صادق مجلس نواب الشعب في تونس في 30/6/2020م على الاتفاق المبرم بين حكومة الجمهورية التونسية والمنظمة الدولية للفرنكوفونية في 15/4/2019م، بشأن انتصاب (إقامة) مكتب إقليمي لشمال أفريقيا للمنظمة في تونس، وقد أبرم بشكل سري من قبل الحكومة، ومُرِّرَ للتصديق عليه من قبل مجلس الشعب بشكل مريب، إذ تم عرضه للتصويت عليه فجأة ومن غير مقدمات، ومن غير إطلاع النواب المسبق عليه ولا دراسته ولا معرفة خلفياته، وجرى التبصيم عليه بـ 124 صوتًا موافقاً، مقابل رفضه بـ 15 صوتًا، واحتفاظ 4 نواب بأصواتهم. والغالب أن معظم هؤلاء النواب الذين صادقوا عليه كانوا يعرفون مسبقاً ماذا يحوي هذا الاتفاق خاصة وأن لهم أحزابهم الممثلة في الحكومة ومنهم حركة النهضة التونسية.
إن الذي يطلع على هذا الاتفاق لَيتساءل: هل هو اتفاق مع منظمة ثقافية أم مع جهاز استخبارات دولي؛ لِيدرَكَ بعدها لماذا اتُّبع هذا الأسلوب المخابراتي في إقراره… فما هي حيثيات هذا الاتفاق المشبوه؟
إنه اتفاق يسمح للمنظمة الدولية للفرنكوفونية بإحداث مركز إقليمي لها يغطي شمال أفريقيا ليقوم بنشاطاته المفروض أنها نشاطات لغوية وثقافية، ولكن يبدو أن مواد هذا الاتفاق وبنوده هي لمركز مخابرات إقليمي ليتم التجسس عبره على تونس ومختلف بلدان شمال أفريقيا من قبل فرنسا!. من بنود الاتفاقية:
ففي (المادة 3) يعطي القانون الحصانة القضائية لأفراد هذه المنظمة التي تمنع محاكمتهم أو القبض عليهم مهما كانت أعمالهم مخالفة للنظام التونسي من تجسس وحمل سلاح واقتناء مخدرات… هكذا وبشكل مفتوح! فلماذا مثل هذه الحصانة إذا كانت أعمال هذه المنظمة ثقافية؟!.
وفي (المادة4) تتمتع حتى موجودات هذا المركز للحصانة، فيمنع تفتيشها وحجزها ومصادرتها مهما كانت هذه الموجودات مخالفة للقانون التونسي، ولو كانت مخدرات أو أجهزة تجسس أو سلاح… هكذا وبشكل مفتوح! فما دخل ذلك بالثقافة؟!.
وفي (المادة 5) يذكر أن حرمة المقرات مصونة، أي يمنع أي دخول لموظفي الدولة إلى مقرات المنظمة إلا بإذن مسؤولين فيها. فهل مثل هذا البند يتعلق بمنظمة ثقافية أم بمنظمة سرية أعمالها مشبوهة خطيرة، تريد أن تؤمن على حماية المقرات وما تحويه… فهل الكتب والمنشورات الثقافية تحتاج إلى مثل هذه الحماية؛ إلا أن يكون وراء الأكمة وا وراءها؟!.
وفي (المادة 6) نص على حماية الأرشيف والوثائق التابعة للمنظمة أينما كانت، أو حائزها أيًّا كان، فهل يوضع هكذا بند إلا أن يكون وراء ذلك عمل تجسسي خطير؟!.
وفي (المادة 7) منع أي رقابة مالية عليه، وذلك بالسماح له بإدخال أموال أو إخراجها أو نقلها ومنع مصادرتها!!!! وهل يحتاج العمل الثقافي إلى مثل هذا البند، أم أنها أموال لشراء الذمم والإنفاق على التجسس؟!
وفي (المادة 8و9): يعفى المكتب الإقليمي وموجوداته وإيراداته وممتلكاته من الضرائب المباشرة وغير المباشرة. وكذلك (المادة 10) تعفى جميع المواد التي يستوردها من النظام الجمركي. وهذه المواد فيها جانبان: الأول مالي، والثاني الحفاظ على سريتها فلا تعرف لأنها قد تكون ممنوعة بحسب القانون التونسي، أو متعلقة بالتجسس أو بأي عمل قد يكون انقلابياً ضد الدولة…
وفي (المادة 11) نص على أن الموظف التابع للمنظمة لا يفتش مهما كان يحمل من مواد تخلُّ بالأمن…
وفي (المادة 12) تضمن الحكومة حرمة اتصالات المكتب وحرمة استخدام الرموز والشيفرة والوثائق… فهل هناك أوضح من مثل هذا البند في كون هذه المنظمة تمارس أعمالاً فيها خطر على الأمن القومي لهذا البلد ولكل دول المنطقة كونها منظمة إقليمية.
وفي (المادة 15) يذكر أن موظفي المكتب الإقليمي يتمتعون بالحصانات التالية: الحصانة القضائية المتعلقة بعملهم، والحصانة من التوقيف ولو ارتكب جريمة، والحصانة من حجز أمتعتهم الشخصية والإعفاء من كل الواجبات الضريبية، والاعفاء من الخدمة العسكرية الإجبارية…
الوعي: إن هذا الاتفاق يفضح أن فرنسا دولة استعمارية على نسق أميركا في استعمارها، وخاصة في شمال أفريقيا التي تعتبر شريان حياتها، ويذكرنا هذا الاتفاق بشبيهه الأمريكي الذي أقره برايمر بعد احتلال العراق… ويفضح أن المنظمة الدولية الفرنكوفونية هي إحدى أدوات الاستعمار الفرنسي المقنع والمتخفي الأهداف، وهي أحد أذرع المخابرات الفرنسية الدولية… ويفضح مدى استمرار التغلغل الاستعماري الفرنسي في تونس في الطبقة الحاكمة (حكومة ومجلس نواب) وذلك بإقراره بهذه النسبة من الموافقة عليه… ويفضح حزب النهضة ونوابه وزعيمه المتفرنج راشد الغنوشي…
هذا هو حال الأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين جميعها، وليس تونس فقط من الخيانة والتبعية والتآمر على المسلمين… وهذا حال شعوبها، من التآمر عليها… ويقولون بعد هذا: لماذا تثور الشعوب على حكامها… في الحقيقة، لا يغير الحال إلا الحكم بما أنزل الله، عن طريق إقامة الخلافة، التي تنتشل الشعوب المظلومة من براثن الاستعمار الذي ما زال نشطاً، والتي مثل هذه المنظمات هي أدواته، ومثل هؤلاء الحكام هم نواطيره، وتقيم العدل في العالم كله.