أميركا تريد إجهاض ثورات الأمة، فهل تنجح؟!
2014/04/29م
المقالات, كلمات الأعداد
2,063 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
أميركا تريد إجهاض ثورات الأمة، فهل تنجح؟!
إن الأمة الاسلامية إذا حزمت أمرها على الله فإنها تصل إلى غايتها من غير أن يصدها عنها عقبة أو عدو. فأمةٌ الله سبحانه مولاها لا شك أنها منصورةٌ، قال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ ) وبالغةٌ أمر الله بالنصر، قال تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ) ورحم الله القائل:
«وإن شعباً إلى العلياء منطلقاً لن يقدر الجن يثنيه ولا البشر»
لقد مضى على موسم الثورات ثلاث سنوات، فإلى أين وصلت الأمة؟ وهل تحققت أهداف هذه الثورات؟. قبل محاولة الإجابة على ذلك لا بد لنا من استذكار الحال عند تفجر الثورات، ثم استذكار الشعارات التى رفعت، والمطالب التى رفعها الناس، بل والآمال التى عقدوها على هذه الثورات.
لقد كانت أجواء الظلم والرعب تهيمن وتتحكم في الناس من أنظمة وحكام بلغوا أقصى درجات الإجرام بحق أمتهم وشعوبهم وبلادهم، وكانت مشاعر السخط والألم تتجمع لدى هؤلاء حيال ما أعلنته أميركا والغرب من شنهما حرباً صليبية على الإسلام والمسلمين، والقيام بحملات صليبية لم تتوقف عند حد تدمير واحتلال أفغانستان والعراق، حتى طالت دولاً كثيرة حتى يكاد لم يسلم من أثارها ورياحها المسمومة بلدٌ واحد من بلاد المسلمين، وتدخلت في تفاصيل حياة الناس، من الاقتصاد إلى المساجد وتقييد الصلاة…
وهكذا يستطيع المراقب أن يقول: إنها كانت حالة من الحرب الشاملة على الأمة الاسلامية في كل شيء، حالة تريد محو هوية الأمة من الوجود وإلحاقها بالغرب، وطُرح في هذا السبيل مشاريع شرق أوسط جديد، أو شرق أوسط وشمال أفريقيا، أو الشراكة الأورو متوسطية، أوالعولمة ، وطرح أن القرن الحادي والعشرين هو القرن الأميركي، وأن الرأسمالية والحضارة الغربية هي نهاية التاريخ وبالتالي لا حضارة بعدها. وقد نشأ عن كل هذا استخفاف بالإسلام والمسلمين، والسخرية منهم وشتمهم، حتى صاروا عرضة للأذى والعدوان أينما وجدوا في العالم كله. والحوادث في هذا المجال لا حاجة لذكرها أو التمثيل عليها لكثرتها واستفاضتها، فهي غنية عن البيان، ليس للمسلمين فحسب، بل لكل عاقل من البشر على هذه البسيطة، بغض النظر عن جنسه ومعتقده.
هكذا وبايجاز كان الحال عند تفجر الثورات، فما هي الشعارات التى رفعتها الثورات؟ وماذا كانت مطالبها؟.
إن الشعار العريض والمشترك لكل الثورات كان «الشعب يريد إسقاط النظام» وقد كان شعاراً يترجم ويختصر بأربع كلمات مطالب الناس، ولا شك أنه تم تفسير هذا الشعار وشرحه بأكثر من تفسير، وهذا كان أحد مداخل الاستعمار ومن يمثلونه في بلادنا من زمر الحكام والأوساط السياسية وغيرها التابعة للغرب. لكنه بالرغم من كل هذه الاحتمالات، فإن إسقاط الظلم والظالمين وإقامة العدل والعادلين في حياة الناس، هدف واضح لا يمكن تجاهله أو القفز عليه.
وأما عن آمال الثورات، فقد ظهرت في أكثر من مناسبة، عندما قيل: اليوم في طرابلس(ليبيا) وغداً في القدس، وهكذا من اليمن إلى القدس، ومن تونس والقاهرة ودمشق إلى القدس وفلسطين، وبين هذا وهذا من إقامة العدل إلى تحرير فلسطين مسافة طويلة من الأهداف، وآمال عريضة من تطبيق الشريعة والوحدة والخلافة.
والآن، وبعد الوقوف عند أهداف الثورات، وملاحظة الظروف والأحوال التى كانت سائدة، نستطيع أن نبدأ بالأجابة على التساؤلات الكبيرة حول ثمار الثورات وحصادها. وهل أن الأمة تقدمت إلى الأمام؟ أم أنها تراجعت إلى الوراء؟ أم بقي الحال كما هو ولم يتغير شيء؟ وهل ربح الناس أم خسروا؟.
لا شك أن أوضاع الاستبداد التى فرضت على الأمة عقوداً من عشرات السنين أوجدت حالة من اليأس والاستيئاس من إمكانية التغيير والنهضة، وسرت عند الكثيرين حتى من دعاة الإصلاح مفاهيم التشكيك بخيرية الأمة وبعدها عن العودة إلى سالف مجدها، بل وصل الحال عند البعض إلى القفز عن نصوص من الوحي، في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، المتعلقة بمستقبل الأمة وتمكينها ورفعة شأنها، ووصف ذلك بأنه كلامٌ تلوكه الألسن، أو هو في أحسن أحواله أحلامٌ بل أضغاث أحلامٍ ينبغي الأقلاع عنها، والكفُّ عن الحديثِ فيها.
لقد كان تفجر الثورات طاقة جبارة تبعثُ الحياةَ في الأمةِ من جديد وتحيي النفوس، وفي نفسِ الوقت تصعق الأعداءَ من الكفار المستعمرين أو عملائهم في بلادنا، وتجعل الأمة في حال الفعل والمبادرة، والأعداء في حال رد الفعل والتراجع، وهذه الحالةُ قد سرت في الأمة بأسرها، وإن كانت علاماتُ ذلك قد اختلفت من بلد لآخر، فقد ظهرت هذا الثنائية بشكل واضح، في معظم بلاد المسلمين، الأمةُ في جانب بشعوبها المختلفة، والحكام في الجانب الأخر، ومعهم الغرب الكافر المستعمر. وهذا قد ظهر جلياً في أكثر من جانب، سواء أولاً في إسقاط أربعةٍ من الحكام العتاة، بدءاً بـ بن علي، ثم حسني مبارك، مروراً بالقذافي، ولن يكون آخرهم علي صالح، إن شاء الله تعالى …. أم ثانياً بحالة الاسترضاء والنفاق التي أخذ جميع الحكام يقومون بها حيال الأمة وشعوبهم بأساليب شتى جعلتهم في حالة سباق فيما بينهم، وقد حولوا قبلتهم ظاهراً وعلناً إلى شعوبهم وأمتهم بدل الغرب. ولحق بهم أو سبقهم الكفار المستعمرون في هذا التحول إلى الناس والشعوب، بدل الحكام والأنظمة الفاسدة التى صنعوها بأيديهم الآثمة ونفوسهم الشريرة.
وهذه الحالةُ إن ظن البعض أنها كانت عارضاً وانتهى فهو واهم، فحالة السباق بين الحكام إلى قبلتهم أميركا والغرب لم تعد كما كانت من قبل، وظهر ذلك خاصة بعد أن أعلنت أميركا وجورج بوش الصغير (بعد فشله في تحقيق النصر وكان ذلك في بداية فترة حكمه الثانية) الحرب على الطغيان، وتقصد الحكام باعتبار أنهم بطغيانهم ولدوا الفقر والبؤس الذي ولد الإرهاب، حتى صار الحكام يتندر بعضهم على بعض بأنهم أصبحوا مثل اللصوص أو مثل النعاج… وهذا ولا شك قد أعاد زمام المبادرة إلى الأمة، وهي بهذا قد صارت تتحرك بشكل محسوس بل وملموس، لكل ذي عقل، ولكل ذي سمع وبصر، وهذا هو أساس نهضة الشعوب والأمم أن تتحرك ولا تجمد على الأوضاع الفاسدة حتى تصل إلى غايتها، طال الزمان أم قصر، بعُدت الطريق أم قرُبت.
بعد هذه الحيوية التى ظهرت آثارها في الأمة وشعوبها، وخاصة في بلاد الحكام الساقطين، واستمرار جذوة الثورة بأشكال مختلفة، فإن استمرار الثورة في الشام يبقي شعلة الثورة مضيئة للناظرين، وهي الثورة التى وصفت بأكثر من وصف واحد: فهي الكاشفة للمستور من نفاق الحكام والحركات والغرب، وهي الثورة الجامعة للأمة، وهي في سوريا لكنها شامية عراقية حجازية مصرية… وهذا ما يفسر حجم هذا الإجرام غير المسبوق بحق ثورة الشام، وحجم هذا المكر والتآمر الظاهر فضلاً عن الخفي، في المؤتمرات والاجتماعات التى جعلت من ثورة الشام هي القضية السياسية الأولى في العالم، وأخرت كثيراً من القضايا، مثل فلسطين وكوريا الشمالية، وقضايا الدول المستقلة عن الاتحاد السوفياتي، وتوسيع حلف الأطلسي، والاتحاد الأوروبي، وصار العالم بقواه الاستعمارية الكبرى أميركا وأوروبا، وتلحق بهم روسيا والصين، شغلهم الشاغل ثورة الشام، ويعاونهم في هذا جميع حكام المسلمين، حتى إذا قلت إن الجهود المبذولة من هولاء الأشرار ضد ثورة الأمة في الشام خلال عمرها القصير، وهو ثلاث سنوات، قد فاقت ما بذل من مؤامرات حول فلسطين، القضية التى عمرها وصل إلى حوالى مئة عام، فإنك لا تبالغ إن لم تكن قد أصبت الحقيقة.
فالقضية التى نحن بصدد وصفها وتقييمها ، وإن تم اختصاره بكلمات وجمل قصيرة، لكنها قضية متشعبة ومتعددة الجوانب، وتتطلب كفاحاً مريراً وطويلاً لإسقاط النظام الفاسد والذي هو ظل الاستعمار الغربي والأميركي تحديداً، ولن يقف أبداً هذا الصراع عند إسقاط الحكام واستبدالهم بآخرين جدد، كما يحاول الاستعمار فعل ذلك، ويظن أنه ينهي موسم الثورات بهذه النهاية المبتورة، ويغلِّف ذلك بالدعاية الكاذبة التى يحترفها، أو يحاول أن يلبِّس على الناس قضيتهم فيجعلها زوراً وبهتاناً الإرهاب والإرهابيين، والتطرف والتكفيريين، أو بإعادة إنتاج واستنساخ مثل هؤلاء الحكام الذين ثار الناس عليهم كابن عبد ربه بعد علي صالح أو الشرع بعد بشار… أسماء كلها بعض من بعض… إن المسألة تدور الآن حول: هل المبادرة ما زالت بيد الغرب فيصنع للأمة حكامها ؟ أم هي في مرحلة انتقال إلى يد الأمة لتختار هي بنفسها؟
إن أميركا، ومعها دول الغرب الأوروبي، بل ودول العالم النافذة سياسياً، تخشى من الإسلام السياسي ومن الحركات الجهادية، وتريد أن تبعد الناس عن هذا الخيار؛ لذلك هي تهاجمه أيما مهاجمة، وتشوه صورته، وتريد أن تظهر فشله. وإن ما قامت به أميركا في مصر خيرُ مثالٍ يشرحُ موقفَ الاستعمارِ من الثورات، فهى بعد أن أحتوت الثورةَ بانتخاباتٍ أوصلت الإخوانَ إلى الحكم، وأبقتهم في حالة عجز وعدم فاعلية تجاه مسؤولياتهم الداخلية والخارجية على السواء، ومن ثم روَّجت لموجة من السخط على الحكم الجديد مهدت بها للانقلاب على الثورة، وإعادة الحكم كله إلى عملائها القدامى من العسكر والسياسيين. هذا بالرغم من أن الإخوان يعتبرون من الإسلاميين المعتدلين الذين يفهمون الإسلام على نفس طريقة الغرب. وبالرغم من أنهم ابتعدوا كثيراً عن الحكم بالإسلام في هذه الفترة القصيرة من حكمهم.
بعد كل ما ذكرنا، فإننا نقول بوضوح إن الاستعمار ما زال هو الذي يمسك بالسلطة في بلادنا بواسطة عملائه، والانتصار يترجم بانتزاع هذه السلطة منه وإعادتها للأمة لتضعها في يد مؤمن تقى نقي تعاهده وتعاقده على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أميراً للمؤمنينَ، وخليفةً راشداً للمسلمين.
ونستطيع القول إن الأرض تشتعلُ اليوم تحت أقدام الاستعمار في الشام والعراق… وهي كذلك تهتز أيضاً في مصر وتونس وغيرها، في حالة متقدمة من الوعي والتحرر والنهضة والتضحية. جعلت شعوب الغرب تحاكيها لولا قمع دولهم لهم، كما حدث في بريطانيا وفرنسا وأميركا وإيطاليا… حتى ملأت الدماء الميادين والطرق عندهم.
لقد كانت في الأمة دائماً قوى عميلة مرتهنة في الغالب للمستعمر على بلادنا، وتبدد تضحياتها في خدمة الاستعمار، وهذه القوى تمثلت بدعاة القومية ورموزها في العرب والترك وباكستان وإندونيسيا… ومن هؤلاء دعاة البعثية في سوريا والعراق، ودعاة الوطنية في فلسطين… لكن الأمة اليوم صارت طرفاً يشار له بالبنان في الصراع الدائر وفي العمل السياسي عموماً، ولم يبقَ لها إلا أن تهتدي إلى قيادتها السياسية المخلصة والواعية لتأخذ بيدها إلى النصر والتمكين حتى تستطيع أن تقطف ثمار كفاحها في ظل هذه القيادة الجديدة.
إن الأمة الإسلامية اليوم، ومعها حزب التحرير، يقفون أمام تحدٍّ كبير في إنجاز مشروع الخلافة الراشدة الثانية على أنقاض دول العمالة والخيانة والتبعية. وأميركا ومعها دول العالم جميعاً تحارب بكل وسيلة لمنع ذلك، قال تعالى: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ). وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. q
2014-04-29