الصراع الدولي وشقاء البشرية… من ينقذ العالم من الانحدار للهاوية؟!
2019/12/24م
المقالات
10,610 زيارة
الصراع الدولي وشقاء البشرية… من ينقذ العالم من الانحدار للهاوية؟!
حمد طبيب – بيت المقدس
تعاني البشرية هذه الأيام من آفات كثيرة بسبب الصراع المستشري بين الدول الكبرى على المصالح والمنافع والقيم المادية الهابطة، وحتى داخل الدول نفسها هناك معاناة شديدة لدى الشعوب بسبب التطاحن والصراع المادي بين مراكز القوى من الرأسماليين الكبار. وقد ازداد هذا الصراع في الآونة الأخيرة، وازدادت آفاته وشروره، وازداد اكتواء البشرية بهذه الشرور، وازدادت معاناتها. وقد حاولت الشعوب الاحتجاج عدة مرات، والانتفاض في وجه هذه القوى العالمية والمحلية المتحكمة في مراكز القوى – سواء في الدول الناهضة، أم الدول التي تسمى متخلفة – إلا أن كل هذه الاحتجاجات قد جوبهت بالتصدي والإرهاب الفكري والمادي؛ حتى تبقى تحكمات هذه الدول وسطوتها نافذة على البشرية.
سوف نتحدث في هذا الموضوع عن بعض النماذج التي تمارسها الدول الكبرى وتسبب الشقاء والمعاناة للبشرية، ونذكر في المقابل الدين الهادي المستقيم؛ الذي نهض بالبشرية على أساس صحيح، وعن بعض الأحكام الهادية المستقيمة مقابل تلك المعوجة، وعن نماذج من التاريخ الإسلامي الوضَّاء عندما طبق هذا الفكر في أرض الواقع. وقبل أن نذكر ألوانًا من الصراع الدولي وآفاته وشروره وعن الخط المستقيم مقابل ذلك نقول: لم تعرف البشرية عبر تاريخها الطويل صراعًا مبدئيًا منضبطًا وملتزمًا بفكره وحضارته وأخلاقه إلا الصراع المبني على أساس دين الإسلام… وهذا بعكس كل ألوان الصراعات التي شهدتها البشرية عبر التاريخ الإنساني، في حضارة الرومان واليونان والفراعنة وغير ذلك من حضارات.
ففي عهد اليونان والرومان والفراعنة – وهي من أشهر الحضارات قديمًا – أهانوا إنسانية الإنسان من أجل المتع الشخصية والشهوات الذاتية، وقسموا المجتمع إلى طبقة العبيد والأشراف، وكانوا يتلذَّذون في إزهاق الأنفس البشرية للمتعة والتسلية مثل صراع الأسود الجارحة مع العبيد، أو مثل اقتتال العبيد بالخناجر والحراب وإزهاق أرواح بعضهم بعضًا.
وفي الحضارات النصرانية – في العصور الوسطى – انتُهكت إنسانية الإنسان، وسُلبت إرادة معظم الناس لخدمة الأباطرة والأشراف وكبار القادة من الجند والملوك، ولا يملك هؤلاء العبيد من الأموال إلا قوت يومهم في أسوأ الظروف الإنسانية. وحتى الدول التي سبقت الحضارة الرأسمالية بقليل، أو واكبت نشوءها في أميركا وأوروبا؛ لم تعترف بإنسانية بعض الناس، ولا مساواتهم لغيرهم من البشر؛ مثل السود، أو السكان الأصليين في أميركا؛ حيث ارتكبت في حقهم أبشع المجازر التي عرفتها الإنسانية، وسيطر الغزاة الجدد على أموالهم وأراضيهم.
فهل انتهت معاناة البشرية وشقاؤها في ظل هذه الأنظمة التي ادعت المحافظة على حقوق الإنسان والديمقراطية والحريات؟!.. هل انتهى عصر الاستعباد والظلم الذي سبق هذه الحضارة؟!. وما هو واقع البشرية وحياتها في ظل هذه الدول الرأسمالية والمتحكمين والحاكمين فيها؟.
الحقيقة أن معاناة البشرية قد ازدادت واتسعت رقعتها لتشمل الدول المحيطة بهذه الدول، بعد أن كانت الدائرة تطال البشرية التي تعيش تحت سطوتهم قديمًا، وقد زاد في هذه المعاناة، بالإضافة إلى سوء النظم الديمقراطية المطبقة وظلمها، ما يجري هذه الأيام من صراع دولي تتعدد أشكاله وألوانه، ويجر على البشرية ما يجر من ويلات. ومن صور هذا الصراع الدولي والمحلي والإقليمي الأسود المدمر:
1- صراع الدول على النفوذ السياسي. وخاصة الدول الفقيرة. وقد جر هذا الصراع الحروب المصطنعة والمشردين والمهجرين، وجلب الفقر والويلات الكثيرة…
2- الصراع الاقتصادي ومنه الأسواق والبترول، وتسبب ذلك بالاحتكارات للأسواق وغلاء السلع، وسيطرة الشركات الكبرى على ثروات الشعوب الفقيرة؛ وخاصة ثروة البترول والمعادن، وتسبب كذلك باستعمار الدول سياسيًا واقتصاديًا…
3- التطاحن الدولي على سيطرة النقد وتحكماته بالدول، ويظهر ذلك في أفعال أميركا وبذلها لكل جهد في إحكام سيطرة الدولار على الدول كافة ومنها الغنية. وقد جرَّ ذلك على العالم الأزمات الاقتصادية وغلاء الأسعار، واحتكار أميركا لمعظم ثروات الشعوب…
4- الصراع الغربي في قيادة الغرب من جهة والتحكم بالدول الغربية، والصراع على قيادة العالم بشكل عام… هذا الصراع جرَّ على البشرية التطاحن الدولي على مركز الصدارة بين الاتحاد الأوروبي وأميركا من جانب، وبين الصين وحلفائها وأميركا من جانب آخر، وتسبب ذلك بتوترات دولية بين هذه الدول، والتهديد بإشعال حروب مدمرة…
5- صراع الطبقات السياسية الرأسمالية داخل المجتمع الواحد، وقد جلب ذلك نشوء نظام الطبقية المقيتة، ونشوء الفقر داخل الدول الرأسمالية بسبب الحيتان الاقتصادية والسياسية المتحكمة بالشركات الكبرى والأسواق، على حساب الطبقة الكادحة الفقيرة…
6- صراع العرقيات والنزعات الانفصالية والمذاهب الدينية حتى داخل القطر الواحد. وهذا اللون من الصراع قد جرَّ على العالم قديمًا الحروب المدمرة، وجر حربين عالميتين، وما زال يهدد الشعوب في كثير من المناطق، وتستغله الدول العظمى في سيطرتها السياسية كما هو حاصل في تركيا في مشكلة الأكراد، وفي العراق وإيران وسوريا، وفي بورما…
7- الصراع للانفصال والانفكاك من الاتحادات الواهية القائمة على الإكراه والقوة. والصراع من هذا النوع قد يوجد داخل الدولة الواحدة كما هو موجود اليوم داخل ولايات أميركا التي تهدد بالانفصال، وموجود كذلك في بعض دول الاتحاد الأوروبي التي تهدد بالانفصال عنه…
إن ألوان هذه الصراعات لا تستند إلى فكر صحيح، ولا إلى خدمة البشرية، ولا إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية – كما تدعي – إنما تستند إلى نزعات شهوانية، وحب الذات والسيطرة على الغير من البشر. وحتى داخل الدولة الواحدة فان نظرتها نفعية مصلحية فردية النظرة والهدف. وقد ضاقت البشرية ذرعًا بهذه الصراعات، وصارت تمقتها وتطالب بحل المؤسسات الدولية القائمة فيها أو إصلاحها، كهيئة الأمم ومجلس الأمن والمنظمات المالية والاقتصادية التابعة لها. وهناك دعوات لهدم النظام المالي برمته، ودعوات ضد تحكماته المالية، وضد التجارب النووية، وضد التلوث البيئي. وكذلك هناك مظاهرات ضد السطوة والسيطرة المالية، والمناداة بهدم رموزها في وول ستريت وأسواق لندن وباريس المالية؛ كما حدث سنة 2011م، عندما سارت المظاهرات في ألف مدينة رأسمالية تطالب بهدم رؤوس المال والأعمال، وكان شعار الحركة «نحن الـ 99%»، (في إشارة إلى غياب العدالة في توزيع الثروة بين 1% من سكان العالم ذوي الثراء الفاحش، وبين 99% الذين يعانون من عدة مشكلات اقتصادية واجتماعية)… ومظاهرات ضد الفقر والتحكمات الاقتصادية، كما يحدث هذه الأيام في عاصمة الحرية (فرنسا). وحتى الدول التابعة والعميلة قد ضاقت الشعوب بها ذرعًا؛ فخرجت المظاهرات في معظم العالم الإسلامي تطالب بالتخلص من سطوة وتحكمات الزمرة الحاكمة التي نهبت البلاد والعباد وأذلت الشعوب، وما زالت هذه الاحتجاجات مستمرة في كثير من البلاد…
وبالمقابل، فلو نظرنا إلى الحضارة المبدئية المستقيمة (حضارة الإسلام)، وإلى أعمالها طيلة فترة عزها وقوتها وحسن تطبيقها للإسلام، ونظرنا إلى نظرة الشعوب لهذه الحضارة وتعاملها مع الجيوش الفاتحة لبلادها؛ لرأينا أن الصورة تختلف اختلافًا كلّيًا عن الحضارات الأخرى طيلة التاريخ الإنساني، فهناك ميزات تميزت بها هذه الحضارة في أصولها وجذورها، وفي أحكامها العملية وتطبيقات هذه الأحكام، وفي نظرة الشعوب لها وكيفية الإقبال على فكرها.
فالحضارة الإسلامية هي في أصولها وجذورها من الله الخالق المدبر جل جلاله، وهذه ميزة لم تحظَ بها أي حضارة أخرى. فكل الحضارات الأخرى – سواء المستندة إلى مبدأ أم غير المستندة إلى مبدأ – لا تستند إلى الخالق جل جلاله، أو أنها حرفت وغيرت، وخلطت دينها بدنياها.
أما الأحكام العملية التي تميزت بها هذه الحضارة فإنها لا تميز بين سيد وعبد، ولا فقير وغني. فالناس سواسية في الإسلام، لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى. وهي تطبق الإسلام على الشعوب المفتوحة من غير أن تنظر إليها أية نظرة مادية؛ كما هو حال الرأسمالية هذه الأيام، وقد حدث وأن أعاد قوَّاد المسلمين الأموال من الجزية إلى الشعوب المفتوحة التزامًا بحكم شرعي كما حدث في حمص، وخرج قائد المسلمين في سمرقند منها بعد أن فتحها التزامًا بحكم شرعي أيضًا؛ ما جعل تلك الشعوب تتبع الإسلام، وتقتنع بعدالته وحسن أحكامه، وهذا ما يفسر سرعة انتشار الإسلام خلال خمسة عشر عامًا من هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام في الهند والسند وأطراف روسيا، والقضاء على إمبراطوريتين كاملتين، وهو ما تعجز عن فعله جيوش حديثة بأحدث المعدات والتقنية العسكرية.
إن الصراع الدولي والحضاري هذه الأيام قد أهلك الحرث والنسل، وجلب على البشرية مشاكل وآفات لا يمكن حلها؛ لأنها جزء من هذه النظم السقيمة المستندة إلى حضارات فاسدة سقيمة. فالاستعمار ومص دماء الشعوب، والقتل من أجل الثروات، وسلب الناس لقمة عيشهم لتزيد ثروات الرأسماليين، وإثارة الفتن بين الدول للسيطرة العسكرية والسياسية، والحروب المدمرة هنا وهناك… كل هذا وغيره هو ثمار حتمية لحضارات فاسدة سقيمة لا تعرف عدالة ولا إنسانية، ولا رحمة… إنما تعبد المال والشهوات والثروات حتى لو أبادت نصف المعمورة!.
إن البشرية اليوم تنتظر العدل والاستقامة، تنتظر الشمس الدافئة الوضاءة التي أفل نورها منذ أكثر من مئة عام… إن البشرية جميعًا تنتظر من يخلصها من كل ألوان هذه الصراعات الوحشية المدمرة، والآفات المبدئية القاتلة. وفي هذا بشارة عظمى تبشر أولًا العاملين لإعادة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة وبقرب هذا الخير العميم الكبير، وتبشر بانتشار هذا الدين على كل أرجاء الأرض، كما وعد الله عز وجل وبشر به رسوله عليه الصلاة والسلام. قال تعالى: ( هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ ) وقال الرسول عليه الصلاة والسلام: “إِنَّ اللهَ زَوَى لِي الأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا، وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ». رواه الإمام أحمد.
نسأل الله تعالى أن يكرم أمة الإسلام، أولًا بعودة الحق إلى نصابه، بعودة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وأن يكرم البشرية جميعًا بانتشار الإسلام في ربوع الأرض،
اللهم آمين.
2019-12-24