الأذرع المالية للدول الرأسمالية الكبرى
2021/10/01م
المقالات
1,905 زيارة
د. الأسعد العجيلي
يعتبر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أحد أهم الأذرع المالية التي تستخدمها الدول الرأسمالية الكبرى للهيمنة على اقتصاد العالم؛ وذلك بإغراق الدول في دوامة الديون وفرض التبعية الاقتصادية عليها، فالقروض التي تقدمها هذه المؤسسات المالية وسيلة لبسط النفوذ، وسلاح سياسي في يد الدولة المقرِضة تستخدمه لتفرض به سياستها ونظامها على البلد الذي يأخذ هذه القروض، وأي نكسة تصيب مشاريع التنمية في الدول المستدينة هي نكسة للنظام الذي يقوم بتنفيذها.
وتعد برامج الإصلاح المالية والاقتصادية التي تفرضها هذه المؤسسات المالية على الدول المستدينة بمثابة الجرعات المميتة التي تجهز على اقتصاد الدول وتجعلها تابعة وخاضعة للجهات الدائنة. والإقراض يتم بعد إرسال الخبراء لمعرفة مقدرة البلاد المالية، والإحاطة بأسرارها الاقتصادية، وفرض شروط ومشاريع معينة هي في الغالب مشاريع استهلاكية وخدمات عامة، وليست مشاريع إنتاجية
وتتلخص الشروط التي يضعها صندوق النقد الدولي مقابل القروض في النقاط التالية:
تخفيض سعر العملة المحلية مقابل الدولار، وهذا يعني مشكلة من وجهين، الأول: ارتفاع أسعار السلع محليًا بسبب انخفاض القيمة الشرائية للعملة المحلية وارتفاع كلفة الإنتاج. والثاني: عدم الاستفادة من انخفاض العملة في منافسة صادرات الدول المدينة للبضائع الأخرى في الأسواق الدولية؛ بسبب قلة هذه الصادرات، كل ما هنالك أن هذا سيؤدي إلى بيع طاقات وثروات الدول الضعيفة بسعر زهيد.
تقليص نفقات الدولة لرفع الأعباء عن الميزانية ويكون بتقليص كتلة الأجور وبتخفيض أو إلغاء المصروفات والخدمات التي تقدمها الحكومة للناس في مجال الحاجات الأساسية كالمسكن والملبس والغذاء، والحاجات الضرورية كالتعليم والتطبيب، فتزداد تكاليف الحياة على الأفراد، ويعمُّهم الجهل والمرض والفقر.
زيادة أسعار المحروقات، وهذا يزيد الأسعار في البلد من مواصلات إلى غلاء في المعيشة، وركود اقتصادي، وتضخم في العملة.
زيادة موارد الميزانية عن طريق فرض الضرائب؛ ضريبة المبيعات، ضريبة الدخل، ضريبة الأرباح، ضريبة العمال؛ مما يزيد الأسعار، فيلحق الضرر بالمستهلك والمنتج؛ حيث يقل الإقبال على السلع فيلحق الضرر بالمنتِج أو المصدِّر، ويزيد الأعباء على الناس، فالنظام يعيش على دماء الرعية، قال ﷺ : «إن من أعظم الخيانة أن يتاجر الراعي في رعيته».
الخصخصة؛ وذلك ببيع المنشآت والمؤسسات العامة للقطاع الخاص لتمويل الموازنة، وهى من أهم وأخطر السياسات التي يفرضها هذا الصندوق الاستعماري على الدول المستدينة لالتهام مقدرات الشعوب.
وضع برنامج تقشف تلتزم به الدولة، ويشمل ذلك رفع نسبة الربا، زيادة الضرائب، زيادة التعرفة الجمركية التي تشمل سلعًا أساسية وغذائية وضرورية، تقليص النفقات، ما من شأنه تحميل الناس فوق طاقتهم.
إن السياسات التي يتبناها صندوق النقد الدولي تهدف إلى تحويل البلدان المقترضة إلى أسواق مفتوحة لتصريف بضائع الدول الرأسمالية بأسعار عالية، وتخلق الظروف الموضوعية لتحويل الاقتصاد القائم على التخطيط والتوجيه المركزي إلى اقتصاد سوق رأسمالي تعبث به الرأسمالية المتوحشة التي لا تعرف سوى الجشع ومزيد من الأرباح.
فالإصلاحات التي يفرضها الصندوق هي في الأصل حزمة مسمومة ملغومة تؤدي في نهاية المطاف إلى تجويع العباد وتركيع البلاد.
أما البنك الدولي، فيعمد إلى دعم ما يسمى «بناء البنية التحتية» والتركيز على الثروات السيادية من أجل استثمارها كما يزعم؛ ولكنه ينتقي المشاريع التي لا تعود بالربح على الدولة، مثل مشاريع المحافظة على التراث، مشاريع البيئة، المشاريع السياحية، مشاريع الصحة الإنجابية (تقليل عدد السكان) وغيرها. أما المشاريع الضخمة والاستراتيجية فإن البنك لا يقوم باستثمارها إلا إذا قامت بها شركات غربية (متعددة الجنسيات)، ثم يغرق الدولة بالديون، ويعطل عجلة التنمية، ويساعد على نهب ثروات الأمة.
والقروض التي تُعطيها هاتان المؤسستان على نوعين: قصيرة الأجل، وطويلة الأجل. أما القروض قصيرة الأجل فإن القصد منها ضرب عملة البلاد لإيجاد اضطراب فيها؛ لأنه لا يُقبَل السداد إلا بالعملات الصعبة، وقد تعجز البلاد عن التسديد بهذه العملات لندرتها لديها، أو لأنها في حاجة إليها، مما يضطرها لشراء هذه العملات بأسعار عالية، فتهبط قيمة عملتها وتلتجئ إلى صندوق النقد، فيتحكم في عملتها حسب السياسة التي تراها أمريكا لأنها هي التي تسيطر عليه وتملك أكثرية أسهمه.
أما القروض طويلة الأجل فإنها توضع لآجال طويلة، ويُتغافل عن تسرب هذه الديون للأرصدة الشخصية ويُتساهل عند استحقاقها حتى تتراكم وتصبح مبالغ ضخمة تعجز البلاد عن تسديدها، فيبدأ تدخل الدولة المقرِضة إما مباشرة أو عن طريق المؤسسات المستخدَمة في الإقراض، ويجري فرض برنامج للتصحيح الاقتصادي يتضمن شروطًا مهلِكة مثل تخفيض سعر العملة، وتقليص الإنفاق الحكومي، وخصخصة المشاريع العامة، وتعويم أسعار العديد من السلع، ورفع الرسوم على بعض المواد والخدمات مثل المحروقات والمياه والكهرباء، وفرض ضرائب جديدة، وغيرها من الإجراءات التي تجعل اقتصاد البلد والسياسة المالية فيه في قبضة الدول المقرِضة. هذا بالإضافة إلى أن نسبة هامة من القروض التي تتحصل عليها الدولة المستدينة من البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي ستوجه إلى دعم الميزانية لسداد القروض القديمة.
إن الاقتصاد لا يعالج بالاقتراض من هذه المنظمة الدولية أو تلك، وإنما بتنفيذ مشروع مبدئي نابع من عقيدة الأمة ومنبثق من كتاب ربها وسنة رسولها صلى الله عليه وسلم، لا من نظريات المبدأ الرأسمالي ونهج الكفار في الحياة. علاوة على ذلك فقد أصبح معروفًا عند القاصي والداني أن صندوق النقد الدولي وكذلك البنك الدولي هما مؤسستان استعماريتان للدول الكبرى للتدخل في شؤون دول العالم بإغراقها في دوامة الديون وفرض التبعية الاقتصادية عليهم، فقد ازداد الفقر وتضاعفت المشاكل حيثما حلَّا، وبلدان كمصر وتونس والأردن خير شاهد على ذلك بعد تعاملات دامت عقودًا مع هاتين المؤسستين، ولقد حدا هذا الواقع ببعض المراقبين الدوليين النازهين للمطالبة بإلغائهما، أو وضع قيود للحد من تدخلاتهما في الشؤون الداخلية والخارجية للبلاد، فإن أمريكا والدول الأوروبية تتخذ منهما أدوات قوية لتحقيق أهدافها السياسية.
إن الاقتراض من هذه المنظمات التي تعمل بالنظام الرأسمالي الربوي يجرُّ البلاد الإسلامية إلى مزيد من الفقر والتابعية، والشواهد على ذلك في كل بقاع العالم أكثر من أن تُحصى، علاوة على استجلاب سخط رب العالمين لأنه تعامل بالربا الذي حرمه الشرع، يقول تعالى: (يَمۡحَقُ ٱللَّهُ ٱلرِّبَوٰاْ وَيُرۡبِي ٱلصَّدَقَٰتِۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ٢٧٦) ويقول تعالى: (وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلۡبَيۡعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَوٰاْۚ ) وجاء في صحيح مسلم عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ»، فالاقتصاد لم ولن يتعافى بالحرام، ولن ينهض بمخالفة شريعة الله الغرَّاء وطريق الهدي المستقيم، قال تعالى:
(وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا) ومن يفعل ذلك فكأنما يتجرع الداء ليتداوى، ويترك البلاد فريسة لمزيد من النهب من قبل الدول الكبرى ومؤسساتها. وحتى تنهض البلاد اقتصاديًا النهضة الصحيحة يجب تطبيق النظام الاقتصادي الإسلامي كاملًا في إطار تطبيق المنظومة الإسلامية الكاملة دون اجتزاء أجزاء منها، فإن أحكام الإسلام متداخلة مترابطة؛ لأنها جاءت لحل مشاكل الإنسان الناجمة عن حاجاته وغرائزه المتداخلة المترابطة، فلا يمكن ولا يجوز فصلها وتجزئتها بحال من الأحوال، ولن تؤدي إلى النهضة إلا بتطبيقها كاملًا في إطار دولة إسلامية هي دولة الخلافة.
(وَلَوۡ أَنَّ أَهۡلَ ٱلۡقُرَىٰٓ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوۡاْ لَفَتَحۡنَا عَلَيۡهِم بَرَكَٰتٖ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذۡنَٰهُم بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ ٩٦).
2021-10-01