- أن حرب الإسلام حرب دفاعية لا هجومية.
وقد جاء رد الدكتور محمد أمين على الزحيلي جهتين:
الجهة الأولى:
إن محاضرته كانت موعظة لا محاضرة بالمعنى الأكاديمي العلمي، وقد اتخذت من الجزئيات الصغيرة قواعد عامة، وأهملت القواعد العامة في الشرع التي يجب اعتمادها.
الجهة الثانية:
إنه نص على استقلالية اللجنة وتجردها وإنسانيتها وخدمتها للحق والفضيلة مؤكداً ذلك بالقسم، والقسم في مثل هذه الحالة لا يصح وفقاً للأدب النبوي الشريف الذي يجب أن يكون المسلم عليه، فلا ينبغي أن يتعدى قوله «إنهم كذلك في حدود علمي ولا أزكي على الله أحداً». ثم إن الحق والفضيلة من الأمور النسبية التي تختلف من حضارة إلى أخرى، فمن الفضيلة عندنا حجاب المرأة ولا أظن أن باندرياس رئيس اللجنة يرى ذلك فضيلة، ومن الحق عندنا وجوب أن يسود الإسلام شعوب الأرض كافة: ( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ) [التوبة 33]، ولا تقبل الحضارة الغربية منا ذلك.
إن دعوى المشركين الذين يحاربهم الإسلام هم عبّاد الأوثان فقط، يردها سلوك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي بدأ حرب الروم الكتابيين قبل حرب الفرس الوثنيين.
إن دعوى حرب الإسلام الجهادية للدفاع فقط ينقضها انتشار الإسلام من جنوب الصين إلى إسبانيا، فلا يصدق أحد أن بلاد ما وراء النهر وشمال أفريقيا والسند والهند جاءتنا إلى الجزيرة العربية لتحاربنا، فدافعنا عن أنفسنا باحتلالها، إن هذا النوع من التفكير ولد في عصور الهزيمة أواخر الدولة العثمانية وظل مسيطراً على عقول المشائخ للأسف إلى الآن. لماذا نخجل من حضارتنا في حين يعتز البوذي والهندوسي وعابد البقر بحضارتهم ودينهم؟!
إن هذه الأمة بكل وضوح، وهذا الكلام أوجهه إلى الأساتذة السويسريين في اللجنة الدولية، مكلفة شرعاً بحمل الإسلام إلى الناس كافة، فإذا وقف أي سلطان ليحول دون ذلك وجب قتاله حتى تبلغ هذه الغاية، فإذا بلغناها تركنا للناس حق أن يؤمنوا بالإسلام أو لا يؤمنوا: ( فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ) [الكهف 29].
واستمرت الورشة يومين متتالين من الساعة التاسعة صباحاً حتى الخامسة مساءً تقريباً، أعقبها جلسة ختامية تضمنت دعوة عشاء.
ومن الجدير ذكره في هذا المقام أن المؤتمر الدولي التاسع والعشرين للصليب الأحمر قام بتعديل النظام الأساسي للحركة الدولية للصليب الأحمر بحيث تم إدراج شارة نجمة داود الحمراء به لتأخذ وضعاً قانونياً معترفاً به عالمياً.
2006-10-30