رغم الكيد العالمي عليها… ثورات الربيع العربي تتجدد… لكنها تحتاج إلى ترشيد على أساس الشرع ثورات الربيع العربي: دوافعها ودلالاتها
2019/05/19م
المقالات
8,194 زيارة
رغم الكيد العالمي عليها… ثورات الربيع العربي تتجدد… لكنها تحتاج إلى ترشيد على أساس الشرع
ثورات الربيع العربي: دوافعها ودلالاتها
الدكتور حازم بدر – فلسطين
عندما اندلعت هذه الثورات في غير بلد من بلاد المسلمين، ابتداء من 2011م، فاجأت كل من ظن أن الأمة الإسلامية قد عفا عليها الزمن، وأن شهادة وفاتها قد كتبت منذ زمن بعيد، وأنها لا يمكن أن تحرك ساكنًا ضد الظلم والطغيان والحكم الجبري، المدعوم من الغرب الكافر المستعمر، والذي صعقته حيويتها وقدرتها الكامنة، ما تسبب له بإرباك كبير في برامجه الاستعمارية في بلاد المسلمين، وأثر على أولويات سياساته الدولية، فجعل إنهاءها وسحقها وإفشالها هاجسه الرئيس ومحل خططه.
ولا شك أن ما سمي بـ«الربيع العربي» هو انتفاضة طبيعية عفوية لهذه الأمة، وثورة على الظلم والاستبداد بعد محاولات تدجينها وتسكينها منذ هدم الخلافة، قبل قرن من الزمان، من خلال تكريس فرقتها وتمزيقها إلى دويلات عميلة للغرب المستعمر، تطبق أنظمته الرأسمالية عليها، وتنهب كل مقدراتها، وتعيش شعوبها البؤس والهوان والخوف والملاحقة والحرمان وشظف العيش.
وقد طالبت الثورات بداية برفع الظلم عن الأمة، لكن مطالبها أصبحت أكثر وضوحًا في اتجاه بحثها عن هويتها، فشعرت الأمة (في ثورة الشام تحديدًا) أن عليها أن تتحرك لتسترجع سلطانها المسلوب منها، وهو الخلافة؛ ما دفع أعداءها لأن يستنفروا كل جهدهم لسحقها واختطافها. فبعد أن ظن الغرب المستعمر والحكام أنهم قاموا بما فيه الكفاية، من تضليل الأمة وتجهيلها، وإبعادها عن عقيدتها، جاء ردها المزلزل بأنها أخذت قرارها بالتغيير، وأعلنت، بعد عقود من الصبر على الاستعباد، أنها لا تفنى، وأنها مستعدة للتضحية بالنفس والنفيس، في سبيل دينها وإعادة مجدها.
صحيح أن هذه الثورات لم تصل إلى أهدافها الحقيقية إلى الآن، بسبب اختطافها وحرفها، وتقزيم مطالبها وحدودها، وقمعها والتنكيل بأبنائها وتخويفهم، حتى ينفضوا عنها؛ إلا أنها قائمة ومستمرة. ومن ظن غير ذلك فهو مخطئ، فهي ليست ثورات عابرة، بل هي حركة تغيير كامنة ومتجددة لأمة لا تسكت عن الظلم والضيم، وهي حركة تاريخ مشرق لأمة تبحث عن هويتها، وتسير نحو غايتها، في وحدتها ونظامها ودولتها. فها هم أبناء الأمة في السودان اليوم يخرجون على حكامهم، وها هم في الجزائر يتحركون، وفي المغرب وفي الأردن… لذلك، فإن هذه الثورات ما زالت قائمة، رغم فتورها وإخفاقاتها، ولا زالت تلتهب من وقت لآخر، ولا تزال حركتها مستمرة، ويمكن أن نشهد ارتدادات لها في البلاد الثائرة نفسها، ويمكن أن تتمدد لغيرها، فالحال المزري الذي تكتوي به شعوب الأمة لم يتغير، وأسباب اندلاعها ما زالت قائمة، بل تضاعفت وتفاقمت. كما أن الشعوب التي لم تثر على حكامها بعد، تنام على وسائد استقرار هش ووضع مهترئ في كل مفاصل حياتها، ويمكن في أية لحظة أن يدفعها للانفجار والثورة، فما يحدث في بلد من بلدان المسلمين ينتقل صداه عند شعوب الأمة جميعها، فالحال واحد وحس الأمة واحد، والأمة واحدة موحدة؛ لأن مشكلتها واحدة وخلاصها واحد.
ولا شك أن هذه الثورات تحمل بذرة الإسلام ومشاعره. ظهر هذا بوضوح في اتخاذ المساجد نقطة انطلاق للتظاهرات، فكانت الجمعات المباركة، وكانت الملايين تصلي جماعة في الميادين، وكانت التكبيرات فيها، وصار الثوار ينزلون خطباء النظام عن المنابر، وكان من شعاراتها «هي لله، هي لله» و»الأمة تريد خلافة إسلامية»، فكان كل ذلك تناغمًا مع عقيدة الإسلام التي يعتنقها المنتفضون على حكامهم. وهكذا تميزت الثورات بالمطالبة بالإسلام، وإن لم يكتمل وعي بعض الثائرين عليه، فكان هو الصبغة المميزة لهذه الثورات وهو محركها، وليس بالتأكيد، الدوافع الوطنية والقومية في هذا البلد أو ذلك، مهما حاول حفنة العلمانيون وإعلامهم، في بلادنا، تصوير ذلك، خدمة لأعداء الأمة.
وهكذا كان الإسلام الحاضر الأول في هذه الثورات، والمغيب الأكبر في الوقت نفسه. فقد عمد أعداء الثورات على كبت ومنع ظهور الثورات، بصبغتها الإسلامية، ودعوتها للتغيير باتجاه ما يريده الإسلام، فزوروا مطالب الناس، بأنها دعوة إلى الحرية والديمقراطية والدولة المدنية…، فجاء الرد على كذبهم بدعم الناس للإسلاميين، في مصر وتونس، على سبيل المثال، وكذلك بمطالبة الثوار بالخلافة في سوريا. فكان المسلمون يريدون دينهم وإسلامهم، وكان الغرب الكافر وحكام المسلمين والعلمانيون يجهضون ذلك، تضليلًا وتآمرًا وكيدًا؛ لمنع الإسلام السياسي من أن يقود عملية التغيير، مستفيدين تارة من عدم وعي الثوار على ما يريدون، وتارة أخرى مما لديهم من أدوات تحكم في بلاد الثورات، من قوى سياسية علمانية، وقيادات مأجورة في الجيوش.
الثورات: نجحت وفشلت!
في ضوء ما تقدم، نستطيع أن نقول إن ثورات الربيع العربي نجحت في أشياء وفشلت في أخرى:
نجحت في كسر حاجز كثيف من الصمت والخوف عند الأمة، وكشفت أن الأمة لمت شمل أبنائها المخلصين وحركتهم، للتضحية في سبيل مبدئها وعرضها وكرامتها وبلادها، وأن الأمة في عداء حقيقي مع حكامها، وأنه لا يمكن التصالح معهم، وأوجدت إجماعًا على حتمية تغييرهم وتغيير أنظمتهم، ما يعني رفض الأمة أيضًا لمن يقف خلف هذه الأنظمة الوظيفية، وهو الكافر المستعمر، والذي يكرس وجود أنظمته الرأسمالية الليبرالية في بلادنا. ورفض الأمة هذا، يشكل في حد ذاته، انتصارًا للإسلام على الديمقراطية العلمانية من ناحية حضارية.
ثم إن الثورات نجحت في كشف قواعد الدولة العميقة في بلاد المسلمين، وهم عملاء الغرب العلمانيون، من السياسيين وقادة الجيوش المأجورين، وأدواتهم، وكيف استخدمهم الغرب في تغيير مسارات الثورات، واحتوائها وقمعها. ونجحت بتحجيم الدعوة إلى القومية والفكرة الوطنية، وبها انفضحت اللعبة الطائفية والمذهبية والعرقية في بلاد المسلمين. وبها أيضًا وعت الأمة على أكاذيب ومسرحية خلافة تنظيم الدولة، وأن الإسلام بريء منها ومن قيادتها، وأنها كانت لتشويه الإسلام والخلافة.
ونجحت الثورات في ترك بصمة كبيرة يمكن أن تؤدي إلى إشعال ثورات لا حصر لها، ليس فقط في بلادنا، ولكن على المستوى الدولي، ما يساعد في تزعزع وانهيار المنظومة الدولية كلها، ذلك الوحش الرأسمالي، الذي ينهب ويقتل ويبيد كل من يقف في وجه الدول الرأسمالية واستعمارها. فقد بات البعض يربط بين خروج أصحاب السترات الصفراء في فرنسا والربيع العربي، وباتت بعض الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا تستعيد حيويتها ومدها السياسي، بسبب الانقسام عندهم حول اللاجئين الفارين من أتون الربيع العربي، واختلافهم حول أولوياتهم السياسية. وحتى أميركا، الدولة الأولى في العالم، لم تسلم من الثورات، فقد تقهقر موقعها في بلادنا، كون الثورات هددت عروش عملائها، وهيمنتها.
لكن الثورات فشلت في الوصول إلى الهدف المنشود، وهو التخلص من الأنظمة المجرمة الجاثمة فوق أنفاس الأمة بالكلية، وفشلت في تحقيق أهدافها التي تليق بمبدئها وتاريخها العظيمين، وهو إعادة الحكم بالإسلام بوحدتها وخلافتها.
وفشلت الثورات لأنها لم تكن عندها رؤية واضحة ومبلورة حول ما تريد تحقيقه، وما هي أهدافها. فشلت بسبب غياب الوعي السياسي عند جماهير الثوار والقوى السياسية، التي تقود حراك الثورات، والذين لم يعوا على المطلوب عمله للتغيير الجذري الحقيقي، فكانوا لقمة سائغة لألاعيب ومكر الحكام وعلمانييهم ومن يقف خلفهم في الغرب، والذين التفوا عليهم بتغييرات شكلية، في رأس النظام، من غير أن تغير شيئًا في ماهية النظام نفسه، فعادت الأنظمة القديمة بأقنعة جديدة، ووُرّط أصحاب ما يسمى بـ»الإسلام المعتدل» في اللعبة الديمقراطية وأُفشلوا، فانحرف مسار بعضها، ونُكِّل بأخرى أيما تنكيل، وجرت ثالثة إلى مواجهات مسلحة لإحكام السيطرة عليها. وهكذا فشلت الثورات لأنها لم تتخذ قيادة سياسية واعية لها تقودها إلى بر الأمان والخلاص المطلوب شرعًا.
وفشلت الثورات أيضًا عندما لم تعمل على الاستنصار بضباط الجيوش، المخلصين منهم، لمساعدتها في التخلص من حكامها بالكلية وتغيير أنظمتهم. وكان عليها أن لا تترك قادة الجيوش المأجورين يتحكمون في الجيوش. كان الواجب على الإسلاميين، في مصر مثلًا (والجماهير العريضة تساندهم في الميادين بالنفس والنفيس) أن لا يقبلوا الحكم إلا بعد أن يتم التخلص من كل قيادات الجيش العميلة، والتي كانت تتربص بهم. لكنهم لم يعوا ولم يعلموا أن قبولهم الوصول للحكم دون أن تكون قيادات الجيش مخلصة لمشروع الإسلام، هو عين الفشل، بل الانتحار السياسي. وهذا ما حذرهم منه الشيخ حازم أبو إسماعيل، بعيد ثورة يناير (10/3/2011م)، والذي وعى على ضرورة أن يكون أنصار الثورة، من ضباط الجيوش، مخلصين وغير مأجورين. لقد كان الواجب على مرسي وجماعته أن يستنصروا بقيادات الجيوش المخلصين، لتسليمهم الحكم والناس تتحرك في الميادين، حتى يكون الحكام وأنصارهم من قادة الجيوش منسجمين ومتفقين على شكل الحكم المراد، وهو الإسلام، فتلتحم إرادة الأمة بإرادة جيوشها، ولم يكن لأحد، من العسكر العملاء، أن يستطيع أن يمنعهم من ذلك، تحت ضغط الرأي العام الكاسح،… لكن مرسي وجماعته لم يفعلوا!!
وفشلت الثورات أيضًا عندما قبل قادتها الوصول للحكم على أساس اللعبة الديمقراطية الخبيثة، والتي يرعاها الغرب في بلادنا، حسب مصلحته، كيدًا وتضليلًا، فوصل قادتها إلى الحكم ولم يصل الإسلام. ففي حالة مصر، وتحت ضغط الثورة وحراكها الملتهب، سُمح للإسلاميين بالترشح، وحتى بالوصول للحكم، بالطريق (الديمقراطي) الممسوك من رجالات الحرس القديم العلمانيين ومن العسكر المأجورين. وبعد سنة من محاولات إفشال الإسلاميين انقضّوا عليهم وسحبوا منهم منحة (الديمقراطية) التي أعطوهم إياها!! أبَعد ذلك يدافع من يدافع من الإسلاميين عن الديمقراطية كأساس ومرجع وطريق للوصول إلى التغيير؟! إن الإسلاميين الذين أعتلوا موجة الثورات يتحملون الانتكاسات التي ألمت بها، فمشاركتهم الأنظمة العميلة الحكم، وتنازلهم عن الحكم بكل الإسلام، وقبولهم بالاحتكام إلى الديمقراطية وقوانينها الغربية ودولتها المدنية، والتي تكرس استمرار أنظمة الضرار، في بلادنا، يعتبر جرائم اقترفتها هذه الحركات في حق شعوبها وثوراتها. لقد أثبت الإسلاميون الذين وصلوا للحكم أن لا علاقة لهم بالإسلام، بل هم امتداد لفشل التيارات التي تعتقد أنها إسلامية، تلك التي تقول إن الديمقراطية والدولة المدنية هي الحل! ولقد خذل هؤلاء من انتخبهم؛ لأن من انتخبهم كان يريد الإسلام فأوصلوهم للحكم؛ ولكنهم لم يحكموا بما يؤمن به أبناء الثورات، وهو الإسلام.
الكيد العالمي على ثورات الربيع العربي: ما هي الخطة لإنهائها؟
جاءت الثورات صاعقة للغرب المستعمر، كونه الحاكم الفعلي في بلاد المسلمين، والماسك بزمام الأمور فيها، نهبًا لمقدراتها، وتمزيقًا لشمل وحدتها الواجبة، وملاحقة لدينها، فأمر أنظمته العميلة أن تحبط الثورات وتسحقها، وقدم لها كل مساعدة ممكنة. وقد جاءت استراتيجيته لتحقيق ذلك في مسارات متعددة، فرضها تطور ثورة كل بلد خرج الناس فيه على حكامهم. ويمكن إجمال خططه وأدواته ووسائله المجرمة الماكرة على النحو التالي:
-
اعتبر الغرب المستعمر أن رأس الأمر في استراتيجيته هو منع الثورات من تغيير الأنظمة بالكلية، وإقامة حكم إسلامي رشيد مكانها، يعيد للأمة سلطانها المسلوب منها: دولة الخلافة الجامعة. فالغرب لا ينظر إلى هذه الثورات إلا على أنها إسلامية، ولا يمكر ويكيد لها إلا لأنها كذلك. وهو وإن سماها بـ«الربيع العربي» فتضليلًا للأمة، حتى يصرفها عن التحرك، انطلاقًا من مبدئها، فهو يعرف جيدًا أن تحرك الأمة على أساس الإسلام هو ما يحقق لها الخلاص. فعمد إلى تصوير الثورات بأنها تحركات وطنية محدودة، تطالب بحلول وطنية خاصة ومحلية وشكلية، تكرس وجود الدولة الوطنية العميلة له، ما يساعده في تكريس وبقاء استعماره في بلادنا؛ من أجل ذلك حرص الغرب المستعمر على إبعاد الصبغة الإسلامية عن الثورات، لأنه يعي أنه يستطيع أن يلتف على دعوات ومطالبات الثوار إن كانت مسقوفة وطنيًا، ويعي، قطعًا، أن إسلامية الدعوة في الثورات لن يقف أمامها إلا التحرر الكلي من هيمنته، ووحدة المسلمين، وإقامة حكم الله في الأرض.
-
أمر الغرب الأنظمة العميلة له أن تظهر مطالب الثورات بأنها الديمقراطية والحرية والدولة المدنية، وكان المقصود من ذلك إقصاء الإسلام والدعوة له، فأكثر ما يرعب الغرب هو الإسلام السياسي وحركته المبدئية في الأمة. فجيشت الأنظمة لذلك كل الإعلام وكل رجالاتها العلمانيين؛ ليقودوا حركات سياسية علمانية ليبرالية تندس بين الثائرين؛ لتضللهم بهذه الشعارات ولتحرفهم عن مفاهيم الإسلام، فلا يدعو الثوار إلى حكم الإسلام.
-
وكما استخدم الغرب القوى العلمانية، في إجهاض الثورات وإفشالها، استخدم القوى الإسلامية والمصنفة «معتدلة». و«معتدلة» تعني عنده أنها على المقاس الغربي: علمانية ملتحية! ولقد بات المسلمون يعرفون هذه القوى جيدًا، بعد أن جربوها مرارًا، وهي تقدم طوق النجاة للأنظمة الآيلة للسقوط، في غير بلد، لتقف على رجليها مرة أخرى، خدمة للمستعمر ومحاربة للإسلام. وجريمة تلك الحركات مركبة، فهي، أولًا: تنادي بما تنادي به الحركات العلمانية، من ديمقراطية ساقطة ودولة مدنية. وهي ثانيًا: لا تدعو إلى تطبيق أي شيء من الإسلام في المجتمع، فتشوه فكرته وطريقته. وهي ثالثًا: تشارك الأنظمة الهالكة وأحزابها العلمانية، الحكم والتشريع، على الأساس (الديمقراطي)، والذي يطيح بها في كل مرة تصل أو تقترب فيه من الحكم. ألم توصل هذه الديمقراطية المزعومة هذه الحركات إلى الحكم في مصر، ثم أطاحت بها؟ فلماذا تتمسك هذه الحركات بالديمقراطية، وتجعلها الحكم والفيصل؟! أهو الجهل الفاضح أم الخيانة؟!!
-
عمل الغرب المستعمر على احتواء ثورة تونس، والالتفاف عليها، من خلال اعتماده على الدولة العميقة فيها، فانتكست الثورة فيها عندما ضُلل الناس بدستور علماني وانتخابات (ديمقراطية!) تزاوج فيها رجالات الحرس القديم لبن علي يقودهم الباجي السبسي، مع إسلاميين علمانيين يقودهم الغنوشي، الذي رفض أن يتضمن دستور البلاد بندًا يعتبر الشريعة مصدرًا للتشريع!! فلم يتغير الحال فيها، بل صار إلى الأسوأ. وفي مصر استدرج الغرب وعملاؤه العلمانيون المسلمين للحكم، بعد أن رأوا أن الناس تريد الإسلام. وفعلوا ذلك أيضًا من خلال الطريق (الديمقراطي) الخبيث. وكان الهدف من وراء ذلك إفشالهم، وإظهار أن الإسلام غير قادر على الحكم. ثم انقضت الدولة العميقة في مصر يقودها العسكر العملاء على الحكم لتكتوي البلاد بالنار والقوة الغاشمة بعدها، وليطارَد الإسلام والمسلمون، وليساموا كل العذاب، إطفاء لجذوة الثورة. وفي ليبيا لا يزال البلد تحت وطأة الصراع الدولي على مغانمه وثرواته، فلا أمن في البلد، ولا حكومة تستطيع أن تدير شيئًا فيه وترعى الناس، والعسكر المتصارعون لحساب الغرب، هم أصحاب الكلمة هناك. واليمن يرزح تحت مجازر تلو مجازر، ومجاعة، وتقسيم، وفوضى عارمة، وحرب بالوكالة أكلت الأخضر واليابس، لحساب الغرب المستعمر. أما في سوريا، ولأن قوة الثورة كانت أكبر وأوضح باتجاه دينها، ودعوتها لتحكيم شرع ربها، جاء المشهد أكثر إيلامًا على يد الغرب المجرم وأعوانه، الذين تكالبوا عليها واستباحوها بكل أسلحتهم ومكرهم السياسي علهم ينهون الثورة كما يشتهون، ويمنعون عودة الحكم بالإسلام فيه.
-
ومن أساليب الغرب المستعمر في حرف الثورات أمرُه الأنظمةَ بترهيب الناس وقتلهم بالجملة حتى يستكينوا ويجبنوا، ولا يفكروا في الخروج على الحكام مرة أخرى، وما يحصل في مصر، على يد السيسي، وبتشجيع كبير من الغرب (الديمقراطي)، من ملاحقة متزايدة وشديدة لكل ما هو إسلام، وإنشاء عشرات السجون، والتعذيب، والاختطافات والإعدامات… إلا وسائل ترويع مقصودة لإحباط النفوس، وتخويفها من أي تحرك. وما حصل في سوريا ليس عنا ببعيد. ومن أساليبه، في هذا الصدد، وصم الإسلام والمسلمين بـ(الإرهاب) لتسويغ ملاحقتهم، وكبت تحركهم ضد الأنظمة، فأصبحت تهمة (الإرهاب) هي الشماعة الجاهزة لكل من يسعى للتغيير، وصار الإعلام في بلاد المسلمين ينادي باستباحة دم الناس وأعراضهم ومالهم لمجرد أن عندهم حسًا إسلاميًا، كل ذلك من أجل شيطنة الثوار، وشق صفهم، وتخويف الناس من مجرد الاقتراب منهم.
-
ومن أساليبه إطلاق أبواقه الإعلامية العلمانية لتصوير الثورات بأنها أمر فشل وانتهى، وأنها جرت الخراب والويلات على الشعوب العربية، فلا أمن ولا استقرار ولا ازدهار اقتصادي بسببها، بل تراجع في التنمية وحظوظ العيش!! وهكذا يحرص الغرب والأنظمة، تضليلًا، على تركيز الصورة الذهنية عند الأمة، بأن البلايا والرزايا، التي تحل بالمسلمين اليوم، قد حلت بهم بسبب الثورات، وصار يصفها بالكارثية حتى يضللهم بعدم التفكير بها، وحتى لا تتجرأ الشعوب على الثورة مرة أخرى.
تصريحات أعداء الأمة تكيد للثورات: وهذه طائفة من التصريحات للتدبر (سياسيون ومفكرون في الغرب، أنظمة عميلة وأبواقهم، يهود…) تؤكد كيد وخشية الغرب والشرق من الثورات:
-
قال توني بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق: يجب دعم الليبراليين في الشرق الأوسط، أو سنواجه الإسلاميين في أعقاب الربيع العربي (2011)، وأكد بلير أن ثورات الربيع العربي أفرزت تنظيمات (إرهابية)، وأضاف أن ثورة 30 يونيو (انقلاب العسكر على مرسي) ثورة حقيقية قامت في مصر، والتي كانت في أزمة حقيقية، وكادت تنزلق إلى الهاوية بعد تولى الجماعة (الإرهابية) السلطة بها (2015)، وقال إن الخسائر الناتجة عن ثورات الربيع العربي باهظة التكاليف، مضيفًا: «حينما بدأ الربيع العربي حاولنا التدخل من أجل الحصول على الاستقرار في المنطقة» (2016).
-
قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن تونس نجحت في بناء دولة مدنية بالرغم من اختطاف الحكم من قوى أيديولوجية دينية (2018)؟!
-
قال السيناتور الأميركي عن ولاية فرجينيا ريتشارد بلاك عن ثورة الشام: «إن سقوط النصيرية في دمشق ما هو إلا إعلان قيام دولة إسلامية، وبعد شهر من سقوط دمشق سوف تسقط باقي الدول» (2015).
-
قال جوناثان إيفينس المدير العام للجهاز البريطاني للتجسس (إم آي 5) إن انتفاضات الربيع العربي تشكل تهديدًا إرهابيًا في المنطقة، وفي بريطانيا بالذات (2012).
-
كشف رون نيكلسون الكاتب في جريدة نيويورك تايمز بأن بعض قادة الحركات الاحتجاجية العربية (المدعومين من أميركا) تلقَّوا تدريبات من قبل أميركيين حول كيفية القيام بالحملات الاحتجاجية والتنظيم من خلال وسائل الإعلام الحديثة، وكيفية مراقبة الانتخابات (2011)!!
-
قال المفكر الأميركي نعوم تشومسكي: «في حالة الربيع العربي، لقد دعم أوباما، تمامًا مثل حلفائه، الديكتاتوريات القائمة، واستمر في دعمه هذا لأطول وقت ممكن. وعلاوة على ذلك فقد راهن أوباما وحلفاؤه على إعادة تثبيت هذه الأنظمة القديمة بعد هذه الثورات».
-
ذكرت الغارديان البريطانية (2017): أن الأسباب الكامنة وراء الثورة لم تتلاشَ، وأن الظروف اليوم، في نواح كثيرة أسرع للاشتعال من عام 2011، وأن هناك أسبابًا واضحة لدورة أخرى من الاحتجاجات، منها أن نخبة متوارثة هي التي تحتكر السلطة، إضافة إلى الفساد الكبير ورجال الأعمال الحيتان الذين يدعمون الأنظمة. وأكد الكاتب البريطاني ديفيد هيرست أن «الظروف التي أشعلت ثورات الربيع العربي عام 2011 باتت اليوم أشد ضرامًا» (2018). ولخص شايماس ميلن الكاتب في الغارديان في مقالة له بعنوان «الربيع العربي والغرب: سبعة دروس من التاريخ» (2011) عقلية الغرب الاستعمارية في السيطرة على الربيع العربي، فقال: لا يكلُّ ولا يملُّ الغرب في سعيه للسيطرة على الشرق الأوسط مهما كانت العقبات، وأن القوى العظمى هي أياد خبيرة في تجميل الأنظمة العميلة لإبقاء تدفق البترول، وأن الغرب يقدم العرب الذين يصرون على إدارة شؤونهم الخاصة كمتعصبين، وأن التدخل العسكري الأجنبي في الشرق الأوسط يأتي بالموت والدمار والتقسيم، وأن شعوب الشرق الأوسط لا تنسى تاريخها، حتى لو نسيت الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا ذلك…
-
اعتبر الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، أن أحداث الربيع العربي لم تخلف سوى الدمار وانتشار الإرهاب في المنطقة (2018).
-
حذّر وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد السعودي عبد اللطيف بن عبد العزيز آل الشيخ، من الثورات التي تجعل من اعتبرهم «دعاة الفتنة» يحاولون الاستيلاء على الحكم، وأضاف أن «الثورات المسماة كذبًا وزورًا وبهتانًا بثورات الربيع العربي» ثورات «سامة» و»مهلكة للمسلمين» وأنها «جلبت الخراب والدمار للبلاد والعباد وأحرقت الأخضر واليابس» (2019).
-
أكد المستشرق اليهودي إيال زيسير في صحيفة «إسرائيل اليوم» أن إفشال محمد مرسي «تقتضيه مصلحة (إسرائيل) الاستراتيجية؛ لأن التخلص من حكمه يوقف تحقق سيناريو الرعب الذي بشر به الربيع العربي» (2012). وقال المفكر ومعلق الشؤون السياسية في صحيفة «هآرتس» آرييه شافيت إن «الجنرال عبد الفتاح السيسي بطل من أبطال (إسرائيل)»، بعد أن أفشل ثورة مصر وانقض على حكم الإخوان (2013)، كما حذر الكاتب اليهودي حجي إلعاد من أن يفضي الربيع العربي إلى «خريف إسلامي». أما آفي بنياهو، الناطق الأسبق بلسان جيش يهود، فقال: «على الغرب التغاضي عن استبداد نظام السيسي ودعمه بوصفه دعامة للاستقرار… الحرب التي يخوضها السيسي ضد الإسلاميين تجعل لـ (إسرائيل) مصلحة واضحة في استقرار حكمه». وقال الجنرال عاموس جلبوع في مقالة له في صحيفة «معاريف»: «إن الربيع العربي أعاد (إسرائيل) للمربع الأول من حيث رفض شرعيتها لدى الجمهور العربي؛ لأنه منح الفرصة للجماعات التي تتخذ مواقف عدائية من الحركة الصهيونية للتعبير عن ذاتها وإبراز مدى التفاف الجماهير حول مواقفها». أما صحيفة «ذي ماركير» الاقتصادية فقد نقلت عن وزير الحرب الأسبق في كيان يهود بنيامين بن إليعاز قوله «إن احتفاظ العسكر في مصر بصلاحياتهم، وعدم نقلها للمؤسسات المدنية يمثل مصلحة استراتيجية للكيان».
المطلوب: الثورات تحتاج إلى ترشيد على أساس الشرع
نقول في ضوء ما تقدم:
-
ثورات الربيع العربي تحتاج إلى ثورة عليها لتصحيح مسارها، ثورة يكون هدفها الأوحد اقتلاع الأنظمة العميلة العلمانية من جذورها، ثورة يقطع فيها المسلمون أية علاقة لهم بالدول الأجنبية، ويرفضون فيها المال السياسي، ثورة مخلصة لمبدأ الإسلام تسير بالثائرين والأمة نحو الخلافة… فرض ربها، ومبعث عزها، وطوق نجاتها. فلا شك أن جوهر المسألة في هذه الثورات هو الصراع بين الأمة التي تطالب بالإسلام والحكم به، وبين أعدائها الذين يريدون حرف إرادتها باتجاه مشاريع علمانية مسمومة تديم بقاء الأنظمة لصالح الهيمنة الغربية.
-
أهم شيء تحتاجه الثورات هو الوعي على مخططات الغرب المستعمر في بلادنا، فاستعانة الثورات بالغرب ضرره كبير وإثمه أعظم. فالغرب أتقن سياسة جعل الشعوب والأنظمة والجماعات، وحتى القائمين على الثورات، يستعينون به في سياساتهم، وحل مشاكلهم، وهذا يجب أن يتوقف، وإلا لن يحققوا شيئًا. ولا يجوز للقائمين على الثورات أن يكرروا ما تفعله الأنظمة المأجورة من اعتبار الغرب المستعمر المخلص لهم في حل مشاكلهم، فهؤلاء ذنبهم أنهم عملاء. ومهما كان الضغط على الثورات، ومهما كان مستوى الاستضعاف، ومهما كانت الحاجة للمال، ومهما كان مستوى القمع والتقتيل من الأنظمة تجاه الثائرين، فلا يجوز لهم أن يرتموا في أحضان الغرب المستعمر؛ لأنهم لن يجنوا شيئًا في النهاية. فعلى الثورات أن تقطع أن مصلحتها التي يفرضها دينها، هي في التخلص من كل وصاية غربية عليها.
-
على من يقود هذه الثورات أن يتحرك على أساس الإسلام، وأن تكون قيادته صادقة، وما لم تكن كذلك، فلن يكون قادرًا على قيادة الأمة القيادة الحقيقية. وحتى إن ادعى تبنيه المنهج الإسلامي، ولم يسِر بالأمة نحو أهدافها الحقيقية السامية (تطبيق الإسلام كل الإسلام في دولته)، فإنه سرعان ما تنكشف حقيقته للأمة، وتنفضه ثم يسقط. لقد كانت كل هتافات الثوار في كل بلدان الربيع العربي تندد بالأنظمة وسياساتها الرأسمالية العلمانية الفاشلة في كل مجالات الحياة، (والتي هي نموذج الحكم الغربي في بلاد المسلمين، وتكريس لهيمنته) فلا يُقبل بعد ذلك من القائمين على الثورات إلا المطالبة والعمل على كب ورمي هذه الأنظمة في مزابل التاريخ، وإبدال حكم الإسلام بها، وهو الذي يخلصها ويرعاها بأحكام الله العادلة الشافية. فأقل من ذلك، يعتبر فشلًا وتضييعًا للوقت، وانحرافًا عن جادة الحق والعمل المنتج الذي يرضي الله عنا.
-
كان ينبغي على الثوار أن لا يضعوا أيديهم في أيدي الأنظمة الخائنة العميلة، وأن لا يقبلوا أن يمارسوا السياسة كما يريد الغرب وحسب قواعده، تضليلًا لهم وحرفًا لثوراتهم. ولقد كانت قوة الثورات واحتضان المسلمين لها قوة أكثر من كافية للوصول إلى ما يريدون. وكانت هذه القوة أكبر من كافية لإجبار الجيوش وقادتها على الخضوع لمطالب الثوار، دون الحاجة إلى قبول استفتاءات ووضع دساتير وضعية، ودخول انتخابات على الأساس الديمقراطي الخبيث الذي سرق الثورات، ودون الدخول في مساومات على تسلم سلطة منقوصة، كما حصل في أكثر من بلد. لقد استخدم الغرب الكافر ما يسمى بـ«الإسلام المعتدل» ليقود عملية التغيير، بسبب ضعف أدواته وكوادره العلمانية في بلادنا!! وللأسف وافقت الحركات الإسلامية المعتدلة على دفتر شروط الغرب، فانحرفت الثورات وانتكست.
-
وكان ينبغي على الثوار أيضًا أن يكون لديهم الجاهزية الكاملة لتسلم الحكم كاملًا على أنقاض الأنظمة، بدل مشاركتها. وكان يتوجب أن يكون لدى القائمين على الثورات برنامج عمل سياسي كامل للتطبيق في دولته، وأن يكون دستورهم الإسلامي كذلك جاهزًا لديهم، وأن يطلبوا الحكم كاملًا من الجيش (ضباطه المخلصين طبعًا) ليطبقوا الإسلام، ولم يكن أمام الجيش حينها إلا الخضوع لمطالبهم تحت ضغط الثورة. فإن رفض المأجورون من ضباط الجيش ذلك، استمرت الثورات حتى يخضعوا. لكن الذي حصل في مصر، مثلًا، هو أن الإسلاميين قبلوا الوصول للحكم على أساس الدستور العلماني، ومن خلال انتخابات (ديمقراطية) ورطهم فيها العسكر العملاء، والذين كانوا يديرون الدولة، وبيدهم كل زمام الأمور، فكانت النتيجة وصول إسلاميين إلى الحكم شكلًا، ولم يصل الإسلام!!
-
أكدت الثورات أن مقولة الإسلاميين «خيارنا ديمقراطي ومرجعيتنا إسلامية»! هي مقولة فاسدة قولًا واحدًا، فهي تجمع بين النقيضين، فالديمقراطية نظام حكم متكامل، يقصي الدين عن الحياة ويجعل التشريع للبشر، وليست آلية انتخابات فقط كما يدعون. إن الديمقراطية العلمانية هي نظام الغرب المستعمر، الذي يهيمن ويسحق الشعوب!… كفى هؤلاء الإسلاميين تخبطًا، ومكابرة، وتسطيحًا للأمور وإهدارًا لفرص التغيير.
ونقول لهؤلاء الإسلاميين: إن الغرب يغرق بديمقراطيته في بلاده، فلا تنقذوه في بلادنا. ومن يعرف الديمقراطية وحرياتها ودولتها المدنية حق المعرفة، يدرك أنها فكرة وأداة استعمارية، لتحقيق مصالح الغرب الرأسمالية المجرمة في بلادنا. فالديمقراطية صنم أميركا تأكله حين تخشى على مصالحها. ألم يكن خياركم (الديمقراطي) في مصر إيصال محمد مرسي للحكم؟ فلماذا سحبته أميركا منكم بلا استحياء، وهي التي تتشدق بالديمقراطية ليل نهار، ثم أمرت العسكر بالبطش بكل ما هو إسلام، وإلى اليوم؟! آن الأوان لأن تدركوا، رحمكم الله، أن ديمقراطية أميركا نظام كفر يقصي الدين عن الحياة، وبسببها يعيش المجتمع الأميركي حياة فاشلة منحطة في كل مفاصلها؛ من ظلم، وجرائم وعنصرية، وأمراض، وانعدام أمن، ومادية بشعة… ألا تدركون أن ديمقراطية أميركا هي السبب الذي جعلها تنشر الحروب وتهيمن على مقدرات الشعوب في العالم؟! ألا تعون أن أميركا تريد الديمقراطية في بلاد المسلمين من أجل هدف واحد فقط: محاربة الإسلام ومنع عودته، ومن أجل إفساد المجتمع وعلمنته واستمرار الهيمنة عليه؟!
ونقول لهم أيضًا: اعلموا أن الغرب المستعمر لن يستطيع أن يفعل شيئًا لحرف الأمة عن مبتغاها الحقيقي، وهو الحكم بالإسلام، إن وقفتم بجانبها، ترفعون الشعارات الحقيقية للإسلام، ومشروع الأمة، وهو الخلافة. اعلموا أن الثورة الحقيقية هي تلك التي تقطع كل علاقة لها بالغرب المستعمر وأنظمته. ولا يغرَّنكم اكتساح بعض مقاعد في برلمان هنا أو هناك، فهذا لا قيمة له في دين الله، ما دامت الحاكمية للشعب (الديمقراطية) وليست لله، وما دامت قيادات الجيوش، تأتمر بأمر أسيادها في الغرب، بدل أن تلتحم مع أمتها في معركة التغيير الحقيقي.
-
ونقول للعلمانيين الليبيراليين: نعرف أن الغرب الكافر يستخدمكم في حرف الثورات ووأدها، وشق صف الثوار، بإظهار أنها تطالب بالديمقراطية والحريات والدولة المدنية؛ لأن أكبر ما يخشاه هو الإسلام السياسي. ونعرف أنه يتصل بكم، ليمول تحرككم وليدربكم، من أجل القفز على الثورات، ومحاولة توجيهها لما يريد، ونعي أن الغرب يستخدم أصواتكم وصوت الإعلام المأجور، للترويج لشعارات ليبرالية وأفكار علمانية تتطاول وتتهم الإسلام والعاملين له. فاعلموا يا أنصار الحضارة الغربية أنكم غريبون فكرًا وشعورًا عن جماهير الثورات، لكنكم تمكَّنون، في بلادنا، من خلال دعم السفارات الغربية لكم، ومن خلال المال القذر الذي تنفقونه، ومن خلال الإعلام. وأنتم ليست عندكم الشجاعة للمجاهرة بما لديكم كمشروع سياسي لما بعد سقوط الأنظمة تقدمونه أمام جماهير الثوار في الميادين والساحات، لأنكم إن فعلتم، لفظتكم الجماهير المتعطشة للإسلام ونظامه.
-
المطلوب الآن هو توجيه البوصلة لتسير الثورات في الاتجاه الصحيح. والصحيح هو أن الأمة – في بلاد الثورات وغيرها – تريد الإسلام ودولة الإسلام. وهذا يستوجب أن يكون النظام الذي يحكم به المسلمون على أساس عقيدة الثائرين من أبناء المسلمين، أي نظام الإسلام وخلافة الإسلام، ويستوجب أيضًا أن يكون من يساند هذا النظام ويمنعه ويحميه وينصره، في جيوش المسلمين، هو من يؤمن بما يؤمن به الثوار. وحتى تصل الأمة إلى هدفها هذا، فلا بد أن تلتحم إرادة الأمة بإرادة أبنائها المخلصين في جيوشها. وما لم يحصل ذلك، فلن تصل الأمة إلى هدفها المنشود. ومن ظن أن الجيوش فاسدة عميلة، قلنا له إن الفاسد فيها بعض قيادتها، وهذه تُزال من الطريق على أيدي المخلصين في الجيوش بإذن الله، بعد أن يروا الأمة تضحي في سبيل دينها، فتهون عندهم الدنيا فينصرون الأمة، ويسلمون الحكم للمخلصين من أبنائها.
-
نقول للأمة وللقائمين على الثورات: تدبروا أمركم، ولتكن دعوتكم واضحة مبلورة عن البديل الذي تريدون، ولتكن شعاراتكم من أجل إقامة نظام الإسلام ودولة الخلافة، فلا يكفي شعار «تسقط بس» ولا يكفي شعار «الشعب يريد إسقاط النظام» ليقبل الغرب بالتخلص من رأس النظام، وليأتيكم بمن هو شر منه! اعلموا أن الذي فشل في دول الثورات هي (ديمقراطية) الغرب والأنظمة الزائفة الكاذبة، والتي ضحكوا بها على ذقون بعض المتأسلمين، فأفشلوهم وورطوهم في حكم منقوص سرعان ما سحب منهم!! ارفضوا تشريعات النظام ودستوره وقوانينه الرأسمالية التي تخالف دينكم، وطالبوا بالحكم بتشريعات وقوانين الإسلام التي تنقذكم. التفتوا لمن يعمل معكم وبين ظهرانيكم، ولديه رؤية كاملة متكاملة لنظام الإسلام، وسياسة الإسلام، والحكم بالإسلام، ولديه مشروع دستور لدولة الخلافة، يعرضه عليكم جاهزًا للتطبيق.
-
إن حزب التحرير يدعوكم لهذا، وهو موجود معكم في الساحات والميادين والمساجد والمنابر، وهو يدأب في العمل لخير الإسلام وخير هذه الأمة، وهو يقود بينكم حملات للتغيير على أساس الإسلام تحت عنوان «التغيير الحقيقي فرض ووعد»، وهو مع الثائرين والمحتجين، يوجه ويسدد ويقارب لهم، ليسيروا في الاتجاه الذي يرضي الله عنا، حتى لا ننخدع وتُسرق جهودنا. وحزب التحرير، وهو يفعل ذلك، يدعو جميع المهتمين بقضايا الأمة إلى تقديم ما لديهم من رؤية متكاملة للخروج بمشروع للأمة ينقذها، ويتحدى العلمانيين لأن يجاهروا بأفكارهم الليبرالية للالتفاف على الجماهير.
-
لقد أكدت ثورات الربيع العربي وأشارت إلى طريقة التغيير الواجب اتباعها لخلاص الأمة وإعادة الحكم بالإسلام. وهي الطريقة التي يسير فيها حزب التحرير، فهي طريقة أمر بها شرع الله، ويصدقها الواقع اليوم، إضافة إلى أنها منتجة لإنجاز التغيير، فما حصل من التفاف وسحق للثورات دليل على ذلك، على النحو التالي:
أولًا: أكدت الثورات على ما يقوله الحزب من أن الأنظمة في بلاد المسلمين هي أنظمة غير شرعية، لا يجوز الالتقاء معها، لا اعترافًا بها ولا مشاركة لها في الحكم والتشريع. ومن أجل هذا لا تجد الأمةُ الحزبَ منخرطًا فيما يسمى العمل السياسي الوطني، الذي ينسجم مع منظومة الأنظمة الفاسدة، في هذا البلد أو ذلك.
ثانيًا: أكدت الثورات على ما يدعو إليه الحزب، من وجوب تغيير الأنظمة بالكلية، وإقامة نظام الخلافة على أنقاضها، فغير ذلك لا يخلص الأمة؛ لأن البديل حركات إسلامية «معتدلة» تطيل عمر النظام وتساعد في إقصاء الإسلام، أو قوى علمانية تعيد إنتاج النظام.
ثالثًا: أكدت الثورات على ما يقوله الحزب، من أن جيوش المسلمين هي بيضة القبان وطوق النجاة، في إيصال الأمة إلى الحكم بالإسلام. وعندما نقول جيوش المسلمين نقصد القيادات المخلصة فيها، التي تؤمن بما يؤمن به الثوار وكل أبناء المسلمين وقياداتهم المخلصة، والذين يريدون الإسلام، وليس القيادات المأجورة، التي وضع الإسلاميون أيديهم بيدها، فاستدرجوها وأفشلوها ثم انقلبوا ضدها!
-
إن حزب التحرير لن يمل أن يذكر الأمة أن التغيير الصحيح يقتضي السير على خطا النبي صلى الله عليه وسلم، في إقامة حكم الله في الأرض، وأنه ما لم تلتزم الأمة بطريق الرسول وأمر الله، فستظل تدور حول نفسها، ولن تصل إلى شيء، ولو قامت ألف ثورة. فدون الوعي والتبصر لمعالم طريق التغيير الذي يرضي الله عز وجل، سيظل الكافر المستعمر والأنظمة العميلة، يقودون الأمة من ذل إلى ذل، وسيستمر في تضليلها والالتفاف عليها والبطش بها.
أما خارطة طريق حزب التحرير للأمة وقد أعلنت عن نفسها، وثارت على حكامها، فالتالية:
أولًا: يدعو الحزب أبناء المسلمين ليستمروا في الخروج على حكامهم، في كل بلاد الأمة للتعبير عن رفضهم لوجودهم، ووجود من يدعمهم في بلادنا، الكافر المستعمر. ويدعوهم أن تكون شعاراتهم تدعو إلى الحكم بالإسلام والخلافة، وأن لا يقبلوا أية شعارات علمانية ليبرالية، بل يأخذوا على يد من يروجها وينبذونه. ويدعوهم أيضًا لرفض التعاون مع الأنظمة ومشاركتها السياسة، فلا يقبلون بانتخاباتها، ولا يدخلون برلماناتها، ولا يسيرون معها، في أي مشروع سياسي تريده. فالوعي على مخططات الغرب والأنظمة هو رأس سنام الفكر والعمل للتغيير.
ثانيًا: يدعو الحزب أبناء الأمة الثائرين وقياداتهم السياسية إلى احتضان الجماعة أو الحزب الذي يدعوهم إلى دين الله والحكم بالإسلام، ممن يعمل معها ويصدق النصيحة لها، ويدعوها إلى صافي الإسلام، ويقف في خندق العداء مع حكامها ويكافحهم، ولم يتلوَّث عمله السياسي بمشاركة الأنظمة، ولم يقبل المال السياسي القذر، ذلك الحزب الذي أثبت قدرته السياسية، وجهوزيته لقيادتها من خلال دعوته لها دعوة الحق منذ أن قام فلم يتغير ولم يتبدل، ومن خلال تبنيه مصالحها، وإعداده لدستور متكامل جاهز للتطبيق في دولة الخلافة. إن حزب التحرير يدعو الأمة لأن تحتضنه، فهو الرائد الذي لم يكذبها يومًا ليقودها إلى خلافتها الراشدة الموعودة.
ثالثًا: يسير الحزب ويقود الأمة وكل ثوارها في دعوة أبناء الأمة، المخلصين في الجيوش للإطاحة بالأنظمة العميلة للمستعمر، وتسليم الحكم لأهله ونصرة الأمة لتطبيق الإسلام في خلافتها. ويدأب الحزب، يدعمه حراك الأمة، في هذا العمل حتى ينجح بإذن الله. مهما تأخر الوصول إلى الخلافة؛ لأنها ميقات من رب العالمين لا يخلفه، وهو يمتحن عباده ويعلمهم ليرى ثباتهم على الحق. ولعل في فشل الثورات إلى الآن خيرًا كبيرًا يصب في وعي الأمة ويحركها باتجاه التغيير الحقيقي الذي ينجيها.
أخيرًا نقول: إن ثورة الأمة سائرة ومتجددة، ولن يقف قطارها إلا في محطة الخلافة القادمة، بإذن الله، ووعد الله بالاستخلاف والتمكين يقرب ويقرب، فالإسلام بات أقوى من أن يصده صادٌّ، والأمة مهيأة اليوم لأن تقاد بالإسلام، ولا تحتاج إلا أهل نصرة مؤمنين، من جيوشها، لا يهابون إلا الله، لتلتحم إرادتهم بإرادة الأمة، وإرادة المؤمنين الصادقين الواعين، الذين يحملون دعوة رسولهم بحق، ويطمعون برضا ونصر الله لهم.
لقد آن الأوان لأن تدرك الأمة أن طريق التغيير الذي يدعوهم إليه حزب التحرير، هو الطريق الذي ينجيهم ويمكن لهم، ويستجلب نصر الله عز وجل، الطريق المنضبط والمنبثق عن الكتاب والسنة. وهو الطريق الذي يدأب أعداء الأمة لصرفها عنه، حتى يستمر تيهها، وهو الطريق الذي يصحح كل مفردات فشل وإفشال الثورات.
واليوم، وفي ظل حالة الغليان المكبوت، التي تعيشها شعوب الأمة الإسلامية، في انتظار لحظة الانفجار الكبير، فلا خلاص إلا بأن تلتفت الأمة إلى المشروع الحقيقي الوحيد الذي يرفعها ويعيد سيرتها الأولى، خير أمة أخرجت للناس، في دولتها، الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، وبذلك فقط يمكن للثورات أن تصحح مسارها، وأن تبلغ هدفها، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله…اللهم عجل لنا بها واجعلنا من جنودها وشهودها،قال تعالى:( يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسۡتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمۡ لِمَا يُحۡيِيكُمۡۖ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَقَلۡبِهِۦ وَأَنَّهُۥٓ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ ) [الأنفال: 24].
2019-05-19