لن تستردّ أمّة الإسلام عزّها وتفكّ قيودها إلّا بقيام دولة الخلافة الرّاشدة الثّانية
2022/03/31م
المقالات
1,064 زيارة
زينة الصامت
هُدمت دولة الخلافة وتمكّن الأعداء من خير أمّة أخرجها الله للنّاس، فصاروا يفرضون عليها مفاهيم حضارتهم الغربيّة، ويسنّون لها القوانين الوضعيّة، وفصلوا بذلك دينها عن حياتها. في ظلّ هذا النّظام العالميّ الرّأسماليّ الذي فُرِض بالحديد والنّار على أمّة الإسلام تحوّلت حياة المسلمين إلى ظلمات بعد أن كانوا ينعمون بنور الإسلام وهديه ورحمته، وساد الظّلم وصار المسلمون والبشريّة كافّة يعانون آثار قوانين هذا النّظام الجائر الفاسد (حروب وما يتبعها من كروب… فقر وبطالة وما ينجرّ عنهما من سوء حال وحالة…) عيشة ضنكى ذكرها الله عزّ وجلّ في كتابه العزيز محذّراً النّاس منها إن هم أعرضوا عن ذكره وشرعه وهديه. (وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا…)
هُدمت دولة الخلافةُ وأصبح المسلمون بلا دولة تحميهم وتذود عنهم، فتمكّن الأعداء منهم وفرضوا هيمنتهم ونفوذهم عليهم فصاروا في تبعيّة للنّظام العلمانيّ الذي حكم وساد العالم، وقُسّمت بلادُهم إلى دويلات، يحكم كلّ واحدة منها عميل نصّبه الغرب المستعمر ليؤمّن مصالحه ويقوم على تحقيق أهدافه ويضمن له التّدخّل السّافر في كلّ صغيرة وكبيرة في البلاد، ويحافظ على تلك الحدود التي رسمها لهم ليُحكم قبضته عليهم ويسودهم وهم متفرّقون مشتَّتون.
هُدمت دولة الخلافةُ فتحوَّلت حياة المسلمين من عزّ وسيادة إلى ذلّ وهوان، ومن قيادة إلى تبعيّة، صاروا كالأيتام على موائد اللّئام، مغتصبَة أراضيهم، منهوبة ثرواتُهم، منتهكة أعراضُهم، يتفنّن الأعداء في إذلالهم وفرض هيمنتهم عليهم ويتنافسون في نشر الظّلم والظّلمات فيهم.
بتآمر خبيث وضع الغرب المستعمر أعوانه من الحكّام ليحكموا في رقاب المسلمين ويثبّتوا نظامه، وتحوّلت معركته ضدّ أمّة الإسلام إلى معركة أفكار ومفاهيم بعد أن تيقّن من فشله في معاركه المادّيّة العسكريّة ضدّها والتي لم تؤتِ أكلها ولم تحقّق ما يصبو إليه من مخطّطات لصرفها عن دينها (وَلَن تَرۡضَىٰ عَنكَ ٱلۡيَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمۡۗ قُلۡ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلۡهُدَىٰۗ وَلَئِنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَآءَهُم بَعۡدَ ٱلَّذِي جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٍ ١٢٠) وفي تفسيره لهذه الآية يقول الطّبري: «قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: (وَلَن تَرۡضَىٰ عَنكَ ٱلۡيَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمۡۗ)، وليست اليهود، يا محمّد، ولا النصارى براضية عنك أبدًا، فدع طلب ما يرضيهم ويوافقهم، وأقبل على طلب رضا الله في دعائهم إلى ما بعثك الله به من الحقّ، فإنّ الذي تدعوهم إليه من ذلك لهو السبيل إلى الاجتماع فيه معك على الألفة والدّين القيّم. ولا سبيل لك إلى إرضائهم باتّباع ملّتهم».
باتّباع أمّة الإسلام لأعداء الله، وإن كان ذلك قسرًا وقهرًا، أصبحت بلا وليّ ولا نصير. صارت لقمة سائغة لوحوش يعملون على الفتك بها ووضع نهاية لها. نسجوا خيوطهم وأحكموا حول رقبتها قيودهم وجعلوها أسيرة لحكّام جبابرة طغاة أذاقوها الويلات فعاشت الفقر والبطالة والقهر والاستبداد، وصارت تتبع قوانينهم عن طواعية وتسير وراءهم إلى الجحر! ومع تحذير المصطفى صلى الله عليه وسلم لها من ذلك فقد وقعت في الفخّ وتاهت عن سبيل الحقّ: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَن كانَ قَبْلَكم، شِبْرًا شِبْرًا وذِراعًا بذِراعٍ، حتَّى لو دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُموهم، قُلْنا: يا رَسولَ اللَّهِ، اليَهُودُ والنَّصارَى؟ قال: فمَن؟». هؤلاء هم اليهود والنّصارى، وكم نبّه اللّه سبحانه وتعالى منهم ومن السّير على خطاهم، قال تعالى:(وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡ وَٱحۡذَرۡهُمۡ أَن يَفۡتِنُوكَ عَنۢ بَعۡضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيۡكَۖ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَٱعۡلَمۡ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعۡضِ ذُنُوبِهِمۡۗ وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلنَّاسِ لَفَٰسِقُونَ). فهلَّا تنبّهتِ يا خيّر أمّة؟ وهلَّا وعيتِ أنّك في صراع مع أهل الكفر الذين يحاربونك ويحاربون دينك ويعملون على أن ينشروا فيك وفي النّاس كافّة الظّلمات لتكون معيشتك ضنكًى؟!
يا أمة الخير، ألم يحذّركِ الله في كتابه العزيز وذكره الحكيم من اتّخاذ هؤلاء الكفرة أولياء وينهَكِ عن التّقرّب منهم واستئمانهم (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ بِطَانَةٗ مِّن دُونِكُمۡ لَا يَأۡلُونَكُمۡ خَبَالٗا وَدُّواْ مَا عَنِتُّمۡ قَدۡ بَدَتِ ٱلۡبَغۡضَآءُ مِنۡ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَمَا تُخۡفِي صُدُورُهُمۡ أَكۡبَرُۚ قَدۡ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ١١٨)
يا أمّة الإسلام، إنّ المعركة بينك وبينهم أبديّة: معركة حقّ وباطل، معركة وجود وعدم؛ فإمّا أن تتشبّثي بالحقّ أو أنّك ستنحدرين إلى صفّ هذا الباطل وتسيرين على خطاه. فهل ترضين بذلك؟ قطعًا لا! فلقد اصطفاك الله حتّى تكوني خير أمّة أُخرجت للنّاس: تدعين إلى الخير، وتأمرين بالمعروف، وتنهين عن المنكر… اختاركِ الله لتكوني الأمّة التي تقود وتسود العالم، لا لتكوني أمّة ضعيفة مستضعفة تابعة مهانة، فالطّريق الحقّ إذًا بيّنٌ والخطّ المستقيم واضحٌ وجليٌّ. فهلّا سارعتِ بالعودة إليه لتستعيدي عزّكِ ومجدكِ المسلوبَيْن الضّائِعيْن؟
في بلادهم، يعيش المسلمون في ظلّ دساتير وضعيّة قوانينها لقيطة غريبة عنهم وعن عقيدتهم، فرضها الغرب عليهم وأعانه عملاؤه من الحكام والمثقفين العلمانيين، على تطبيقها فيهم حتّى يجتثّوهم من هويّتهم وثقافتهم وحضارتهم، وينشروا فيهم مفاهيم الحضارة الغربيّة، ويشكّكوهم بأحكام الإسلام وجدواها في حلّ مشاكلهم. صارت أمّة الإسلام تعيش حياة انفصام وغربة لا تمتُّ بصلة لطبيعة دينها الذي أرسله الله لها وللنّاس كافّة رحمة وهدى ومنهجًا لحياتهم يسيّرها على أكمل وجه وأفضله: (إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ يُغۡشِي ٱلَّيۡلَ ٱلنَّهَارَ يَطۡلُبُهُۥ حَثِيثٗا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَٰتِۢ بِأَمۡرِهِۦٓۗ أَلَا لَهُ ٱلۡخَلۡقُ وَٱلۡأَمۡرُۗ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٥٤).
صار المسلمون يحيَون في ظلّ سياسات غربيّة تستند إلى قوانين وضعيّة تفصل الدّين عن الحياة وتجعله حبيس المساجد وبعض العبادات كالصّلاة والصّيام والحجّ… وتنزع عنه صفة المبدئية التي تميّزه (عقيدة عقلية سياسية ينبثق عنها نظامها)… تستند إلى سياسة حاربت لباس المرأة المسلمة، ولاحقت كلّ من ترى فيه نَفَسا إسلاميّا يؤيّد الحكم بشرع الله أو يعمل له باختلاق حجج واهية كـ(مكافحة الإرهاب والتّطرّف) فتزجّ بهم في السّجون وتنكّل بهم وتعذّبهم حتّى تنزع منهم مجرّد التّفكير في التّغيير أو العمل لإعادة الحكم بما أنزل الله، فزرعت الرّعب والخوف في النّفوس، وألحقت الأذى بكل من اشتبهت به. وضيّق الحكّام العملاء للغرب الحياة على النّاس وكبّلوهم، وفرضت الحكومات الجباية وتخلّت عن الرّعاية… فانتشر الفقر والبطالة جرّاء هذه السّياسات التي يفرضها صندوق النّقد الدّوليّ الاستعماريّ على الدّول، والتي يُملي عليها شروط إقراضه لها ويلزمها بتطبيقها؛ فيفرض عليها زيادة الأسعار ورفع الدّعم عن كثير من الموادّ الغذائيّة وتجميد أجور العمّال، إضافة إلى تدخّله في السّياسات التّعليميّة والصّحّيّة وغيرها ليلزمها بتدابير تفاقم الأزمات وتزيد من حدّة المشاكل؛ فأحكم الخناق على رقاب النّاس الذين صاروا يعانون من شظف العيش؛ وجوههم كالحة مرهقة تشكو صعوبة الحياة وكثرة مشاكلها، واشرأبّت أعناقهم ترقب تغييرًا لحالها الرّديء ووضعها المزري. صار المسلمون في ظلّ هذا الخناق الذي أحكم حلقات عقده «هذا الصّندوق اللّعين» يتشرّبون ثقافة الغرب التي يمرّرها عبر إملاءاته وقوانينه ويبتعدون عن أحكام دينهم؛ نشر فيهم ضرورة التّعايش مع الآخر في ظلّ قوانين وضعيّة تحرسه، وجعلهم يدافعون عن ديمقراطيّته التي هي نظام كفر تتعارض مع دينهم، صاروا يتعاملون بالرّبا فيبنون المنازل ويشترونها، ويقتنون السّيّارات بالقروض الرّبويّة، ويبحثون لأنفسهم عن علل يبرّرون بها ما اقترفت أياديهم ويحاولون إيجاد مخرج لهم ممّا حرّمه الله عليهم في كتابه العزيز: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَوٰٓاْ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ ٢٧٨) وحذّرهم من القيام به (فَإِن لَّمۡ تَفۡعَلُواْ فَأۡذَنُواْ بِحَرۡبٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ وَإِن تُبۡتُمۡ فَلَكُمۡ رُءُوسُ أَمۡوَٰلِكُمۡ لَا تَظۡلِمُونَ وَلَا تُظۡلَمُونَ ٢٧٩) فكيف لمسلم أن يغفل عن هذا الإثم الكبير ويتجرّأ على القيام به؟! إنّها الغفلة بعدما نفث هذا العدوّ سمومه كما ينفث الظّبّ مادّته المخدّرة التي تجعل فريسته تتبعه إلى جحره دون أي مقاومة.
نشر النّظام الرّأسماليّ العلمانيّ الفجور والفسوق بين الشّباب بمساعدة كبيرة من وسائل الإعلام المأجورة والموظّفة لبثّ الرّذيلة والفساد بين أبناء المسلمين. لقد حال دونهم ودون العفاف والتّعفّف، فانتشرت البطالة وزادت نسبة الفقر وعجز الشّباب عن توفير تكاليف الزّواج، وسُدّ دونهم بابُ الحلال وفُتحت أمامهم أبوابُ الحرام من زنا وشذوذ… فتاهَ الكثير منهم في أوساط الجريمة وتعاطي المخدّرات، ولاذ بعضهم بالفرار من هذا الواقع المدمّر إلى عالم مجهول يجازفون للوصول إليه بأرواحهم فيلقون بأنفسهم في البحار ليقضي بعضهم نحبه، فإن نجا البعض الآخر يكون فريسة الاستغلال والعيش الذّليل في ظلّ حكومات لا ترعى ولا تؤمّن أبسط الحاجيات التي تضمن للإنسان حياته.
بهدم الخلافة حكم الأمّةَ نظام حكم يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف، فصار أبناؤها تائهين بين عقيدة الإسلام وما يُفرض عليهم من نظام علمانيٍّ قوانينُه وضعيّة بشريّة. صاروا يعيشون مذبذبين بين عقيدتهم التي تتميّز بأنّها عقيدة لا ينفصل عنها النّظام المنبثق عنها وبين نظام لا يمتّ بصلة لهذه العقيدة وغير منبثق عنها فيُفرَض عليهم ويُطبَّق فيهم. صارت حياة المسلمين مسيّرة بقوانين النّظام الرّأسماليّ العلمانيّ؛ فتحوّلت حياتهم إلى جحيم مستعر: فقر وجوع وضياع وهوان… وسُلّط على رقابهم حكّام باعوا البلاد والعباد لأسياد نصّبوهم لذلك، وفقد أبناء خير أمّة الرّعاية والحماية في بلادهم فلاذوا بالفرار للدّول التي تدّعي الحفاظ على الحقوق والحرّيّات وتطلق شعار تطبيق الدّيمقراطيّة… فماذا وجدوا؟!
وجدوا قوانين تلزمهم بالانصهار والذّوبان في مفاهيم النّظام الرّأسماليّ العلمانيّ الذي فرّوا منه، وجدوا نظام حكم يفرض عليهم أن يكون الدّين منفصلًا عن الحياة، وعيشًا في ظلّه مشروطًا بالاندماج في حضارته الغربيّة التي تتناقض مع حضارة دينهم، فإن هم ساروا على ذلك خسروا أنفسهم وتاهوا، وإن تشبّثوا بمفاهيم حضارتهم اتّهموا بالتّعصّب والتّشدّد والإرهاب…
حوربت المرأة المسلمة في نقابها وحجابها، وضرب دعاة الدّيمقراطيّة وأنصار الحرّيّات بشعاراتهم التي رفعوها عرض الحائط؛ حيث لاقت المسلمات من الاضطهاد والقهر ألوانًا، وتجسّدت (الإسلاموفوبيا) في أبشع صورها، منعوا المسلمة من حجابها، وحرموها من العمل في مؤسّساتهم وشركاتهم، وهم بذلك يحاربون الإسلام في حكم من أحكامه ويطعنون في عقيدة الأمّة الإسلاميّة ويشوّهونها… وجدوا بانتظارهم قوانين تسمح لدائرة الخدمات الاجتماعيّة «السّوشيال» (كما في السّويد) بخطف الأبناء من عائلاتهم بحجج واهية زائفة؛ يُنتزعون من أسرهم بلا شفقة ولا رحمة في سعي دنيء لاجتثاث هؤلاء الأطفال من جذورهم الإسلاميّة وتنشئتهم تنشئة غربيّة بمفاهيم فاسدة تبيح كلّ ما حرّم الله وتصنع منهم أبناء غرب كافر ذي حضارة «حيوانيّة».
كذلك يعيش المسلمون في دول أخرى كأقلّيّة تضطهدها الحكومات وتنشر الحقد والكراهيّة ضدّهم في سعي حثيث منها لتثبيت مبادئ العلمانيّة ودمجهم في مجتمعها وإذابتهم فيه، بل وتقوم بفرض قوانين تسلخهم بها عن الإسلام وأحكامه لتردّهم عنه، تنتهك مقدّساتهم وتهدم المساجد وتحرق المصاحف وتمنع الفتيات والنّساء من ارتداء الحجاب. جاليات مسلمة تتمسك بدينها رغم ما تلاقيه من تعذيب وتنكيل كما في الهند وأفريقيا الوسطى. ممارسات عرّت زيف ديمقراطيّتهم التي يتشدّقون ويفتخرون بها وكشفت فساد نظامهم العلمانيّ. جاليات مسلمة ترقب فرجًا من الله ونصرًا وعد الله به عباده المؤمنين إن هم نصروه (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرۡكُمۡ وَيُثَبِّتۡ أَقۡدَامَكُمۡ ٧) (وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ).
أينما نولّي وجوهنا نرى جسد الأمّة ينزف فينفطر القلب على ما آل إليه حالها. لقد ضاقت الأرض على المسلمين: مضطهدين في كلّ مكان: في بلادهم، في بلاد الغرب، في الملاجئ التي حسبوا فيها نجاتهم… كثرت الجراح وكلّ عضو في هذا الجسد يشكو ويتألّم، وترقُب العيون الشّاخصة منقذًا لهذا الجسد ليعيد إليه عافيته وقوّته ومجده، وتُرفَع الأيادي تشكو إلى الله وتسأله أن يعجّل بنصره وتأييده.
أين الحكومات ممّا يحدث لهم؟! في ظلّ دولة الخلافة، كانت تنفذ وصية الرسول صلى الله عليه وسلم في حق المسلمين وغير المسلمين، من قوله: «لَا تَقْطَعُوا شَجَرَةً… وَأَلَّا تَقْتُلُوا امْرَأَةً وَلَا صَبِيًّا وَلَا وَلِيدًا وَلَا شَيْخًا كَبِيرًا وَلَا مَرِيضًا.. لَا تُمَثِّلُوا بِالْجُثَثِ.. وَلَا تُسْرِفُوا فِي الْقَتْلِ.. وَلَا تَهْدِمُوا مَعْبَدًا وَلَا تُخَرِّبُوا بِنَاءً عَامِرًا.. حَتَّى الْبَعِيرُ وَالْبَقَرُ لَا تُذْبَحُ إِلَّا لِلْأَكْلِ» لله درُّكم، أين تجد مثل هذا في غير الإسلام؟!
أين المسلمون وما كانوا عليه من هيبة وتمكين؟! أين المسلمون وما حقّقوه من فتوحات وانتصارات نشرت دينَ الله وهداه ورحمتَه في النّاس؛ فسادَ العدلُ وانتشر النّورُ؟!
أين أطفال المسلمين اليوم وما يحدث لهم في بلادهم من سوء رعاية فيموتون رضَّعًا ويغرقون في البحار مع أهاليهم مهاجرين، ويسقطون في الآبار إهمالًا ويموتون… أين هم مما حظوا به في ظلّ دولة الإسلام من رحمة ومن رأفة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا»؟! لقد غادرت طفولتهم حياتهم فصاروا شيبًا قبل الأوان؛ لهول ما رأوه في ظلّ هذا النّظام العالميّ المتوحّش الذي لا يرقب فيهم إلًّا ولا ذمّة…
أين الكبار والمسنّون وقد غابت عنهم دولة الإسلام؟ أين هم وقد كانت تفرض على ذويهم رعايتهم فإن لم يكن لهم من يقوم بذلك تكفَّلت هي برعايتهم؟! أين هم اليوم ممّا عاشوه في ظلّ دولة الخلافة من قبل، وقد فتحت أبواب دور المسنّين في كلّ مكان يكملون حياتهم مهانين منكسرين؟!
أين هي المرأة المسلمة وما كانت عليه في دولة الخلافة من تكريم ومكانة تحسدها عليها نساء العالم؟! كانت عزيزة منيعة تُجيَّش لصيحة منها الجيوشُ، وها هي اليوم منتهكةَ العرض مستضعفةً مقهورةً يخلع عبدة البقر حجابها ويختطف الشيوعيّ الكافر ابنها فيغسل دماغه ويردّه عن دينه، ويعتدي اليهود عليها ويقتلون زوجها ويأسرون أبناءها ويغتصبون أرضها ويهدمون بيتها… أين هي وقد كان خليفة المسلمين يرعاها بنفسه ويقدّم لها الطّعام ويؤمّن لها الحياة الطيِّبة، واليوم تعمل وهي عجوز مسنّة تلتقط بعض عيدان الحطب أو تجمع القوارير البلاستيكيّة لتؤمّن بعض حاجاتها الأساسيّة؟!
فقدت المرأة المسلمة اليوم في ظلّ هذا النّظام العلمانيّ ما تمتّعت به من مكانة وأمن – في ظلّ أحكام دينها – وصارت تحيا وقد سُلخت من فطرتها. خدعوها بحقوق زائفة وحرّيات موهومة وتمكين كاذب فدفعت ثمن ذلك باهظًا: تحمّلت مسؤوليّات فاقت طاقتها وخرجت بها عن طبيعتها وتحوّلت حياتها إلى تعب وركض وخوف وعدم اطمئنان، صارت علاقتها بالرّجل علاقة صدام بعد أن كان يسودها الحبّ والوئام والاحترام…
في ظلّ هذه المنظومة الفاسدة توتّرت العلاقات وصارت المرأة تتصارع مع أخيها بحجّة المساواة في الميراث، وتقدّم الشّكاوى ضدّ والدها لأنّه حسب رأيها حدّ من حرّيّاتها بعدم السّماح لها بالخروج دون إذنه، وتنفصل عن زوجها لأنّها ترى في قوامته عليها انتقاصًا لها…
يعلم الكافر جيّدا ما للمرأة المسلمة من دور مهم في تنشئة الأبناء، ويعلم أنّها هي من أعدّت «صلاح الدّين» و«محمّد الفاتح» وغيرهما من أبطال المسلمين، لهذا وجّه سهامه نحوها وسعى في حربه «الفكريّة» إلى أن ينفث سموم مفاهيمه الغربيّة في عقول المسلمات وجيّش لذلك جمعيّات ومنظّمات المجتمع المدني، وأنفق الأموال الطّائلة حتّى تجد الآذان الصّاغية فتنقاد لها وتلفظ ما كان لديها من مفاهيم دينها معتبرة إيّاها رجعيّة لا تصلح لحلّ مشاكلها. (إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيۡهِمۡ حَسۡرَةٗ ثُمَّ يُغۡلَبُونَۗ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحۡشَرُونَ٣٦).
أنفق أعداء الإسلام الأموال الكثيرة وما زالوا ينفقون حتّى يصدّوا أمّة الإسلام عن دينها ويغرسوا في أهلها مفاهيم حضارتهم الفاسدة؛ ولكن الأمة بدل أن تستكين ثارت وأثبتت أنّها أمّة حيَّة عصيَّة… لئن كان الغرب الكافر بالمرصاد لثورات الأمّة وقام بالالتفاف عليها وغيّر وجهتها إلّا أنّ هذه الثّورات كشفت كم أن الأمة تعتزُّ بدينها، وتعادي صنائعها من الحكام، وأنها في الاتجاه الصحيح.
يا أمّة الإسلام، يا خير أمّة أخرجت للنّاس!
إنّ الله سبحانه وتعالى قد أكرم الإنسان إذ خلقه وجعله خليفة في الأرض ليعمرها بطاعته، وقد اصطفى الله أمة الإسلام لتكوني أمينة على رسالة نبيّه الحبيب وتحافظي عليها وترفعي راية التّوحيد، وتجعلي الحاكميّة المطلقة لشرع الله فتسودي العالم كله وتقوديه بأحكامه العادلة الكاملة. فأين أنت، يا أمة الخير من هذه الأمانة؟ هلّا عملت على استرجاعها والحفاظ عليها واستعادة مكانتك الحقيقيّة عند الله، وبين الأمم؟.
يا أمّة الإسلام، يا خير أمّة أخرجت للنّاس!
إن لك أبناء مخلصين الدين لله يعملون على ذلك، يصلون ليلهم بنهارهم ليرَوا أحكام الإسلام تنير حياة النّاس من جديد. يسيرون بخطا ثابتة لا يبدّلون ولا يغيّرون، وبيقين لا ريب فيه بأنّ الله صادقٌ وعدُه وناصرٌ عبادَه المخلصين… تكتَّلوا على جماعة جعلت همها الأوحد نصرة هذا الدّين بإقامة دولة الخلافة الإسلامية واستئناف الحياة الإسلامية، متّبعة طريقة رسوله صلى الله عليه وسلم في التّغيير، إنه حزب التحرير… فالمسارعة المسارعة بتأييده ونصرته ودعوة أهل القوّة والمنعة لتبنّي مشروعه هذا؛ حتّى تنفضي عنك وعن أبنائك الهوان وتستردّي العزّة والتّمكين؟
يا أمّة الإسلام، أنت أمّة حيّة لا تموت، كلفك الله بحمل أعظم رسالة… أنت أمّة جادّة مخلصة لدين ربّك فبادري ولا تتأخري واحزمي أمرك لتحملي الرسالة من جديد مع هذه الجماعة الراشدة التي نسأل الله جميعًا أن تكون هي ثلة الخير والطائفة المنصورة، وأن يكون وعد الله لها بإقامة الخلافة الراشدة الموعودة، وأن تكوني معها في هذه المهمة الخطيرة… فأنت أمة اصطفاك الله سبحانه من لدن سيدنا محمد إلى قيام الساعة لتتبوئي مكانك العالي الشريف، قال تعالى: (وَلَا تَهِنُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ ١٣٩).
يا أمة الإسلام التي أورثها الله الكتاب، التفِّي حول كتلة الحق التي هداها الله لهذا الأمر؛ لتكوني معها فيما يرضي الله وتَخرجي وتُخرجي العالم كله من الظلمات إلى صراط الله العزيز الحميد.
2022-03-31