أيـّها المسلمون: اعبدوا الله في رمضان كما يريد الله لا كما تريدون
2006/10/30م
المقالات, كلمات الأعداد
2,348 زيارة
أيـّها المسلمون:
اعبدوا الله في رمضان كما يريد الله لا كما تريدون
في شهر رمضان الكريم، كما في كل رمضان، تعمر نفس المسلم إيماناً بالله سبحانه وتعالى، وتمتلئ محبةً ورغبةً في طاعته، ويتفتح قلبه وعقله ونفسه لكل ما يرضيه، فيقبل على الصلاة والزكاة وقراءة القرآن وسماعه، وسماع دروس الفقه في المساجد وعلى شاشات التلفزيون، ويقبل على الاستغفار، ويشاهد المسلسلات الدينية المعدّة لهذه المناسبة… ففي هذا الشهر يرى المسلم الغيور على دينه، العامل على إظهاره، ما يحب أن يراه في المسلمين من إقبال على الدين في كل وقت، ويتضايق أن يرى هذا الإقبال يختفي عند كثير منهم بعد رمضان، فيمر عندهم وكأنه مناسبة، تنتهي شعائر الطاعة فيه بانتهائه، تماماً كما يفعل المسلمون عند صلاة الجمعة حيث تمتلئ مساجدهم في حين تقل في سائر الصلوات.
إن طاعة الله سبحانه وتعالى أساسها الإيمان وتتعلق بجميع أعمال الإنسان في كل زمان ومكان، وليست طاعة متعلقة بمناسبات، بل إن كل وقت هو مناسبة لعبادة الله وطاعته. وعبادته وطاعته سبحانه لا تكون إلا بحسب ما شرع، لا تكون إلا بحسب الاتباع والابتعاد عن كل ابتداع. فالمسلم مطلوب منه أن يتحرى معرفة كل المطلوب منه للطاعة، وأن يقوم به على وجهه وبالكيفية الشرعية المحددة، وأن يلتزم في توقيته الذي وقت له، وفي ترتيبه بحيث لا يقدم فرضاً أو يؤخره بناء على تقديره… فالتشريع في الإسلام لا يكون إلا لله وحده، فمن تمام الطاعة أن يحسن المسلم القيام بها تماماً على الذي أنزل الله.
إننا نرى اليوم كثيراً من المسلمين قد وقعوا في محذور التدخل في موضوع الطاعة فلم يحسنوا صنعاً، ولو أخذنا مثلاً على ذلك متعلقاً بإقامة الدين والعمل على إظهاره، لتبين لنا كيف أن أفراداً من المسلمين وعلماء وحركات إسلامية قد وقعوا في هذا المحذور فأشغلوا أنفسهم بالقيام بما يحسنون القيام به، وتركوا الاهتمام بما هو مطلوب منهم على سبيل الفرض والإلزام، واعتبر كل واحد منهم أن قيامه بما يقوم به، وقيام غيره بما يقوم به يقيم الإسلام ويؤدي إلى ظهوره.
وتفصيل ذلك أن المسلمين على محبتهم للإسلام يتفاوتون في قدراتهم وبالتالي في مجال اختصاصهم فنرى أن منهم من تعلم العلوم الشرعية حتى حاز شهادة التعليم فيها، ثم راح يعلم، وصار يعتبر نفسه ويعتبره الآخرون أنه من رواد العمل الإسلامي وأنه أدى ما عليه، وسد ثغرة من ثغر الإسلام. ومنهم، على نفس القياس، المؤلف والكاتب الإسلامي في مختلف الموضوعات الإسلامية، ومنهم القاضي، ومنهم خطيب الجمعة وإمام الصلاة والمؤذن، ومنهم القارئ للقرآن المجود فيه ذو الصوت الحسن، ومنهم الدعاة الذين اشتهروا في إلقاء المحاضرات من على الشاشات، ومنهم حتى المنشد للأناشيد الإسلامية، وكاتب التمثيليات الإسلامية وممثلها، ومقدم البرامج الإسلامية… فكل واحد من هؤلاء أشغل نفسه وأمضى وقته بما برع فيه وتخصص، واكتفى بذلك، ومن ثم تراه قد عدّ نفسه وعدّه الآخرون أنه من رواد العمل الإسلامي، وأنه يؤدي ما عليه في عملية انبعاث هذا الدين من جديد وظهوره في هذا الزمان، وأنه ليس عليه إلا ما يؤديه… وقل مثل ذلك عن الحركات الإسلامية حيث راحت تهتم بمختلف أمور الدين، فحمل بعضها الدعوة إلى فضائل الأعمال، وبعضها الدعوة إلى محاربة البدعة، وبعضها الدعوة إلى الأخلاق، وبعضها الدعوة إلى مساعدة الفقراء… واعتبرت كل حركة منها أنها تؤدي ما عليها، وأنها قد برّأت ذمتها أمام الله، وأن لا شيء عليها في عملية التغيير وإقامة المجتمع الإسلامي غير ما تقوم به وأن مختلف الجماعات تكمل بعضها بعضاً…
إن هذا التقسيم للمطلوب شرعاً لإقامة الدين ليس تقسيماً شرعياً، بل فيه تدخل من المسلمين في هذا الموضوع على حساب ما هو مطلوب شرعاً. فما يقوم به هؤلاء المسلمون مما ذكرناه مطلوب شرعاً ولكنه ليس مطلوباً على اعتبار أنه يقيم الدين بل مطلوب من المسلمين جميعاً أن يكون منهم العالم والخطيب والكاتب والقاضي وإمام الصلاة والمؤذن والقارئ للقرآن المجوّد فيه ومعلمه… ومطلوب كذلك الدعوة إلى الأخلاق ومحاربة البدعة ومساعدة الفقراء… وقيام المسلمين والحركات الإسلامية بذلك من شأنه أن يحقق ما يقومون به ولكنه ليس من شأنه أن يقيم الدين ويقيم الحكم بالإسلام…
فكل ما يقوم به المسلمون مما ذكرناه يكون لمن يقوم به أجر القيام به، ولكن ذلك كله لا يغني قيامه به عن فرض العمل لإقامة الخلافة لإقامة الدين، لإقامة الحياة الإسلامية، بل يعتبر مقصراً ومفرطاً إن لم يشغل نفسه بالعمل لإقامة حكم الله في الأرض بالطريقة الشرعية المنضبطة المحددة. ولا يجوز لمن يشغل نفسه بما ذكرناه أن يعتبر أن ما يقوم به إذا جمع مع ما يقوم به غيره يتكامل العمل ويحقق إقامة الدين… بل لا يقوم الدين إلا بالكيفية الشرعية والقيام بالأعمال الشرعية التي تؤدي إلى إقامة دار الإسلام تماماً كما فعل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فيكون في الوقت نفسه داعياً إلى الله مع الجماعة التي يرى أن من شأن العمل معها إقامة هذا الدين ويكون خطيب مسجد أو مؤذناً أو إمام صلاة، ويكون مؤلفاً أو كاتباً إسلامياً أو قاضياً او قارئاً للقرآن أو معلماً له… هكذا تكون الطاعة لله منضبطة شرعاً ومن غير تدخل للمسلمين في تحديدها ولا في كيفية تنفيذها…
وهنا نعود إلى الطاعة في رمضان، حيث يفترض أن تكون لها نكهتها وخصوصيتها. فالمسلم في رمضان يقبل على الطاعة بكليته، فهو إلى جانب صيامه يكثر من الصلاة وقراءة القرآن وذكر الله والدعاء والتصدق… وهو ملء القناعة بما يقوم به، ملء الخضوع بجوارحه، يهتز قلبه خشية لله عند ذكره أكثر مما في غير رمضان، ويحلق في معاني كلمات الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى يصل إلى المرتقى السامي، وتطلب نفسه المزيد من القُرَبِ، وقلبه المزيد من الخشوع، وتفيض عيناه خشيةً، ويخبت قلبه خشوعاً… ففي رمضان الشهر الذي أحبه الله وفتح للمسلمين فيه أبواب الخير، وصفّد لهم الشياطين، وجعل لهم الأجر فيه مضاعفاً يكون المسلم فيه منقاداً لطاعة ربه عن محبة ورغبة،… في هذا الشهر، وحتى يكون التوجه لله صادقاً والالتزام صافياً والرب فيه راضياً، على المسلمين أن لا تقتصر طاعتهم على ما ذكرناه من صوم وصلاة وتصدق… بل أن يقوموا، كما كان الصحابة من قبل وتابعوهم، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونشر الإسلام، فقد كانوا يضمون الفروض إلى بعضها لتكتمل العبادة والطاعة لله ويتضاعف الأجر… وعليه فإن عليهم اليوم أن يضموا إلى طاعتهم لله طاعة الدعوة إلى إقامة حكم الله وشرعه التي هي من أخص الطاعات وأحبها إلى الله، الطاعة التي توجد بها سائر الطاعات وتمنع بها المعاصي، الطاعة التي تحفظ المسلمين وبيضتهم، الطاعة التي نحقق بها إعلاء كلمة الله وإظهار أمره ووصول خير الإسلام إلى كل الأرض كل البشر، هي الطاعة التي تجعل العقيدة متلألئة في سماء كل البشر، هي الطاعة التي يقيم الله بها حجته على كل خلقه، هي الطاعة التي يكفُّ بها الله سبحانه وتعالى شر أميركا وبوشها وبريطانيا وبليرها وفرنسا وشيراكها وروسيا وبوتينها… هي الطاعة التي تحمل الخير لأهلها ولغير أهلها، هي الطاعة التي لا خير إلا بوجودها والشر كل الشر بغيابها،… إن الذي يغفل عن مثل هذا من المسلمين كمن لا يعرف للشمس قيمتها على النهار، ولا للمطر أثره على النبات. إن من يغفل عن هذا ويقعد يورث نفسه الإثم العظيم، إذ من المعلوم شرعاً أن من يقعد عن القيام بالفرض العظيم فعليه الإثم العظيم، فمن أراد أن يعد من الطائعين في رمضان مقبولاً عند الله تعالى ومن غير أن يتدخل في الطاعة، فعليه أن يضم الفروض إلى بعضها وعلى الطريقة الشرعية، بحيث لا يسقط أيا منها، وإلا أكلت معصيته طاعته، وسيئاته حسناته، فلا يدري أسخط الله يدركه أم رحمته…
هكذا كان الأوائل يقومون في رمضان بفرض الجهاد، ويقومون في الحج بفرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يتركون مثل هذه الفروض بحجة الانشغال بعبادتي الصوم والحج، بل يضمون الخير إلى بعضه، وهكذا نحن إذا أردنا أن نرضي الله كما يريد الله لا كما يريد المسلمون.
عجباً لمن يغفل عن هذا من المسلمين عامة، ومن حملة الدعوة خاصة!.. فكيف يفهم هذا الدين، وكيف يفصل نفسه عن تحقيق أهدافه؟! إن من يقرأ القرآن الكريم وسيرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يرى أن الدولة ماثلة في كل تصرفاته (صلى الله عليه وآله وسلم)، ماثلة في حياة المسلمين الأوائل، زمن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). لقد كانت أعمال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كلها في مكة تصب في العمل لإقامة هذا الدين، وكل أعماله (صلى الله عليه وآله وسلم) في المدينة كانت تصب في إقامة هذا الدين. ففي مكة دعا وأسس وجهر واستنصر وصبر حتى أقام بالمهاجرين والأنصار أول دار للإسلام. وفي المدينة حكم وقضى وأقام الحدود، وشرع للمسلمين كل أمور حياتهم، وجيش الجيوش وفتح الفتوح، ونشر الدين… عجباً لمن يفهم الإسلام بمعزل عن هذا كيف يفهمه؟! وماذا يعني له؟ عجباً لمن يهتم بالعقيدة وحدها ويترك الدعوة إلى الحكم الذي يقوم اول ما يقوم على العقيدة الصحيحة يحفظها وينشرها، عجباً لمن يهتم بفضائل الأعمال دون العمل بأفضلها وهو إقامة الحكم بما أنزل الله…
فحذارِ حذارِ أيها المسلمون أن تتولوا عن طريقة الإسلام في فهمه والالتزام به وحمل دعوته… حذارِ أن يسري فيكم التقيد الخادع فتظنون أنكم تعبدون الله وتطمئن نفوسكم لذلك من غير أن تسلكوا سبيل عبادته الحقة التي حددها لكم… إنكم لن تصلوا إلى الطاعة الحقة لخالقكم إلا من نفس الطريق التي سلكها رسوله الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم)… وكم هو خسران أن يعبد المسلم ربه عبادة لا ترضيه، أو عبادة ناقصة، أو عبادة هو تدخل في صورتها، وكم هو خسران أن يأتي المسلم يوم القيامة وعمله مردود عليه وهو لا يظن ذلك!
أيها المسلمون: إن الرب واحد، والدين واحد، وسنن الله في خلقه لا تتغير ولا تتحول، والبشر هم هم، والغاية من خلقهم واحدة، وطريق خلاصهم واحد… إن الدين الذي تحبون يقول فيه ربكم سبحانه وتعالى في محكم تنزيله ( فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) [الزخرف 43] ويقول نبيكم الكريم «… فطوبى للغرباء من أمتي… الذين يصلحون ما أفسد الناس» كونوا على قال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما أنا عليه وأصحابي اليوم».
أيها المسلمون: إن المطلوب أن نجتمع على أمر الله الواحد، وعلى طريقة الإسلام الوحيدة في الالتزام والدعوة… فواللهِ لا يرضى الله إلا بحسن عبادته وحسن طاعته، ولا يحبنا الله إلا بحسن اتباع رسوله، فيا أيها المسلم، قم الليل، وصم النهار، وعلم القرآن، واقضِ، وانشد، واخطب وأنت مع كل هذا حاملاً للدعوة لإقامة دينه… فلقد كان لنا في رسول الله أسوة حسنة، وفي صحابته سنة حسنة فقد كانوا يصومون ويصلون ويحجون ويجاهدون، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، كانوا يجمعون العبادة إلى بعضها ليقوم أمر الله كله بحسـب الطريقة الشـرعية المنضـبطة قال تعالى: ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) [يوسف 108].
تنـويـه
ورد في كلمة الوعي (العدد 232) ما يلي: «ثم إننا بدأنا نرى على أرض الواقع تبني الدول الغربية، وعلى رأسها، أميركا لمثل هذه التوجهات حيث جرى إيصال 45 نائباً من جمعية العدل والإحسان المغربية إلى البرلمان، وهم يتوقعون المزيد».
وهذا خطأ والصحيح هو جمعية العدالة والتنمية وليس جمعية العدل والإحسان.
و«الوعي» تعتذر عن هذا الخطأ غير المقصود.
2006-10-30