فشل آخر للنظام الديمقراطي الرأسمالي: التعامل مع جائحة كورونا جلب الشقاء على البشرية
2021/04/14م
المقالات
1,656 زيارة
أحمد الحاج إبراهيم – الأرض المباركة فلسطين
في بداية شهر 12/2019م، طفَت على السطح ظاهرة الإصابات والوفيات جرَّاء جائحة كورونا الناتجة عن كوفيد 19 في مدينة ووهان إقليم خوبي في الصين، وامتدت لاحقًا إلى أقاليم أخرى ومعظم أرجاء الصين؛ ما أدى إلى إصابة عشرات الآلاف وموت الآلاف. وفي شهر 1/2020م، انتقلت الجائحة إلى إيطاليا وبعدها إلى كافة أنحاء أوروبا، ثم عمَّت الجائحة وعمَّ الوباء في شهر 2/2020م أمريكا وإيران وبقية دول العالم بشكل متفاوت، واستمرت الجائحة في التوغُّل حول العالم تنشر المرض والموت والرعب حتى وصلت الإصابات المسجلة حول العالم مع نهاية شهر رجب نحو 120 مليون، وعدد الموتى جرَّاء كورونا نحو 2695000، ولا زالت الجائحة مستمرة، بالرغم من تصنيع اللقاحات وبدء التطعيم حول العالم.
إن حصول الأوبئة في العالم قبل الإسلام وبعد الإسلام معروف ومشهور في التاريخ البشري، وقد بيَّن الإسلام الأسباب وكيفية التعامل مع الأوبئة في حال حصولها؛ وللدولة الإسلامية وعلمائها وأطبائها باعٌ طويلٌ في التعامل مع الأوبئة، ومصطلحات الحجْر الصحي واللَّقاحات من مصطلحات المسلمين التي انتقلت مع كافة العلوم إلى العالم الغربي ليبني عليها علومه، وقد أفاد العلماء المسلمون البشرية كافَّة، خاصة مع نظرة الرعاية التي ركَّز عليها الإسلام تجاه الرعايا والبشرية كافَّة، وأما تحكُّم المنفعة في النظام الديمقراطي الرأسمالي جعل الغرب بل وكافة الدول حول العالم تتصرف بشكل وحشي تجاه شعوب العالم وتصب في مصلحة السياسيين وأصحاب رأس المال الداعمين للوسط السياسي، ولحق بهم أتباعهم من حكام العالم الإسلامي ومنه العربي.
نظرة الإسلام لللأوبئة:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ – أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ، فَلَمَّا كَانَ بِسَرْغَ بَلَغَهُ أَنَّ الوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّأْمِ – فَأَخْبَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ» البخاري.
وأخرج البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الطاعون رِجْزٌ – أو عذاب- أُرسِلَ على بني إسرائيل- أو على مَن كان قبلكم- فإذا سمعتم به بأرض فلا تَقْدَموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فِرارًا منه»
وأخرج أحمد بإسناد صحيح على شرط الشيخين، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذَا الْوَبَاءَ رِجْزٌ أَهْلَكَ اللهُ بِهِ الْأُمَمَ قَبْلَكُمْ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْهُ فِي الْأَرْضِ شَيْءٌ يَجِيءُ أَحْيَانًا، وَيَذْهَبُ أَحْيَانًا، فَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ، فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا، وَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ فِي أَرْضٍ، فَلَا تَأْتُوهَا».
وَرَوَتْ عَائِشَةُ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا – عَنْ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَنَّهُ قَالَ «كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، فَجَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَمْنَعُ الطَّاعُونَ فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ إلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ».
وقد ورد في الجامع الصحيح للسنن والمسانيد أنه بعد موت الصحابي معاذ بن جبل رضي الله عنه في طاعون عمواس …. اسْتُخْلِفَ عَلَى النَّاسِ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ – رضي الله عنه – فَقَامَ فِينَا خَطِيبًا، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ هَذَا الطَّاعُونُ رِجْسٌ مِثْلُ السَّيْلِ، مَنْ يَنْكُبْهُ أَخْطَأَهُ، وَمِثْلُ النَّارِ، مَنْ يَنْكُبْهَا أَخْطَأَتْهُ، وَمَنْ أَقَامَ أَحْرَقَتْهُ وَآذَتْهُ، فَتَفَرَّقُوا عَنْهُ فِي الْجِبَالِ…
من مجموع ما سبق يتبين ما يلي:
أن الأوبئة عذاب ورجس وعقاب للكفار على فسادهم وشرورهم في الأرض (ظَهَرَ ٱلۡفَسَادُ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ بِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِي ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعۡضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ ٤١) ورحمة وثواب وشهادة للمؤمنين إذا صبروا وتضرَّعوا إلى الله. عَنْ أَبِي يَحْيَى صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤمنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» رواه مسلم.
إن أول إجراء في محاربة الوباء هو محاصرة الوباء في المكان الذي يظهر فيه، وهذا يقتضي منع دخول أحد إلى المكان، وهذا واضح حتى لا يصاب بالمرض، ومنع الإسلام الذي نزل به الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم خروج أحد من المكان ولو كان سليمًا؛ لأن الشخص السليم في منطقة الوباء قد يكون حاملًا للميكروب أو الفايروس، وكثير من الأوبئة تصيب العديد من الناس، ولكن ليس كل من دخل جسمه الميكروب يصبح مريضًا، فكم من شخص يحمل جراثيم المرض دون أن يبدو عليه أثر من آثاره، فالحمى الشوكية، وحمى التيفود، والزحار، والباسيلي، والسل، بل وحتى الكوليرا والطاعون قد تصيب أشخاصًا عديدين دون أن يبدو على أي منهم علامات المرض، وكذلك كورونا، بل ويبدو الشخص وافر الصحة سليم الجسم، ومع ذلك فهو ينقل المرض إلى غيره من الأصحاء، وهذه الإشارة في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المانع للخروج من منطقة الوباء لكل لبيب وطبيب على أن النبي الأمي أمر بهذا ليس من عنده وإنما بوحي الله العليم الخبير.
الإجراء الثاني: بعد الحجر الصحي على مكان ظهور الوباء كما فعل أمير المؤمنين مع طاعون أو وباء عمواس، هو تباعد الناس في مكان الوباء عن بعضهم البعض للتخفيف من نقل المرض، وهذا ما صنعه عمر بن العاص رضي الله عنه بعد أن تسلَّم الإمارة في عمواس، فقد أمر الناس بالخروج إلى الجبال وتخفيف الاختلاط، وإن لزم الأمر يتم عمل حجر صحي في داخل المدينة الواحدة أو الأحياء، أي ما يلزم لمحاصرة المرض ومنع انتقاله بين المدن أو أحياء المدينة الواحدة حسب المعطيات العلمية من المختصين.
الإجراء الثالث: على الدولة توفير الماء للرعية من أجل النظافة، سواء نظافة الأمكنة أم نظافة الأشخاص التي تحصل طبيعيًا من خلال الاستحمام الذي أمر به الشرع أو الوضوء للصلاة والإكثار من ذلك مع التقرب إلى الله والتضرع إليه في الليل والنهار لرفع الوباء وحصول الثواب.
الإجراء الرابع: توفير التطبيب والعلاج المجاني للجميع، وعمل الأبحاث الدائمة لإيجاد الأدوية واللَّقاحات للأمراض الجديدة، وهذا قامت به الخلافة حتى هدمها، وكانت دولة الخلافة العثمانية تعالج المرضى، ووفرت اللَّقاح للتيفوئيد مئتي عام قبل بريطانيا التي حرَّمت كنائسها اللَّقاحات في ذلك الوقت.
الإجراء الخامس: استمرار الناس في أعمالهم الاعتيادية وصناعاتهم وتجاراتهم وحياتهم الطبيعية، خارج منطقة الوباء، مع توفير الغذاء والماء والدواء للمنطقة المحجور عليها بحيث تكفيهم الدولة والأمة حاجياتهم الأساسية والضرورية وما أمكن من الحاجيات الكمالية؛ حتى تساعدهم على الحجر والبقاء دون الحاجة للمخاطرة، والذهاب للعمل من أجل لقمة العيش، ويستمر ذلك حتى يُقضى على الوباء.
كيف كانت ستتصرف دولة الخلافة مع وباء كورونا لو كانت قائمة
دولة الخلافة تتصرَّف وَفق الأحكام الشرعية التي نزلت من فوق سبع سماوات من لدن خبير عليم، الخالق الواحد الأحد، والتي هي دولة رعاية ليس لرعاياها فحسب بل للبشرية كافة، وهذا يقتضي منها أن تقود العالم لمحاربة الوباء فور العلم به، فكان يقتضي منها أن تحاصر الصين فورًا فتمنع أي شخص من القدوم منها إلى بلاد المسلمين وتمنع رعاياها من الوصول إلى الصين، وفي الوقت نفسه كانت ستطلب من الصين إغلاق حدودها مع الدول كافة فتمنع خروج أحد إلى خارج الصين أو قدوم أحد، وكذلك محاصرة المرض في إقليم خوبي وخاصة مدينة ووهان ومنع الدخول والخروج من وإلى المناطق المصابة والقيام بما يلزم من علاجات حتى ينتهي الوباء، وكذلك كانت ستطلب من جميع دول العالم القيام بنفس الفعل وتقديم المساعدة اللازمة من جميع الدول للصين للقضاء على الوباء.
كيف تصرفت دول العالم مع جائحة كورونا
لقد طغت على العالم النظرة النفعية النابعة من النظام الديمقراطي الرأسمالي تُجاه التعامل مع الجائحة، فكان التكتُّم والتضليل والتشفِّي والتخبُّط والفوضى وتغليب المصالح الضيِّقة والشائعات هو الطاغي على معظم المواقف العالمية كافة، فكانت النتيجة ازديادًا في حالة الإصابات والمرض والموت، وركودًا اقتصاديًّا وفقرًا وجوعًا حتى في الدول الكبرى الغنية، أي الشقاء للبشرية كافة إلا من رحم ربي، وسنعرض لبعض مواقف الدول التي أجرمت تُجاه شعوبها وتُجاه البشرية…
أولًا: موقف الصين
طبيب العيون لي وينليانغ، كان أول مَن حذَّر من فيروس كورونا، وتوفي في 7 فبراير/شباط 2020م بعد إصابته بكوفيد-19 أثناء علاج المرضى في مدينة ووهان الصينية، وحاول وينليانغ تحذير الأطباء من مرض قاتل يشبه مرض السارس، في أوائل شهر 12/2019م ولكن الشرطة طلبت منه «التوقف عن الإدلاء بتعليقات كاذبة» وخضع لتحقيق بتهمة «نشر شائعات” وبعد مرضه والعديد من الأطباء بنفس المرض، تدخَّلت الحكومة المركزية وتخطَّت مرحلة النكران والتكتُّم، وبدأت باتِّخاذ الإجراءات اللازمة من عزل المنطقة وملاحقة المرض؛ ولكنها استمرت في السماح بدخول الناس إلى الصين وبخروج الناس من الصين إلى كافة مناطق العالم ما أدى إلى انتشاره كالنار في الهشيم، وبالتالي فشلت في احتوائه ليبقى داخل الصين فقط، وإن كانت بعد ذلك بدأت باتِّخاذ الإجراءات الصحيحة والصارمة، وحاصرت المرض في المناطق التي ظهر ويظهر فيها، والسماح لباقي المناطق في الاستمرار بالعمل، ونجحت إلى حد بعيد في ذلك ولكن بعد فوات الأوان، علما بأن الصين متَّهمة من دول العالم بالتكتُّم والتضليل والكذب بشأن أعداد الإصابات والموتى.
ثانيًا: إيران
انتقل وباء كورونا إلى إيران عن طريق الصينيين العاملين هناك في شركة السكك الحديدية الصينية التي تقوم ببناء خط سكة حديد عبر مدينة قم… وتحدثت تقارير صحفية على أن إيران سمحت لـ12 رحلة طيران من الصين إلى قُم وبالعكس، أي أن العمال الصينيين نقلوا المرض إلى قُم، وظهرت بعض الحالات في قُم، ثم انتشر الوباء إلى باقي إيران لسببين رئيسيين، أولهما: النظرة المصلحية المتعلقة بسكة الحديد، والعلاقة مع الصين. وثانيها: إن إيران شهدت في الحادي والعشرين من شهر فبراير/ شباط 2020م انتخابات نيابية جديدة، للبرلمان الذي يحمل اسم مجلس الشورى الإسلامي في إيران؛ ولذلك تكتَّمت الحكومة الإيرانية لمدة شهرين تقريبًا على الإصابات في قُم حتى تتمَّ الانتخابات. وبعد الانتخابات، بدأت إيران إجراءات التصدِّي للمرض ولكن بعد فوات الأوان؛ لأن المرض كان قد تغلغل في قُم والعاصمة طهران ومناطق أخرى؛ ما جعل إيران بؤرة تفشِّي المرض في الشرق الأوسط، ولو كانت الحكومة الإيرانية تتمتَّع بقليل من نظرة الرعاية التي يفرضها الإسلام لمنعت الصينيين من دخول البلد في أوائل شهر 1/2020م، ولمنعت حركة التنقل بين البلدين، ولكن أنَّى لحكام حاربوا الإسلام والمسلمين، وتعاونوا مع الاحتلال الأمريكي في أفغانستان والعراق وسوريا، أن يكونوا رعاة لشؤون الناس وفق أوامر الله ورسوله، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
كيف تصرَّفت أمريكا:
الأصل أن تتصرف أمريكا على أنها هي الدولة الأولى في العالم وقائدة العالم الحر كما يسمونه؛ فتقود العالم وتنظِّم الجهود حول العالم لمنع انتشار الوباء، ولكنَّها تصرَّفت مثل باقي دول أوروبا وبعض الدول الأخرى، بل كان تصرُّفها أقلَّ بكثير من دول ككوريا الجنوبية واليابان وفيتنام، واتَّسمت تصرُّفات أمريكا بالتشفِّي والعنجهية والتخبُّط والتسيُّب وتغليب مصلحة حكامها ومن حولهم من أصحاب رؤوس الأموال، وفيما يلي أبرز الإجراءات التي اتَّخذها ترامب ومن حوله ما أدى أن تحوز أمريكا على نحو 25% من الإصابات والوفيات حول العالم، مع أن عدد سكانها لا يزيد عن 5% من سكان العالم:
أولًا: كانت تنتظر أمريكا والغرب قاطبة من الوباء أن يفتك بالصين واقتصادها، واتخذت موقف المتفرِّج والمتشفِّي بالصين، ولم تقدِّم المساعدة للصين لاحتواء الوباء، ولم تفكِّر بأن الوباء سيخرج للعالم ويفتك به، بل كان ترامب كالصبيان يظنُّ أن هذا الفايروس صيني وسيفتك بالصينيين فقط.
ثانيًا: لم تَتخذ الإجراءات اللازمة لاحتواء الوباء في الصين فقط ومنعه من الخروج للدول الأخرى، فكان عليها الطلب من الصين إغلاق حدودها مع دول العالم، ومن ثم عرض المساعدة للصين لاحتواء المرض داخل الصين؛ ولكن أمريكا اكتفت بمنع دخول الصينيين إلى أمريكا، واستقبلت رعاياها القادمين من الصين دون أن تحجر عليهم، واكتفت بعمل فحص الكورونا عليهم، وتبيَّن أن الفحص كان خاطئًا لمدة أسبوعين،كما ورد في تقرير مفصل لقناة CNN حول الموضوع.
ثالثًا: لم تغلق أمريكا حدودها مع العالم وخاصة أوروبا إلا بعد أسيوعين من إغلاقها مع الصين بالرغم من تفشِّي المرض في إيطاليا بشدَّة؛ ولذلك بيَّن أندرو كومو حاكم ولاية نيويورك أكثر من مرة على وسائل الإعلام الأمريكية ومنها CNN أن أمريكا كانت تخشى دخول الوباء من الصين؛ ولكنه دخل من أوروبا لأن نيويورك استقبلت نحو ثلاثين مليونًا من أوروبا وحول العالم؛ ما أدى إلى أن تصبح نيويورك بؤرة تفشي الوباء حول العالم لعدة أشهر.
رابعًا: لقد أخفت الإدارة الأمريكية أي إدارة ترامب المعلومات عن حقيقة الفايروس عن الشعب الأمريكي والعالم، وهذا تبيَّن بعد نشر الصحفي الأمريكي المشهور بوب وودورد تسجيلات صوتية لمقابلاته مع ترامب والتي تظهر بأن ترامب كان يعلم بأن الفايروس «ينتقل بالهواء» وبأنه أخطر من الإنفلونزا بنحو 5 مرات أو أكثر، وأنه قيل له بأن الفايروس سيكون أكبر تهديد لرئاسته… وبأنه أخفى المعلومات حتى لا يثير الهلع لدى الشعب الأمريكي، والحقيقة أن ترامب بالرغم من تلقِّيه الإحاطات حول الفايروس قبل وبعد عودته من الهند في أواخر شهر 2/2020م، وعلم مدى خطورة الفايروس؛ إلا أنه كان يدَّعي أنه مثل الرشح بسيط وسينتهي خلال أيام، ولم يتصرَّف بجدِّية إلا لمرة واحدة، وهو بعد أن فتك المرض في مدينة نيويورك في شهر 3 مارس/2020م ووقَّع قانون الدفاع من أجل أن تتحوَّل الشركات لصناعة أجهزة التنفس وغيرها مما يلزم من أدوات مثل الكمَّامات وأجهزة الفحص وأدوات الفحص وغير ذلك مما يلزم لمحاربة الفايروس ومعالجة المرضى، ولم يُلزم الشركات على تنفيذ القرار إلا بعد نحو أسبوعين من توقيعه؛ ما أدى إلى أن يعمَّ الفايروس كافة الولايات، وأن تعاني المستشفيات معاناة شديدة ودفن الموتى في مقابر جماعية في نيويورك. وتحت الضغط أعلن عن الإغلاق، ثم ما لبث أن فكَّه وحرَّض الشعب على الوقوف في وجه حكام الولايات لفكِّ الإغلاق، وأثارت تصرُّفاته ولامبالاته وتردده وعدم وضع سياسة موحَّدة إلى فوضى عارمة وتخبُّط في الإجراءات؛ ماحدا بعالم الفايروسات الأمريكي ومدير مراكز مكافحة الأمراض والوقاية في عهد ترامب روبرت راي ريدفيلد للقول أمام الكونجرس: «هذا الفايروس ركَّع الأمة على ركبتيها». وبعد مرور سنة كاملة على اعتراف ترامب الجزئي بخطورة الوباء، أي حتى منتصف شهر 3 مارس/2021م بلغت الإصابات في أمريكا حسب إحصائيات جامعة هوبكينز نحو 29 مليون والوفيات نحو 540 ألف.
كيف تصرفت بريطانيا:
لقد وصفت تصرفات رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بالاستهتار بعد حالة المراقبة والتشفِّي بالصين مثله مثل ترامب، وكان أعلن أنه صافح الجميع بينهم مرضى بكورونا خلال زيارة إلى المستشفى في مطلع شهر 3 مارس/ 2020م، ومن ثم أعلن في 12مارس أنه يتعين على العائلات الاستعداد لفقد أحبَّائها خلال الأشهر القادمة، ثم أعلن كبير المستشارين العلميين للحكومة البريطانية السير باتريك فالانس في 13 مارس2020م عن مناعة القطيع، وبعد أن انتشر الفايروس وأصيب جونسون بالمرض ودخل العناية المكثَّفة استنفرت الحكومة البريطانية واتَّخذت إجراءات لمحاربة الوباء ولكن بعد فوات الأوان…
وأما بقية دول العالم بما فيها إيطاليا وفرنسا وألمانيا، وكيان يهود، فتصرُّفاتها ما بين هذه وتلك، تكتُّم وتجاهل وتخبُّط ومن ثم استنفار على غير بصيرة، وأنانية مفرطة جعلت هذه الدول تسرق بعضها البعض، كشحنات الكمَّامات وغيرها من لوازم محاربة الوباء، حتى دول الاتحاد الأوروبي فقدت التنسيق وأغلقت الحدود فيما بينها. وما أورد البشرية الشقاء، جره تفكيرهم النابع من المنفعة التي فرضها النظام الديمقراطي الرأسمالي كمقياس للأعمال والتصرفات فما زادوا البشرية إلا رهقًا.
ولا أدلُّ على جرائم النظام الديمقراطي الرأسمالي الذي يتحكَّم في دول العالم من موضوع اللَّقاح. ففي الوقت الذي غرق العالم في الوباء واكتشفت الشركات لَقاحات تعمل على احتواء الوباء أو تخفف من وطأته، تصرَّفت الدول الكبرى الغنيَّة بأنانية واستحوذت على اللَّقاحات، وتناست الدول الفقيرة، وأبقت الاحتكار للشركات من أجل تحقيق الأرباح تحت مُسمَّى الملكيَّة الفكريَّة، بدلًا من الاستماع لنداءات العقلاء والخبراء في العالم من أجل إصدار قوانين طارئة تمنع الاحتكار وتجعل جميع الشركات حول العالم تتعاضد وتشارك في إنتاج اللَّقاحات في وقت قصير لوقف الوباء؛ ولكنه نظام دولي رأسمالي بشِع، ولا حلَّ لمشاكل العالم إلا بالقضاء عليه.
بقيت مسألة واحدة تتعلق بمصدر الفايروس، وطرحت الأسئلة والفرضيات والأبحاث حول ذلك، وصاحبَ ذلك هرجٌ ومرجٌ وتضليلٌ وتهريفٌ لمن لا يعرف.
بداية نقول بأن الدول الغربية قاطبةً والصين وروسيا وأصحاب رأس المال ليس بعيدًا عنهم تطويرُ الفايروسات وتحويرُها وإلحاقُ الضرر بالبشر؛ لكن التحليل السياسي لا يعتمد على الفرضيات والظنون والفيديوهات والأخبار المفبركة وإنما على وقائع ومعلومات وترجيح بغلبة الظن؛ ومن هنا أقول إنه بغلبة الظن أن هذا الفايروس طبيعي من خلق الله، وهو عقاب ورجس على الكافرين ورحمة للمؤمنين الصابرين للأسباب التالية:
أولًا: إن الخبراء والباحثين من الكفار ومن المسلمين وما أكثرهم، ثبت لديهم من خلال مقارنة بيانات تسلسل الجينوم المتاحة لسلالات الفيروس التاجي المعروفة، وهم يؤكدون بشدة على أن الفايروس التاجي نشأ من خلال العمليات الطبيعية، ويقولون: تم دعم هذا الرأي من خلال بيانات عن العمود الفقري (النتوءات التي شبَّهوها بالعمود الفقري للفيروس) وهيكله الجزيئي الشامل، ومن أراد تصنيع الفيروس مخبريًا فإنه يظهر ذلك في العمود الفقري للفيروس أي النتوءات.
ثانيًا: إن الذين قالوا بأن الفايروس كان موجودًا وتم تطويره في المختبرات فقد استدلوا على ذلك بأمور أهمها:
– إن الفايروس التاجي (كوفيد 19) يؤثر على مجموعة أجهزة في الجسم وليس جهازًا واحدًا فقط كما هو حال أغلب الفايروسات، وإن قوته وسرعة انتشاره عالية جدًا بحيث أن هذا التطور يحتاج إلى 800 عام حتى يصل إلى ما وصل إليه.
– إن الدول كلما قاربت على احتواء الفايروس يتمُّ تحويره وتطويره إلى شكل آخر أقوى وأسرع انتشارًا، وإن هذا حصل عدة مرات، ويقولون إن هذا ليس طبيعيًا وإنما بفعل فاعل.
– وحينما يُسألون عن المستفيد يجيبون بأن أصحاب رأس المال الكبار في العالم هم المستفيدون، وأنهم يحكمون العالم، والحكام في العالم تبعٌ وأدواتٌ، ولا يستطيعون تسمية شخصيات أو شركات بعينها…
ونجيب على ذلك كله بأن الكلام عن التطوُّر والتحوُّر وإعطائه 800 عام مبني على ظنون وليس على علوم حقيقية، كما هو حال نظرية التطور (نظرية داروين) فهي قائمة على الظنون والفرضيات، وغالبية الباحثين في الأحياء والجينات في الغرب لا يؤمنون بالخلق أصلًا وإنما جلُّ علومهم مبنية على نظرية التطور الطبيعي للكون والإنسان والحياة، ومنها الحيوانات والفايروسات، ولذلك ينظرون على أن جميع المخلوقات حصلت صدفة وتتطور، ووضعوا نظريات لا يقوم عليها دليل وسمَّوها علومًا.
على كل حال، ولأنه لا يوجد دليل حسي ولا بغلبة الظن يثبت بأن هذا الفايروس تمَّ تطويره في المختبرات، فإننا نقول أن من خلق الفايروس بهيئاته الأصلية كورونا فيريدي، وسارس1، وسارس 2… هو الله الخالق الواحد الأحد، وهو قادر على أن يخلق فايروس كورونا 19 بهيئته الجديدة، ولا يلزم الله سبحانه وتعالى سنوات أو مئات السنين لخلقه أصلًا أو خلقه بصور أخرى أشد فتكًا وأسرع انتشارًا أو أدنى أو أقل، وإنما سبحانه وتعالى يقول للشيء كن فيكون (إِنَّمَآ أَمۡرُهُۥٓ إِذَآ أَرَادَ شَيًۡٔا أَن يَقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ ٨٢).
والأمر الثاني، عند توجيه الاتهام لعدوٍّ وهميٍّ يريد الشر بالبشرية، فهذا يقلِّل من جرائم الدول وحكَّامها الذين تهاونوا واستهتروا وقصروا في التعامل مع الوباء وبالتالي أجرموا بحق شعوبهم وبحق البشرية ويجب على الشعوب محاسبتهم. فالحديث عن نظرية المؤامرة، والتقرير بأن الفايروس مصنَّعٌ أو مطوَّرٌ في الحقيقة يصبُّ في مصلحة الحكَّام، وخاصة حكام الدول الغنية صاحبة النظام الديمقراطي الرأسمالي؛ لأن اتِّهام المجهول يمنع محاسبتهم على تقصيرهم في التعامل مع الوباء من بدايته إلى هذه اللحظة، مع أنهم أجرموا بحق البشرية.
وفي الختام نقول إن هذا الفايروس وهذا الوباء كشف عوار النظام الديمقراطي الرأسمالي يجميع أشكاله البشعة، وأظهر وعمق الانقسام بين الدول الكبرى وفي داخل هذه الدول، وأظهر أن شعوب العالم لا تثق بالحكام والسياسيين والرأسماليين، وألقى الضوء على الإسلام ومعالجاته للأوبئة، وأظهر أن العالم بحاجة إلى نظام دولي جديد ومبدأ آخر غير النظام الديمقراطي الرأسمالي، ولا يوجد غير الإسلام يصلح لإنقاذ البشرية مما هي فيه إذا وُضع موضع التطبيق في دولة الخلافة على منهاج النبوة التي حان بزوغ نورها وعدلها بإذن الله. ( وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَۖ قُلۡ عَسَىٰٓ أَن يَكُونَ قَرِيبٗا ).
2021-04-14