لبنان في مهب التجاذب الدولي وعبث الصغار!
2007/01/29م
المقالات
1,857 زيارة
لبنان في مهب التجاذب الدولي وعبث الصغار!
عقد حزب التحرير – ولاية لبنان مؤتمراً صحفياً في بيروت، في فندق سفير، في 29 شوال 1427هـ الموافق 20/11/2006م عرض فيه أساس المشكلة في لبنان، وواقعها، وواقع الصراع الأميركي الأوروبي عليه وعلى المنطقة، وحذر أطراف الصراع المحليين من مغبة ما يقومون به، إذ لن يكونوا، شاؤوا أم أبوا، عن علم أو عن جهل، إلا أدوات هذا الصراع الخارجي وتثبيت نفوذه.. ووضع مخرجاً مرحلياً للأطراف للخروج، وآخر جذرياً يتجلى في الدعوة إلى إقامة الخلافة الإسلامية الراشدة التي فيها الحل لأهل لبنان والمنطقة والمسلمين عموماً بل والعالم أجمع…
هذا وقد ألقى نص كلمة هذا المؤتمر الدكتور أيمن رؤوف القادري مسؤول المكتب الإعلامي في لبنان، ومما جاء فيه:
=========================
كلمة المعرف التي ألقاها عضو المكتب الإعلامي عمر حمود من بعد تلاوة عطرة من القرآن الكريم.
بسم الله الرحمن الرحيم
عندما يصبح الشيطان الأكبر هو المرتجى، ويتحول إلى ملاك صغير هدفه إنقاذ الشعوب!!
عندما تصبح أسوار القدس عند آخر مزرعة من شبعا، وتصبح دماء بيت حانون أقل من أن تذكر في معمعة الثلث المعطل!!
عندما يكون التعامل مع العدو في جنوب لبنان عمالة وخيانة، والتعامل معه في جنوب العراق دراية وسياسة!!
عندما تصبح فلسطين ملكاً ليهود، ونكون على استعداد لنعقد معهم صلحاً مقابل إثبات حسن نواياهم!!
عندما تصبح فرنسا التي قتلت ما يزيد عن مليون مسلم في الجزائر هي التي ستنقذ إخوان هؤلاء في لبنان!!
عندما تصير قوات فرنسا التي زودت يهود بالتكنولوجيا النووية هي التي ستحمي لبنان من اعتداءات ذاك الكيان المسخ!!
عندما يكون مجلس الأمن الذي لم يعرف معنى العدالة، خصوصاً مع المسلمين، هو الذي سيحقق العدالة ويبين الحقيقة!!
عندما لا تكون السيادة إلا بأن يحتل أرضك أكثر من خمسة عشر ألف مقاتلٍ أجنبي، ويحلق في سمائك طائرات يهود، ويمخر عباب بحرك سفن ألمانية!!
عندما يقف الجيش في لبنان على حواجز اليونفيل، وكأنه هو في أرضهم ينتظر الإذن بالدخول!!
عندما تتحول السفارات إلى مراكز تدار من خلالها البلاد، ويتحول السفراء إلى مفوضين يجولون طول البلاد وعرضها دون رقيب أو حسيب!!
عندما تُرفع أعلام من يمعن قتلاً لأهلنا في العراق وأفغانستان، ونردد بأننا لم نعد وحدنا!
عندما يصبح الذئاب هم أحرص الناس على قطيع النعاج، ويكون المدان بقتل رئيس حكومة، أول الداعين لمعاقبة قتلة رئيس حكومة آخر!!
عندما تكثر المصائب، وتلي النكبة أختها، وتضيق السبل، وتقل الخيارات، ويتحكم العدو، ويخون الحاكم!!…
عندها يكون تغيير مسار الأهداف أسهل، ويكون طمس الحقائق عليه المعول، فتتمسك الأمة بما لا يليق بها، وتأخذ غايات هي دون مستواها، وترضى بالعيش الذليل رغم عزتها، وتقنع بالمال القليل رغم ثروتها…
عند كل ذلك كان لا بد للحق أن يظهر، ولصوته أن يعلو، ولنوره أن يسطع.
أيها الإخوة
إن ما يجري على صعيد هذه الأمة الطيبة، من العراق، مروراً بفلسطين، وصولاً إلى السودان، وغيرها من بلاد العالم الإسلامي، لا يمكن أن يفصل عن بعضه، خصوصاً عند الذين يريدون معرفة الأمور على حقيقتها؛ لذلك كان من أهم مقومات الوعي السياسي، أن ينظر إلى العالم بشمولية، لترى كيف مجريات الأمور الأخرى تنعكس على وضعك بصورة سلبية أو إيجابية.
لقد دعونا في بياناتنا المتعددة وفي كل لقاءاتنا، إلى أن يعلم أهل لبنان، حجم المؤامرة، وأن لا يقعوا فريسة الدعوات العصبية المذهبية منها وغير المذهبية، وها نحن من جديد نطل عليكم، انطلاقاً من واجبنا الشرعي، واهتماماً بقضايا أمتنا، لنسمي الأمور بأسمائها، لأنه آن الأوان، وبعد مرور هذا الوقت، من أن يفضح الخائن المتآمر، وأن لا يُعذر من يُستغل من قبل خائن أو متآمر آخر.
ونحن هنا وعيننا ترقب ما يجري، فإن العين الأخرى تنظر إلى هموم الأمة، تنظر إلى دمشق، لتهنئها لأن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز يكادان أن يصلا ليعيدا شمس بلاد الشام التي حجبها آل الأسد، ولتطمئن بغداد لأن الرشيد والمعتصم وغيرهم، قد امتطوا جيادهم وشهروا سيوفهم وهم يهمون بالدخول إليها من جديد، ولتزف البشرى للقاهرة لأن قطز قد اقترب أن يطأ ثراها، ويزيل ذلاً أماتها به سمسار أميركا، ولتهنأ الأمة جمعاء لأن شمس الخلافة اقترب بزوغها…
لن نطيل عليكم أكثر. نبقى مع رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في لبنان، ليعطينا صورة واضحة عما يجري في لبنان، وأبعاده الإقليمية والدولية، وليجيب بعدها على أي سؤال من حضراتكم، فليتفضل.
أيها الإخوة الحضور
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نجتمع اليوم في هذا المكان، والأنفاس محبوسة، خشية خطوات تفجيرية متتالية… نقف بين أيديكم اليوم، ناصحين ومحذرين ومنذرين، وقد وصل الوضع في لبنان إلى ما وصل إليه. نخاطبكم، وعيننا على المجازر المتواصلة في فلسطين، وعلى شلاّلات الدماء في العراق، والقتال المرير في أفغانستان. نخاطبكم، وأهل لبنان أمام منعطف تاريخي خطير، هو محطة من محطات صراع النفوذ في المنطقة… نخاطبكم، وقد انجلت حقيقة تطلعات الأمة وآمالها، لنحمل إليكم الدواء الناجع، والحل الصحيح الشافي. نخاطبكم، وبين أيدينا مشروع نهضة الأمة وعزها، مشروع طمأنينتها واستقرارها ورغد عيشها.
إن هذه جملة حقائق نضعها بين أيدي الذين تقع على عاتقهم مسؤولية وقف تفجير الأوضاع في لبنان.كما نضعها أمام الأطراف التي تُسَخَّر في تفجير الصراع القادم، لعلّهم يتّعظون، فيتراجعون عمّا هم عليه مقدمون.
ابتداء نقول: إن حزب التحرير عنِيَ بأولوية العمل لتحرير الأمة من هيمنة الدول الغربية ونفوذها وتسلطها الفكري والسياسي والاقتصادي والعسكري. تلك الدول التي بذرت، وما زالت تبذر، بذور الفتن في المنطقة كلها، ومن أهم تلك الفتن المبذورة الآن، ما يسمّى بالمسألة اللبنانية، أو مشكلة الكيان اللبناني. وحتى لا نجعل الغرب شمّاعة لمشاكلنا، نبادر إلى القول: إن سياسات الدول الغربية ودسائسها، لم تكن لتنجح لولا سقوط الكثيرين من الطبقة السياسية في براثنها عمداً أو جهلاً، ولولا تقصير الأمة في الإنكار عليهم لانجرافهم وراء الدول الغربية. فإذا أردنا التوصل إلى حل جذري ناجع، يقضي على جذور الأزمة المتواصلة، فلا بد من نظرة فاحصة مدققة في التالي:
1- الكيان اللبناني الطائفي.
2- واقع السياسات الغربية في الشرق الأوسط
3- واقع الأزمة الأخيرة في لبنان.
وأي توهم بالقفز فوق هذه الوقائع والحقائق، سيؤدي إلى الاستمرار في نفس الدوامة التي تعيش فيها البلاد منذ عقود.
1- الكيان اللبناني الطائفي.
لا نحتاج هنا إلى الاستفاضة، ولا إلى العودة إلى تاريخ 1840م حينما نصّبت فرنسا نفسها “حامية”، بزعمها، للموارنة، وقامت بريطانيا بـ”حماية” الدروز، بينما عمدت روسيا إلى حماية الأرثوذكس، تماماً كما تفعل أميركا اليوم في العراق، حين تستعدي الكرد على العرب، وتستعدي الشيعة على السنة، مفجرة بحراً من الدماء للوصول إلى تفتيت العراق إلى كيانات.
وبدهي القول: إنه ما كان لهذه الدول، الأجنبية – الاستعمارية، أن تنجح في لعبتها، لولا قصيرو النظر، ممن نُصّبوا زعماء وقادة للطوائف في لبنان، الذين راح كل منهم يرسم لنفسه أحلاماً لأمجاد وهمية، لبناء إمبراطورية طائفية، مناقضاً بذلك منطق التاريخ والواقع، الذي يُري أنه ما من خيار حقيقي للجميع، إلا في بناء سلم أهلي يستمد قوته من المبدأ الذي يدين له أهل المنطقة، وليس من الضمانات، الموهومة، للدول الاستعمارية، التي تجيد إعطاء الوعود الكاذبة المضللة، لخدمة مصالحها .
2- واقع السياسة الغربية في الشرق الأوسط:
مع اشتداد الصراع الأوروبي الأميركي في العالم، خاصة إثر انهيار الاتحاد السوفياتي، الذي أوجد فرصة سانحة للساسة الأميركان ليستكملوا مشروعهم الاستعماري العالمي، تطلعت أوروبا إلى موطئ قدم لها، وحصة من الكعكة الدولية. وإذ سارعت أوروبا الخطى لتوحيد صفها، وكلمتها، وعملتها، عمدت أميركا إلى احتلال أفغانستان أولاً، والعراق ثانياً، في سعيها لفرض الإمبراطورية الأميركية بمنطق شريعة الغاب، فدب الذعر في أوساط الساسة الأوروبيين، حينما رأوا أميركا لا تلقي بالاً لقانون دولي، في عدوانها السافر على الشعوب والأمم المستضعفة. ومع أن أوروبا حاولت مراراً الدخول إلى ساحة لبنان السياسية، عبر نافذة المبادرات الاقتصادية، كباريس1، وباريس2، إلا أن أميركا كانت توعز إلى عملائها بوضع العراقيل، والعصي في دواليب تلك المشاريع، التي كانت تنتهي إلى ما انتهى إليه سراب الـ1559. وفي المقابل، فإن تورط أميركا في المستنقع العراقي، الذي أعاد شبح فيتنام إلى الأذهان، وتزايد همومها في أفغانستان، دفعا أوروبا إلى مزيد من العزم على فرض مشاركتها لأميركا في إدارة العالم، بغض النظر عن بعض الانتكاسات المؤقتة هنا وهناك.
3- واقع الأزمة الأخيرة في لبنان
جاء اغتيال رئيس الوزراء السابق، رفيق الحريري، ليفتح الباب على مصراعيه أمام “طحشة” أوروبية سافرة، نجحت في طرد الوجود العسكري للنظام “السوري” من لبنان، وإن لم تنه كلياً أدوات نفوذ ذلك النظام. فكان أن كرَّتْ سبحة الاغتيالات التي استهدفت بعضاً من كبار خصوم النظام “السوري”، وبالتالي النفوذ الأميركي، في لبنان، فحصدت منهم عدداً مهماً من السياسيين، بل حاولت اغتيال بعض الإعلاميين المرموقين. ومع أن تحالف 14 آذار طمع في استكمال نصره المجتزأ، بالإمساك بمقاليد السلطة في البلاد، وبخاصة مركز رئيس الجمهورية، إلا أن القوى الموالية للنظام في سوريا (فيما عرف بتحالف 8 آذار)، استماتت في التمسك بلحود رئيساً للبلاد، ملوحة بكافة أساليب التصعيد السياسي للحيلولة دون تفرد قوى 14 آذار بالقرار السياسي. ثم جاء العدوان اليهودي في حرب تموز، ليطيِّر ما توصلت إليه جلسات الحوار، الذي لم يكن أكثر من حوار “طرشان”، في محاولة يائسة لكسب بعض الوقت، ريثما تنجلي التوجيهات الإقليمية والدولية. ومع العزم الأوروبي على إيجاد موطئ قدم في الساحة “اللبنانية”، نجد ترداداً أميركياً، وتحذيرات متكررة، من كون الساحة “اللبنانية” مرشحة لمزيد من الاغتيالات. ذلك أن الأزمة الحالية، وإن أخذت طابع الخلاف حول الموقف من المحكمة الدولية، إلا أن السياسيين يدركون أن هذا مجرد قميص عثمان، أو رأس جبل الجليد الذي يخفي وراءه عمق الأزمة، والتي عبر عنها النائب عاطف مجدلاني بقوله: إن المطلوب هو تغيير النظام برمته، وليس المشاركة في السلطة القائمة وفق الدستور الذي أُقر في اتفاق الطائف، متسائلاً عن شكل النظام البديل المطلوب، وشكل الدولة المطلوبة.
وفي وقت ترزح فيه البلاد تحت عبء دين يزيد عن الـ 40 مليار دولار، والذي تستهلك خدمته نصف الناتج المحلي، انقسمت صفوف الطوائف إلى فرق داخلية، وكثرت التحذيرات من العودة إلى أجواء عام 1975، مع ادعاء الجميع الحرص على مصلحة البلاد والعباد!!
حقيقة الصراع في لبنان:
صراع نفوذ بين أميركا وأوروبا
إذاً، فإن حقيقة الصراع في لبنان، هو أنه صراع نفوذ بين أميركا من جهة، وأوروبا التي تقف فرنسا الآن في مقدّمتها، من جهة أخرى.
ولإلقاء الضوء على هذه الحقيقة، سنستشهد بجملة نقول وتصريحات ومواقف، تبين واقع ذلك الصراع الأوروبي- الأميركي، وعلى وجه الخصوص: الفرنسي – الأميركي:
l من الدلائل على التضارب بين مصالح فرنسا وأميركا، في الساحة “اللبنانية” خاصة، عدوانُ كيان يهود على لبنان، إثر أسر الجنديين في 12 تموز، فقرار استمرار الحرب كان أميركياً بامتياز، أما الجانب الفرنسي، فقد طالب بوقف فوري لإطلاق النار، لكنه اصطدم بالموقف الأميركي، الرافض لوقف إطلاق النار.
l ومن الدلائل على التضارب بين مصالح الدولتين أيضاً: أن “أليو ماري” وزيرة الدفاع الفرنسية كانت قد حذرت دول أوروبا الشرقية المرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي من أنها تعرض مشروعات انضمامها إلى الخطر نتيجة دعمها للولايات المتحدة.
l وأصدر الكاتب “فيليب روجيه” في باريس كتاب (العدو الأميركي, تاريخ العداء الفرنسي لأميركا)، يتحدث فيه عن نزعة عداء دفينة بين فرنسا وأميركا.
l وفي ذلك يقول د. وليد رامز عربيد1: “انطلاقاً من ذلك، تجسّدت الخلافات من جديد، لتتخذ منحى جديداً في العلاقات الفرنسية – الأميركية في الأشهر الأولى من عام 2003، وذلك تحت ضغط تداعيات الحرب على العراق. وقد أثار النقاش في أروقة الأمم المتحدة توتراً، وأدّى إلى بروز خلافات عميقة لم تعرفها الدولتان في الماضي، وذلك حول تفسير القرار رقم 1441 الصادر عن مجلس الأمن، والذي اعتمد بالإجماع نتيجة الاتفاق بين باريس وواشنطن … إنّ ما نشهده اليوم من المحاولات المتكررة لواشنطن لإبراز دورها أكثر فأكثر بأنّها القوة العظمى الوحيدة بعد انتهاء الحرب الباردة في ما يسمى أحادية النظام، جعل فرنسا وشعبها في حذر شديد من الاستراتيجية الأميركية.”[ مجلة الدفاع الوطني، نظرية تحليلية للعلاقات الفرنسية – الأميركية].
l ويقول نعيم محمد قداح، وهو سفير سوري سابق: “…لا تشارك باريس واشنطن رؤيتها لعالم تهيمن عليه القوة الأميركية الهائلة. يلجأ شيراك إلى الوقوف ضد أميركا فيرفض الحرب على العراق, ويهاجم الولايات المتحدة لانسحابها من بروتوكول كيوتو. (أوهام العظمة)، كما عنونت نيوزويك مقالها حول فرنسا، هي التي جعلت جليد العلاقات بين البلدين يتضاعف ويزداد تراكماً, وليست محاولات التقرب الأخيرة ذات شأن في هذا المجال, فالولايات المتحدة لن تغفر لشيراك محاولاته الاستقلال بالتوجهات الفرنسية الأوروبية,..” [الخفي والمعلن في العلاقات الفرنسية-الأميركية. جريدة الثورة- 16/3/2006].
l ونقل موقع “إيلاف” الإلكتروني، ما يلي: «كشف نائب في الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) النقاب عن أن الرئيس جاك شيراك مازال حذراً من الموقف الأميركي غير المبرر من الرفض السوري لمطالب واشنطن ولتنفيذ القرار الدولي 1559 كما أنه لا يفهم، حتى الآن، أسباب إحجام الولايات المتحدة عن اتخاذ الإجراءات الردعية المناسبة، لحمل دمشق على التجاوب مع هذه المطالب، وبنود قرار مجلس الأمن.
l ونقلت صحيفة “السياسة” الكويتية عن النائب في البرلمان الفرنسي قوله: إن اللقاء المرتقب بين الرئيسين جورج بوش وشيراك هذا الشهر، سيدفع بالرئيس الفرنسي بشتى الوسائل، إلى أن ينتزع من نظيره الأميركي أسباب تردده، المثيرِ للدهشة، في اتخاذ القرار الحاسم حيال دعم سورية الإرهابَ في العراق، واستمرارِها في تنظيم العمليات ضد القوات الأميركية فيه، وهو أمر سيؤكد شيراك أنه يثير قادة أوروبا والعالم. … ونسب النائب الديغولي البارز في حزب شيراك الحاكم إلى أحد الوزراء الفرنسيين الفاعلين قوله إن “هناك ظلالاً كبيرة من الشك، تخيم على العلاقات الفرنسية – الأميركية حول موضوعي العراق ولبنان فحسب,… وأماط النائب الفرنسي اللثام لـ”السياسة” في باريس عن أن الأميركيين منعوا رئيس وزراء إسرائيل أرييل شارون بُعَيدَ احتلال العراق، ثلاث مرات على الأقل، من شن هجوم واسع على سورية بهدف إسقاط نظامها, وهو أمر آخر يحيرنا حتى الآن. فيما منعوها كذلك من شن هجوم جوي على إيران لاجتثاث أنيابها النووية، والكيماوية، والبيولوجية، والصاروخية، في الوقت الذي تُظهر واشنطن نفسها فيه بأنها مصممة على منع الإيرانيين من تحقيق حلمهم في امتلاك السلاح النووي، بينما هي تقترب كل يوم أكثر فأكثر من تحقيق هذا الحلم.» [موقع إيلاف. 9 يناير 2005. تحديد موعد لتوجيه ضربة لسوريا. عن السياسة الكويتية].
l وفي عام 1998، وفي عزِّ نفوذ النظام “السوري” في لبنان، وفي الظروف المعروفة لانتخاب رئيس الجمهورية لحود، رحبت الخارجية الأميركية بانتخابه، وقال الناطق باسمها: «ترحب الولايات المتحدة بانتخاب إميل لحود رئيساً مقبلاً للبنان. إن للرئيس المنتخب، لحود، سجلاً مشرفاً في المؤسسة العسكرية اللبنانية … تقدم الولايات المتحدة أفضل التمنيات إلى الرئيس المنتخب، لحود، وحكومة لبنان وشعبه ونتطلع إلى العمل مع الرئيس المنتخب بعد تسلمه المنصب الشهر المقبل». ولم تظهر على لحود، طوال فترة حكمه، علامات تشنج وعداء واضح لأميركا، وإنما جاهر، وما زال يجاهر، بعدائه لفرنسا – شيراك، بعد أن أبعدته فرنسا عن المشاركة في قمة الفرنكوفونية. وصرح لحود منتقداً شيراك: «هو من طلب من عدد من الدول الصديقة لفرنسا مقاطعتي، وضغط على الرئيس الروماني في ذلك».
ولعل ذلك أيضاً يلقي الضوء على ما ورد في تقرير ميليس الأول، من أن بشار الأسد فهم أن الحريري الأب، في صفّ فرنسا، وهو بالتالي خصم له، وأبلغه هذا، على سبيل التهديد.
تخبّط فريق 14 آذار
ومع أن حجم التدخلات الدولية، كان حاضراً في كلّ محطة من محطات عمر هذا الكيان اللبناني، إلاّ أنّ هذه التدخلات باتت سافرة، منذ اغتيال الرئيس السابق للوزراء رفيق الحريري. ذلك أن فريق 14 آذار، مدفوعاً بردات فعل غير مدروسة، وتوجيهات خارجية مدروسة، صار يرغب في اقتلاع نفوذ النظام “السوري” في لبنان، بل صار يصرّح بعض ذلك الفريق، أنه لا بد من إسقاط النظام الحاكم في سوريا، بأيّ وسيلة، دون وضع خطوط حمر لتحركه. وهكذا استباح هذا الفريق، جعل لبنان، مزرعة لذئاب الغرب، متصوّراً أن دُوَلَه، أو فرنسا وحلفاءها خاصّةً، راضية أن تحقّق لهذا البلد ما يَسْمُون إليه من حرّية واستقلال وسيادة. وكأن هؤلاء نسوا أن كلّ دول الغرب، كانت تقف صامتة، منذ ثلاثة عقود، كان فيها النظام الحاكم في سوريا، يعيث فساداً في لبنان، وكانت هذه الدول، والمؤسسات الدولية، راضية، أو ساكتة، عن تَحَكُّم الولايات المتحدة، بواسطة نظام الحكم في سوريا، بمفاصل السياسة في لبنان، لأن الولايات المتحدة غلبتها، أو اشترت صمتها، بمغانم في أماكن أخرى. فهل نكون، عند خلاف الكبار على تقسيم المغانم، أحجار الشطرنج، في لعبة الأمم؟ وهل نرى في فرنسا وأخواتها، التي لها تاريخ دموي أسود مع الأمة: أكثر من مليون شهيد في الجزائر، وجرائم وفظاعات ما سُمّي بـ”الانتداب” في سوريا ولبنان، وصولاً إلى مشاركتها، المستمرة، في عدوان أميركا الوحشي المتواصل على أفغانستان، هل نرى في دولة، ذاك تاريخها، وهذا حاضرُها، مبعثَ الأمل لعودة السيادة المدّعاة؟
ولقد بلغ الأمر بهذا الفريق، فريق 14 آذار، أن تمادى في تحطيم حواجز الخجل، التي كان من المحرّمات تجاوزها، عند أرباب هذا الفريق أنفسهم، فبات التنكّرُ لمحيط لبنان العربي، وهو جزء لا يتجزأ من المحيط الإسلامي، من أبرز مفردات هذا الخطاب، وبات الترويج لسياسة الانبطاح أمام عجلات قطار التسوية، أبرز وسيلة للانتحار السياسي، الذي يريدونه مصيراً للناس، في هذا البلد!
لقد كان الأولى بهذا الفريق، إن كان يرى في سلاح حزب الله، مصدر قلق أمني، وأداة بيد النظام السوري، أن لا ينـزلق في منـزلق الترويج لما يريده كيان يهود من قضاء على أي بندقية تُرفع في وجهه. بل كان الواجب أن يشد على يد المقاومة، ثم يعمل بكل ما أوتي من قوة لتسليح الجيش في لبنان وتدريبه، تسليحاً وتدريباً يمكّنانه من مواجهة كيان يهود وعدوانه، بجدارة تثبت للمقاومة أنه لا حجة لها في استمرار ارتباطها، بالنظام الحاكم في سوريا، وهو ارتباط ندينه ولا نوافق عليه، وأن ترتبط بالأمة وحدها، وتستمد منها قوتها، ومن باب أولى ألاّ يرتبط فريق 14 آذار بأي دولة أجنبية. إن جلسات الحوار، التي حاولت أن تعالج هذه النقطة، بإلحاح، لم تشهد إلا موقفين: دعم المقاومة المتمثلة بحزب الله، أو المطالبة بنـزع سلاحه. لماذا لم يطرح البعض إخراج المقاومة من قمقم المذهبية والحزبية؟ لماذا لم يقترح بعض قوى 14 آذار، أن ينخرط في مشروع المقاومة؟ إذا كان أمام هذا الفريق أن يطالب حزب الله بتطمينات، فإن الطمأنة الصحيحة، لكلّ من يقرأ مواقف 14 آذار، تكمن في أن لا تظهر، بشكل فاقعٍ، أهدافُ إراحة كيان يهود، في تصريحات هذا الفريق! حتى لقد بلغ بأحد أقطاب هذا الفريق، أن قال: إن عدوّ لبنان هو النظام السوري، لا (إسرائيل)!! أليس في وجود قيادات في 14 آذار، سبق لها أن تعاونت مع كيان يهود، ولم تعترف بأن الأمر كان خطيئة، ما يثير الريبة؟! وهل ننسى موقف فرنسا الداعم لإسرائيل، في الاعتراف بالكيان الغاصب، وفي تزويده بالسلاح الذي ينفذ به كثيراً من جرائمه؟!!
ولا ينبغي أن يذهب أحد خلف شعارات السيادة والاستقلال، التي يرفعها فريق 14 آذار؛ لأن ممارسات هذا الفريق تخالف كثيراً هذه الشعارات:
– فأي سيادة، مع وجود مكثف لآلاف الجنود الغربيين الغرباء، على أرضنا؟
– وأي سيادة مع التباطؤ في اتخاذ أي إجراءات عسكرية، أو سياسية، لتحرير مزارع شبعا، وسائر الأراضي المحتلة في لبنان؟ أليس المطلوب إبقاء الحدود ساخنة على جميع الجبهات، بما فيها جبهة لبنان، إلى أن يتمكن أهل البلاد من استعادة قرارهم، فيبادروا إلى القضاء على كيان يهود قضاء مبرماً؟
– وأي سيادة مع القبول بأن يتخطى سفراء الدول الظالمة، الأعراف الدبلوماسية، فيزوروا من يشاؤون، متى يشاؤون؟
– وأي سيادة مع تدخلات السفراء السافرة، في الانتخابات النيابية، قانوناً وتحالفات ونتائج، وفي تشكيل الحكومات وتسمية أعضائها ؟
– وأي سيادة مع السكوت عن الأسرى في السجون (الإسرائيلية)، أو المطالبة، ولو مطالبةَ رفع العتب، بتحريرهم، بدل حصْرِ النظر في المعتقلين في سجون سوريا، وإن كان الأسرى، أو المعتقلون، في كلا السجنين، يعانون الأمرّين، وينبغي حلّ أوضاعهم، ووضع حد لمعاناتهم؟
– وأي سيادة مع تدخّل الجهات الأمنية الغربية، في حفظ أمن المطار، ومع استقدام أجهزة الاستخبارات الأميركية في التحقيق باغتيال جورج حاوي، مثلاً؟ إذا كان هناك شكّ في كفاءة الأجهزة الأمنية أو القضائية في لبنان، فالمتبادر إلى الذهن أن يتمّ استقدام محققين خاصّين ذوي كفاءة وخبرة، لا محققين دوليين يكشفون أوراق البلد.
– وأي سيادة في العمل على كشف سماء لبنان وأرضه، لكاميرات المراقبة، المرتبطة حكماً بالأقمار الصناعية، التي تصدّر خدماتها في حقل المعلومات العسكرية والأمنية، إلى غرف البيت الأبيض؟
إذاً، المسألة مجرّد تصرّفات مدروسة، لاقتلاع “نفوذ”. ولو أدى الأمر إلى رهن البلد لإرادة الأجنبي الأوروبي. هذا كمن لا يريد أن تكون الدجاجة في فم غيره، ويريدها في فمه هو، ولو لم تصل إلى هذا الفم إلا عظاماً نخرة!
تخبّط فريق 8 آذار
ودعك من الحديث عن أن الانقسام الحالي في لبنان، مردّه إلى وجود فريق مناهض للمشروع الأميركي الصهيوني، وآخر مؤيد له. إن “الممانعة” المزعومة تتبخّر سريعاً أمام الحقائق التالية:
– إن السفير الأميركي لا يزال يجتمع بأقطاب 8 آذار، منذ اغتيال الحريري، فلو كان هناك إيمان ثابت بأن الأميركي يمدّ إسرائيل بأنواع الفتك، وأن إسرائيل فعلاً عدوّة، لأُخِذ من الأميركي موقف العداء، الذي لا بدّ أن يبدأ بالمقاطعة، ورفض الجلوس معه، ويصل إلى إغلاق سفارته. لقد كان رئيس الوزراء يوم مقتل الحريري، من الفريق الذي سمِّي لاحقاً فريق 8 آذار، ومع ذلك كانت أبواب السفارة الأميركية مفتوحة لتصدير زوابع الفتن! وإن رئيس الجمهورية الحالي من هذا الفريق، ولم يقم بأي مبادرة لإخراج الراعي الأميركي من الساحة اللبنانية. فكيف تكون الممانعة إذا لم نلتزم الحد الأدنى من قاموسها؟!
– وإن قَطَر، حيث القواعد العسكرية الأميركية المزروعة فيه، تمّ ضرب العراق عام 2003، وتمّ استقدام القنابل الذكية لضرب لبنان عام 2006. فكيف يستقبل فريق 8 آذار، “مبعوثي العناية القطرية”، ويشيد بهم وبكرمهم، ثمّ ينحي هذا الفريق باللائمة وألفاظ التخوين، وإن كانت صحيحة وفي محلها، على من استقبل رايس وبلير!؟
– وإن سفارة أميركا في أحضان النظام السوري، ما زالت مصونة، مكرّمة، معزّزة، وقد افتخر النظام بأنه نال من “الإرهابيين” الذين أرادوا استئصالها من أرض دمشق الطاهرة! فكيف يحالف أصحاب مشروع مناهضة الوجود الأميركي الإسرائيلي، نظاماً يحافظ على مصالح أميركا؟ الصواب الذي هو الحدّ الأدنى في ألف باء الممانعة، أن يُفضَح هذا النظام، ولا سيما أن رصيده على أرضه، في حساب المقاومة “صفر”. إن الذي يطلبه فريق 14 آذار، لجنوب لبنان، حقّقه النظام السوري منذ 30 سنة، لهضبة الجولان: جبهة باردة، ميتة!!
– والنظام السوري، هذا، بعيد كلّ البعد عن ممانعة المشروع الأميركي، في أكثر من بلد إسلامي. فلم يقف ضدّ احتلال أميركا أفغانستان، وكانت سوريا آنذاك ممثّلة في مجلس الأمن، ولم تحرّك هذه الورقة الرابحة، ولو حرّكتها لكان لغير مصلحة “الممانعة” حتماً! ولم يقم هذا النظام بأي عمل لإيقاف تدميرها العراق، بل من مفاجآت النظام في سوريا، لمن لا يعرف هذا النظام عن كثب، موافقته على القرار 1441 الذي ضيّق الخناق على بغداد.
– إن النظام في سوريا هو المسؤول عن مقتل عشرات الآلاف من أبناء بلاد الشام الأبية، في سوريا ولبنان وفلسطين، وهو مسؤول عن زج مئات الآلاف في غياهب السجون، وتعريضهم لأبشع ألوان التعذيب، وقد طال إجرامه جميع الفئات والطوائف، ظلماً وعدواناً.
– قال جون كي. كولي، وهو كاتب ومحلل سياسي أميركي متخصص في شؤون الشرق الأوسط: “بشائر السلام التي بعثت بها دمشق باتجاه كل من تل أبيب وواشنطن، مؤخراً، لم يلحظها كثير من المراقبين جراء موجة الغضب العارمة التي اجتاحت العالم كله بسبب الاختبارات النووية الكورية الشمالية الأخيرة…يذكر أن الرئيس السوري بشار الأسد، قد صرح أثناء لقاء أجراه معه صحفي من هيئة الإذاعة البريطانية الأسبوع الماضي، معرباً عن استعداد بلاده إلى العودة إلى طاولة المفاوضات مع إسرائيل…”
– إن هذا النظام نشأ في أحضان السياسة الأميركية ونفوذها، وخدم سياستها أيما خدمة، ولا أدل على ذلك من تحالفاته في العالم العربي، خاصة مع الدولتين اللتين ما انفك يتحالف معهما، السعودية ومصر، حتى إذا خرجت السعودية من دائرة السياسة الأميركية ودخلت دائرة السياسة الأوروبية مؤخّراً، خاصمها.
– إن السماح للنظام في سوريا بدخول لبنان والسيطرةِ عليه، لدليلٌ على تبعية هذا النظام لأميركا وخدمته لمصالحها، وإن إخراج عون من السلطة باجتياح عسكري كان بموافقة أميركية، والأصح بطلب أميركي، وهذا ما جاهر به عون وبعض أتباعه.
– إن إرسال النظام في سوريا، قواتِه إلى الكويت، عام 1991، تقاتل نيابة عن الجيش الأميركي، في معركة أميركا، إلى جانب القوات التي أرسلتها الأنظمة العميلة لها، ضد نظام “البعث!” في العراق، لدليلٌ صارخ على تبعية النظام في سوريا وعمالته لأميركا.
– إن موافقة سوريا على مبادرات التسوية الخيانية التي اتخذتها القمم العربية المتعاقبة، والتي كان آخرها “مبادرة الأمير عبد الله” – الملك عبد الله حالياً – في قمة بيروت، والتذكير، والتأكيد، المرة تلو الأخرى، بأن سوريا تسعى إلى اتفاقية تسوية مع دولة الكيان الغاصب، وليس آخرها تصريحات السلام التي صدرت عن رأس النظام، في خضم عدوان يهود على لبنان، إنّ هذا كلَّه ليدلُّ أبلغ دلالة، على أن وصف سوريا بأنها “دولة ممانعة”، كلام فارغ.
– وقد كال الرئيس الأميركي السابق، كلينتون، المديح للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، بقوله: «إنه يحترم وطنية الرئيس الأسد وضميره، في حماية مصالح شعبه، وإنه لا يطلب منه قراراً ضد مصلحة شعبه.»
– وفازت شركتا نفط أميركيتان بعقد استثمار غاز ونفط في سوريا، وذلك بعد صدور «قانون محاسبة سوريا واستعادة سيادة لبنان».
– وكان كولن باول، وزير الخارجية السابق في عهد بوش الابن، قال: «أميركا ليست عدوة لسوريا» وأنه مستعد لـ«سماع اقتراحات» الرئيس بشار الأسد.
– وصرحت بثينة شعبان عام 2003، أن السفير الأميركي في دمشق يزور الخارجية السورية «مرة كل يومين».
إن هذا غيض من فيض حقيقة واقع النظام الحاكم في سوريا، والذي يحالفُه فريق 8 آذار، ويدور في فلكه من يدور، ولا يبالي أن يقودنا في هذه الأيام إلى مشارف حرب أهلية جديدة، تذكّرنا بالحرب الأهلية الأولى، التي كان للنظام الحاكم في سوريا، أيضاً، دور بارز فيها.
– والنظام الإيراني ينطبق عليه ما سبق، فرفسنجاني تبجّح بأن أميركا ما كانت لتنجح في احتلال أفغانستان، لولا إيران. والذي يُبقي أمد الاحتلال في العراق هو الفريق الذي يمثّل إيران هناك، سياسياً وعسكرياً.
– وإن مطالبة فريق 8 آذار بحكومة وحدة وطنية، مع من يتهمونهم بالعمالة للغرب، تعني أنهم مستعدون للتعاون مع أجواء هذه العمالة، أو أنّ بعضهم ليس بعيداً عنها. هذا إن لم تكن ارتباطات هذا الفريق، أو ارتباطات بعض أقطابه، مماثلة في جنسها لتلك العمالة.
أما الضرر الفادح الذي يجرّه كل فريق، على هذا البلد، بممارساته الرعناء، فتكمن في ما يلي:
1- تثبيت النفوذ الفرنسي – الأوروبي، إن كانت الغلبة في الصراع الدائر لـ 14 آذار.
2- إعادة السيطرة للفريق المتحالف مع المحور السوري – الإيراني، وبالتالي، إعادة النفوذ الأميركي كاملاً إلى لبنان، من حيث يعلم أو لا يعلم، فريق 8 آذار.
ما هو المخرج المرحليّ من هذه المواقف العابثة!؟
1- لا مخرج من هذا التخبّط المزدوج، إلاّ بقطع دابر الفتنة، ابتداء بمنبعها، فعلى طرفي الصراع أن يُدرجوا على جدول أي حوار، الآلية الصحيحة لاقتلاع أي نفوذ غربي، وقطع الطريق على أيّ دولة غربية، تريد أن تتحكّم بمصير الناس في هذا البلد. إن هذا يقتضي أن يتفاهم الطرفان على حلّ المشاكل العالقة، بمنأى عن الإصغاء إلى همس أميركا أو أوروبا. نحن نظنّ أن الطرفين وصلا في كثير من الحالات إلى إمكان التفاهم، ولكن “الأسياد” امتعضوا لهذا، وقاموا بتوتير الأجواء، وافتعال المعوّقات، وتسريب معطيات مضخّمة إلى الطرف الذي يستمع إلى همسهم، عن الطرف الآخر. وما لم يُختم بالشمع الأحمر على أبواب سفارات الدول الغربية الطامعة، لا يمكن الحديث عن استقرار سياسي أو أمني.
2- ولا بدّ من الخوض في القضايا المصيرية، بدل التنازع في التهام قطعة الجبنة. لا بد من نقل المعركة السياسية حول حجم الحكومة وأعضائها، أو حول المحكمة الدولية وطبيعتها، أو توزيع التعيينات في الوظائف العامة، إلى ميدان الصراع الفسيح المشرّف، الذي لا تلبث أن تلتقي في رحابه أبرز القوى السياسية التي تمثّل هذين الفريقين المتناحرين. كلّ ما يقوله أعداء السلاح المناوئ لإسرائيل، يمكن احتواؤه حين يصبح قتال هذا العدوّ حالة شعبية، وحين يصبح الجنوب ساحة مفتوحة لكلّ المجاهدين. وإذا خاف الفريق الآخر من إغضاب أسياده، وتهرّب من دخول ميادين العزّة، قيل لأقطابه: أنتم إذاً لا ترفضون سلاح المقاومة لأنكم تخافون توجيهه إلى الداخل، بل لأنكم من أنصار التسويات المذلّة، وإخلاء الساحة من مقوّمات المواجهة. وهكذا فإن من الخطأ إدراج المقاومة، من حيث وجودها، على بساط البحث في أي حوار، والصواب بحث سبل إشراك جميع قطاعات الأمة في قتال العدو ورد العدوان.
3- والذي لا بدّ منه، الكفُّ عن اللعب بورقة رابحة، على صعيد هذين الفريقين، خاسرة على صعيد الأمة الإسلامية التي يقع أهل لبنان في وسطها. إنها ورقة المذهبية أو الطائفية، فاستنفار الغرائز المذهبية أو الطائفية، أفضل السبل لاستدراج الناس إلى الشارع، وتحفيز الحناجر على أن تندلع منها الهتافات الحماسية، لكن هذه الورقة مدمّرة لآمال التهدئة، والاستمرارُ بإمساكها، يكشف عن حقيقة الجهات التي تدير الفريقين، ويكشف عن الأهداف التي تدفعهما إلى الحركات الغوغائية. وإننا نحذر هذين الفريقين من أن يكونا مطية للمشروع الكبير الذي تخطط له أميركا، وتتوسّل لتحقيقه: الفوضى “الخلاّقة”، وفي أعلى قائمتها الاقتتال الدموي، الذي يعزّز الدعوة إلى الفيدرالية المشؤومة! وهل لنا أن ننسى ما يسببه الفرز الطائفي – المذهبي، في تلك الكيانات التي تروّج لها أميركا، من إضفاء الشرعية التي يبحث عنها كيان يهود، في مماثلة واقعه، وإضعاف محيطه!؟
4- أمّا المحكمة التي يراد لها مقاضاة قتلة رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، فلا بدّ من الفهم الصحيح لواقعها، حتى لا تذهب الأذهان بعيداً في تصوّر أنها حلم الجماهير. إذا هرب فريق 14 آذار من إجراء محاكمة لبنانية للقتلة، خوفاً من التداخلات السياسية، والضغوط الإقليمية على من يشرف عليها، فهل المحكمة الدولية، أو المحكمة ذات الطابع الدولي، بمنأى عن تجاذبات مماثلة أو أنكى منها؟ نحن نرى ونسمع يومياً أن الدول الكبرى منقسمة حول شأن هذه المحكمة، ومدى السلطات الممنوحة لها، ولا سيما محاكمة الرؤساء. وهذا يعني أنها ليست محايدة، وأنها تخضع للإملاءات التي تفرضها تحالفات الدول الكبرى، وهذه الدول بأفرادها بعيدة عن الحياد في أيّ من شؤوننا العامة، وإذا توافقت على أمر من أمورنا، فنتيجة صفقات مشبوهة، تقضي بحماية عميل هذه الدولة الكبرى أو تلك، لقاء مكسب للأخرى في مكان آخر. فما الذي يمنع أن تُبعد أميركا خطر المحكمة الدولية عن النظام في سوريا، بثمن سياسي تتقاضاه فرنسا في العراق مثلاً، أو مقايضة مع روسيا في الشيشان مثلاً!!؟
ما هو المخرج الجذري من هذه الأزمات لمتجدّدة!؟
إننا نتوجه إلى كلا الفريقين في 8 و14 آذار، وندعوهما إلى أن يعيدا حساباتهما، وليعلما أن المشاريع الصغيرة ينهض بها الصّغار، أما أصحاب النفوس الكبيرة، والطموحات العظيمة، والرؤى الواسعة، فلا يجدون اطمئناناً إلا في الدعوة إلى مشروع كبير يعبّر عن تطلّعاتهم التي لا يحدّها الواقع المشوَّه.
إن ما يُخطَّط للبنان، لا ينفصل عمّا يحيط به، وتجد أنه وثيق الصلة بما يجري في فلسطين، بما يجري في العراق، بما يجري في سوريا، فلا يمكن أن تكون المواجهة في لبنان مجدية، إذا كانت منفصلة في تطلّعاتها وأدواتها، عمّا يحيط به.
ولهذا ينبغي أن تجتمع كلمة الناس على ما ينفع الناس، ليمكث في الأرض، لا بدّ أن نخرج من كوابيس المشاريع الوضيعة، إلى رحاب الطموحات التي ليس بينها وبين أن تكون واقعاً إلاّ أن نحتضنها ونعيش لأجلها.
ولذلك ندعو، كما ندعو في كلّ مرة، دون سأم أو كلل، إلى تبنّي الإسلام مشروعاً سياسياً شاملاً، يُخرج المنطقة من التجاذبات الدولية بين أقطاب مجانين، أرادوا إفساد بلادنا، بعد أن أفسدوا بلادهم، إذ أفرغوها بالرأسمالية الضالّة، من المقاييس الرفيعة، والقيم الروحية، وأوقعوها في متاهات الشركات المالية التي تبتلع الدسم، وتلقي إلى الأفراد نفاياتها القذرة.
ندعو الجميع إلى العمل على توحيد بلاد المسلمين، ومنها لبنان، في دولة الخلافة الواحدة، التي لا تقتصر قوتها الرادعة على إطلاق صاروخ تذكيري، مرة أو مرتين في العام، بل تزحف جيوش الأمة كلّها، إلى معقل الإجرام في كيان يهود، فاتحة كلّ الجبهات، لا أضيق الجبهات، حتى يلوذ يهود بالفرار، ويتحقّق وعد الله الحقّ، بأن يقول الحجر والشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي ورائي، تعال فاقتله.
وإلى أصحاب الرأي، والعقول الراجحة، المتصدين للشأن العام، الحريصين على سلامة أهل لبنان ومستقبلهم، نقول:
– على عاتقكم تقع مسؤولية عظيمة، سيحاسبكم عليها في هذه الدنيا أبناء أمتكم، وستحاسبون عليها أمام الله يوم القيامة.
– قفوا موقف الحق، لا تخافوا في الله لومة لائم، تحركوا لتضربوا على أيدي العابثين باستقرار البلاد، وأمن أهلها، ومستقبل أبنائها، في أيّ فريق كانوا.
– تصدوا لكلا الفريقين، فكلاهما يسيِّره الأجنبي، من حيث يدري أو لا يدري، بشكل مباشر أو غير مباشر، ولتكن رؤيتكم في دعوات الفتنة واضحة جلية.
– النـزول إلى الشارع في هذه الآونة، ومن أي طرف كان، وفي ظل التعبئة العصبية التي تجتاح المنطقة برمتها، دعوة ستستفز الطرف الآخر، لأي جهة انتمى. وستستغل الأيادي الأجنبية العابثة، ومنها أيادي يهود وأزلامهم، هذا الاحتقان، لتشعل نار الفتنة، كما أشعلتها في العراق.
– إن إسقاط حكومة 14 آذار لتحل مكانها حكومة 8 آذار، سيفاقم الوضع، ويعزز الكراهية، ويزيد قابلية اشتعال وقود الفتنة. إن المطلوب هو إسقاط هذا النظام الفاسد من أساسه، وإقامة نظام يقوم على الشريعة الإسلامية الغراء، بأحكامها العادلة، التي لمس إنصافها، حين أُحسن تطبيقها، المسلمون وغير المسلمين، وهذا يكون بأن تتضافر كل القوى المخلصة، لتحقيق الحل الجذري لمشكلة لبنان المزمنة، بإعادته إلى أصله جزأً لا يتجزأ من بلاد المسلمين، في دولة واحدة مترامية الأطراف، دولة خلافة راشدة على منهاج النبوة، دولة كبرى لا تُحَلّ فيها مشكلة لبنان فحسب، بل مشاكل العالم الإسلامي برمته.
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من الذين يحطمون غطرسة يهود، ويدمّرون أحلام زعامات الغرب، ويُحيون أمر الله، ويُعزّون الأمة، كما يعتزّون بالانتماء إليها.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـــــــــــــ
1- أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية، أستاذ معهد الدراسات الدبلوماسية والاستراتيجية في باريس سابقاً، محامٍ بالاستئناف ومحاضر في كلية القيادة والأركان – الجيش اللبناني.
2007-01-29