أردوغان والإخوان… يخرج عن ودِّه ولا يخرج عن عمالته
2021/04/14م
المقالات
1,973 زيارة
وصل الإخوان إلى الحكم في مصر، واستلم مرسي الرئاسة في 2012م، وفي عام 2013م تمَّ عَزْله وسَجْنه، وفي 2014م تم انتخاب السيسي الذي كان مرسي قد عيَّنه وزيرًا للدفاع، وكان ذلك من ضمن مؤامرة دولية على الإخوان اشترك فيها الجيش المصري وأدت إلى قمع الشارع واعتقال مرسي، ومن ثم وفاته بعد إهمال وضعه الصحي في السجن، ولوحقت قيادات الإخوان، وامتلأت الزنازين بهم، وتُوفِّي بعضهم على الطريقة نفسها، وارتكبت بحق أنصارهم في الداخل أبشع أنواع الملاحقة والاعتقال والتعذيب، وتشرَّدت القيادات في الخارج… فرحلت إلى قطر، وكر المؤامرات في المنطقة، فلحقتهم الضغوط المصرية والخليجية والأمريكية القوية عليها؛ فطلبت منهم قطر مغادرة أراضيها فغادروها ولجؤوا إلى تركيا التي صرح أردوغان حينها «إن الشخصيات الإخوانية البارزة ستكون موضع ترحيب في تركيا إذا رغبت في المجيء»… والآن هم يتعرَّضون في تركيا لنفس ما تعرَّضوا له في قطر؛ ولكن ليس بسبب ضغوط عليها، بل بسبب حدوث تقارب مصلحي بين تركيا وبين النظام المصري، ولنقل كذلك بسبب ما يجمعهما من عمالة مشتركة لأمريكا، وعلى أثر ذلك صدر قرار بحق القنوات المصرية المعارضة التي تبثُّ في تركيا إغلاق القنوات بشكل كامل، لكن تمَّ تعديله ليشمل إيقاف البرامج السياسية، والتحوُّل إلى برامج المنوعات… وها هم اليوم أمام تشريد جديد. ونحن أمام هذا الواقع، لنا على الإخوان النصائح والملاحظات التالية:
– إن طريقة فهم الإخوان للإسلام قائمة على اعتبار المصلحة علَّة يقاس عليها في الدين، يحلَّل ويحرَّم على أساسها، بل قد تعطَّل نصوص الشرع عندهم قياسًا عليها، وهذا ما جعلهم يبيحون لأنفسهم التعامل مع أنظمة طاغوتية ومعاداة أخرى، والقبول بالمشاركة في الحكم بغير ما أنزل الله، وقبول التعامل بالربا للضرورة، وبالتالي إباحة الاقتراض من البنك الدولي… هذا الاعتبار للمصلحة يحتاج إلى تراجع عنه لأنه غير شرعي، والمطلوب منهم ضبط أنفسهم بطريقة الفهم الشرعي القائمة على فهم النصوص وعللها الشرعية وليس العلل المصلحية. وهنا نقول جازمين: إنهم بهذا الفهم لن يوصلوا الإسلام إلى الحكم.
– إنهم بطريقة الفهم القائمة على تحكم النظرة المصلحية في فهمهم للشرع، أباحوا لأنفسهم التعامل مع الأنظمة الطاغوتية القائمة في بلاد المسلمين والموالية للغرب لكي يستفيدوا منها في الوصول إلى الحكم، وطرحوا أنفسهم في العمل السياسي طرحًا إصلاحيًا وليس تغييريًّا؛ وهذا ما جعلهم جزءًا من هذه الأنظمة: في بعض الأحيان يكونون في الموالاة، وفي أغلب الأحيان في المعارضة، وفي كل الأحيان تحت رحمة الحاكم الذي قد يستغني عنهم كليًا ويوردهم موارد الهلاك تحت أي ذريعة، فهم استعانوا بكل من نظام الأردن والعراق ليحموا أنفسهم ويعملوا ضد الأسد بعد أن شنَّ الحرب عليهم مع أن هذين النظامين لا يختلفان عنه من حيث معاداة إسلام الحكم… ومؤخَّرًا استعانوا بتركيا ليحموا أنفسهم من حاكم مصر وليتخذوها منبرًا لعملهم، مع أن نظام الحكم علماني كما يصرح أردوغان. والناظر إلى الإخوان وإلى هذه الأنظمة التي تستقبلهم ومن ثم تتخلى عنهم فإنهم جميعًا تتحكم فيهم لعبة المصالح. وعليه، فإنهم بطريقة الفهم هذه لن يصلوا إلى الحكم بالإسلام.
– إن أردوغان الذي استعانوا به يعتبر من أخطر الحكام على الإسلام في هذه الفترة، وأدنى مراجعة لتاريخه وأعماله تبيِّن أنه من أبعد الناس عن فهم الإسلام الصحيح، هو يفهم أن الإسلام دين فردي يقوم على العبادات فقط، أما من حيث الحكم فهو يصرح من غير مواربة أنه يحكم بنظام علماني واقتصاد حر يتعامل بالربا، وهو كان وما يزال يقيم علاقات ديبلوماسية وسياسية وعسكرية واستخبارية وثيقة مع كيان يهود، وهو سهَّل لأميركا عبر قاعدة إنجرليك العسكرية الجوية احتلال العراق وضربه وضرب أفغانستان، وهو شارك بالقوات المتعددة الجنسيات (إيساف) التي تقودها أمريكا في أفغانستان، والتي ارتكبت أبشع المجازر بحق المسلمين هناك من احتلال وقتل وتعذيب ودمار… وهو الذي أدى سحبه للمقاتلين التابعين له في سوريا من جبهة حلب إلى سقوطها، وبالتالي تعويم نظام بشار الذي كاد أن يسقط حينها، وكان ذلك منعطفًا في بدء سقوط الثورة، وهو الذي ينسِّق مع دولتي الإجرام: روسيا وإيران في سوريا للوصول في النهاية إلى الحل الأمريكي؛ وعليه لا يكون ما صدر منه من تصرف ضد جماعة الإخوان في مصر وغيرها مستغربًا… بل المستغرب هو تصرفهم البعيد عن فهم الشرع بشكل صحيح.
– إنهم لو اتبعوا طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم في إقامة الدولة والتي منها طلب النصرة من أهل القوة المؤمنين الذين اجتمعوا معه على نصرة الرسول إيمانًا واحتسابًا، وليس كالسيسي الذي ظهر منه ما ظهر من عداء غير مسبوق للإسلام، بل كان المطلوب أن يفتِّشوا عن مثل سعد بن معاذ، لا عن شخص كان يستلم قيادة المخابرات، وما أدراك ما المخابرات، زمن مبارك، وهذا يعني فيما يعنيه ارتباطه بالاستخبارات الأمريكية… إن الإخوان عليهم أن يجروا مراجعة صادقة مع الله، مراجعة تخرجهم من حالة الضياع التي تلفُّ كوادرهم وتهدد وجود الجماعة كليًا، والذي تتدخل فيه وتلعب في مسرحه أنظمة الدول ذاتها التي استعانوا بها من قبل… عليهم أن يسيروا على طريقة الرسول الكريم في إقامة الحكم، وأن تبني شبابها بناء فكريًا على نفس طريقة الأوائل… لا على التأويل والبحث عن أنصاف الحلول وأرباعها…
حتى الآن ما صدر عن الإخوان من ردود فعل تجاه ما صدر من موقف تركي لا توحي بالاعتبار والاتِّعاظ بل بمزيد من السقوط وعدم التعلَّم من الأخطاء، وعدم العودة إلى طريقة الفهم الصحيح، فقد صرَّح مرشد الإخوان إبراهيم منير لقناة الجزيرة في 21/03/2021م بإمكانية قبول وساطة تركيا لحل الأزمة مع الحكومة المصرية والاستعداد لحوار معها. فإذا صحَّ الخبر، فمعناه أنها مؤامرة بين النظامين التركي والمصري لجرِّ رجل الإخوان إلى أوحال التنازلات والتراجع عن الأهداف التي قاموا عليها لمصلحة البحث بتحسين أوضاع المعتقلين… وعلى الله قصد السبيل.
2021-04-14